عماد الحربي
2010-12-28, 09:25 PM
في ليلة فتية غابت شوائبها وصُفدت شياطينها وطاب جوها وحسن منظرها..جلسنا ونحن عدد أحجارالاثافي في زاوية غرفة جميلة المنظر ,متزنة الأركان متلألئة بالنور تفوح منها رائحة المسك كنسيم الصبا جاءت بريا القرنفل…على سرر موضونة وكراسي موضوعة واكواب منضده..وخضروات طازجة منضجة..قريبة المنال سهلة القبض يسيرة الإبتلاع .
فتناولنا الطعام وأكلنا فترهشفناه وتصببنا العصير فشربنا فتلهقمناه مطمئنين آمنين لانخاف إلا من رب العالمين.
فما أن شبعنا وقويت ظهورنا, وامتلأت بطوننا وأشتدت عضلاتنا..إنتقلنا من عالم اللقمة إلي عالم القمة ومن درج الكتان إلي درج الكتاب.
فتذاكرنا الأدب وملح نوادره والشعر وفنونه والتنقيح وأربابه والابتداع وضياعه…فدار بيننا جدال عنيف وحوار مرير أبدى فيه كل منا ما في وطابه وأظهر ما في جرابه ونضح ما في جعبته.
فكان منا من حقر نفسه وعاتب وغمص عصره وعاب ومال إلي السلف ولم يلتفت إلي الخلف..ومنا من رفع نفسه ولم يضع واعتز بزمانه وامتنع ولم يرض سوى التقدم والتنازع.
فلما طال المقام وراحت السكائن وارتفعت الزعازع وأقبل المنازع وعلت الزماجر..قفز ذو قامة طويلة وهيئة رثة..أشعث أغبر يتغزل في العدو ويترهوك في المشي إلي درج معلق في حائط الحُجَر منزلة اللحد من القبر.
فمدّ يده إلي الدرج وأخرج منه ورقة, ثم عاد إلي مجلسه وقعد في حاشيته وعليه ابتسامة نصره واضحوكة ظفره.
ثم قال: يا أخاير الذخائر إن الله يؤئد الدين بالسلطان ويذود اللغة بالتبيان ويفصل الجدال بالبرهان..فدونكم هذه الرسالة التي فيها جهد جهابذتكم وديوان أدبائكم وما أبرزته طوارف القرائح من العلم والملح..فاقرأوها وتصفحوها فعندها تدركون أنكم جرتم عن القصد جدا..ثم قولوا في شأنها وكونوا في حكمها عدولا ولا يجرمنكم شنئان قوم علي ألا تعدلوا.
فوثبنا إليه وثبة النمرعلي الغزالة وتلقفناها من يده تلقف الصقرقطعة اللحم..فإذاالمكتوب فيها "المقامة"! فناجتنا أنفسنا لعلها هي المقامة الحريرية أو الأصمعية بل الهمذانية وربما العائضية.. وما خطر في بالنا أنها من نسيج أقراننا وخياطة صُويحباتنا.
فدلفنا نتأملها سطرا بعد سطر حتي تذوقنا طعمها وتسرب إلينا خبرها.. فوقرت في قلوبنا الهيبة لأبي عذرها ومفتضّ بكارتها ومقتضب حلوها ومرها.
فتعهدنا على قرائتها وتقاسمنا مطالعتها ثم التعليق على محتواها والجزم علي فحواها؛ إذ لا يرتاح لنا قلب ولا يهدأ لنا بال حتي ننجز مما وعدنا.
ثم قرأنا رسالتكن الموشحة من جديد وتصفحنا مقالكن المحبر بادئ ذي بدء..فوجدنا أنكن سحبتن سحبان على التراب..وتفوقتن في ذلك الاتراب..فاصبحتن وصمة الفرقان ورائدات الأقران.
فما إن فتحنا رسالتكن حتي تلألأت جباهنا كانها قطعة قمر..ثم بدأناها من جديد فازداد شوقنا كأنه رُفع عنا الحظر.. وقرأناها فانتشر سرورنا كمن أوتي سعة في العلم والفكر. فما إن فرغناها حتي بدت ضواحكنا لشدة اللهج والتحير.
ثم نشرنا الورقة في وسط الحلقة وأحطنا عليها إحاطة الهالة بالقمر والأكمام بالثمر, فتساءلنا الحال والخبر, وتذاكرنا ما في الصحف من الوعظ والعبر, فماهية الرسالة والُسُطُر, وكيف نُسجت من الخيط والعنبر, ونجيت من الحصر وفضول الهذر, في وقت قلما سلم مكثار أو أُقيل له عثار.
فقال حكيم زمانه (هوجيط): إني لما فكرت في الأمر, وقلبته في الحدس والصدر, وتدبرت ما فيه من الفصاحة والعبر, تيقنت أنه فضل الله يؤتيه من يشاء ولن يُنال بثمين اللؤلؤ والجوهر.
وقال رائد زمانه (طل جيط): أن لكل قوم مزية ولكل مجال فتية, وهذه معجزة ربانية, ونعمة إلاهية, تزيد بالشكر وتنقص بالردى فاعترِفوها وخلدوها في الديوان والدفتر.
وقال فاقعة عصره(عرجيط): إن من البيان لسحراً ولعلها من صنيع الجن ونسيج العنفر, إذ يكاد يكون مستحيلاً في حق البشر, فأقرأوا عليها آيات رب المحشر, وغضوا أبصاركم عن هذا النُدْر واشتغلوا بالطاعة والنُذُر.
ثم تشاورنا في الأمر وتشاركنا في الرأي فعرفنا أننا قد جرنا عن القصد جدا.. وعلمنا بعد تفقد وتتبع استغرقا ردحاً من الدهر, أنها من صنيع البشر لاسيما من يرتدي الخمار والبرقع.
فعظم علينا ذلك, وأدركنا أنها آية من آيات الله ظهرت في أقلام بني البشر, إن لم تُشكر لامحالة تزول وتدبر.
فتسارعنا إلى حفظها, وتمنينا أن تكتبت بماء الذهب, وتكفى من شر اهل الشغب.. وقررنا على أن المتصدي لإنشاء مقامة بعدها كمن يرقم الماء المنهمر او يحاول الوصول إلي السماء بالسلم المسمّر.
واخيرا تفقدنا لها اسما في المعاجم وفتشنا لها لقبا في القوامس..فاخترنا لها اسم "المقامة التعهدية".
ودمتن في حفظ الله ورعايته.
فتناولنا الطعام وأكلنا فترهشفناه وتصببنا العصير فشربنا فتلهقمناه مطمئنين آمنين لانخاف إلا من رب العالمين.
فما أن شبعنا وقويت ظهورنا, وامتلأت بطوننا وأشتدت عضلاتنا..إنتقلنا من عالم اللقمة إلي عالم القمة ومن درج الكتان إلي درج الكتاب.
فتذاكرنا الأدب وملح نوادره والشعر وفنونه والتنقيح وأربابه والابتداع وضياعه…فدار بيننا جدال عنيف وحوار مرير أبدى فيه كل منا ما في وطابه وأظهر ما في جرابه ونضح ما في جعبته.
فكان منا من حقر نفسه وعاتب وغمص عصره وعاب ومال إلي السلف ولم يلتفت إلي الخلف..ومنا من رفع نفسه ولم يضع واعتز بزمانه وامتنع ولم يرض سوى التقدم والتنازع.
فلما طال المقام وراحت السكائن وارتفعت الزعازع وأقبل المنازع وعلت الزماجر..قفز ذو قامة طويلة وهيئة رثة..أشعث أغبر يتغزل في العدو ويترهوك في المشي إلي درج معلق في حائط الحُجَر منزلة اللحد من القبر.
فمدّ يده إلي الدرج وأخرج منه ورقة, ثم عاد إلي مجلسه وقعد في حاشيته وعليه ابتسامة نصره واضحوكة ظفره.
ثم قال: يا أخاير الذخائر إن الله يؤئد الدين بالسلطان ويذود اللغة بالتبيان ويفصل الجدال بالبرهان..فدونكم هذه الرسالة التي فيها جهد جهابذتكم وديوان أدبائكم وما أبرزته طوارف القرائح من العلم والملح..فاقرأوها وتصفحوها فعندها تدركون أنكم جرتم عن القصد جدا..ثم قولوا في شأنها وكونوا في حكمها عدولا ولا يجرمنكم شنئان قوم علي ألا تعدلوا.
فوثبنا إليه وثبة النمرعلي الغزالة وتلقفناها من يده تلقف الصقرقطعة اللحم..فإذاالمكتوب فيها "المقامة"! فناجتنا أنفسنا لعلها هي المقامة الحريرية أو الأصمعية بل الهمذانية وربما العائضية.. وما خطر في بالنا أنها من نسيج أقراننا وخياطة صُويحباتنا.
فدلفنا نتأملها سطرا بعد سطر حتي تذوقنا طعمها وتسرب إلينا خبرها.. فوقرت في قلوبنا الهيبة لأبي عذرها ومفتضّ بكارتها ومقتضب حلوها ومرها.
فتعهدنا على قرائتها وتقاسمنا مطالعتها ثم التعليق على محتواها والجزم علي فحواها؛ إذ لا يرتاح لنا قلب ولا يهدأ لنا بال حتي ننجز مما وعدنا.
ثم قرأنا رسالتكن الموشحة من جديد وتصفحنا مقالكن المحبر بادئ ذي بدء..فوجدنا أنكن سحبتن سحبان على التراب..وتفوقتن في ذلك الاتراب..فاصبحتن وصمة الفرقان ورائدات الأقران.
فما إن فتحنا رسالتكن حتي تلألأت جباهنا كانها قطعة قمر..ثم بدأناها من جديد فازداد شوقنا كأنه رُفع عنا الحظر.. وقرأناها فانتشر سرورنا كمن أوتي سعة في العلم والفكر. فما إن فرغناها حتي بدت ضواحكنا لشدة اللهج والتحير.
ثم نشرنا الورقة في وسط الحلقة وأحطنا عليها إحاطة الهالة بالقمر والأكمام بالثمر, فتساءلنا الحال والخبر, وتذاكرنا ما في الصحف من الوعظ والعبر, فماهية الرسالة والُسُطُر, وكيف نُسجت من الخيط والعنبر, ونجيت من الحصر وفضول الهذر, في وقت قلما سلم مكثار أو أُقيل له عثار.
فقال حكيم زمانه (هوجيط): إني لما فكرت في الأمر, وقلبته في الحدس والصدر, وتدبرت ما فيه من الفصاحة والعبر, تيقنت أنه فضل الله يؤتيه من يشاء ولن يُنال بثمين اللؤلؤ والجوهر.
وقال رائد زمانه (طل جيط): أن لكل قوم مزية ولكل مجال فتية, وهذه معجزة ربانية, ونعمة إلاهية, تزيد بالشكر وتنقص بالردى فاعترِفوها وخلدوها في الديوان والدفتر.
وقال فاقعة عصره(عرجيط): إن من البيان لسحراً ولعلها من صنيع الجن ونسيج العنفر, إذ يكاد يكون مستحيلاً في حق البشر, فأقرأوا عليها آيات رب المحشر, وغضوا أبصاركم عن هذا النُدْر واشتغلوا بالطاعة والنُذُر.
ثم تشاورنا في الأمر وتشاركنا في الرأي فعرفنا أننا قد جرنا عن القصد جدا.. وعلمنا بعد تفقد وتتبع استغرقا ردحاً من الدهر, أنها من صنيع البشر لاسيما من يرتدي الخمار والبرقع.
فعظم علينا ذلك, وأدركنا أنها آية من آيات الله ظهرت في أقلام بني البشر, إن لم تُشكر لامحالة تزول وتدبر.
فتسارعنا إلى حفظها, وتمنينا أن تكتبت بماء الذهب, وتكفى من شر اهل الشغب.. وقررنا على أن المتصدي لإنشاء مقامة بعدها كمن يرقم الماء المنهمر او يحاول الوصول إلي السماء بالسلم المسمّر.
واخيرا تفقدنا لها اسما في المعاجم وفتشنا لها لقبا في القوامس..فاخترنا لها اسم "المقامة التعهدية".
ودمتن في حفظ الله ورعايته.