هناك شريحة من أبناء هذا الوطن الغالي استنزفت على مدى عقود متتالية من الزمن ، وبعد سنين طويلة من الخدمة التي يقدمونها يزحف التقاعد إلى حياتهم كشبحٍ يقضّ سريرتهم ويملأ أفكارهم بتساؤلات غائية عن طبيعة الم...ستقبل ، لكن رد الفعل يختلف ما بين إنسان وآخر تبعاً لخصائص شخصيته ، فيدخل إلى عالم آخر مليء بالراحة أو الألم أو الفراغ ؛ فإن إحالة الشخص إلى التقاعد ، يشعره بتدني قيمته الاجتماعية والمعنوية ،فبلوغ الإنسان سن التقاعد له تأثيرات سلبية على حياته الجسدية والنفسية والاجتماعية ، وذلك لارتباط هذه المرحلة بوصول الشخص إلى سن الشيخوخة ، التي قد لا تسمح له من الناحية الجسمية بالحيوية نفسها والعطاء الذي كان عليهما من قبل ، ويشعر بالضعف الجسدي ، وفقدان النشاط البدني ، يضاف إلى ذلك عجزه عن التقاط المعلومات بالسرعة المطلوبة . وهذا يتطلب منا جميعا توفير وتحقيق الصحة النفسية للمتقاعد ، والتي تعني التوافق أو التكامل بين الوظائف الإنسانية المختلفة ، والقدرة على مواجهة الأزمات النفسية التي تطرأ عليه مع الإحساس الإيجابي بالسعادة ،كما يحتاج منا المساهمة في التكيف بين المتقاعد ونفسه ، وبينه وبين العالم الخارجي . والإجابة على معضلة كيف يعيش المتقاعد حياته بعد التقاعد ؟ وما هي الأجواء المحيطة بهذا الفرد الذي أفنى سنين عمره في الخدمة ؟ وما هي الخدمات والبرامج التي تقدمها أجهزة الدولة والمؤسسات المعنية لهم ؟
وأيضاً كيفية توفير التهيئة المناسبة لبلوغ سن التقاعد ؟
كل هذا يأتي عبر الانخراط في قنوات اجتماعية ينشط فيها المتقاعد وتمنحه فرصة جديدة لوضع إطار جديد لحياته خلال هذه المرحلة ، والاقتداء بتجارب الدول الأخرى في هذا الإطار ، وذلك من خلال تأسيس جمعيات مدنية للمتقاعدين ، وتوفير لهم مقر للالتقاء تضمن لهم مزاولة أنشطة لها ارتباط بسنهم .
وقد نشأت مثلا في الغرب جمعيات لتهيئة العامة لقبول المتقاعدين وبذل الجهد في دراسة كل ما يتعرّضون له بعد ما قدموا في حياتهم من خدمات جليلة، وإرشادهم إلى قضاء ما عندهم من فراغ، حتى لا يتسرب إليهم الملل، ويضجروا ممن حولهم، حيث ترشدهم هذه الجمعيات إلى طرق لتمضية وقتهم مثل ممارسة الرياضة، حتى يَشعر المتقاعد بقيمته في المجتمع، وبأن ما قدمه من خدمات لم يذهب أدراج الرياح..
يمكننا أن نستفيد من خبرات وكفاءة المتقاعدين بأن يكونوا مستشارين نكتسب من خبراتهم في مختلف المجالات وذلك من خلال التواصل معهم كلا في مجاله وبذلك نقضي على فراغ المتقاعد وملئه بما يفيد ونستفيد من طاقاتهم الفكرية والعلمية في تنمية وتطوير ما نحتاج إليه في المجالات المختلفة.