كانت حال أبي محمد المهلبي قبل اتصاله بالسلطان، حالَ ضعفٍ وقلة وفقر وكان يقاسي منه قذى عينيه وشجى صدره، فبينا هو في بعض أسفاره مع رفيق له من أصحاب الأدب ... إذ لقي من سفره نَصَبَاً فقال ارتجالا :
ألا موتٌ يُباعُ فأشتريه ** فهذا العيشُ ما ﻻ خَيرَ فيهِ
ألا موتٌ لذيذُ الطعمِ يأتي ** يُخَلِّصَنِي من العيشِ الكَريهِ
إذا أبصرتُ قبراً مِن بعيدٍ ** وددتُ لو أنني مما يليهِ
ألا رَحِمَ المهيمنُ نَفْسَ حُرٍ ** تصدَّقَ بالوفاةِ على أخيهِ !
فرثى له رفيقه وأحضر له بدرهم ما سكنه، وتحفظ الأبيات وتفارقا، فترقت حال المهلبي إلى الوزارة،
ودار الدهر على ذلك الرجل الذي كان رفيقه، وضاقت به الأحوال فقصده، وتوصَّل إلى إيصال رقعةٍ إليه مكتوب فيها :
ألا قل للوزير فدته نفسي *** مقال مُذَكِّرٍ ما قد نسيه
أتذكر إذ تقول لضنك عيشٍ *** ألا موت يباع فأشتريه؟
فلما قرأ الرقعة تذكره، وهزته أريحية الكرم، فأمر له في عاجل الحال بسبعمائة درهم،
ووقع تحت رقعته: ﴿*مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ*﴾..
ثم قلَّده عمﻼً يرتفق به ويرتزق منه.
|