البحث في المنتدى |
بحث بالكلمة الدلالية |
البحث المتقدم |
الذهاب إلى الصفحة... |
![]() |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
![]() 2 من 4الحمد لله وحده، والصﻼة والسﻼم على من ﻻ نبي بعده، أما بعد: فلما كان الصبر نصف اﻹيمان، وخلقاً فاضﻼً من أخﻼق النفس، وقائداً للنفس إلى طاعة الله، صارفاً لها عن معصيته، كان ضرورياً أن نبين حقيقته وفضله وأنواعه ومراتبه وحال الناس معه، واﻷمور التي تقدح فيه وتنافيه، في وقت كثرت فيه المصائب، وعمت الفتن، وزادت الشبهات، وأصبح القابض على دينه كالقابض على الجمر، وصارت حاجة الناس إلى الصبر ﻻ تقل عن حاجتهم إلى الطعام والشراب. فنسأل الله تعالى أن يرزقنا الصبر على طاعته، الصبر عن معصيته، والصبر على قضائه وقدره، إنه ولي ذلك والقادر عليه. حقيقة الصبر وحال الناس معه: الصبر هو حبس النفس عن الجزع، واللسان عن الشكوى، والجوارح عن لطم الخدود وشق الثياب ونحوهما. وهو خُلق فاضل من أخﻼق النفس، يُمتنع به من فعل ما ﻻ يُحسن وﻻ يَجْمُل. وهو قوة من قوى النفس التي بها صﻼح شأنها وقوام أمرها. وقيل: ( هو المقام على البﻼء بحسن الصحة كالمقام مع العافية ). ومعنى هذا أن لله على العبد عبودية في عافيته وفي بﻼئه، فعليه أن يحسن صحبة العافية بالشكر، وصحبة بﻼء بالصبر. وسئل عنه الجنيد فقال: ( هو تجرع المرارة من غير تعبس ). وقال ذو النون: ( هو التباعد عن المخلفات، والسكون عند تجرع غصص البلية، وإظهار الغنى مع حلول الفقر بساحات المعيشة( . والصبر للنفس بمنزلة الخطام والزمام، فهو الذي يقودها في سيرها إلى الجنة أو النار، فإن لم يكن للمطية خطام وﻻ زمام شردت في كل مذهب. وحُفظ عن بعض السلف قوله: اقدعوا هذه النفوس فإنها طلعة إلى كل سوء ) أي: كُفُوها عما تتطلع إليه من الشهوات. فرحم الله امرأً جعل لنفسه خطاماً وزماماً فقادها بخطامها إلى طاعة الله، وصرفها بزمامها عن معاصي الله، فإن الصبر عن محارم الله أيسر من الصبر على عذابه. فحقيقة الصبر إذن أن يجعل العبد قوة إقدامه مصروفة إلى ما ينفعه، وقوة إحجامة إمساكاً عما يضره. أما عن حال الناس مع الصبر: فمنهم من تكون قوة صبره على فعل ما ينتفع به أقوى من صبره عما يضره؛ فيصبر على مشقة الطاعة وﻻ صبر له عن دواعي هواه إلى ارتكاب ما نُهي عنه. ومنهم من تكون قوة صبره عن المخلفات والمعاصي أقوى من صبره على مشقة الطاعات. ومنهم من ﻻ صبر له على هذا وﻻ على ذاك. فكثير من الناس يصبر على مشقة الصيام في الحر وفي مشقة قيام الليل في البرد، وﻻ يصبر عن نظرة محرمة. وكثير منهم يصبر عن النظر إلى المحرمات وعن اﻻلتفات إلى الصور العارية، وﻻ صبر له على اﻷمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجهاد الكفار والمنافقين، بل هو أضعف شيء عن هذا. وأكثرهم ﻻ صبر له على واحد من اﻷمرين، وأقلهم أصبرهم في الموضعين، ولهذا قيل: ( الصبر ثبات باعث العقل والدين في مقابلة باعث الهوى والشهوة.( فضل الصبر: للصبر فضائل كثيرة منها: أن الله يضاعف أجر الصابرين على غيرهم، ويوفيهم أجرهم بغير حساب، فكل عمل يُعرف ثوابه إﻻ الصبر، قال تعالى: إنَمَا يُوَفَى الصَابِرُونَ أجّرَهُم بِغَيرٍ حِسابٍ [الزمر:10]. وأن الصابرين في معية الله، فهو معهم بهدايته ونصره وفتحه، قال تعالى: إنّ الله مَعَ الصّابِرينَ [البقرة:153]. قال أبو على الدقاق: ( فاز الصابرون بعز الدارين ﻷنهم نالوا من الله معية.( وأخبر سبحانه عن محبته ﻷهله فقال: وَاللّهُ يُحِبُ الصّابِرِينَ [آل عمران:146] وفي هذا أعظم ترغيب للراغبين. وأخبر أن الصبر خير ﻷهله مؤكداً ذلك باليمين فقال سبحانه: وَلَئِن صَبَرتُم لَهُوَ خَيرٌ لِلصَابِريِنَ [النحل:126]. وجمع الله للصابرين أموراً ثﻼثة لم يجمعها لغيرهم وهي: الصﻼة منه عليهم، ورحمته لهم، وهدايته إياهم، قال تعالى: وَبَشّرِ الصّابِرينَ (155) الّذِينَ إذَآ أصَا بَتتهُم مُصِيَبَةٌ قَالُوا إنّا للهِ وَإنّآ إلَيهِ راجِعُونَ (156) أُولئِكَ عَلَيهِم صَلَواتٌُ مِن رّبِهِم وَرَحمَةٌ وَأولئِكَ هُمُ المُهتَدُونَ [البقرة:155-157]. وقال بعض السلف وقد عُزِي على مصيبة وقعت به: ( مالي ﻻ أصبر وقد وعدني الله على الصبر ثﻼث خصال، كل خصلة منها خير من الدنيا وما عليها ). ومنها أيضاً أن الله علق الفﻼح في الدنيا واﻵخرة بالصبر، فقال: يآأيُهَا الّذِينَ ءَامَنُوا اصبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتّقُوا اللّهَ لَعَلَكُم تُفلِحُونَ [آل عمران:200] فعلق الفﻼح بمجموع هذه اﻷمور. واستقصاء جميع فضائل الصبر يطول، وسيأتي مزيد عند الحديث عن الصبر في القرآن والسنة. أنواع الصبر: أنواع الصبر ثﻼثة كما قال أهل العلم وهي: صبر على طاعة الله، وصبر عن معصية الله، وصبر على أقدار الله. ومرجع هذا أن العبد في هذه الدنيا بين ثﻼثة أحوال: بين أمر يجب عليه امتثاله، وبين نهي يجب عليه اجتنابه وتركه، وبين قضاء وقدر يجب عليه الصبر فيهما، وهو ﻻ ينفك عن هذه الثﻼث ما دام مكلفاً، وهو محتاج إلى الصبر في كل واحد منها. وهذه الثﻼثة هي التي أوصى بها لقمان ابنه في قوله: يَابُنَي أقِمِ الصَﻶةَ وَأمُر بِالمَعرُوفِ وَانهَ عَنِ المُنكَرِ وَاصبِر عَلَى مَآأصَابَكَ [لقمان:17]. باﻹضافة إلى أن الصبر في اللغة هو الحبس والمنع، فيكون معناه حبس النفس على طاعة الله، وحبس النفس ومنعها عن معصية الله، وحبس النفس إذا أصيبت بمصيبة عن التسخط وعن الجزع ومظاهره من شق الجيوب ولطم الخدود والدعاء بدعوى الجاهلية. أما الصبر على الطاعات فهو صبر على الشدائد؛ ﻷن النفس بطبعها تنفر عن كثير من العبادات، فهي تكره الصﻼة بسبب الكسل وإيثار الراحة، وتكره الزكاة بسبب الشح والبخل، وتكره الحج والجهاد لﻸمرين معاً، وتكره الصوم بسبب محبة الفطر وعدم الجوع، وعلى هذا فقس. فالصبر على الطاعات صبر على الشدائد. والعبد يحتاج إلى الصبر على طاعته في ثﻼث أحوال: اﻷولى: قبل الشروع في الطاعة بتصحيح النية واﻹخﻼص وعقد العزم على الوفاء بالمأمور به نحوها، وتجنب دواعي الرياء والسمعة، ولهذا قدم الله تعالى الصبر على العمل فقال: إﻻ الّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصا لِحاتِ [هود:11]. الثانيه: الصبر حال العمل كي ﻻ يغفل عن الله في أثناء عمله، وﻻ يتكاسل عن تحقيق آدابه وسننه وأركانه، فيﻼزم الصبر عند دواعي التقصير فيه والتفريط، وعلى استصحاب ذكر النية وحضور القلب بين يدي المعبود. الثالثة: الصبر بعد الفراغ من العمل، إذ يحتاج إلى الصبر عن إفشائه والتظاهر به للرياء والسمعة، والصبر عن النظر إلى العمل يعين العجب، والصبر عن اﻹتيان بما يبطل عمله ويحيط أثره كما قال تعالى: ﻻَ تُبطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالمَنِ وَاﻷذَى [البقرة:264] فمن ﻻ يصبر بعد الصدقة عن المن واﻷذى فقد أبطل عمله. فالطاعة إذن تحتاج إلى مجاهدة وصبر، ولهذا قال النبي صلى الله عليه و وسلم: { حفت الجنة بالمكاره.. } [رواه مسلم] أي باﻷمور التي تشق على النفوس. وأما الصبر عن المعاصي فأمره ظاهر، ويكون بحبس النفس عن متابعة الشهوات، وعن الوقوع فيما حرم الله. وأعظم ما يعين عليه ترك المألوف، ومفارقة كل ما يساعد على المعاصي، وقطع العادات، فإن العادة طبيعة خاصة، فإذا إنضمت العادة إلى الشهوة تظاهر جندان من جند الشيطان على جند الله، فﻼ يقوى باعث الدين على قهرهما. ولهذا قال النبي صلى الله عليه، وسلم: {.. وحفت النار بالشهوات } وذلك ﻷن النفوس تشتهيها وتريد أن تقتحم فيها، فإذا حبس اﻹنسان نفسه عنها وصبر على ذلك كان ذلك خيراً له. وأما الصبر على البﻼء فقد قال الله تعالى: وَلَنَبلُوَنّكُم بِشَىءٍ مِنَ الخَوفِ وَالجُوعِ وَنَقصٍ مِنَ اﻷموَالِ وَاﻷَنفُسِ وَالثّمَراتِ وَبَشِرِ الصّابِرينَ [البقرة:155]. ويكون هذا الصبر بحبس اللسان عن الشكوى إلى غير الله تعالى، والقلب عن التسخط والجزع، والجوارح عن لطم الخدود وشق الجيوب ونحوها. فالصبر من العبد عند وقوع البﻼء به هو اعتراف منه لله بما أصاب منه واحتسابه عنده ورجاء ثوابه، فعن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه و وسلم: { إذا أصاب أحدكم مصيبة فليقل: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم عندك أحتسب مصيبتي فأجرني فيها، وأبدل لي بها خيراً منها } [رواه أبو داود]. فلما احتضر أبو سلمة قال: ( اللهم اخلفني في أهلي خيراً مني ). فلما قبض قالت أم سلمة: ( إنا لله وإنا إليه راجعون، عند الله أحتسب مصيبتي ). فانظر عاقبة الصبر واﻻسترجاع ومتابعة الرسول والرضا عن الله إلى ما آلت إليه. ونالت أم سلمه نكاح أكرم الخلق على الله محمد صلى الله عليه و وسلم. مراتب الصبر: وهي ثﻼثة كما ذكر ابن القيم رحمه الله: اﻷولى: الصبر بالله، ومعناها اﻻستعانة به، ورؤيته أنه هو المُصيّر، وأن صبر العبد بربه ﻻ بنفسه، كما قال تعالى: وَاصبِر وَمَا صَبرُكَ إﻻ بِاللّهِ [النحل:127] يعني: إن لم يُصبرك الله لم تصبر. الثانية: الصبر لله، وهو أن يكون الباعث له على الصبر محبة الله تعالى، وإرادة وجهه والتقرب إليه، ﻻ ﻹظهار قوة نفسه أو طلب الحمد من الخلق، أو غير ذلك من اﻷغراض. الثالثة: الصبر مع الله، وهو دوران العبد مع مراد الله منه ومع أحكامه، صابراً نفسه معها، سائراً بسيرها، مقيماً بإقامتها، يتوجه معها أينما توجهت، وينزل معها أينما نزلت، جعل نفسه وقفاً على أوامر الله ومحابه، وهذا أشد أنواع الصبر وأصعبها، وهو صبر الصديقين. قال الجنيد: ( المسير من الدنيا إلى اﻵخرة سهل هين على المؤمن، وهجران الخلق في جنب الله شديد، والمسير من النفس إلى الله صعب شديد، والصبر مع الله أشد ). الصبر في القرآن: ذكر ابن القيم رحمه الله كثيراً من المواضع التي ورد بها الصبر في القرآن الكريم، ونقل عن اﻹمام أحمد رحمه الله قوله: ( ذكر الله سبحانه الصبر في القرآن الكريم في نحو تسعين موضعاً ) ونحن نذكر بعض اﻷنواع التي سيق فيها الصبر في القرآن الكريم ومنها: (1 اﻷمر به كقوله تعالى: وَاصبِر وَمَا صَبُركَ إﻻ بِاللّهِ [النحل:1 |
مواقع النشر (المفضلة) |
الكلمات الدلالية (Tags) |
الصصصبر, فضل ![]() |
انواع عرض الموضوع |
![]() |
![]() |
![]() |
|
|