نصف المتقدمين إلى وظيفة التعليم لم يُقبلوا لأنهم أخفقوا في امتحان القياس. ليس لديهم الكفايات الملائمة لهذه الوظيفة. أكثر من سبعة آلاف خريج جامعي أمضوا أربع سنوات لتهيئتهم معلمين تجاوزوها بنجاح وخلال هذه السنوات أجروا التطبيق بالتدريس للطلاب وهذا تطبيق هام يحدّد صلاحية معلم المستقبل من عدمها، ويقف فيها المشرف ليس على المستوى العلمي ولكن أيضا على المهارات والفنيات المطلوبة لإتمام مهنة التدريس على وجهها الذي ينبغي أن تكون عليه.
لكن هذا التطبيق وسنوات الدراسة والتتويج بشهادة التخرّج؛ مصداق الجدارة للانتساب إلى عالم هذه المهنة الشريفة، لم تشفع وليس لها قيمة في الميزان. هناك اختبار آخر مُركّز، في زمن وجيز يتبيّن الصالح من الطالح. من يجدر بنا أن نفتح له أبواب مدارسنا ونسلمه الأمانة ومن نغلق أمامه الباب ونصرفه إلى تدبّر أمره لأن "الكاشف العظيم" أثبت بما لا يدع مجالا للشك بخطره على التعليم وعلى مستقبل أبنائنا. وكأن هذا الخاضع للكشف والقياس لم يدرس في الجامعة طبقا لما وضع من مقررات ومناهج وتدريبات، وكأنه قبلا أيضا لم يمر بكاشف القدرات والتحصيل. أوليناه الثقة ومنحناه فرصة التعلم، وأجرينا له التأهيل على مدى فصل دراسي كامل. ثم في دقائق نصفق في وجهه الباب ونصفعه بكلمة أنت لا تصلح وغير جدير بما أعددناك له.
من يتحمّل هذا الخطأ الشنيع؟ المتخرج بيده الشهادة والتقدير والإجازة الرسمية بممارسة مهمة التدريس ولا يجد الوظيفة. ما هذه العراقيل والحواجز التي تنتصب أمامه لحرمانه من الوظيفة التي أرادها ووافقنا له عليها، وجرى صرف المبالغ الطائلة للإعداد لها؟ هل يذهب كل ذلك هدرا؟ وعلى المتخرج أن يبحث عن باب آخر للوظيفة. إذا قال كاشفنا العظيم إنه لا يصلح لأمرٍ أنفق فيه أربع سنوات، كيف يصلح لأمر آخر؟
غير أن في الموضوع خللا لا علاقة له بالجدارة وبالاستحقاق، له علاقة بالتخبط حين نعدّ فرداً لوظيفة، ثم حيرتنا في الأمكنة الكافية لشغل هذه الوظيفة؛ فيظهر لنا اختراع الكفاية؛ طريقة يقال إنها مهذّبة للإقناع والصرف. غير أن المشكلة تتراكم وتتفاقم على رصيف البطالة، ومتفجّرة الإحباط تتضخّم، وما يزال مركز القياس والتقويم يعمل بهمّة و"استقتال" في منع الوظيفة والدراسة عن مستحقيها. ولا عشنا.. وعااااش القياس.