|
الركن العام للمواضيع العامة يهتم بالمواضيع العامه ومناقشتها كما هو متنفس لجميع الأعضاء والزوار |
البحث في المنتدى |
بحث بالكلمة الدلالية |
البحث المتقدم |
الذهاب إلى الصفحة... |
![]() |
|
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
![]() شبهات حول المولد النبوي 1‑ الشبهة الأولى: قال السيوطي ‑رحمه الله‑: «وقد استخرج له ‑أي المولد‑ إمام الحُفَّاظ أبو الفضل أحمد بن حجر ‑العسقلاني‑ أصلًا من السنة، واستخرجت له أنا أصلًا ثانيًا... وقد سُئل شيخ الإسلام حافظ العصر أبو الفضل أحمد بن حجر ‑العسقلاني‑ عن عمل المولد؟ فأجاب بما نصه: «أصل عمل المولد بدعة لم تُنقَل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة، ولكنها مع ذلك قد اشتملت على محاسن وضدها، فمَن تَحرَّى في عملها المحاسن، وتَجنَّب ضدها؛ كان بدعة حسنة، وإلا فلا. قال: وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت وهو: ما ثبت في الصحيحين من «أن النبي ‑صلى الله عليه وسلم‑ قدم المدينة، فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فسألهم؟ فقالوا: هو يوم أغرق الله فيه فرعون، ونَجَّى موسى، فنحن نصومه شكرًا لله تعالى». فُيستفاد منه: فعل الشكر لله على ما مَنَّ به في يوم معين مِن إسداء نعمةٍ أو دفعِ نقمةٍ، ويُعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة. والشكر لله يحصل بأنواع العبادة كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة.. وأيُّ نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي ‑نبي الرحمة عليه السلام‑ في ذلك اليوم. وعلى هذا؛ فينبغي أن يُتحرَّى اليوم بعينه حتى يطابق قصة موسى ‑عليه السلام‑ في يوم عاشوراء. ومَن لم يلاحظ ذلك لا يُبالي بعمل المولد في أي يوم من الشهر، بل تَوسَّع قومٌ فنقلوه إلى يوم من السنة، وفيه ما فيه. فهذا ما يتعلق بأصل عمله...»...»اهـ. الجواب عن هذه الشبهة: من وجوه: الوجه الأول: أن ابن حجر ‑رحمه الله‑ صرَّح في بداية جوابه: أن أصل عمل المولد بدعة لم تُنقَل عن أحد من السلف الصالح، من القرون الثلاثة، وهذا كافٍ في ذَمِّ الاحتفال بالمولد؛ إذا لو كان خيرًا لَسبَق إليه الصحابة والتابعون، وأئمة العلم والهدى من بعدهم. الوجه الثاني: أن تخريج ابنِ حجر في فتواه عمل المولد على حديث صوم عاشوراء: لا يُمكِن الجمع بينه وبين جزمِه أوَّل تلك الفتوى بأن ذلك العمل بدعة لم تُنقَل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة؛ فإن عدم عمل السلف الصالح بالنص على الوجه الذي يَفهمه منه مَن بعدهم: يمنع اعتبارَ ذلك الفهم صحيحًا؛ إذا لو كان صحيحًا لم يَعزُب عن فهم السلف الصالح ويفهمه مَن بعدهم. كما يَمنع اعتبار ذلك النص دليلًا عليه؛ إذا لو كان دليلًا عليه لعمل به السلف الصالح. فاستنباطُ ابنِ حجر الاحتفال بالمولد النبوي من حديث صوم يوم عاشوراء: مخالف لما أجمع عليه السلف من ناحية فهمه، ومن ناحية العمل به، و«ما خالف إجماعهم فهو خطأ»؛ لأنهم لا يجتمعون إلا على هُدى. وقد بسط الشاطبي ‑رحمه الله‑ الكلام على تقرير هذه القاعدة في كتابه «الموافقات في أصول الأحكام». الوجه الثالث: أن تخريج بدعة المولد على صيام يوم عاشوراء: إنما هو من التكلُّف المردود؛ لأنَّ العبادات مبناها على الشرع والاتباع، لا على الرأي والاستحسان والابتداع. الوجه الرابع: أن صيام يوم عاشوراء قد فعله النبي ‑صلى الله عليه وسلم‑، ورَغَّب فيه، بخلاف الاحتفال بمولده واتخاذه عيدًا؛ فإنَّ النبي ‑صلى الله عليه وسلم‑ لم يفعله، ولم يُرغِّب فيه، ولو كان في ذلك شيء من الفضل لَبَيَّن ذلك لأُمَّته؛ لأنَّهُ ‑صلى الله عليه وسلم‑ لا خير إلا وقد دَلَّهم عليه ورغَّبهم فيه، ولا شر إلا وقد نهاهم عنه وحذَّرهم منه، والبدع من الشر الذي نهاهم عنه وحذرهم منه. قال ‑صلى الله عليه وسلم‑: «إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة». وقال ‑صلى الله عليه وسلم‑: «أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة». 2‑ الشبهة الثانية: قال السيوطي ‑رحمه الله‑ بعد ذكره تخريج ابنَ حجَر عمل المولد على صوم يوم عاشوراء: «وقد ظهر لي تخريجه على أصل آخر: وهو ما أخرجه البيهقي عن أنس ‑رضي الله عنه‑ "أن النبي ‑صلى الله عليه وسلم‑ عَقَّ عَن نفسِه بعد النبوة"، مع أنه قد ورد أن "جدَّه عبدالمطلب عَقَّ عنه في سابع ولادته"، والعقيقة لا تُعاد مرة ثانية؛ فُيحمل ذلك على أن الذي فعله النبي ‑صلى الله عليه وسلم‑ إظهارٌ للشكر على إيجاد الله إياه رحمة للعالمين، وتشريعًا لأمته ‑كما كان يُصلِّي على نفسه‑؛ لذلك فيُستَحبُّ لنا أيضًا إظهار الشكر بمولده بالاجتماع، وإطعام الطعام... ونحو ذلك من وجوه القربات وإظهار المسرات. الجواب عن هذه الشبهة: أن هذا الحديث لم يثبت عند أهل العلم: أ ‑ فقد قال عبد الرزاق في «مصنفه»: أنبأنا عبد الله بن محرر عن قتادة عن أنس «أن النبي ‑صلى الله عليه وسلم‑ عقَّ عن نفسه بعد النبوة». قال ابنُ قيم الجوزية ‑بعد إيراده هذا الحديث وعزوه إلى عبدالرزاق في «مصنفه»‑: قال عبدالرزاق: «إنَّما تركوا ابن محرر لهذا الحديث». ب ‑ وذكر الحافظ ابن حجر في «فتح الباري»: أن هذا الحديث لا يثبُت، ونَسبه للبزار وقال: «قال البزار: "تفرد به عبدالله (بن محرر) وهو ضعيف"». جـ ‑ قال النووي في «المجموع شرح المهذب»: وأما الحديث الذي ذكره في عَقِّ النبي ‑صلى الله عليه وسلم‑ عن نفسه: فرواه البيهقي بإسناده عن عبدالله بن محرر ‑بالحاء المهملة والراء المكررة‑، عن قتادة، عن أنس أن النبي ‑صلى الله عليه وسلم‑ عَقَّ عن نفسه بعد النبوة. وهذا حديث باطل. وعبد الله بن محرر ضعيف متفق على ضعفه. وقال الحفَّاظ: متروك. والله أعلم. د ‑ قال الذهبي في «ميزان الاعتدال» ‑بعد أن ذَكر ترجمة عبد الله بن المحرر وكلام الحفاظ فيه وأنه متروك وليس بثقة‑: «ومِن بلاياه: رَوى عن قتادة عن أنس أن النبي ‑صلى الله عليه وسلم‑ عق عن نفسه بعد ما بُعِث». 3 ‑ الشبهة الثالثة: قال السيوطي: «ثم رأيت: إمام القُرَّاء الحافظ شمس الدين ابن الجزري قال في كتابه المسمى «عرف التعريف بالمولد الشريف» ما نصه: «قد رُؤِي أبو لهب بعد موته في النوم، فقيل له ما حالك؟ فقال: في النار إلا أنه يُخفَّفُ عَنِّي كل ليلةِ اثنين، وأَمُصُّ [من] بين أصبعي ماء بقدر هذا ‑وأشار لرأس أصبعه‑، وإن ذلك بإعتاقي لثويبة، عندما بَشَّرتني بولادة النبي ‑صلى الله عليه وسلم‑ وبإرضاعها له. فإذا كان أبو لهب ‑الكافر الذي نزل القرآن بذمه‑ جُوزِي في النار بفرَحِه ليلةَ مولدِ النبي ‑صلى الله عليه وسلم‑ به؛ فما حال المسلم الموحد من أمة النبي ‑صلى الله عليه وسلم‑ يُسَرُّ بمولده ويبذل ما تصل إليه قدرته في محبته ‑صلى الله عليه وسلم‑؟! لَعَمْرِي إنما يكون جزاؤه مِن الله الكريم: أن يُدخِلَه ‑بفضله‑ جنات النعيم» اهـ. الرد على هذه الشبهة: أن هذا الخبر رواه البخاري مرسلًا في «باب ﴿وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ﴾ ويَحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» من «صحيحه» بعد أن ذكر الحديث بسنده عن عروة بن الزبير: أن زينب بنت أبي سلمة أخبرتْه: أن أم حبيبة بنت أبي سفيان أخبرَتْها أنها قالت: يا رسول الله! انكِح أُختِي بنت أبي سفيان. فقال: «أو تحبين ذلك؟». فقلت: نعم، لستُ لك بِمُخلية، وأَحَبُّ من شاركني في خير أختي. فقال النبي ‑صلى الله عليه وسلم‑: «إن ذلك لا يحل لي». قلت: فإنَّا نُحدَّث أنك تريد أن تنكح بنت أبي سلمة. قال: «بنت أم سلمة؟». قلت: نعم. فقال: «لو أنها لم تكن ربيبتي في حَجري؛ ما حلَّت لي؛ إنها لابنة أخي من الرضاعة؛ أرضعتني وأبا سلمةَ ثويبةُ؛ فلا تعرِضن على بناتكن ولا أخواتِكُنّ». قال عروة: «وثويبةُ مولاة لأبي لهب، وكان أبو لهب أعتقها فأرضعَت النبيَّ ‑صلى الله عليه وسلم‑ فلما مات أبو لهب أُرِيه بعضُ أهله بِشَرِّ حيبة، قال له: ماذا لقيت؟ قال: أبو لهب: لم ألق بعدكم، غير أني سُقِيت في هذه بعتاقتي ثويبة». قال الحافظ ابن حجر: «وفي الحديث دلالة على أن الكافر قد ينفعه العمل الصالح في الآخرة، لكنه مخالف لظاهر القرآن، قال تعالى: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا﴾. وأُجِيب عن هذا من وجوه منها: أ ‑ أن الخبر مرسل أرسله عروة ولم يذكر من حدثهُ به ‑كما تقدم‑. ب ‑ وعلى تقدير أن يكون موصلًا: فالذي في الخبر رؤيا منام فلا حجة فيه، ولعلَّ الذي رآها لم يكن إذ ذاك أسلم بعد؛ فلا يُحتَجُّ به». [اهـ]. ج ‑ أن ما ورد في مرسل عروة هذا من إعتاق أبي لهب ثويبة: كان قبل إرضاعها النبي ‑صلى الله عليه وسلم‑ وما ذكره ابن الجزري من أنه أعتقها عندما بشرته بولادة النبي ‑صلى الله عليه وسلم‑: يخالف ما عند أهل السير من أن إعتاق أبي لهب إياها كان بعد ذلك الإرضاع بدهر طويل. قال ابن سعد: «وأخبرنا محمد بن عمر ‑الواقدي‑ عن غير واحد من أهل العلم، وقالوا: وكان رسولُ الله ‑صلى الله عليه وسلم‑ يصلها وهو بمكة، وكانت خديجة تُكرِمها، وهي يومئذٍ مملوكة، وطلبت إلى أبي لهب أن تبتاعها منه لتُعتِقها؟ فأبى أبو لهب. فلما هاجر رسول الله ‑صلى الله عليه وسلم‑ إلى المدينة، أعتقها أبو لهب، وكان رسول الله ‑صلى الله عليه وسلم‑ يبعث إليها بصلة وكسوة، حتى جاءه خبرها أنها قد تُوفيت سنة سبع مرجعه من خيبر». وقال الحافظ ابن عبد البر في ترجمة النبي ‑صلى الله عليه وسلم‑ بعد أن ذكر إرضاع ثويبة للرسول ‑صلى الله عليه وسلم‑: «وأعتقها أبو لهب بعدما هاجر النبي ‑صلى الله عليه وسلم‑ إلى المدينة» ا.هـ. وقال ابن الجوزي: «وكانت ثُويبةُ تَدخل على رسول الله ‑صلى الله عليه وسلم‑ بعدما تزوج خديجة فيُكرمها رسولُ الله ‑صلى الله عليه وسلم‑ وتُكرِمها خديجةُ ‑وهي يومئذٍ أَمَة‑، ثم أعتقها أبو لهب» ا.هـ. د ‑ أنه لم يثبت من طريق صحيح أن أبا لهب فرح بولادة النبي ‑صلى الله عليه وسلم‑ ولا أن ثويبة بَشَّرته بولادته، ولا أنه أعتق ثويبة من أجل البشارة بولادة النبي ‑صلى الله عليه وسلم وتقدم ذلك‑؛ فكل هذا لم يَثبُت، ومَن ادَّعى ثُبوت شيء من ذلك فعليه إقامة الدليل على ما ادَّعاه، ولن يجد إلى الدليل الصحيح سبيلًا. 4 ‑ الشبهة الرابعة: ومن الشبه التي استند إليها القائلون بالاحتفال بالمولد النبوي: ما رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي قتادة الذي جاء فيه: وسُئِل عن صوم الاثنين؟ قال: «ذاك يوم وُلِدتُ فيه، ويوم بُعِثتُ ‑أو أنزل علَيَّ‑ فيه». فقالوا: هذا دليل أنه ‑صلى الله عليه وسلم‑ كان يُعظِّم يومَ مولده، وكان يُعبِّر عن هذا التعظيم بالصوم، وهذا في معنى الاحتفال به. الجواب عن هذه الشبهة: أ ‑ أن الرسول ‑صلى الله عليه وسلم‑ لم يَصُم يوم ولادته، وهو اليوم الثاني عشر من ربيع الأول ‑إن صح أنه كذلك‑، وإنما صام يوم الاثنين الذي يتكرر مجيئه في كل شهر أربع مرات، وبناء على هذا: فتخصيص يوم الثاني عشر من ربيع الأول بعمل ما ‑دون يوم الاثنين من كل أسبوع‑: يعتبر استدراكًا على الشارع، وتصحيحًا لعَمَلِه!! وما أقبح هذا إن كان ‑والعياذ بالله‑. ب ‑ أن الرسول ‑صلى الله عليه وسلم‑ لم يَخُصَّ يوم الاثنين بالصيام، بل كان يتحرى صيام الاثنين والخميس، وقال ‑صلى الله عليه وسلم‑: «تُعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس، فأُحِبُّ أن يُعرَض عَملِي وأنا صائم». فالاستدلال بصوم يوم الاثنين على جواز الاحتفال ببدعة المولد في غاية التكلُّف والبُعد. ج ‑ إذا كان المرادُ مِن إقامةِ المولد: هو شكر الله تعالى على نعمة ولادة الرسول ‑صلى الله عليه وسلم‑ فيه؛ فإن المعقول والمنقول يُحتِّم أن يكون الشكر من نوع ما شكر الرسول ‑صلى الله عليه وسلم‑ رَبَّه به، وهو الصوم؛ وعليه فلْنَصُم كما صام. غَير أن أرباب الموالد لا يصومونه؛ لأنَّ الصيام فيه مقاومة لشهوات النفس بِحرمَانها من لذة الطعام والشراب، وهم يريدون ذلك ‑الطعام والشراب‑؛ فتعارض الغرضان، فآثاروا ما يُحبُّون على ما يحب الله، وهذا ‑بعينه‑ أعظم الزلل عند أهل البصيرة. د ‑ أن الرسول ‑صلى الله عليه وسلم‑ لم يُضِف إلى الصيام احتفالًا كاحتفال أرباب الموالد ‑من تجمعات ومدائح وأنغام وطعام وشراب‑؛ أفلا يَكفِي الأُمَّة ما كفى نبيَّها ويسعها ما وسعه؟! وهل يقدر عاقل أن يقول: «لا». وإذن فلم الافتيات على الشارع والتقدم بالزيادة عليه؟! واللهُ سبحانه وتعالى يقول: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾. ويقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾. وقال ‑صلى الله عليه وسلم‑: «إيَّاكُم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلاله». وقال ‑صلى الله عليه وسلم‑: «إن الله حد حدودًا فلا تعتدوها، وفرض لكم فرائض فلا تضيعوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وترك أشياء في غير نسيان ولكن رحمة لكم فاقبلوها ولا تبحثوا عنها». 5 ‑ الشبهة الخامسة: ومن الشُّبَه التي استند إليها القائلون بالاحتفال بالمولد النبوي قولَهم: إن الفَرَح به ‑صلى الله عليه وسلم‑ مطلوبٌ بأمر القرآن؛ مِن قوله تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا﴾. فالله أمرنا أن نفرح بالرحمة؛ والنبيُّ ‑صلى الله عليه وسلم‑ أعظمُ الرحمة؛ قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾. الجواب عن هذه الشبهة: أ ‑ أن الاستدلال بهذه الآية على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي مِن قبيل: حَمْلِ كلام الله تعالى على ما لم يَحمِلْه عليه السلف الصالح، والدعاءِ إلى العمل به على غير الوجه الذي مضوا عليه في العمل به. وهذا أمرٌ لا يليق؛ لما بينه الشاطبي في كتابه (الأدلة الشرعية من الموافقات) وهو «أن الوجه الذي يَثبُت عن السلف الصالح العمل بالنص عليه: لا يُقبَل ممن بعدهم دعوى دلالة النص عليه». قال: «إذ لو كان دليلًا عليه؛ لم يَعزب عن فَهم الصحابة والتابعين ثم يفهمه هؤلاء. فعمل الأولين كيف كان مصادقًا لمقتضى هذا المفهوم ومعارضًا له ‑ولو كان ترك العمل‑؛ فما عَمِل به المتأخرين من هذا القسم: مخالفٌ لإجماع الأولين. و"كُلُّ من خالف الإجماع فهو مخطئ"، و"أُمة محمد ‑صلى الله عليه وسلم‑ لا تجتمع على ضلالة"، فما كانوا عليه مِن فِعل أو ترك: فهو السُنَّةُ والأمر المعتبر، وهو الهُدى. وليس ثَم إلا صواب أو خطأ؛ فكل من خالف السلف الأولين: فهو على خطأ، وهذا كافٍ... وكثيرًا ما تجد أهل البدع والضلالة يستدلُّون بالكتاب والسنة ‑يُحمّلُونها مذاهبهم، ويُغبِّرون بمشتبهاتهما في وجوه العامة‑، ويظنون أنهم على شيء، ولذلك أمثلة كثيرة: منها: استدلال التناسخية على صحة ما زعموا بقوله تعالى: ﴿فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ﴾. واستدلال كلِ مَن اخترع بدعة، أو استحسن محدثة لم تكن في السلف الصالح، بأن السلف اخترعوا أشياء لم تكن في زمان رسول الله ‑صلى الله عليه وسلم‑: ككتب المصحف، وتصنيف الكتب، وتدوين الدواوين، وتضمين الصُنَّاع... وسائر ما ذكره الأصوليون في "أصل المصالح المرسلة"... فخلطوا، وغلطوا، واتبعوا ما تشابه من الشريعة ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويلها؛ وهو كله خطأ على الدين، واتباعٌ لسبيل الملحدين؛ فإن هؤلاء الذين أدركوا هذه المدارك، وعبروا على هذه المسالك: إما أن يكونوا قد أدركوا من فهم الشريعة ما لم يفهمْه الأولون. أو حادوا عن فهمها. وهذا الأخير هو الصواب؛ إذ المتقدمون من السلف الصالح كانوا على الصراط المستقيم، ولم يفهموا من الأدلة المذكورة وما أشبهها إلا ما كانوا عليه، وهذه المحدثات لم تكن فيهم، ولا عملوا بها؛ فدل على أن تلك الأدلة لم تتضمن هذه المعاني المخترعة بحال. وصار عملُهم بخلاف ذلك: دليلًا إجماعيًا على أن هٰؤلاء في استدلالاهم وعملهم مخطئون ومخالفون للسنة...» الخ. ب ‑ أن كبار المفسرين قد فسَّرُوا هذه الآية الكريمة، ولم يكن في تفسيرهم أن المقصود بالرحمة في هذه الآية: رسول الله ‑صلى الله عليه وسلم‑، وإنما المقصود بالفضل والرحمة المفروحِ بهما: ما عنتْه الآية السابقة لهذه الآية وهو قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ۞ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾. قال ابن جرير في «تفسيره»: «القول في تأويل قوله تعالى ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾. قال أبو جعفر: يقول تعالى لنبيه محمد ‑صلى الله عليه وسلم‑: «قُلْ» يا محمد لهؤلاء المكذبين بك، وبما أُنزِل إليك من عند ربك. «بِفَضْلِ اللَّهِ» أيها الناس الذي تفضل به عليكم وهو الإسلام، فبيَّنَه لكم، ودعاكم إليه. «وَبِرَحْمَتِهِ» التي رحمكم بها فأنزلها إليكم فعلَّمكم ما لم تكونوا تعلمون من كتابه، فبَصَّركُم بها معالم دينكم وذٰلك القرآن «فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ» يقول: فإن الإسلام الذي دعاهم إليه، والقرآن الذي أنزله عليهم، خير مما يجمعون من حطام الدنيا وكنوزها» اهـ. وقال القرطبي ‑رحمه الله‑ في «الجامع لأحكام القرآن»: «قوله تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا﴾: قال أبو سعيد الخدري وابن عباس ‑رضي الله عنهم‑: "فضل الله: القرآن، ورحمته: الإسلام. وعنهما أيضًا: فضل الله: القرآن، ورحمته: أن جعلكم من أهله. وعن الحسن، والضحاك، ومجاهد، وقتادة: فضل الله: الإيمان، ورحمته: القرآن. (على العكس من القول الأول)» اهـ. وقال ابن كثير ‑رحمه الله‑ في تفسير: «يقول الله تعالى ممتنًا على خلقه بما أنزله من القرآن العظيم على رسوله الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ أي زاجرٌ عن الفواحش، ﴿وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ﴾ أي من الشُّبَه والشكوك، وهو إزالة ما فيها من رجس ودنس، ﴿وَهُدىً وَرَحْمَةٌ﴾ أي: يحصل به الهداية والرحمة من الله تعالى. وإنما ذلك ﴿لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ به، والمصدِّقين الموقنين بما فيه؛ كقولِه تعالى ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا﴾ وقولِه تعالى ﴿قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ﴾. وقولُه تعالى ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ أي بهذا الذي جاءَهم مِن الله مِن الهدى ودين الحق فليفْرحوا؛ فإنَّهُ أولى ما يفرحون به» اهـ. وقال ابن قيم الجوزية ‑في تفسيرِ قوله تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾‑: «وقد دارتْ أقوال السلف على أن فضل الله ورحمته: الإسلام والسنة» اهـ. وقال ابن عبد الهادي في «الصارم المنكي في الرد على السبكي»: «...ولا يجوز إحداث تأويل في آية أو في سنة لم يكن على عهد السلف ولا عَرفُوه ولا بيَّنُوه للأمة؛ فإن هذا يتضمن أنهم جَهِلوا الحق في هذا وضَلُّوا عنه، واهتدى إليه هذا المعترض المستأخر! فكيف إذا كان التأويل يُخالِف تأويلَهم ويناقضه؟!...» اهـ. والشبه التي استند إليها القائلون بالاحتفال بالمولد النبوي كثيرة... وليس هذا مجال حصرها؛ لأن استقصاءها والإحاطة بها تحتاج إلى مؤلف منفرد خاص بها. والقصد هنا هو الإشارة والتنبيه إلى بعض هذه الشبه. وقد ذكرتُ بشكل موجز ردود العلماء على هذه الشُّبه، وأنه ليس في أي واحدة منها دليل على جواز الاحتفال بالمولد النبوي. ولٰكن القائلين بهذه البدعة: أرادوا إضفاء الصبغة الشرعية على هذا الأمر المبتدَع؛ فاستشهدوا بهذه الأدلة، وفسَّرُوها بما يوافق هواهم وعقيدتَهم الفاسدة؛ فكانوا كما قال تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ﴾؟! والله أعلم. [كتاب «البدع الحولية» لعبدالله بن عبدالعزيز التويجري، ص 159‑177] |
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
الكلمات الدلالية (Tags) |
الأولى, النبوي, يوم, شبهات ![]() |
انواع عرض الموضوع |
![]() |
![]() |
![]() |
|
|
![]() |
||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
أوراق عمل مادة اللغة الأنجليزية أول ثانوي منهج Traveller 2 ف2 عام 1439هـ / 2018م الوحدة الأولى والثانية والثالثة | #منال | الفصل الثاني منهج Traveller | 1 | 2019-04-10 09:45 AM |