معاشر الأحبة في الله نعيش هذه الايام أجواء ممطرة جميلة ولي مع تلك الأجواء وقفات :
الوقفة الأولى:
مع عظيم رحمة الله بنا فكم من أشهر مرت علينا ونحن نتمنى قطرة ماء تنزل من السماء فلم يحدث،ثم إذا بالكريم يمطرنا هذه الأيام المتواليات فصدق الله حيث يقول :{وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ(28)}(الشورى) ،وحينما يتأمل المرء ما الذي تغير في المجتمع حتى تنزل هذه النعمة؛هل انتهى المرابون عن أكل الربا؟هل انتهى من يسمعون الغناء عن السماع؟هل انتهى من يتركون الصلوات في الجماعات والمساجد عن تركها وأقبلوا على الصلاة مع الجماعة؟ هل قام أصحاب الدشات إلى دشاتهم فأخرجوها من بيوتهم واستبدلوا فحشها وفجورها بالذكر وتلاوة القرآن؟ هل انتهى المدخنون عن تدخينهم؟هل تحجبت النساء السافرات وسترن عوراتهن؟هل وصل ذو الأرحام أرحامهم؟ هل أحسن الجيران إلى جيرانهم؟هل أدى أهل الزكاة زكاة أمولهم؟فإن كان ذلك أو بعضه فالحمد لله وإن لم يكن فلا حول ولا قوة إلا بالله،ونحمده سبحانه أن لم يمنع عنا بذنوبنا فضله وقطره وهو القائل:{ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ(61)}النحل والقائل:{وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا(45)}فاطر .نحمده سبحانه ونشكره أن جعلها سقيا رحمة ولم يجعلها سقيا هدم ولا غرق وإلا فقوم نوح لما كذبوا مما عذبوا به أن أرسل الله عليهم مطراً عظيماً وتفجرت الأنهار من تحتهم حتى بلغ الماء قمم الجبال فأغرق الكافرين سبحانه بقدرته وأنجى المؤمنين ،
الوقفة الثانية:
مع ما تميزت به الأمطار الأخيرة من أصوات قعقعة الرعد الشديدة حتى إن القلب ليهتز والجلد ليقشعر ويفزع الأطفال الصغار من شدة تلك الأصوات،واسمعوا معي إلى أصحاب القلوب الحية كيف ينظرون إلى تلك الحال،خرج عمر بن عبد العزيز مع سليمان بن عبد الملك إلى الحج فأصابهم مطر شديد ورعد وبرق فقال سليمان وكان الخليفة لعمر:هل رأيت مثل هذا يا أبا حفص؟ فقال:يا أمير المؤمنين هذا في حين رحمته،فكيف في حين غضبه؟ واليوم ترى الشاب في وسط تلك الأمطار وأصوات الرعد والصواعق وقد رفع صوت الغناء والموسيقى بسيارته يتنقل بها مستمتعاً بالجو،وترى الأسرة التي اطمأنت إلى جدران بيتها فجلست تتابع فحش القنوات دون أن تؤثر فيها تلك الأصوات شيء،بل لقد رأيت بأم عيني منظراً عجيباً كنت في أحد الأيام الماضية في جنازة وخرجنا بالجنازة قبيل صلاة المغرب والمطر منهمر وأصوات الرعد والصواعق تهز القلوب وإذا بي أرى امرأة بكامل زينتها واقفة في شرفة المنزل دون أي نوع من الحجاب تستمع بالمطر،فقلت في نفسي سبحان الله إذا لم يهتز قلب تلك المرأة لهذه الأصوات المفزعة فأين هي من منظر الموت الذي تمثله الجنازة التي مرت من أمام ناظريها؟ أما خشيت تلك المسكينة أن تسقط عليها صاعقة من السماء فتحرقها وهي على حالها؟ فبأي حجة تقابل ربها؟.المرء المسلم إذا سمع صوت الرعد تذكر قول العظيم سبحانه :{ وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ(13)}الرعد،فيعظم الله في قلبه فيترجم ذلك تسبيحاً وتقديساً له .
الوقفة الثالثة:
مع التقلب الذي رأه الإنسان حيث يصبح والدنيا مشمسة مضيئة و الحرارة مرتفعة وفي لحظات إذا بالغيوم تحجب الشمس ، وننتقل من حال الجفاف إلى حال الرطوبة،وإذا بكل ما حولك من أجواء قد تغير،هذا التقلب فيه عبرة لأولي الأبصار ففيه درس أن هذه الدنيا لا تدوم على حال وأنها متقلبة بأهلها وهي عبرة تتكرر يومياً بغير المطر فيأتيك بعد ضوء النهار وحركته هدوء الليل وهجعته ، وفيه درس يومي بانتقال المرء من الدنيا وبهرجها وزينتها للقبر وظلمته ووحشته وقد بين لنا الباري جلت قدرته ذلك في كتابه حيث قال:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ(164)}البقرة،فيه درس أن لا يغتر ذا الصحة بصحته ولا ذا المال بماله ولا ذا الجاه بجاهه،فيه درس لكل من يعيش حال رخاء ونعمة أن يستغلها في طاعة المولى جلت قدرته قبل أن يبدل عليه الحال،فيه درس أن لا يغتر العبد المؤمن بهذه الدنيا وبهرجها فهي زائلة لا محالة .أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:{أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ(43)}النور.