|
منتدى الشريعة الإسلامية يهتم بالـشـريـعـة الإسلاميـة , من الكتاب والسنـة . |
البحث في المنتدى |
بحث بالكلمة الدلالية |
البحث المتقدم |
الذهاب إلى الصفحة... |
![]() |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
![]() بسم الله الرحمن الرحيم أقدم هذه المشاركة فى صورة عرض لجزء من كتاب جديد دافع فيه مؤلفه عن الإسلام ونبي الإسلام eبالرد على الشبهات التى ألصقت بهما فيما يتعلق بالحرب والقتال وعرض أخلاق أسلامية رائعة فى التعامل مع العدو أخلاق التعامل بين قادة الجيش والجنود بصورة جديدة تتمثل فى عرض سلوكيات المجتمع المدني فى عصر النبوة في الحرب من منظور أخلاقى , ولان الكتاب متعدد الموضوعات اقتصرت على عرض صورة الغلاف والمقدمة حتى يفهم منهج المؤلف وأسلوبه ثم اختر لكم مبحث من أحد فصول الكتاب وسأحول عرض مقتطفات منه كلما أمكن ذلك وهذا على النحو التالى :- أولا : الغلاف إلى دعاة الحرب في النظام العالمي الجديد النظرية العامة للحرب في الفكر الإسلامي دعوة لسلام عالمي عادل وشامل دراسة لسلوكيات المجتمع المدني فى عصر النبوة من منظور أخلاقى فى محاولة لصياغة دستور عالمى للحرب فى الدول المدنية الحديثة بقلم الأستاذ/ محمد أحمد يحيى مستشار قانوني بجامعة الأزهر قدم له الأستاذ الدكتور / جعفر عبد السلام الأمين العام لرابطة الجامعات الإسلامية والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي – سابقاً ونائب رئيس جامعة الأزهر السابق الطبعة الأولى 2010م / 1431 هـ ملتزم الطبع والنشر دار الفكر العربي 94 شارع عباس العقاد – مدينة نصر – القاهرة 6 أ شارع جواد حسنى – القاهرة ت : 22752984 ، فاكس : 22752735 www.darelfikrelarabi.com INFO@ dare ثانيا: مقدمة الكتاب 1- مقدمة للأستاذ الدكتور / جعفر عبد السلام يسعدني أن أقدم للقراء والباحثين هذا البحث القيم بعنوان النظرية العامة في الفكر الإسلامي دعوة لسلام عالمي عادل و شامل . فلقد ركز الباحث فيه على تتبع سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم منذ البعثة وحتى وفاته مظهراً الأخلاق الإسلامية التي اتسمت بالتسامح مع العدو واحترام آدميته سواء قبل بدء الأعمال القتالية أم أثناء الحرب أو بعد انتهائها ولاشك أن هذا المسلك يعد عملاً مهماً يظهر سماحة الإسلام وحرصه على السلام وحماية حقوق الإنسان مسهماً بذلك في تكوين القانون الدولي الإنساني ولقد تناول الكاتب موضوع الكتاب في فصل تمهيدي وفصلين رئيسيين وخاتمة تناول في الفصل التمهيدي مفاهيم عامة عن الأخلاق والحرب في الفكر الإسلامي وقسمه إلى مبحثين الأول في مفاهيم عامة عن الأخلاق والثاني في مفاهيم الحرب تكلم فيه عن تعريفها وأصل العلاقة بين المسلمين وغيرهم وحرمة القتل والسبب المشروع لإباحة القتل ومتى يكون القتال مشروعاً .... وفي الفصل الأول تناول الأحكام العامة للحرب في الفكر الإسلامي والسمات الأخلاقية لها وقسمه أربعة مباحث الأول فى الأحكام العامة للحرب قبل المعركة والثاني فى الأحكام العامة للحرب أثناء المعركة والثالث فى الأحكام العامة للحرب بعد المعركة أما المبحث الرابع فقد تناول فيه أسباب السرايا والغزوات التي خاضها رسول الله صلى الله عليه وسلم والشبهات التى أثيرت عليها والرد على هذه الشبهات أما الفصل الثاني فقد كان بعنوان أخلاق الحرب في الفكر الإسلامي وقد قسمه إلى ثلاث مباحث الأول في أخلاق ما قبل الحرب في الفكر الإسلامي والثاني أخلاق أثناء الحرب في الفكر الإسلامي والثالث أخلاق ما بعد الحرب في الفكر الإسلامي وقد تناول كلا من المباحث الثلاثة في مطلبين الأول أخلاق إسلامية في مواجهة المحاربين غير المسلمين والمطلب الثاني بعنوان أخلاق إسلامية بين القائد والجند في الجيش الإسلامي وجعلهم فرعين الأول بعنوان أخلاقيات القائد والثاني في أخلاقيات الجند أما الخاتمة فقد تناول فيها محاولة لصياغة دستور للحرب في الدولة المدنية الحديثة وجعله في بضع وثمانين مادة . والبحث بذلك يعد عملا متميزاً يتسم بالعمق في فهم الإسلام وأحكامه والمبادئ التي يكون عليها في الجانب الأخلاقي على وجه الخصوص . الأستاذ الدكتور جعفر عبد السلام الأمين العام لرابطة الجامعات الإسلامية والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي سابقاً ونائب رئيس جامعة الأزهر السابق 2- تقديم المؤلف: لقد تلهفت واشتاقت أنفس العقلاء والحكماء ودعاة الإصلاح على مر العصور وفى مختلف الأمصار إلى الفضيلة والأخلاق الحميدة والوصول بالنفس الإنسانية إلى منتهى كمالاتها فعشقوا الفضائل جميعها ودعوا إليها، فكانت النظريات والفلسفات على مر العصور تنادي إلى التخلق بها حتى كانت الدعوة إلى ما يسمى بالمدينة الفاضلة حلم الحكماء ودعاة الإصلاح، بيد أن هذه الدعوات لم تخرج عن كونها نظريات وأحلاماً، فلم تتعد فى أغلب الأحوال الأسطر التي كتبت عليها والغلاف الذي سطرت بداخله حتى قيد الله للبشرية بشراً منهم يأكل مما يأكلون ويشرب مما يشربون فزينه بأكمل الأخلاق وأجمل الفضائل فصار خلقاً يمشي على الأرض يدعو الناس إلى شريعة كملت أركانها فضمت في جنابتها الأخلاق والفضائل التى تنظم بها معاملات الناس في شتى العلاقات وشتى الأحوال سلماً كانت أم حرباً ثم أنشأ دولة فى المدينة المنورة منذ أكثر من ألف وأربعمائة سنة كانت نموذجاً عملياً لتطبيق هذه الأخلاقيات وتلك الفضائل وفق منهاج فريد متكامل فكانت لهذه الدولة السيادة والريادة فى النظام العالمى السائد فى هذا الزمان الذى كانت تتنازعه الأهواء والمصالح وتحكمه الصراعات بمختلف أنواعها فردية كانت أم قبلية أم دولية فعم الظلم والفساد وحل الخراب والدمار فى كل مكان وهيمن الفزع والهلع على قلوب الناس جميعا حتى كانت هذه الدولة فأخرجت الناس بإذن ربهم من عبادة الناس إلي عبادة رب الناس ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام وسعادة الإيمان ثم توالت السنون وغفل الناس عن هذا المنهج فغابت معالم تلك الشريعة عن أرض الواقع فعادت الصراعات على نحوا أشد مما كانت عليه قبل الإسلام وأصبح الصراع بين قوى الخير والشر يتنامى ويتزايد حتى اختلطت على الناس معالم الخير والشر وأصبح كل فريق يدعي أنه على طريق الحق والجادة والصواب وأن غيره على باطل يدعو إلى الشر والضلال ولعل ذلك يرجع إلي أن الفريقين يظنون أنهم يحسنون صنعاً ([1])ومن ثم احتدم الصراع وتوالدت الأحقاد بين أنصار الفريقين فنشبت الحروب حتى كاد كل فريق يفتك بالأخر في محاولة لإبادته. فخلا الصراع من كل القيم والضوابط والموازين حتى حل الدمار في كل مكان فأينما توجه بصرك شطر أي مكان في العالم تجد حرباً ودماراً وخراباً وهنا يثور التساؤل إلي متى ستبقى هذه الحروب قائمة ؟ وهل تبقي إن قُدر بقاؤها قائمة بدون ضوابط أو قيود ؟ أليس هناك دستور لهذه الحرب ينظمها حتى تخبو نيرانها ويسود السلام العالم ؟ هذا ما نحاول الإجابة عليه في هذا الكتاب لعله أن يكون خطوة نحو سلام دائم وعادل . فقد جاءت شريعة الإسلام بقواعد وضوابط ترفض الحرب ابتداء وتحاول جاهدة منع وقوعها ونزع فتيلها قبل أن يوقد فإذا ما وقعت الحرب لا محالة وأصبحت ضرورة مفروضة علي العيان قامت الدولة المسلمة التى تدين بهذه الشريعة بتطبيق مجموعة أحكام وقواعد تحتوي علي أخلاقيات وآداب تنزع بها من الحرب خصائص الدمار والخراب فتصبح الحرب حواراً على عتبة القتال تحكمه أخلاقيات ترتقي بالطرفين نحو المثالية الفاضلة. ومن هذا المنطلق كان هذا الكتاب دعوة لدعاة الحرب فيما يسمى بالنظام العالمي الجديد إلى هذه الشريعة بأحكامها التهذيبية والخُلقية التي يرغب في مثلها الحكماء ودعاة الإصلاح لو أنصفوا حتى يقف نزيف الدم الذى يراق فى كل مكان، كما أنه دعوة إلى التخلق بأخلاق رسول الله e الذي جعله الحق تبارك وتعالى المثل الأعلى للمسلمين والنموذج الأمثل لما ينبغي أن يكون عليه المسلم من الأخلاق والفضائل، فخرجت على يديه النظريات الأخلاقية الفاضلة من أسطر الكتب إلى حيز الوجود، ومن أوهام الأحلام إلى أرض الواقع فيحيا الناس فى سعادة ووئام ويسود العدل والسلام والإخاء هذا النظام العالمي الجديد. وللوصول لهذا المعنى عرضت للنظرية العامة للحرب فى الفكر الإسلامي من منظور أخلاقي وجعلت سبيلي إلى ذلك الاعتماد على نماذج واقعية مارست هذه الأخلاقيات وتلبست بها على أرض الواقع بعيداً عن الخيالات والأوهام فقمت بدراسة متعمقة لسلوكيات المجتمع المدني فى عصر النبوة حيث كان رسول اللهeفى المدينة المنورة بين أصحابه شاهداً على هذا العصر وذلك من خلال المصادر الأصلية الثابتة ثم قمت بعد هذه الدراسة بمحاولة لصياغة دستور عالمي للحرب مستلهما مواده وفقراته من هذه السلوكيات ومصادرها لعله يكون خطوة لبناء دولة مدنية حديثة ذات دستور أخلاقي ويا ليت ما يسمى بالنظام العالمي الجديد ينتبه إليه ويقتفي أثره . مصادر الكتاب ومنابع الحياة فيه : ومن هذا المنطلق كان منهجنا فى هذا الكتاب أن نتناول النظرية العامة للحرب من خلال المثل الأعلى رسول الله e نقتفى أثره ونتبع خطواته فى شتى المواقف والأحداث، فعمدت إلى القرآن الكريم الذي حدث عن رسول الله e وغزواته وجهاده، فكان أصدق الرواة وخير المؤرخين فجعلته أول المصادر ثم عرجت إلى ما صح عن النبي e من الأحاديث والأخبار التي حوتها كتب الأحاديث وكتب السيرة الموثوق بها وتلقتها الأمة بالقبول وجعلتهما مصدراً ثانياً ، ولما كان الإسلام عقيدة وشريعة،وكانت شريعة الإسلام قد وضعت للحرب أحكاماً ونظاماً تناولته كتب الفقه الإسلامي، لذا جعلتها المصدر الثالث للكتاب ، بيد أنى بعدت في عرضها عن المذهبية الفقهية، وتخيرت بعد العرض ما رجح منها وكان الدليل الشرعى يساندها. ثالثا : - المبحث المختار المبحث الرابع أسباب السرايا والغزوات حقائق وشبهات_ 114 مقدمة لابد منها 114 الحقائق الجلية في أسباب السرايا 117 وقفة تأمل 120 ثانياً الحقائق الجلية في أسباب الغزوات 121 وإليك أسباب هذه الغزوات 125 وقفة تأمل ثم الشبهة الاولى 132 والرد عليها من وجوه 133 الشبهة الثانية 135 الرد على هذه الشبهة من وجوه 135 المبحث الرابع أسباب السرايا والغزوات في العهد النبوى حقائق وشبهات ------------------------------------------------------------------- مقدمة لابد منها : لما قدم النبي e المدينة صار غير المسلمين معه ثلاثة أقسام : قسم صالحهم ووادعهم على أن لا يحاربوه ولا يظاهروا عليه ولا يوالوا عليه عدوه وهم على كفرهم آمنون على دمائهم وأموالهم، وقسم حاربوه ونصبوا له العداوة وقسم تركوه فلم يصالحوه ولم يحاربوه بل انتظروا ما يؤول إليه أمره وأمر أعدائه ثم من هؤلاء من كان يحب ظهوره وانتصاره في الباطن ومنهم من كان يحب ظهور عدوه عليه وانتصارهم ومنهم من دخل معه في الظاهر وهو مع عدوه في الباطن ليأمن الفريقين وهؤلاء هم المنافقون، فعامل كل طائفة من هذه الطوائف بما أمره به ربه تبارك وتعالى فصالح يهود المدينة وكتب بينهم وبينه كتاب أمن وكانوا ثلاث طوائف حول المدينة بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة([2]). يقول ابن إسحاق: وكتب رسول الله e كتاباً بين المهاجرين والأنصار وادع فيه يهوداً وعاهدهم وأقرهم على دينهم وأموالهم واشترط عليهم وشرط لهم([3]). ومن نص هذا الكتاب نقتطف هذا النص (اليهود يتفقون مع المؤمنين ماداموا محاربين وأن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوتغ (يملك) إلا نفسه وأهل بيته وأن يهود بني النجار وبني الحارث وبني ساعده وبني جشم وبني الأوس وبني ثعلبة وحفنة وبنى الشطنة مثل ما ليهود بني عوف وأن بطانة يهود كأنفسهم) ([4]). وكان هؤلاء هم القسم الأول، أما القسم الثاني الذين حاربوه ونصبوا له العداوة فقد كانوا أهل مكة ومن تابعهم وهم رغم ما قاموا به في مكة للمسلمين والرسول من التعذيب والأذى ومصادرة الأموال واغتيال المسلمين لم يتوقفوا عن غيهم وعداوتهم رغم فرار المسلمين منهم وهجرتهم إلى المدينة وبقائهم مع رسول الله فيها فهم يرغبون العيش في سلام وأمان لذا لم يقاتلوا أهل مكة ولم يؤذن لهم بقتال فترة إقامتهم بمكة ورغم هذا لم يتركهم أهل مكة من المشركين فقد أظهروا عداوتهم بل وناصبوهم العداء بغية القضاء عليهم في مهجرهم وكان من مظاهر استمرار العداوة ومحاولات القضاء علي المسلمين الوقائع الآتية : 1- أنهم كتبوا إلى عبد الله بن أبي بن سلول وكان إذ ذاك مشركاً بصفته رئيس يثرب قبل الهجرة وإلى أصحابه المشركين يقولون ما نصه" إنكم آويتم صاحبنا وإنا نقسم بالله لنقا تلنه أو لنخرجنه أو لنسيرن إليكم بأجمعنا حتى نقتل مقاتلتكم ونستبيح نساءكم فلما بلغ ذلك عبد الله بن أبى ومن كان معه اجتمعوا لقتال رسول الله e فلما بلغ ذلك النبي e لقيهم فقال لقد بلغ وعيد قريش منكم المبالغ ما كانت تكبركم بأكثر مما تريدون أن تكبروا به أنفسكم، تريدون أن تقاتلوا أبناءكم وإخوانكم فلما سمعوا ذلك من النبي e تفرقوا([5]). 2- تهديد وترويع المعتمرين من أهل يثرب في مكة، فقد انطلق سعد بن معاذ إلى مكة معتمراً فنزل على أمية بن خلف بمكة فقال لأمية انظر لي ساعة خلوة لعلي أن أطوف بالبيت فخرج به قريباً من لقف النهار فلقيهما أبو جهل فقال يا أبا صفوان من هذا معك فقال هذا سعد فقال له أبو جهل ألا أراك تطوف بمكة آمناً وقد آويتم الصباة وزعمتم أنكم تنصرونهم وتعينونهم أما والله لولا أنك مع أبي صفوان ما رجعت إلى أهلك سالماً فقال له سعد ورفع صوته عليه أما والله لئن منعتني هذا لأمنعنك ما هو أشد عليك منه طريقك على أهل المدينة([6]). 3- ترويع الآمنين من المهاجرين والأنصار وكذا رسول الله e داخل المدينة. ويتمثل ذلك فيما يلي :- أولا:- بالنسبة لترويع الآمنين من المهاجرين. فقد أرسلت قريش إلى المسلمين المهاجرين تقول لهم : لا يغرنكم أنكم أفلتمونا إلى يثرب سنأتيكم فنستأصلكم ونبيد خضراءكم في عقر داركم([7]). فماذا يفعل الرسول e والمسلمون إزاء هذا التهديد المستمر. ثانيا:- بالنسبة لترويع الآمنين من الأنصار. فعنهم يحكي أبي بن كعب فيقول لما قدم رسول الله e المدينة وأصحابه وآوتهم الأنصار رمتهم العرب عن قوس واحدة وكانوا لا يبيتون إلا بالسلاح ولا يصبحون إلا فيه([8]). ثالثا:- ترويع رسول الله e في المدينة . فإن السيدة عائشة أم المؤمنين تحكي عن ذلك فتقول كان النبي e سهر فلما قدم المدينة قال ليت رجلاً من أصحابي صالحاً يحرسني الليلة إذ سمعنا صوت سلاح فقال من هذا فقال أنا سعد ابن أبي وقاص جئت لأحرسك ونام النبي . e([9]) فماذا يفعل المسلمون بل ماذا تفعل أنت بل ماذا يفعل أي عاقل حينما يكون مهدداً في وطنه أو مهجره حينما يظل سيف العداوة مسلطاً على رقبته .. ماذا يفعلون لقريش حين تعلن عن إرادة قتالهم في عقر دارهم وإبادة خضرائهم كما قالوا، وماذا يفعلون لقريش وأهل مكة ومن تابعهم حين تمنعهم من ممارسة شعائر الاعتمار ونحوه في بلد الله الحرام. وماذا يفعلون لقريش حين صادرت أموالهم واستولت على بيوتهم وطردتهم من دارهم. الإجابة على ذلك لم تكن كما يمكن أن يتصور أي إنسان, انتقام ودمار وإنما جاءت الإجابة من محمد بن عبد الله رسول الله e وفقاً لما علمه ربه على نحو من الحكمة والرحمة فبعث ما يسمى بالسرايا المسلحة تجوس خلال الصحراء المجاورة وتخترق طرق القوافل المارة بين مكة والشام وتستطلع أحوال القبائل الضارية هنا وهناك([10]). أو ترد غارات المعتدين فكانت تلك السرايا وتلك الغزوات وإليك تفصيل ذلك : أولاً : الحقائق الجلية في أسباب السرايا : فقد كانت السرايا ثلاثة أنواع .النوع الأول: سرايا كانت مهمتها استطلاع أخبار مكة وسائر القبائل الموجودة بين مكة والمدينة وحولهما بغية التعرف على الطرق المحيطة بالمدينة والمؤدية لمكة وعقد المعاهدات مع هذه القبائل([11]). - والثاني منها: سرايا كانت مهمتها التعرض لعير قريش المارة بين مكة والمدينة في محاولة لتعويض المسلمين عن أموالهم ودورهم التي اغتصبتها قريش وصادرتها. - والثالث: سرايا كانت مهمتها رد غارات المعتدين بقصد قمع لصوص الصحراء وأشباههم ممن لا يبالون. لولا هذه السرايا بالهجوم على المدينة واستباحة حماها([12]). - ويمكن أن نعرض لنماذج من هذه السرايا حتى تتضح أسبابها. سرايا النوع الأول : سرية عبد الله بن جحش : قال ابن إسحاق : وبعث رسول الله e عبد الله بن جحش في رجب وبعث معه ثمانية من المهاجرين ([13]) ليس فيهم من الأنصار أحد وكتب له كتاباً أمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين ثم يفتحه ويمضي لما أمره به ولا يستكره من أصحابه أحداً، فلما سار عبد الله بن جحش يومين فتح الكتاب فإذا فيه إذا نظرت في كتابي هذا ما فامض حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف فترصد بها قريشاً واعلم لنا من أخبارهم ، فقال عبد الله : سمعاً وطاعة ثم قال لأصحابه قد أمرني رسول الله e أن أمضى إلى نخله أرصد بها قريشاً حتى آتيه منهم بخبر وقد نهاني أن استكره منكم أحداً فمن كان يريد منكم الشهادة ويرغب فيها فلينطلق ومن كره ذلك فليرجع أما أنا فماض لأمر رسول الله e فمضى ومضى معه أصحابه لم يتخلف منهم أحد([14]) فهذه السرية وفقا ًلأمر رسول اللهe (ترصد بها قريشاً واعلم لنا من أخبارهم) مهمتها استطلاعية بغير مراء. سرية زيد بن حارثة إلى وادي القرى في رجب سنة 6 هجرية : خرج زيد بن حارثة في أثني عشر رجلاً إلى وادي القرى لاستكشاف حركات العدو إن كانت هناك فهجم عليهم سكان وادي القرى فقتلوا تسعة وأفلت ثلاثة فيهم زيد بن حارثة([15]). فهذه المهمة استكشافية لحركات العدو بعد غزوة الخندق. سرايا النوع الثاني : سرية سيف البحر في شهر رمضان سنة 1 هـ: ويقول ابن القيم : كان أول لواء عقده رسول الله e لحمزة بن عبد المطلب في شهر رمضان على رأس سبعة أشهر من مهاجره وبعثه في ثلاثين رجلاً من المهاجرين خاصة يعترض عيراً لقريش جاءت من الشام وفيها أبو جهل بن هشام في ثلاثمائة رجل فبلغوا سيف البحر من ناحية العيص فالتقوا واصطفوا للقتال فمشى مجدي بن عمرو الجهني وكان حليفاً للفريقين جميعاً بين هؤلاء وهؤلاء حتى حجز بينهم فلم يقتتلوا([16]). ويلاحظ أن غرض السرية اعتراض عير قريش وأن الذين خرجوا فيها المهاجرون الذين اغتصبت ديارهم وصادر أهل مكة أموالهم وطردوهم من بلدهم وأنهم لم يقتتلوا استجابة للذي حجز بينهم. - سرية سعد بن أبى وقاص في ذي القعدة سنة 1 هـ : خرجت السرية في عشرين رجلاً على الأقدام فكانوا يكمنون النهار ويسيرون الليل حتى صبحوا صبح خامسة وكان رسول الله e قد عهد إلى سعد ألا يجاوز الخرار وكانت العير قد سبقتهم قبل ذلك بيوم .قال الواقدى كانت العير ستين وكان من مع سعد كلهم من المهاجرين([17]). وهذه السرية أيضاً كان غرضها العير وجنودها من المهاجرين. - سرايا النوع الثالث لرد المعتدين : وهذا الاعتداء كان من قبل الأعداء بأمرين:الأول: بالمنابذة بالحرب وإعلانها والثاني: الاعتداء بالقرصنة على حرم المدينة. ومن أمثلة الأول : - سرية أبي سلمة في المحرم سنة 3 هـ : فقد دعا رسول الله e أبا سلمة فقال له اخرج في هذه السرية فقد استعملتك عليها وعقد له لواء وقال سر حتى تأتى أرض بني أسد فأغر عليهم والسبب أن رجلاً منهم أتى النبي e وأخبره أن طليحة الأسدي وأخاه سلمه ابني خويلد قد جمعا حلفاء من أسد لحربه فخرج أبو سلمة في مائة وخمسين من المسلمين حتى إذا انتهوا إلى أرضهم فتفرق بنو أسد ([18]). فماذا يكون جزاء الاعتداء. - سرية أبى حدرد الأسلمى إلى الغابة سنة 7 هـ : وملخصها أن رجلاً من جشم بن معاوية أقبل في عدد كبير إلى الغابة يريد أن يجمع قيساً على محاربة المسلمين فبعث رسول الله e أبا حدرد مع رجلين فاختار أبو حدرد خطة حربية محكمة وهزم العدو هزيمة منكرة([19]). ومن أمثلة الثاني : - اعتداء كرز بن جابر بن الفهرى على سرح المدينة سنة 2هـ: حيث أغار كرز بن جابر بن الفهرى على سرح المدينة فخرج رسول الله e فى طلبه حتى بلغ وادياً يقال له سفوان بناحية بدر ففاته كرز فرجع الى المدينة ([20]). وقفة تأمل : الناظر بعين البصيرة إلى هذه السرايا يتضح له أنها كانت رداً طبيعياً بل أخلاقياً في مواجهة استبداد وظلم وتعد وإغواء ففي الفروض الطبيعية يرد العنف بالعنف الأشد وهذا ما لم يفعله الرسول e فالسرايا الاستكشافية أو الاستطلاعية محاولة لمعرفة الخطر المحدق للاستعداد له لا ينكره على الرسول e والصحابة أحد ورغم ذلك كان يحدث تصادم من غير المسلمين كما حدث لسرية زيد بن حارثة إلى وادى القرى سنة 6 هـ أليس هذا السبب وهو درء الخطر أو اكتشافه كاف لهذا النوع من السرايا. أما السرايا التي تعرض فيها المسلمون لعير قريش فإنى أتسأل عنك أنت ماذا تفعل لو دخل عليك الآن وأنت تقرأ هذه السطور جماعة من الجيران أو الأقرباء كنت قد اختلفت معهم في فكر أو رأى فعذبوك أو ضربوك للعدول عن رأيك وفكرك. فلما لم تستجب لهم ضاعفوا عذابك. ولما تيقنوا أنك لن تعدل عنه أخذوا مالك وطردوك وأخرجوك من مكانك. فماذا أنت فاعل حين تصادر أموالك ويغتصب دارك وتخرج بلا رجعة ؟ أترك لك الإجابة تحتفظ بها لنفسك ومهما يكون تصورك فإنه لن يقل عما فعله رسول الله e وصحابته باعتراض عير قريش فضلاً عن سبب آخر وإن شئت قلت حكمة أخرى لهذا النوع من السرايا وهو إشعار مشركي يثرب ويهودها وأعراب البادية الضاربين حولها و أهل مكة بأن المسلمين أقوياء وأنهم تخلصوا من ضعفهم القديم ذلك الضعف الذي مكن قريشاً في مكة من مصادرة عقائدهم وحرياتهم واغتصاب دورهم وأموالهم([21]). أما بالنسبة لسريا رد الاعتداء بنوعيه فالأمر واضح بأبسط القواعد العقلية المعروف بقاعدة المعاملة بالمثل وهى قاعدة لا ينكرها عاقل . وأخيراً أتساءل فيمن جمع الناس لقتالك ماذا تفعل به ؟ ومن خطط لاغتيالك ماذا تفعل له ؟ ومن دخل دارك واعتدى على أموالك وطردك منه ماذا تفعل به ؟ مع مراعاة ما ذكرنا في مقدمة هذا المبحث من أحداث اضطر لها المسلمون الدخول في غمار حر ب كتبت عليهم وهم لها كارهون . ثانياً : الحقائق الجلية في أسباب الغزوات : يقول ابن حجر العسقلاني عن عدد هذه الغزوات (وقد توسع ابن سعد فبلغ عدة المغازى التي خرج فيها رسول بنفسه سبعاً وعشرين. وتبعه في ذلك الواقدى وهو مطابق لما عده ابن إسحاق إلا أنه لم يفرد وادي القرى من خيبر)([22]) وسوف نقتصر في عرض أسبابها على أهمها بعد تصنيفها. أولاً : غزوات جاءت رداً على العدوان الخارجي الزاحف على المدينة بها ومن ذلك غزوة أحد وغزوة الخندق وغزوة بني المصطلق وغزوة مؤتة وغزوة حنين والطائف وغزوة تبوك . أما غزوة أحد فكان سببها : قال ابن إسحاق إن أبا سفيان بن حرب لما رجع بعيره التي أفلتت من المسلمين مشى عبد الله بن أبي ربيعة وعكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية في رجال من قريش ممن أصيب أباؤهم وأبناؤهم وإخوانهم يوم بدر فكلموا أبا سفيان ومن كانت له في تلك العير من قريش تجارة وقالوا يا معشر قريش إن محمداً قد وتركم وقتل خياركم فأعينونا بهذا المال على حربه لعلنا ندرك منه ثأرنا بما أصاب منا ففعلوا فاجتمعت قريش ومن أطاعها من قبائل كنانة وأهل تهامة لحرب رسول الله e فخرجت قريش بحدها وجدها وحديدها وأحابيشها ومن تابعها من بني كنانة وأهل تهامة واصطحبوا معهم الظعن (النساء في الهودج) التماس الحفيظة وأن لا يفروا فأقبلوا حتى نزلوا بجبل ببطن السبخة مقابل المدينة ، فلما سمع رسول الله e بهم قال للمسلمين، إن رأيتم أن تقيموا بالمدينة وندعوهم حيث نزلوا فإن أقاموا. أقاموا بشر مقام وإن هم دخلوها علينا قاتلناهم فيها فقال رجال من المسلمين يا رسول اخرج بنا إلى أعدائنا لا يرون أنا جبنا عنهم وضعفنا ـ فلم يزل الناس الذين يحبون لقاء القوم برسول الله e حتى دخل بيته فلبس لأمته (أي درعه) ([23]). وهذا الذي رواه ابن إسحاق واضح الدلالة أن سبب الغزو كان عدواناً قرشياً يحمل في طياته الرغبة الأكيدة في القضاء على المسلمين واقتلاع هذا الدين في جذور أبنائه وأتباعه بل اقتلاعهم من على سطح الأرض فماذا يفعل رسول الله e إنه خرج لصد هذا العدوان ووقف الاعتداء. أما غزوة الخندق فسببها : كما يحكي لنا ابن القيم ذلك فيقول كان سبب غزوة الخندق أن اليهود لما رأوا انتصار المشركين على المسلمين بأحد وعلموا بميعاد أبي سفيان لغزو المسلمين، خرج أشرافهم كسلام ابن أبي الحقيق وسلام بن مشكم وكنانة بن الربيع وغيرهم إلى قريش بمكة يحرضونهم على غزو رسول الله e ويوالونهم عليه ووعدوهم من أنفسهم بالنصر لهم فأجابتهم قريش ثم خرجوا إلى غطفان فدعوهم فاستجابوا لهم ثم طافوا في ذلك فاستجاب لهم من استجاب من قبائل العرب , فخرجت قريش وقائدهم أبو سفيان في أربعة آلاف ووافاهم بنو سليم بمر الظهران وخرجت بنو أسد وبنو فزارة وأشجع وبنو مرة وجاءت غطفان وقائدهم عيينة بن حصن وكان من وافى الخندق من الكفار عشرة آلاف فلما سمع رسول الله بمسيرتهم إليه استشار أصحابه فأشار عليه سلمان الفارسي بحفر خندق يحول بين العدو وبين المدينة فأمر به رسول الله e([24]). وهذا السبب واضح للعيان فهو عدوان سافر ممن تحزب على الرسول وأصحابه فدافع المسلمون عن أنفسهم وصمدوا في مواجهته. أما غزوة بني المصطلق : فقد كان سببها كما ذكر ابن كثير في البداية والنهاية أنه بلغ رسول الله e أن بني المصطلق يجمعون له وقائدهم الحارث بن أبي ضرار فلما سمع بهم خرج إليهم حتى لقيهم على ماء من مياههم يقال له المريسيع من ناحية مُديد إلى الساحل فتزاحم الناس واقتتلوا فهزم الله بني المصطلق وقتل من قتل منهم([25]). ألا يكفي تجمعهم لحرب الرسول وأصحابه سبباً لأن يسارعوا هم لإيقاف هذا الزحف والقضاء عليه. أما غزوة مؤتة : فقد كان سبب هذه المعركة أن رسول الله بعث الحارث بن عمير الأزدى بكتابه إلى عظيم بصرى فعرض له شرحبيل بن عمرو الغساني وكان عاملاً على البلقاء من أرض الشام من قبيل قيصر فأوثقه رباطاً ثم قدمه فضرب عنقه، فاشتد ذلك على رسول الله e فجهز إليه جيشاً قوامه ثلاثة آلاف مقاتل([26])وبعث على الجيش زيد بن حارثة([27]). أليس قتل الرسل إعلاناً للحرب وهذا يكفي سبباً للحرب بين المسلمين و بين من فعل بهم هذه الفعلة الخسيسة. أما غزوة حنين : فسببها أنه قد اجتمع رؤساء قبائل هوازن وثقيف على مالك بن عوف سيد هوازن وأجمعوا أمرهم على المسير لقتال المسلمين فأمر قومه وهم خارجون للغزو أن يأخذوا معهم نساءهم وأعوانهم وذراريهم، وعلم المسلمون بخروج أعدائهم فأرسلوا عيونهم يتعرفون عدتهم وهيئتهم وسار الجيش حتى وصل إلى حنين ([28]). أليس هذا هو العدوان الصارخ بعينه . يجمع الأعداء ويتوجه إلى أرض المعركة ليقطع دابر المؤمنين فحق لهم أن يخرجوا له والله ينصر أولياءه أما غزوة الطائف: فكانت حيث فر من فر من ثقيف بعد غزوة حنين إلى الطائف وأغلقوا عليهم أبواب مدينتهم فسار إليهم الرسول وضرب هنالك عسكره([29]) وحاصرهم ثم عاد عنها وانصرف عن الطائف. وبالنسبة لغزوة تبوك : فقد كان سببها كما ذكر ابن القيم في زاد المعاد أنه بلغ رسول الله e أن الروم قد جمعت جموعاً كثيرة بالشام وأن هرقل قد رزق أصحابه لسنة و أجلبت معه لخم وجذام وعاملة وغسان وقدموا مقدماتهم إلى البلقاء([30]). فها هو العدوان أشد تنكيلاً من غيره وأشد بطشاً فهل يتوارى المسلمون منه فتخطفهم الطير أو تهوي بهم الريح في مكان سحيق أم يدفعون هذا العدوان فيمنعون شره ويوقفون أذاه. ثانياً : غزوات كانت رداً على من نكث عن العهد ونقضه ومن ذاك غزوة بني قينقاع وغزوة بني النضير وغزوة بني قريظة وغزوة خيبر وفتح مكة. وإليك أسباب هذه الغزوات : أسباب غزوة بني قينقاع : وكان من أمر يهود بني قينقاع أن امرأة من العرب قدمت جلبً لها(سلعة جلبتها للسوق بقصد بيعها فيه) فباعته بسوقهم ثم جلست إلى صائغ بها فجعلوا يريدونها على كشف وجهها فأبت فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها فلما قامت انكشفت سوءتها فضحكوا منها فصاحت فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله وكان يهودياً فشدت اليهود على المسلم فقتلوه فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود فغضب المسلمون ووقع الشر بينهم وبين بني قينقاع قال ابن إسحاق فحاصرهم رسول الله e حتى نزلوا على حكمه([31]) فأمرهم أن يخرجوا من المدينة ولا يجاوروه بها فخرجوا إلى أذرعات الشام([32]) فكان ما فعلوه نقضاً لعهودهم فكان هذا جزاءهم. وسبب غزوة بني النضير : أن رسول الله e خرج إلى بني النضير يستعينهم في دية قتيلين من بني عامر قتلهما عمرو بن أمية للعهد الذى كان عليه الصلاة والسلام أعطاهما إياه وكان بين بني النضير وبين بني عامر عهد وحلف فلما أتاهم e قالوا نعم يا أبا القاسم نعينك على ما أحببت ثم خلا بعضهم ببعض فقالوا إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه ورسول الله e إلى جنب جدار من بيوتهم قاعداً فمن رجل يعلو على هذا البيت فيلقى عليه صخرة ويريحنا منه فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب فقال أنا لذلك فصعد ليلقى عليه الصخرة كما قال. ورسول الله e في نفر من أصحابه فيهم أبو بكر وعمر وعلي فأتى رسول الله e الخبر من السماء بما أراد القوم فقام وخرج راجعاً إلى المدينة فلما استلبث النبي e أصحابه قاموا في طلبه فلقوا رجلاً مقبلاً من المدينة فسألوه عنه فقال رأيته داخلاً المدينة فأقبل أصحاب رسول الله e حتى انتهوا إليه فأخبرهم الخبر بما كانت يهود من الغدر به. فبعث رسول الله e محمد بن مسلمة يأمرهم بالخروج من جواره وبلده فكتبوا إلى رسول الله e أنهم لا يخرجون ونابذوه بنقض العهود فعند ذلك أمر الناس بالخروج إليهم ـ فحاصروهم ـ وقذف الله في قلوبهم الرعب فسألوا رسول الله أن يجليهم ويكف عن دمائهم([33]) ففعل. وهنا نتسأل نكثوا عهدهم وحاولوا اغتيال رسول الله e فماذا بعد ذلك وكان سبب غزوة بنى قريظة. ما رواه ابن إسحاق من أنه ([34]), خرج عدو الله حيى بن أخطب النضري حتى أتى كعب بن أسد القرظي صاحب عقد بني قريظة وعهدهم وكان قد وادع رسول الله e على قومه وعاقده على ذلك وعاهده (وكان في مقدمة الأحزاب لغزو المدينة) فقال ويحك يا كعب جئتك بعز الدهر وببحر طام (أي كثير الماء) جئتك بقريش على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بذنب نقمي إلى جانب أحد قد عاهدوني وعاقدوني على أن لا يبرحوا حتى نستأصل محمداً ومن معه ـ فقال ويحك يا حُيي فدعني وما أنا عليه فإني لم أر من محمد إلا صدقاً ووفاء([35]) فلم يزل به ـ حتى سمح له أن أعطاه عهداً وميثاقاً فنقض كعب بن أسد بذلك العهد الذي بينه وبين رسول الله e فلما انتهى الخبر إلى رسول الله e بعث سعد بن معاذ وسعد بن عباده وعبد الله بن رواحه وخوات بن جبير وقال لهم انطلقوا حتى تنظروا أحق ما بلغنا عن هؤلاء القوم أم لا. فخرجوا حتى أتوهم وقالوا من رسول الله ؟ لا عهد بيننا وبين محمد ولا عقد. فلما كان الظهر بعد رجوع الأحزاب أتاه جبريل عليه السلام ـ إن الله عز وجل يأمرك يا محمد بالمسير إلى بني قريظة ـ فأمر رسول الله e مؤذناً يؤذن في الناس من كان سامعاً مطيعاً فلا يصلين العصر ألا ببني قريظة قال ابن إسحاق وحاصر رسول الله e بني قريظة خمساً وعشرين ليلة حتى جهدهم الحصار وقذف الله في قلوبهم الرعب([36]). فهذا نقض صريح للعهد وخيانة ما بعدها خيانة فحق قتالهم. سبب غزوة خيبر : قام يهود خيبر عند غزوة الخندق بتحزيب الأحزاب ضد المسلمين وأثاروا بني قريظة على الغدر والخيانة ثم أخذوا في الاتصال بالمنافقين ( الطابور الخامس في المجتمع الإسلامي )وبغطفان وأعراب البادية وكانوا هم أنفسهم يتهيئون للقتال حتى أنهم وضعوا خطة لاغتيال النبي e فلما انتهت المجابهة مع قريش و أراد رسول الله e الخروج إلى خيبر أعلن أنه لا يخرج معه إلا راغب في الجهاد، فأرسل رأس المنافقين عبد الله بن أبي إلى يهود خيبر أن محمداً قد قصدكم وتوجه إليكم فلما علم ذلك أهل خيبر أرسلوا كنانة بن أبي الحقيق وهودة بن قيس إلى غطفان ليستمدونهم، وشرطوا لهم نصف ثمار خيبر إن هم غلبوا المسلمين، وسلك رسول الله في اتجاهه نحو خيبر وجعل يدخل خيبر من جهة الشمال ليحول بين اليهود وبين طريق فرارهم إلى الشام كما يحول بينهم وبين غطفان([37]). سبب فتح مكة : إن قريشاً مع حلفائها من بني بكر هاجموا خزاعة وهي مع المسلمين في حلف واحد وقاتلوهم أثناء صلح الحديبية فأصابوا منهم رجالاً وانحازت خزاعة إلى الحرم إذ لم تكن متأهبة لحرب فتبعهم بنو بكر يقتلونهم وقريش تمدهم بالسلاح وتعينهم على البغي وفزعت خزاعة لما حل بها فبعثت إلى رسول الله e عمرو بن سالم يقص عليه نبأها يقول: يا رب إنى ناشداً محمداً فد كنتم ولداً وكنا والداً فأنصر هداك الله نصراً أعتدا حلف أبينا وأبيه الأتلدا ثمت أسلمنا فلم ننزع يدا وادع عباد الله يأتوا مددا إلى أخر ما قال فقال له رسول الله e نصرت يا عمرو بن سالم وأمر النبي e الناس أن يتجهزوا وأعلمهم أنه سائر إلى مكة، وسار رسول الله e فدخل مكة من أعلاها وأمر قادة جيشه ألا يقاتلوا إلا من قاتلهم فدخلت سائر الفرق من أنحاء مكة الأخرى .([38]) فرغم صلح الحديبية فقد نقضت قريش هذا الصلح واعتدت على حلفاء الرسول وكان صلح الحديبية يحظر ذلك ورغم ذلك خانوا عهدهم ونقضوا صلحهم فكان جزاءً وفاقاً أنهم كانوا لا يرجون حساباً وكذبوا بآيات ربنا كذاباً فذاقوا وبال أمرهم وكان عاقبة مكرهم خسرا. ثالثاً : غزوات قصد منها اعتراض عير قريش : وكان منها غزوة الأبواء وبواط وغزوة العشيرة وغزوة بدر . أما سبب غزوة الأبواء فكان سببها أنه e غزاها بنفسه وخرج في المهاجرين خاصة يعترض عيراً لقريش فلم يلق كيداً، ثم غزا رسول الله e بواط وخرج في مائتين من أصحابه يعترض عيراً لقريش فيها أمية بن خلف الجمحى فلم يلق كيد فرجع([39]). أما غزوة العشيرة فقد خرج عليه الصلاة والسلام يتعرض عير لقريش ذاهبة إلى الشام .قال ابن إسحاق حتى نزل العشيرة فأقام بها جمادى الأولى وليالي من جمادى الآخرة ووادع فيها بني مد لج وحلفاءهم من بني ضمرة ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيدا([40]). وأما سبب غزوة بدر لما سمع رسول الله e بأبي سفيان مقبلاً من الشام بعير لقريش ندب المسلمين إليهم (قال هذه عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها فانتدب الناس فخف بعضهم وثقل بعض وذلك أنهم لم يظنوا أن رسول الله e يلقى حرباً وكان أبو سفيان حين دنا من الحجاز يتجسس من لقي من الركبان تخوفاً على أمر الناس حتى أصاب خبراً من بعض الركبان أن محمداً e قد استنفر أصحابه لك ولعيرك فحذر ذلك فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري فبعثه إلى مكة وأمره أن يأتي قريشاً يستنفرهم إلى أموالهم([41]). واستعد رسول الله e ومعه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً ولم يكن معهم إلا فرسان وسبعون بعيراً يتعقب الرجلان والثلاثة على بعير واحد وكان رسول الله e وعلي ومرثد بن أبي مرثد يتعقبون بعيراً واحداً، أما أهل مكة فتحفز الناس سراعاً ولم يتخلف عنهم أحد من بطون قريش إلا بني عدي، وكان قوام هذا الجيش نحو ألف وثلاثمائة مقاتل وكان معهم مائة فرس وستمائة درع وجمال كثيرة لا يعرف عددها بالضبط وحينئذ خرجوا من ديارهم وتحركوا بسرعة فائقة نحو الشمال في اتجاه بدر حتى وصلوا الجحفة وهناك تلقوا رسالة جديدة من أبي سفيان يقول فيها إنكم إنما خرجتم لتحرروا عيركم ورجالكم وأموالكم وقد نجاها الله فارجعوا ولما تلقى هذه الرسالة جيش مكة هم بالرجوع ولكن قام طاغية قريش أبو جهل قائلاً والله لا نرجع حتى نرد بدراً فنقيم بها ثلاثاً فتنحر الجذور ونطعم الطعام وتسقى الخمر وتعزف القيان وتسمع بنا العرب وبمسيرتنا وجمعنا فلا يزالون يهابوننا أبداً، فسار جيش مكة وقوامه ألف مقاتل بعد رجوع بني زهرة حتى نزل قريباً من بدر، أما استخبارات جيش المدينة فقد نقلت إلى رسول الله e خبر العير والنفير، فعقد رسول الله مجلساً استشارياً وتبادل فيه الرأي مع عامة جيشه وقواده ( فاستقروا على القتال) وتحرك رسول الله e بجيشه ليسبق المشركين إلى ماء بدر ثم عبأ رسول الله جيشه ومشى في موضع المعركة([42]) حتى كانت ساعة الصفر وبدأت المعركة وانتصر المسلمون. والظاهر أن سبب غزوة بدر خروج الرسول e وأصحابه لاعتراض عير قريش ولكن الحقيقة أنه لو وقف الأمر عند هذا الحد لكانت كما كانت غزوة الأبواء وبواط والعشيرة حيث رجع المسلمون ولم يلقوا كيدا ولكن اتصل بخروجهم سبب أحسبه هو السبب الرئيسي للغزوة وهو حمية أبي جهل ومن على شاكلته ورغبتهم في القضاء على المسلمين الذين لم يخرجوا للحرب فأعلنوا هم الحرب عليهم بغية السيطرة على أنحاء الجزيرة العربية وفرض الهيمنة على قبائل العرب في هذا الموطن وهذا ظاهر في صراحة لفظ أبا جهل( والله لا نرجع حتى نرد بدراً....... حتى قوله وتسمع بنا العرب وبمسيرتنا وجمعنا فلا يزالون يهابوننا أبداً) وبكل صراحة وجرأة أفصح عن نيته فحاد الله ورسوله فكان هو ومن معه في الأزلين. رابعاً : غزوات قصد منها الرد على اعتداءات قراصنة محترفين: ومن ذلك غزوة الغابة: وكان سببها أن أغار عيينة بن حصن الفزاري في بني عبد الله بن غطفان على لقاح النبي e في الغابة فاستاقها وقتل راعيها وهو رجل من عسفان واحتملوا امرأته فجاء الصريخ ونودي يا خيل الله اركبي وكان أول ما نودي بها وركب رسول الله e مقنعاً في الحديد فكان أول من قدم إليه المقداد بن عمرو في الدرع والمغفر فعقد له رسول الله e اللواء وقال امض حتى تلحق بالخيول وأنا على أثرك .وروى مسلم في صحيحة عن سلمة بن الأ كوع حتى ما خلق الله من شئ من لقاح رسول الله e إلا خلفته وراء ظهري واستلبت منهم ثلاثين بردة([43]) فهل يمكن أن يتعجب أحد من خروج الرسول في أثر هؤلاء اللصوص أو ينكر على المسلمين خروجهم. وقفة تأمل : - المتتبع لغزوات الرسول e يجد أن ثلاثة أرباعها تقريباً رداً على عدوان خارجي أو رداً لقراصنة محترفين أو جزاء لنقض صلح أو خيانة عهد وهل ينكر أحد عليه e ذلك .ما أظن عقلاً يرض أن يعتدي عليه أو يخان فيركن إلى الدعة والسكون بزعم المسالمة أو الإخاء فهذا هراء لا تستقيم معه الحياة ولا يصح أن يكون منهج حياة. - أما بقية غزواته التي خرج فيها يترصد عير قريش فكانت وكما قلنا سلفاً وظهر صريحاً من قول رسول الله e الذي تداولته كتب السيرة والتاريخ (هذه عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها) ([44]). ولعلي أتسأل أين أموال المسلمين المهاجرين التي صادرها أهل مكة، أين دور المهاجرين من أهل مكة الذين أسلموا وانتقلوا إلى المدينة، ألم تصادر أموالهم واستولى عليها أهل مكة ألم تغتصب دورهم واستولى عليها أهل مكة ،حتى قال رسول الله e لما فتح مكة حين قيل له أين تنزل غداً بدارك بمكة فقال وهل ترك لنا عقيل من رباع، فأخبر أن عقيلاً استولى عليها([45]). - فكان لابد من تعويض المهاجرين عن بعض ما افتقدوه وخسروه بسبب طغيان أهل مكة لذا كانت جل السرايا والغزوات التي كان غرضها اعتراض عير قريش من المهاجرين([46]) فضلا عن ضرورة مراعاة إن هناك أسباباً أخرى تقف جنباً إلي جنب هذا السبب سيأتي ذكرها ولعل أهمها ضرورة إشعار مشركي يثرب ويهودها وأعراب البادية وأهل مكة بالتحول العسكري الذي طرأ للمسلمين . شبهات : ([47]) الشبهة الأولى : يرى أصحابها أن السرايا التي أخرجها رسول الله e ضرب من قطع الطريق. والرد عليها من وجوه : 1- من المعلوم لدى الكافة أن قطع الطريق يكون للاستيلاء على المال وإرهاب الناس وأخذ أموالهم , وأكثر من ثلاثة أرباع السرايا لم يكن موضوعها مالاً أو فيها استيلاء على مال وقد ذكرنا أن منها ما كان غرضه رد الاعتداء الصادر من المشركين سواء بالقرصنة واللصوصية كما حدث مع كرز بن جابر الفهري الذى استولى على سرح المدينة وسواء ما كان منها رد على عدوان خارجي، كالتي كان سببها أن طلحة الأ سدي وأخاه قد جمعا حلفاء من أسد لحربه e وكذا أيضاً سرية أبى حدرد الأسلمى إلى الغابة التي كان سببها أن رجلاً من جشم بن معاوية يريد أن يجمع قيساً على محاربة المسلمين وكذا سرية علي بن أبي طالب إلى بني سعد بن بكر سنة 6 هـ وكان سببها أن بها جمعاً يريدون أن يمدوا اليهود([48]) ومن ذلك السرايا الكثيرة كسرية بشير بن سعد وسرية عبد الله بن رواحة([49]). كما كان من أغراض السرايا سرايا استكشافية لم يستول فيها المسلمون على مال أحد كما في سرية عبد الله بن جحش وسرية زيد بن حارثة سالفة الذكر، فكيف نصدق هذه الفرية على هذه السرايا وهى على أطلاقها تصطدم مع الواقع والحقيقة لأن ثلاثة أرباعها السالف بيانها لم يتحقق فيها معنى قطع الطريق. 2- أن السرايا التي خرجت لاعتراض عير قريش كانت جلها من المهاجرين بغية تعويضهم ما استولى أهل مكة عليه من أموالهم وما اغتصبوه من دورهم حتى قال رسول الله e كما ذكرنا سلفاً وهل ترك لنا عقيل من رباع أي استولى على الدور، فماذا يفعلون وقد طردوا من بلدهم فأصبحوا مشردين في البلاد حتى هاجر بعضهم إلى الحبشة فراراً بدينه لولا أن من الله عليهم بأهل يثرب فأسكنوهم دورهم وكسوهم ثيابهم حيث كان المهاجرون يخرج أحدهم للهجرة فيأخذون ماله. واستمع معي إلى هذا النموذج من المهاجرين "قال ابن هشام ذاكراً هذا (أن صهيباً حين أراد الهجرة قال له كفار قريش أتيتنا صعلوكاً حقيراً فكثر مالك عندنا وبلغت الذي بلغت ثم تريد أن تخرج بمالك ونفسك والله لا يكون ذلك فقال لهم أرأيتم إن جعلت لكم مالي أتخلون سبيلي ؟ قالوا نعم قال فأنى جعلت لكم مالي فبلغ ذلك رسول الله e فقال ربح صهيب، ربح صهيب) فماذا يفعل هذا المهاجر وكيف يعيش وكيف يحيا أليس ماله الذي تركه كان لديهم بل ربما تاجروا فيه فكان نواة لعير من هذه العير. ومن هنا يمكن القول أن العاقل لا ينكر أن يكون رد الفعل بمثله وإنما الذي ينكر عليه هو الطغيان والتجاوز للحدود فكيف ينكر على رسول الله e وأصحابه فعلهم هذا؟ 3- أن خروج هذه السرايا كان أمراً لابد منه لضرورة إشعار مشركي يثرب ويهودها وأعراب البادية وأهل مكة بالتحول العسكري الذي طرأ للمسلمين فلم يؤذن لهم في القتال قبلها واعتادت قريش وغيرها أن يلهبوهم بالسياط فلا يتكلمون ويسلبوهم أرواحهم ولا يتأفف منهم أحد فكانت السرايا اذاناً لابد منه لإشعارهم ومن على شاكلتهم أن في الكون من يعلن رفضه لسطوتهم ويحطم بمشيئة ربه طغيانهم. الشبهة الثانية : يرى أصحابها أن الإسلام انتشر بحد السيف([50]) وأن هذه الغزوات ما هي إلا سيف أشهر في وجوه المعارضين لهذا الدين ، إما أن يسلموا أو تراق دماؤهم. الرد على هذه الشبهة من وجوه : 1ـ منهج الإسلام النظري والتطبيقي يرد على ذلك حيث أقام الإسلام سياسته الداخلية والخارجية على أساس أن الأصل في العلاقات الدولية السلم والسلام وهذا من أهم المبادئ التي عمق الإسلام جذورها في نفوس المسلمين فأصبحت جزءاً من كيانهم وعقيدة من عقائدهم وهو بهذا الأصل لا يطلب من غير المسلمين إلا أن يكفوا شرهم ويحفظوا عهودهم وألا يثيروا الفتن والمشاكل([51]). ولما كان الأمر كذلك فلا يجوز شرعاً قتال غير المسلمين إلا لمسوغ شرعي من تلك المسوغات والأسباب التي يشرع فيها القتال على النحو السالف بيانه في الباب التمهيدي لهذا البحث وهي أسباب يقبلها كل عاقل. - ولا يكون القتال عند توافر السبب المشروع من تلك المسوغات والأسباب إلا مع المقاتلين فقط ولا يكون ذلك إلا بعد بلوغ الدعوة إليهم فشرط الحرب باتفاق علماء الإسلام([52]) بلوغ الدعوة إليهم فإن لم يبلغهم فلا حرب حتى يبلغوا الدعوة فضلاً عن مراعاة إعلان الحرب بالشروط الشرعية التي سوف يتم عرضها في الفصل التالي فإن لم يلتزم الإمام أو القائد الحربي أو الجند بذلك صار فعله باطلاً بل ويجب إعادة الوضع إلى ما كان عليه وهذا ما يشهد به الواقع واستمع إلى هذه القصة ففيها الدليل والبرهان : قدم أهل سمرقند إلى عاملهم سليمان بن أبي السمري (الوالي من قبل عمر بن عبد العزيز) فقالوا له أن قتيبة بن مسلم الباهلي غدر بنا وظلمنا وأخذ بلادنا، فأذن لنا فليقدم منا وفد إلى أمير المؤمنين يشكو خلافنا، فأذن لهم فوجهوا منهم قوماً إلى عمر بن عبد العزيز فلما علم عمر خلافهم كتب إلى سليمان يقول له إن أهل سمرقند قد شكوا إلى ظلماً أصابهم وتحاملاً من قتيبة عليهم حتى أخرجهم من أرضهم فإذا أتاك كتابي فأجلس لهم القاضي فلينظر في أمرهم فإن قضى لهم فأخرجهم إلى معسكر. كما كانوا وكنتم قبل أن يظهر عليهم قتيبة، فأجلس لهم سليمان . جميع بن حاضر القاضي فقضى أن يخرج عرب سمرقند إلى معسكرهم وينابذوهم على سواء فيكون صلحاً جديداً أو ظفراً فقال أهل السند بل نرضى بما كان ولا نجدد حرباً، وكان ذلك سبباً في دخولهم الإسلام مختارين([53]).فأين السيف الذي يتحدثون عنه .3- القاعدة الشرعية الثابتة التي يدين بها من دخل الإسلام أنه لا إكراه في الدين قال تعالىâ Iw on#tø.Î) ’Îû ÈûïÏe$!$# ( ‰s% tû¨üt6¨? ߉ô©”9$# z`ÏB ÄcÓxöø9$# á ([54]). والدين في هذه الآية المعتقد والملة([55]) وقوله تعالى يخاطب نبيه â öqs9ur uä!$x© y7•/u‘ z`tBUy `tB ’Îû ÇÚö‘F{$# öNßg=à2 $·èŠÏHsd 4 |MRr'sùr& çnÌõ3è? }¨$¨Z9$# 4Ó®Lym (#qçRqä3tƒ šúüÏZÏB÷sãB ÇÒÒÈ á ([56]). ومعنى تكره تلزمهم وتلجئهم أي ليس ذلك عليك ولا إليك بل الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء([57]). ومن ثم فلا إكراه بالسيف ولا بالقول ولا حتى بالإشارة ولم يثبت في التاريخ أن أحداً من أهل الإسلام أكره أحداً على دخول الإسلام ولم يسمع به أحد بل نسمع ونقرأ عكس ذلك وهذا هو الدليل (بعد أن فتح الله حمص على المسلمين وأذعنوا بدفع الجزية جمع هرقل عساكره فأراد أبو عبيدة أن يبقى في حمص ولكن أمراء الجند أجمعوا على الخروج فأمر أبو عبيدة حبيب بن مسلمة أن يرد عليهم ما أخذ منهم من المال للدفاع عنهم وأخذ أهل البلد يقولون ردكم الله إلينا ولعن الذين كانوا يملكوننا من الروم، والله لو كانوا هم ما ردوا علينا([58]). فهل هذا إكراه أم بذل وعطاء ؟ 3ـ وهذه الكلمة حجة على غير المسلمين من مستشرقين وغيرهم أقول لكل واحد منهم لو أن المسلمين كانوا ينشرون الإسلام بالسيف لماَ كنت أنت ولا أجدادك ولا إباؤك أحياء. إن هذه الفرية تعنى أنهم كانوا يفرضون الإسلام على غيرهم إما الإسلام وإما القتل. وهذا ما لم يقل به أحد فقد كانوا يقبلون المهادنة والصلح ومن طلب الأمان وجب إعطاؤه إليه وبذله له وهو على أرضه وبلده وعلى دينه إن شاء ومن أراد أن يعيش في ظل دولة الإسلام دفع مقابل الخدمات والحماية كأي مواطن في أي دولة. فالمسلمون يدفعون الزكاة وغير المسلمين يدفعون ما يسمى بالجزية أو ما يتم المصالحة عليه كما كان الحال في أهل نجران وأهل البحرين في العهد النبوي. 4- نظم الإسلام بأحكامه الشرعية علاقة المسلمين بغيرهم فأجاز زواج نساء أهل الكتاب اليهود والنصارى وأحل طعامهم([59]) فدل ذلك سلفاً على أن الشريعة لا تمانع بقاءهم ولا توجب قتلهم ولا رفع السيف عليهم بل فتحت هذا الباب لتظل أحكام الشرع متتابعة في دعوتها لتأليف قلوب الناس وترغيبهم بهذا الدين فما أن يقترب منه عاقل إلا ويقع في قلبه أما من ينظر إليه عن بعد فستظل النظارة السوداء حائلاً بينه وبين الرؤية الصحيحة. ([1]) بلا ريب أن أحد الفريقين على صواب لأن الحق المطلق واحد لا يتعدد ولكن افتقارهم إلى مرجع وميزان ثابت جعلهم يحتكمون إلى أهوائهم وفق ما تمليه عليهم عقولهم أو معتقداتهم بيد أنه لما كان الله تبارك وتعالى علم من الناس تقصيرهم في الوصول الى ذلك أرسل رسله بهذا الميزان وجعل خاتمة ذلك شريعة الإسلام التي جعلت لكل شىء ضابطاً وميزاناً فللحرب ميزان و للسلم ميزان وللاقتصاد ميزان وللسياسة والاجتماع ميزان إلى غير ذلك من الموازين التى لو تنبه الناس إليها لصلحت أحوالهم وعمت السعادة حياتهم. ([47]) لم أصرح في عرض هذه الشبهات بقائلها لأن في الذكر تخليد لسيرة المذكور وهؤلاء أدنى من أن نكون سبباً في تخليد ذكرهم ويكفى سرد الشبهة مجرده عن القائلين حتى لا تزل نفس مسلم فيقع فيها أو يقتنع بها وقمنا بالرد عليه حتى يعلم الجميع أنها على ضلال وإلى زوال |
مواقع النشر (المفضلة) |
الكلمات الدلالية (Tags) |
أميرة, العامة, الفكر, الإسلامي, النظرية ![]() |
انواع عرض الموضوع |
![]() |
![]() |
![]() |
|
|