قال الحسن رضي الله عنه: « أربع من كنّ فيه عصمه الله من الشيطان، وحرّمه على النار : من ملك نفسه عند الرغبة ، والرهبة ، والشهوة ، والغضب » . أخرجه أبو نعيم في الحلية(2/144) .
قال ابن رجب رحمه الله : « فهذه الأربع التي ذكرها الحسن هي مبدأ الشرّ كله،
فإنّ الرغبة في الشيء : هي ميل النفس إليه لاعتقاد نفعه، فمن حصل له رغبة في شيء، حملته تلك الرغبة على طلب ذلك الشيء من كل وجه يظنه موصلاً إليه، وقد يكون كثير منها محرماً، وقد يكون ذلك الشيء المرغوب فيه محرماً .
والرهبة : هي الخوف من الشيء ، وإذا خاف الإنسان من شيء تسبب في دفعه عنه بكل طريق يظنه دافعاً له، وقد يكون كثير منها محرماً .
والشهوة : هي ميل النفس إلى ما يلائمها، وتلتذ به، وقد تميل كثيراً إلى ما هو محرم كالزنا والسرقة وشرب الخمر، بل وإلى الكفر والسحر والنفاق والبدع .
والغضب : هو غليان دم القلب طلباً لدفع المؤذي عند خشية وقوعه، أو طلباً للانتقام ممن حصل له منه الأذى بعد وقوعه، وينشأ من ذلك كثير من الأفعال المحرمة كالقتل والضرب وأنواع الظلم والعدوان، وكثير من الأقوال المحرمة كالقذف والسب والفحش، وربما ارتقى إلى درجة الكفر، كما جرى لجبلة بن الأيهم (كان مسلماً ثم ارتد نصرانياً وقصته مختصرة انه كان من ملوك الغساسنة فأسلم في عهد عمر ، ثم قدم للحج وفي أثناء الطواف داس إزاره أعرابي فسقط عنه ، فلطمه جبلة لطمة هشمت انفه فلما شكى هذا الاعرابي ما فعله به جبلة الى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، امره إما ان يرضي الاعرابي او يقتص منه فغضب جبلة هذا وقال كيف وانا ملك وهذا عبد من العبيد ، فاخبره عمر ان الاسلام ساوى بين الناس وانه لا مناص من احد الامرين ، فطلب جبلة من عمر مهلة للتفكير وفي الليل هرب جبلة وعاد الى الشام وتنصر ومات نصرانيا نعوذ بالله من الخذلان)، وكالأيمان التي لا يجوز التزامها شرعاً، وكطلاق الزوجة الذي يعقب الندم .
والواجب على المؤمن أن تكون شهوته مقصورة على طلب ما أباحه الله له، وربما تناولها بنيّة صالحة، فأثيب عليها، وأن يكون غضبه دفعاً للأذى في الدِّين له أو لغيره وانتقاماً ممن عصى الله ورسوله، كما قال تعالى : ﴿ قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ(14)وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 14-15]
وهذه كانت حال النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فإنه كان لا ينتقم لنفسه، ولكن إذا انتُهِكَت حرمات الله لم يقم لغضبه شيء » .
جامع العلوم والحكم لابن رجب (ص:147،148) نقلاً عن الموسوعة الشاملة .