|
الركن العام للمواضيع العامة يهتم بالمواضيع العامه ومناقشتها كما هو متنفس لجميع الأعضاء والزوار |
البحث في المنتدى |
بحث بالكلمة الدلالية |
البحث المتقدم |
الذهاب إلى الصفحة... |
![]() |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
![]() |
[11] |
عضو فضي
![]() |
![]() 3- (الفكر) يصبح أكثر تأثيراً وأشدّ فاعلية عندما يلتصق بشخصية ثرية علمياً...وقادرة خلقياً على ترك بصمات في وجدان المخاطَبين، ونفسيات المتلقّين. وكذلك كان الفيزيائي الفذ والمفكر المرموق البروفسور محجوب عبيد طه، فقد كان من الصعب على من عرفه وتعامل معه أن يفصل بين محجوب (الإنسان)، ومحجوب (المفكر)، ومحجوب (العالم). لقد كانت تلك المحاور الثلاثة تتمركز بحيوية حول شخصية ذلك الرجل النحيل الذي يأسرك - بادئ ذي بدء - بخلق رفيع ينطلق من الذات دون تكلّف، ويجذبك بتواضع أصيل لا تصنّع فيه، ثم إذا عرّجت معه على ساحات (الفكر العلمي) وفلسفته وتفاعلاته وجدت قمة شامخة تأبى إلا أن تساعدك بكل طريقة للصعود إلى بعض مشارفها. أما إذا دفعك الفضول لمتابعة شخصية هذا الرجل فسألت أهل الاختصاص -شرقاً أو غرباً - عن إسهاماته العلمية في مجال (الفيزياء النظرية) و(فيزياء الكون)، لجاءك الخبر اليقين عن قدرة ذهنية فذة في مجال (الرياضيات) التحمت مع فهم عميق لقضايا (الفيزياء)، وعطاء متدفق في ربوعها. من منطلقات محجوب الفكرية حرصه البالغ على إبراز (إنسانية) المنهج العلمي الذي طبّقت شهرته الآفاق، وأصبحت آثاره تمتد إلى كل ركن من أركان المعمورة، وتؤثر على كل منحى من مناحي الحياة. ذلك التفوق الباهر قاد إلى تصوّر يجعل معطيات (المنهج العلمي) مسلّمات خارجة عن نطاق تصورات الباحث وقناعاته وتحيزاته. ولكن محجوب يحرص على تفكيك أسس التحليل في (المنهج العلمي) وضبط أدواته للفصل بين (الحقائق والثوابت) في المنهج العلمي، وبـين (العقيدة) التي يحملها الباحث، ويفرض عبرها قناعاته الفردية على نتائج ومعطيات ذلك المنهج. لا شك عندي في أن شخصية محجوب المعجونة في التواضع العفوي، والغارقة في الزهد التلقائي، كان لها الأثر الأكبر على (فكره) فانطلق، بعد التمكّن من معطيات ذلك المنهج والتفوّق في أدواته، إلى تشخيصه وتمحيصه ومحاكمته من الداخل لينزل به من تلك المرتبة العليا التي بلغت (درجة التقديس) عند كثير من العلماء الطبيعيين، وانتشرت كالنار في الهشيم في (الثقافة الإنسانية المعاصرة). لم يكن ذلك (الموقف الانبهاري) ليتفق مع طبيعة محجوب وتصوّره العقدي وفهمه لخصائص الكون وطبائع البشر، ولذا فإنه اهتم بإبراز عورات (المنهج) و(إنسانيته)، ولذا كنت أقول له إنك أيضاً باتخاذ هذا المنحى تعكس في الواقع تركيبتك الشخصية وقناعاتك الفردية، وبالرغم من بعض التحفظات التي كنت أخوض معه فيها إلا أننا - في نهاية المطاف - ينبغي أن ندرك قوة المنطق وعمق الحجة في تحليل محجوب وتشريحه للمنهج العلمي – التجريبي. فـي تبريره وتفسيره لذلك الحرص على الفصل بين (الحقائق) و(العقائد) في (المنهج العلمي)، يقول محجوب – رحمه الله -: (ما يدفعني إلى الاهتمام بهذا الموضوع هو ملاحظتي أن كثيراً من المثقفين والعلميين يعتقدون بوجود اختلاف جوهري، أي اختلاف نوع لا اختلاف درجة، بين ماهية البرهان في العلم الطبيعي من ناحية، وفي كافة اهتمامات الناس الاجتماعية والسياسية والعقائدية من ناحية أخرى. هذا ليس صحيحاً، ولنأخذ الدوريات العلمية والصحف السيارة. المجتمع العلمي يُلزم العاملين فيه بتقاليد صارمة للنشر، منها إخضاع العمل للتقويم والتحكيم قبل نشره، ولذلك فإن ما يُنشر يمثل في الغالب مجهوداً عُـبّر عن محتواه ودلالته وأهميته تعبيراً أميناً، بُني على التدقيق والتمحيص والنظر في الأعمال السابقة ذات الصلة بموضوعه. وبسبب أن المجتمع الصحفي لم ينجح في إلزام العاملين فيه بمثل هذه الضوابط، نجد أن كثيراً مما تنشره الصحف السيارة يفتقر إلى الدقة والأمانة والإنصاف، ولا يعدو أن يكون تعبيراً عن وجهة نظر فردية قد لا تخلو من الغرض والظن). بعد إقرار تلك الفروق بين (النشر العلمي) و(النشر الصحفي) التي تبدو وكأنها مدخل إلى إبراز (تمييز نوعي) بين مجالين مختلفين، فإن محجوب يفاجئنا ليقول: (غير أن هذا الاختلاف بين ضوابط النشر في الدوريات المحكمة وفي الصحف السيارة لا يشكّل اختلافاً في ماهية البرهان في المجالين. البرهان المطلوب في الحالين هو ما تحصل به القناعة. وكثير من علماء الاجتماع يبنون تحليلاتهم على معلومات دقيقة وتقارير مفصّلة، حُـصّلت بعد عمل مضن، ويتوصّلون إلى أراء وملاحظات محايدة وأمينة ينشرونها في دوريات محكمة. مثل هذه الأعمال طابعها الجدية والحرص والتأني، ولا يكاد بفصلها عن بحوث العلوم الطبيعية إلا اختلاف الموضوع إذ لا يتاح في علم الاجتماع ما يتاح في العلم التجريبي من تجزئة النظام، وفصل المتغيرات، وتكرار التجريب، وإزالة آثار البيئة وضوضائها). وهكذا يضع محجوب إصبعه على الفارق الرئيس بين ماهية (البرهان) في (العلم الطبيعي) وماهيته في (العلوم الإنسانية)، ويقول: (بسبب هذا الاختلاف في طبيعة الموضوع لم تتمكّن العلوم الإنسانية، مثل علم الاجتماع وعلم السياسة، من تحقيق التطوّر المذهل الذي تحقق في العلوم التجريبية، وظلّ تأثيرها على ما يليها من حياة الناس ضعيفاً). وقد نتفق أو لا نتفق مع محجوب في كون هذا الاختلاف (اختلاف نوع) أو (اختلاف درجة) إلا أن محجوب يواصل طرحه، ويفنّد مرئياته قاصداً بذلك: (تبيان أن ادّعاء البعض بوجود اختلاف جوهري في ماهية البرهان بين العلم وسواه، من كافة اهتمامات الناس في حياتهم وعقائدهم، ادّعاء باطل لا يقوم عليه دليل). إزاء النقلات الكبرى والانقلابات الجذرية التي أحدثها (المنهج العلمي) في حياة البشر، فإن (الانبهار) بالمنهج العلمي أصبح معلماً بارزاً من معالم (الفكر المعاصر)، وهنا يتدخّل محجوب ليؤكّد - مراراً وتكراراً - أن ذلك (الانبهار) يجب أن يخضع للتحليل والمراجعة والتشخيص، وليُـبرز (إنسانية) العمل العلمي وخضوعه لمقاييس البشر وقصورهم، فـيقول: (إنـنا يجب أن ندرك هذه السمة المهمة في الكتابة العلمية: إنها تعكس عقائد فلسفية خفية للباحثين والمؤلفين لا تقتضيها بالضرورة النتائج التجريبية التي يكتبون عنها. مـتى ما أدركنا هذا سهل علينا أن نتابع ما يُكتب وما يُقال بحذر وتدقيق. ومع الزمن يمكن أن يكتسب المرء خبرة كافية تمكّنه من استيعاب المادة العلمية البحتة فيما يقرأه، وأن يتعرّف على فلسفة الكاتب وعقيدته في آن واحد، ومن خلال النص ذاته، دونما أي خلل). تـُرى ما الذي يشغل بال محجوب، ويحتلّ عقله ووجدانه ليجعله يضفي على هذا الطرح مساحة واسعة من التحليل والتفنيد والحجج؟. هل هو خوفه من أن يقوم البعض بدسّ السم في العسل؟. |
![]() |
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
الكلمات الدلالية (Tags) |
مدينة, عتدي ![]() |
انواع عرض الموضوع |
![]() |
![]() |
![]() |
|
|