من هو جمال عبدالناصر؟؟؟؟؟
ولد جمال عبد الناصر في ١٥ يناير ١٩١٨ في ١٨ شارع قنوات في حي باكوس الشعبيب الإسكندرية . كان جمال عبد الناصر الابن الأكبرلعبد الناصر حسين الذي ولد فيعام ١٨٨٨ في قرية بني مر في صعيد مصر في أسره من الفلاحين، ولكنه حصل على قدر من التعليم سمح له بأن يلتحق بوظيفة في مصلحة البريد بالإسكندرية، وكان مرتبه يكفىبصعوبة لسداد ضرورات الحياة . جمال عبد الناصر فى المرحلة الابتدائية: التحق جمال عبد الناصر بروضة الأطفال بمحرم بك بالإسكندرية، ثم التحق بالمدرسةالابتدائية بالخطاطبه في عامي ١٩٢٣ ، ١٩٢٤ . وفى عام ١٩٢٥ دخل جمال مدرسة النحاسين الابتدائية بالجمالية بالقاهرة وأقام عندعمه خليل حسين في حي شعبي لمدة ثلاث سنوات، وكان جمال يسافر لزيارة أسرته بالخطاطبهفي العطلات المدرسية، وحين وصل في الإجازة الصيفية في العام التالي – ١٩٢٦ – علم أنوالدته قد توفيت قبل ذلك بأسابيع ولم يجد أحد الشجاعة لإبلاغه بموتها، ولكنه اكتشفذلك بنفسه بطريقة هزت كيانه – كما ذكر ل "دافيد مورجان" مندوب صحيفة "الصنداىتايمز" – ثم أضاف: "لقد كان فقد أمي في حد ذاته أمراً محزناً للغاية، أما فقدهابهذه الطريقة فقد كان صدمة تركت في شعوراً لا يمحوه الزمن. وقد جعلتني آلاميوأحزاني الخاصة في تلك الفترة أجد مضضاً بالغاً في إنزال الآلام والأحزان بالغير فيمستقبل السنين ". وبعد أن أتم جمال السنة الثالثة في مدرسة النحاسين بالقاهرة، أرسله والده في صيف١٩٢٨عند جده لوالدته فقضى السنة الرابعة الابتدائية في مدرسة العطارين بالإسكندرية . جمال عبد الناصر فى المرحلة الثانوية:
عبد الناصر اثناء دراسته فى مدرسة حلوان الثانوية
التحق جمال عبد الناصر في عام ١٩٢٩ بالقسم الداخلي في مدرسة حلوان الثانوية وقضىبها عاماً واحداً، ثم نقل في العام التالي – ١٩٣٠ – إلى مدرسة رأس التين الثانويةبالإسكندرية بعد أن انتقل والده إلى العمل بمصلحة البوسطة هناك .
وفى تلك المدرسة تكون وجدان جمال عبد الناصر القومي؛ ففي عام ١٩٣٠استصدرت وزارة إسماعيل صدقي مرسوماً ملكياً بإلغاء دستور ١٩٢٣ فثارت مظاهرات الطلبةتهتف بسقوط الاستعمار وبعودة الدستور. ويحكى جمال عبد الناصر عن أول مظاهرة اشترك فيها: "كنت أعبر ميدانالمنشية في الإسكندرية حين وجدت اشتباكاً بين مظاهرة لبعض التلاميذ وبين قوات منالبوليس، ولم أتردد في تقرير موقفي؛ فلقد انضممت على الفور إلى المتظاهرين، دون أنأعرف أي شئ عن السبب الذي كانوا يتظاهرون من أجله، ولقد شعرت أنني في غير حاجة إلىسؤال؛ لقد رأيت أفراداً من الجماهير في صدام مع السلطة، واتخذت موقفي دون تردد فيالجانب المعادى للسلطة. ومرت لحظات سيطرت فيها المظاهرة على الموقف، لكن سرعان ما جاءت إلىالمكان الإمدادات؛ حمولة لوريين من رجال البوليس لتعزيز القوة، وهجمت عليناجماعتهم، وإني لأذكر أنى – في محاولة يائسة – ألقيت حجراً، لكنهم أدركونا في لمحالبصر، وحاولت أن أهرب، لكنى حين التفت هوت على رأسي عصا من عصى البوليس، تلتهاضربة ثانية حين سقطت، ثم شحنت إلى الحجز والدم يسيل من رأسي مع عدد من الطلبة الذينلم يستطيعوا الإفلات بالسرعة الكافية. ولما كنت في قسم البوليس، وأخذوا يعالجون جراح رأسي؛ سألت عن سببالمظاهرة، فعرفت أنها مظاهرة نظمتها جماعة مصر الفتاة في ذلك الوقت للاحتجاج علىسياسة الحكومة. وقد دخلت السجن تلميذاً متحمساً، وخرجت منه مشحوناً بطاقة منالغضب". (حديث عبد الناصر مع "دافيد مورجان" مندوب "صحيفة الصنداى تايمز" ١٨/٦/١٩٦٢) . ويعود جمال عبد الناصر إلى هذه الفترة من حياته في خطاب له بميدانالمنشية بالإسكندرية في ٢٦/١٠/١٩٥٤ ليصف أحاسيسه في تلك المظاهرة وما تركته من آثارفي نفسه: "حينما بدأت في الكلام اليوم في ميدان المنشية. سرح بي الخاطر إلى الماضيالبعيد ... وتذكرت كفاح الإسكندرية وأنا شاب صغير وتذكرت في هذا الوقت وأنا اشتركمع أبناء الإسكندرية، وأنا أهتف لأول مرة في حياتي باسم الحرية وباسم الكرامة،وباسم مصر... أطلقت علينا طلقات الاستعمار وأعوان الاستعمار فمات من مات وجرح منجرح، ولكن خرج من بين هؤلاء الناس شاب صغير شعر بالحرية وأحس بطعم الحرية، وآلي علىنفسه أن يجاهد وأن يكافح وأن يقاتل في سبيل الحرية التي كان يهتف بها ولا يعلممعناها؛ لأنه كان يشعر بها في نفسه، وكان يشعر بها في روحه وكان يشعر بها في دمه". لقد كانت تلك الفترة بالإسكندرية مرحلة تحول في حياة الطالب جمال من متظاهر إلىثائر تأثر بحالة الغليان التي كانت تعانى منها مصر بسبب
مقال كتبه جمال عبد الناصر بعنوان "فولتير رجلالحرية"
تحكم الاستعمار وإلغاء الدستور. وقد ضاق المسئولون بالمدرسة بنشاطهونبهوا والده فأرسله إلى القاهرة. وقد التحق جمال عبد الناصر في عام ١٩٣٣ بمدرسة النهضة الثانوية بحيالظاهر بالقاهرة، واستمر في نشاطه السياسي فأصبح رئيس اتحاد مدارس النهضة الثانوية. وفى تلك الفترة ظهر شغفه بالقراءة في التاريخ والموضوعات الوطنيةفقرأ عن الثورة الفرنسية وعن "روسو" و"فولتير" وكتب مقالة بعنوان "فولتير رجلالحرية" نشرها بمجلة المدرسة. كما قرأ عن "نابليون" و"الإسكندر" و"يوليوس قيصر" و"غاندى" وقرأ رواية البؤساء ل "فيكتور هيوجو" وقصة مدينتين ل "شارلزديكنز".(الكتب التي كان يقرأها عبد الناصر في المرحلة الثانوية). (الكتب التي كان يقرأها عبد الناصر في المرحلةالثانوية). كذلك اهتم بالإنتاج الأدبي العربي فكان معجباً بأشعار أحمد شوقيوحافظ إبراهيم، وقرأ عن سيرة النبي محمد وعن أبطال الإسلام وكذلك عن مصطفى كامل،كما قرأ مسرحيات وروايات توفيق الحكيم خصوصاً رواية عودة الروح التي تتحدث عن ضرورةظهور زعيم للمصريين يستطيع توحيد صفوفهم ودفعهم نحو النضال في سبيل الحرية والبعثالوطني.
الحفلة التمثيلية لمدارس النهضة المصرية تعرض مسرحية يوليوس قيصر ..
وفى ١٩٣٥ في حفل مدرسة النهضة الثانوية لعب الطالب جمال عبد الناصردور "يوليوس قيصر" بطل تحرير الجماهير في مسرحية "شكسبير" في حضور وزير المعارف فيذلك الوقت. وقد شهد عام ١٩٣٥ نشاطاً كبيراً للحركة الوطنية المصرية التي لعبفيها الطلبة الدور الأساسي مطالبين بعودة الدستور والاستقلال، ويكشف خطاب من جمالعبد الناصر إلى صديقه حسن النشار في ٤ سبتمبر ١٩٣٥ مكنون نفسه في هذه الفترة،فيقول: "لقد انتقلنا من نور الأمل إلى ظلمة اليأس ونفضنا بشائر الحياة واستقبلناغبار الموت، فأين من يقلب كل ذلك رأساً على عقب، ويعيد مصر إلى سيرتها الأولى يومأن كانت مالكة العالم. أين من يخلق خلفاً جديداً لكي يصبح المصري الخافت الصوتالضعيف الأمل الذي يطرق برأسه ساكناً صابراً على اهتضام حقه ساهياً عن التلاعببوطنه يقظاً عالي الصوت عظيم الرجاء رافعاً رأسه يجاهد بشجاعة وجرأه في طلبالاستقلال والحرية... قال مصطفى كامل ' لو نقل قلبي من اليسار إلى اليمين أو تحركالأهرام من مكانه المكين أو تغير مجرى [النيل] فلن أتغير عن المبدأ ' ... كل ذلكمقدمة طويلة لعمل أطول وأعظم فقد تكلمنا مرات عده في عمل يوقظ الأمة من غفوتهاويضرب على الأوتار الحساسة من القلوب ويستثير ما كمن في الصدور. ولكن كل ذلك لميدخل في حيز العمل إلى الآن".(خطاب عبد الناصر لحسن النشار... ٤/٩/١٩٣٥).
خطاب عبد الناصر لحسن النشار عن الحركة الوطنية بين الطلبة لعودةالدستور والاستقلال
ووبعد ذلك بشهرين وفور صدور تصريح "صمويل هور" – وزير الخارجيةالبريطانية – في ٩ نوفمبر١٩٣٥ معلناً رفض بريطانيا لعودة الحياة الدستورية في مصر،اندلعت مظاهرات الطلبة والعمال في البلاد، وقاد جمال عبد الناصر في ١٣ نوفمبرمظاهرة من تلاميذ المدارس الثانوية واجهتها قوة من البوليس الإنجليزي فأصيب جمالبجرح في جبينه سببته رصاصة مزقت الجلد ولكنها لم تنفذ إلى الرأس، وأسرع به زملاؤهإلى دار جريدة الجهاد التي تصادف وقوع الحادث بجوارها ونشر اسمه في العدد الذي صدرصباح اليوم التالي بين أسماء الجرحى. (مجلة الجهاد ١٩٣٥). وعن آثار أحداث تلك الفترة في نفسية جمال عبد الناصر قال في كلمةله في جامعة القاهرة في ١٥ نوفمبر ١٩٥٢: "وقد تركت إصابتي أثراً عزيزاً لا يزاليعلو وجهي فيذكرني كل يوم بالواجب الوطني الملقى على كاهلي كفرد من أبناء هذا الوطنالعزيز. وفى هذا اليوم وقع صريع الظلم والاحتلال المرحوم عبد المجيد مرسى فأنسانيما أنا مصاب به، ورسخ في نفسي أن على واجباً أفنى في سبيله أو أكون أحد العاملين فيتحقيقه حتى يتحقق؛ وهذا الواجب هو تحرير الوطن من الاستعمار، وتحقيق سيادة الشعب. وتوالى بعد ذلك سقوط الشهداء صرعى؛ فازداد إيماني بالعمل على تحقيق حرية مصر". وتحت الضغط الشعبي وخاصة من جانب الطلبة والعمال صدر مرسوم ملكي في١٢ديسمبر ١٩٣٥ بعودة دستور ١٩٢٣.
مجلة الجهاد تنشر أسماء الجرحى فى مظاهراتنوفمبر
وقد انضم جمال عبد الناصر في هذا الوقت إلى وفود الطلبة التي كانتتسعى إلى بيوت الزعماء تطلب منهم أن يتحدوا من أجل مصر، وقد تألفت الجبهة الوطنيةسنة ١٩٣٦ بالفعل على أثر هذه الجهود. وقد كتب جمال في فترة الفوران هذه خطاباً إلى حسن النشار في ٢سبتمبر ١٩٣٥ قال فيه: "يقول الله تعالى: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة، فأين تلكالقوة التي نستعد بها لهم؛ إن الموقف اليوم دقيق ومصر في موقف أدق...".ووصف جمال عبد الناصر شعوره في كتاب "فلسفة الثورة" فقال: "وفى تلكالأيام قدت مظاهرة في مدرسة النهضة، وصرخت من أعماقي بطلب الاستقلال التام، وصرخورائي كثيرون، ولكن صراخنا ضاع هباء وبددته الرياح أصداء واهية لا تحرك الجبال ولاتحطم الصخور".إلا أن اتحاد الزعماء السياسيين على كلمة واحدة كان فجيعة لإيمانجمال عبد الناصر، على حد تعبيره في كتاب "فلسفة الثورة"، فإن الكلمة الواحدة التياجتمعوا عليها كانت معاهدة ١٩٣٦ التي قننت الاحتلال، فنصت على أن تبقى في مصر قواعدعسكرية لحماية وادي النيل وقناة السويس من أي اعتداء، وفى حال وقوع حرب تكونالأراضي المصرية بموانيها ومطاراتها وطرق مواصلاتها تحت تصرف بريطانيا، كما نصتالمعاهدة على بقاء الحكم الثنائي في السودان. وكان من نتيجة النشاط السياسي المكثف لجمال عبد الناصر في هذهالفترة الذي رصدته تقارير البوليس أن قررت مدرسة النهضة فصله بتهمة تحريضه الطلبةعلى الثورة، إلا أن زملائه ثاروا وأعلنوا الإضراب العام وهددوا بحرق المدرسة فتراجعناظر المدرسة في قراره.ومنذ المظاهرة الأولى التي اشترك فيها جمال عبد الناصر بالإسكندريةشغلت السياسة كل وقته، وتجول بين التيارات السياسية التي كانت موجودة في هذا الوقتفانضم إلى مصر الفتاة لمدى عامين، ثم انصرف عنها بعد أن اكتشف أنها لا تحقق شيئاً،كما كانت له اتصالات متعددة بالإخوان المسلمين إلا أنه قد عزف عن الانضمام لأي منالجماعات أو الأحزاب القائمة لأنه لم يقتنع بجدوى أياً منها ،"فلم يكن هناك حزبمثالي يضم جميع العناصر لتحقيق الأهداف الوطنية".كذلك فإنه وهو طالب في المرحلة الثانوية بدأ الوعي العربي يتسللإلى تفكيره، فكان يخرج مع زملائه كل عام في الثاني من شهر نوفمبر احتجاجاً على وعد "بلفور" الذي منحت به بريطانيا لليهود وطناً في فلسطين على حساب أصحابهالشرعيين.جمال عبدالناصر ضابطاً:
عبد الناصر وهو فى طالب فى الكلية الحربية بعد انانتقل اليها من كلية الحقوق
لما أتم جمال عبد الناصر دراسته الثانوية وحصل على البكالوريا فيالقسم الأدبي قرر الالتحاق بالجيش، ولقد أيقن بعد التجربة التي مر بها في العملالسياسي واتصالاته برجال السياسة والأحزاب التي أثارت اشمئزازه منهم أن تحرير مصرلن يتم بالخطب بل يجب أن تقابل القوة بالقوة والاحتلال العسكري بجيش وطني.تقدم جمال عبد الناصر إلى الكلية الحربية فنجح في الكشف الطبيولكنه سقط في كشف الهيئة لأنه حفيد فلاح من بني مر وابن موظف بسيط لا يملك شيئاً،ولأنه اشترك في مظاهرات ١٩٣٥، ولأنه لا يملك واسطة.ولما رفضت الكلية الحربية قبول جمال، تقدم في أكتوبر ١٩٣٦ إلى كليةالحقوق في جامعة القاهرة ومكث فيها ستة أشهر إلى أن عقدت معاهدة ١٩٣٦ واتجهت النيةإلى زيادة عدد ضباط الجيش المصري من الشباب بصرف النظر عن طبقتهم الاجتماعية أوثروتهم، فقبلت الكلية الحربية دفعة في خريف ١٩٣٦ وأعلنت وزارة الحربية عن حاجتهالدفعة ثانية، فتقدم جمال مرة ثانية للكلية الحربية ولكنه توصل إلى مقابلة وكيلوزارة الحربية اللواء إبراهيم خيري الذي أعجب بصراحته ووطنيته وإصراره على أن يصبحضابطاً فوافق على دخوله في الدورة التالية؛ أي في مارس ١٩٣٧.لقد وضع جمال عبد الناصر أمامه هدفاً واضحاً في الكلية الحربية وهو "أن يصبح ضابطاً ذا كفاية وأن يكتسب المعرفة والصفات التي تسمح له بأن يصبحقائداً"، وفعلاً أصبح "رئيس فريق"، وأسندت إليه منذ أوائل ١٩٣٨ مهمة تأهيل الطلبةالمستجدين الذين كان من بينهم عبد الحكيم عامر. وطوال فترة الكلية لم يوقع على جمالأي جزاء، كما رقى إلى رتبة أومباشى طالب.
الملازم ثان عبد الناصر
تخرج جمال عبد الناصر من الكلية الحربية بعد مرور ١٧ شهراً، أي فييوليه ١٩٣٨، فقد جرى استعجال تخريج دفعات الضباط في ذلك الوقت لتوفير عدد كافي منالضباط المصريين لسد الفراغ الذي تركه انتقال القوات البريطانية إلى منطقة قناةالسويس.وقد كانت مكتبة الكلية الحربية غنية بالكتب القيمة، فمن لائحةالاستعارة تبين أن جمال قرأ عن سير عظماء التاريخ مثل "بونابرت" و"الإسكندر" و"جاليباردى" و"بسمارك" و"مصطفى كمال أتاتورك" و"هندنبرج" و"تشرشل" و"فوش". كما قرأالكتب التي تعالج شئون الشرق الأوسط والسودان ومشكلات الدول التي على البحر المتوسطوالتاريخ العسكري. وكذلك قرأ عن الحرب العالمية الأولى وعن حملة فلسطين، وعن تاريخثورة ١٩١٩.(الكتب التى كان يقرأها عبد الناصرفى الكلية الحربية). التحق جمال عبد الناصر فور تخرجه بسلاح المشاة ونقل إلى منقباد فيالصعيد، وقد أتاحت له إقامته هناك أن ينظر بمنظار جديد إلى أوضاع الفلاحين وبؤسهم. وقد التقى في منقباد بكل من زكريا محيى الدين وأنور السادات.وفى عام ١٩٣٩ طلب جمال عبد الناصر نقله إلى السودان، فخدم فيالخرطوم وفى جبل الأولياء، وهناك قابل زكريا محيى الدين وعبد الحكيم عامر. وفى مايو١٩٤٠رقى إلى رتبة الملازم أول.
تعيين جمال عبد الناصر رئيساً لمجلس قيادة الثورة: وفى فبراير ١٩٥٤ استقال محمد نجيب بعد أن اتسعت الخلافات بينه وبينأعضاء مجلس قيادة الثورة، وعين جمال عبد الناصر رئيساً لمجلس قيادة الثورة ورئيساًلمجلس الوزراء. وفيما يلي البيان الذي أذاعه المجلس بأسباب ذلك الخلاف في ٢٥ فبراير١٩٥٤:
"أيها المواطنون
"لم يكن هدف الثورة التي حمل لواءها الجيش يوم ٢٣ يوليه سنة ١٩٥٢أن يصل فرد أو أفراد إلى حكم أو سلطان أو أن يحصل كائن من كان على مغنم أو جاه، بليشهد الله أن هذه الثورة ما قامت إلا لتمكين المُثل العليا في البلاد بعد أنافتقدتها طويلاً نتيجة لعهود الفساد والانحلال. لقد قامت في وجه الثورة منذ اللحظة الأولى عقبات قاسية عولجت بحزمدون نظر إلى مصلحة خاصة لفرد أو جماعة، وبهذا توطدت أركانها واطرد تقدمها في سبيلبلوغ غاياتها.ولا شك أنكم تقدرون خطورة ما أقيم في وجه الثورة من صعاب، خاصةوالبلاد ترزح تحت احتلال المستعمر الغاصب لجزء من أراضيها، وكانت مهمة مجلس قيادةالثورة في خلال هذه الفترة غاية في القسوة والخطورة، حمل أفراد المجلس تلك التبعةالملقاة على عاتقهم ورائدهم الوصول بأمتنا العزيزة إلى بر الأمان مهما كلفهم هذا منجهد وبذل.ومما زاد منذ اللحظة الأولى في قسوة وخطورة هذه التبعة الملقاة علىأعضاء مجلس قيادة الثورة أنهم كانوا قد قرروا وقت تدبيرهم وتحضيرهم للثورة فيالخفاء قبل قيامهم أن يقدموا للشعب قائداً للثورة من غير أعضاء مجلس قيادتهم وكلهممن الشبان، واختاروا فعلاً فيما بينهم اللواء أركان حرب محمد نجيب ليقدم قائداًللثورة، وكان بعيداً عن صفوفهم، وهذا أمر طبيعي للتفاوت الكبير بين رتبته ورتبهم،وسنه وسنهم، وكان رائدهم في هذا الاختيار سمعته الحسنة الطيبة وعدم تلوثه بفسادقادة ذلك العهد.وقد أخطر سيادته بأمر ذلك الاختيار قبل قيام الثورة بشهرين اثنينووافق على ذلك. وما أن علم سيادته بقيام الثورة عن طريق مكالمة تليفونية بين وزيرالحربية فى ذلك الوقت السيد مرتضى المراغى وبينه وفى منزله حتى قام إلى مبنى قيادةالثورة واجتمع برجالها فور تسلمهم لزمام الأمور. ومنذ تلك اللحظة أصبح الموقف دقيقاً؛ إذ أن أعمال ومناقشات مجلسقيادة الثورة استمرت أكثر من شهر بعيدة عن أن يشترك فيها اللواء محمد نجيب إذ أنهحتى ذلك الوقت وعلى وجه التحديد يوم ٢٥ أغسطس سنة ١٩٥٢ لم يكن سيادته قد ضم إلىأعضاء مجلس الثورة. وقد صدر قرار المجلس فى ذلك اليوم بضمه لعضويته كما صدر قرار بأنتسند إليه رئاسة المجلس بعد أن تنازل له عنها البكباشى أركان حرب جمال عبد الناصرالذى جدد انتخابه بواسطة المجلس قبل قيام الثورة كرئيس للمجلس لمدة عام ينتهى فىأخر أكتوبر سنة ١٩٥٢. نتيجة لذلك الموقف الشاذ ظل اللواء محمد نجيب يعانى أزمة نفسيةعانينا منها الكثير رغم قيامنا جميعاً بإظهاره للعالم أجمع بمظهر الرئيس الفعلىوالقائد الحقيقى للثورة ومجلسها مع المحافظة على كافة مظاهر تلك القيادة. وبعد أقل من ستة شهور بدأ سيادته يطلب بين وقت وآخر من المجلس منحهسلطات تفوق سلطة العضو العادى بالمجلس، ولم يقبل المجلس مطلقاً أن يحيد عن لائحتهالتى وضعت قبل الثورة بسنين طويلة إذ تقضى بمساواة كافة الأعضاء بما فيهم الرئيس فىالسلطة، فقط إذا تساوت الأصوات عند أخذها بين فريقين فى المجلس فترجح الكفة التىيقف الرئيس بجانبها. ورغم تعيين سيادته رئيساً للجمهورية مع احتفاظه برئاسة مجلسالوزراء ورئاسته للمؤتمر المشترك إلا أنه لم ينفك يصر ويطلب بين وقت وأخر أن تكونله اختصاصات تفوق اختصاصات المجلس، وكان إصرارنا على الرفض الكلى لكى نكفل أقصىالضمانات لتوزيع سلطة السيادة فى الدولة على أعضاء المجلس مجتمعين. وأخيراً تقدم سيادته بطلبات محددة وهى: أن تكون له سلطة حق الاعتراض على أى قرار يجمع عليه أعضاء المجلس،علماً بأن لائحة المجلس توجب إصدار أى قرار يوافق عليه أغلبية الأعضاء. كما طلب أن يباشر سلطة تعيين الوزراء وعزلهم وكذا سلطة الموافقةعلى ترقية وعزل الضباط وحتى تنقلاتهم؛ أى أنه طالب إجمالاً بسلطة فردية مطلقة. ولقد حاولنا بكافة الطرق الممكنة طوال الشهور العشرة الماضية أننقنعه بالرجوع عن طلباته هذه التى تعود بالبلاد إلى حكم الفرد المطلق، وهو ما لايمكن نرضاه لثورتنا، ولكننا عجزنا عن إقناعه عجزاً تاماً وتوالت اعتكافاته بين وقتوأخر حتى يجبرنا على الموافقة على طلباته هذه، إلى أن وضعنا منذ أيام ثلاثة أمامأمر واقع مقدماً استقالته وهو يعلم أن أى شقاق يحدث فى المجلس فى مثل هذه الظروف لاتؤمن عواقبه. أيها المواطنونلقد احتمل أعضاء المجلس هذا الضغط المستمر فى وقت يجابهون فيهالمشاكل القاسية التى تواجه البلاد والتى ورثتها عن العهود البائدة. يحدث كل ذلك والبلاد تكافح كفاح المستميت ضد مغتصب فى مصر والسودانوضد عدو غادر يرابط على حدودها مع خوضها معركة اقتصادية مريرة وإصلاحاً لأداة الحكموزيادة الإنتاج إلى أخر تلك المعارك التى خاضتها الثورة ووطدت أقدامها بقوة فى أكثرمن ميدان من ميادينها. واليوم قرر مجلس قيادة الثورة بالإجماع ما يلى: أولاً: قبول الاستقالة المقدمة من اللواء أركان حرب محمد نجيب منجميع الوظائف التى يشغلها. ثانياً: يستمر مجلس قيادة الثورة بقيادة البكباشى أركان حرب جمالعبد الناصر فى تولى كافة سلطاته الحالية إلى أن تحقق الثورة أهم أهدافها وهو إجلاءالمستعمر عن أرض الوطن.
حل جماعة الاخوان المسلمين
ثالثاً: تعيين البكباشى أركان حرب جمال عبد الناصر رئيساً لمجلسالوزراء. ونعود فنكرر أن تلك الثورة ستستمر حريصة على مُثلها العليا مهماأحاطت بها من عقبات وصعاب، والله كفيل برعايتها إنه نعم المولى ونعم النصير، واللهولى التوفيق". وسرعان ما تم تدارك مظاهر ذلك الخلاف فقبل مجلس قيادة الثورة عودةمحمد نجيب إلى رئاسة الجمهورية في بيان صدر في ٢٧ فبراير ١٩٥٤.ثم بدأت بعد ذلك أحداث الشغب التي دبرتها جماعة الإخوان المسلمينالتي أصدر مجلس قيادة الثورة قراراً مسبقاً بحلها في ١٤ يناير ١٩٥٤، (قرار المجلسبحل جماعة الإخوان المسلمين) وقد تورط أيضاً بعض عناصر النظام القديم في هذهالأحداث.
السماح بقيام أحزاب وإلغاء الحرمان من الحقوق السياسية
ووقد تجلى الصراع داخل مجلس قيادة الثورة في هذه الفترة فيالقرارات التي صدرت عنه وفيها تراجعاً عن المضى في الثورة، فأولاً ألغيت الفترةالانتقالية التي حددت بثلاث سنوات، وتقرر في ٥ مارس ١٩٥٤ اتخاذ الإجراءات فوراًلعقد جمعية تأسيسية تنتخب بالاقتراع العام المباشر على أن تجتمع في يوليه ١٩٥٤وتقوم بمناقشة مشروع الدستور الجديد وإقراره والقيام بمهمة البرلمان إلى الوقت الذييتم فيه عقد البرلمان الجديد وفقاً لأحكام الدستور الذي ستقره الجمعية التأسيسية. وفى نفس الوقت تقرر إلغاء الأحكام العرفية والرقابة على الصحافة والنشر.وثانياً: قرر مجلس قيادة الثورة تعيين محمد نجيب رئيساً للمجلسورئيساً لمجلس الوزراء بعد أن تنحى جمال عبد الناصر عن رئاسة الوزارة وعاد نائباًلرئيس مجلس قيادة الثورة. وأخيراً قرر مجلس قيادة الثورة في ٢٥ مارس ١٩٥٤ السماح بقيامالأحزاب وحل مجلس قيادة الثورة يوم ٢٤ يوليه ١٩٥٤ أي في يوم انتخاب الجمعيةالتأسيسية. (قرار المجلس بالسماح بقيام أحزاب).
إرجاء تنفيذ قرارات المجلس التى صدرت فى ٢٥ مارس١٩٥٤
وبالرغم من إلغاء مجلس قيادة الثورة لتلك القرارات في ٢٩ مارس ١٩٥٤ (قرار المجلس بإرجاء تنفيذ قرارات ٢٥ مارس ١٩٥٤) إلا أن الأزمة التي حدثت في مجلسقيادة الثورة أحدثت انقساماً داخله بين محمد نجيب يؤيده خالد محيى الدين وبين جمالعبد الناصر وباقي الأعضاء.وقد انعكس هذا الصراع على الجيش، كما حاول السياسيون استغلالهوخاصة الإخوان المسلمين وأنصار الأحزاب القديمة الذين كانوا فى صف نجيب وعلى اتصالبه. وفى ١٧ أبريل ١٩٥٤ تولى جمال عبد الناصر رئاسة مجلس الوزراء واقتصرمحمد نجيب على رئاسة الجمهورية إلى أن جرت محاولة لاغتيال جمال عبد الناصر على يدالإخوان المسلمين عندما أطلق عليه الرصاص أحد أعضاء الجماعة وهو يخطب في ميدانالمنشية بالإسكندرية في ٢٦ أكتوبر ١٩٥٤، وثبت من التحقيقات مع الإخوان المسلمين أنمحمد نجيب كان على اتصال بهم وأنه كان معتزماً تأييدهم إذا ما نجحوا في قلب نظامالحكم. وهنا قرر مجلس قيادة الثورة في ١٤ نوفمبر ١٩٥٤ إعفاء محمد نجيب من جميعمناصبه على أن يبقى منصب رئيس الجمهورية شاغراً وأن يستمر مجلس قيادة الثورة فيتولى كافة سلطاته بقيادة جمال عبد الناصر.
إعفاء اللواء محمد نجيب من جميع المناصب التى يشغلها
وفى ٢٤ يونيه ١٩٥٦ انتخب جمال عبد الناصر رئيساً للجمهوريةبالاستفتاء الشعبي وفقاً لدستور ١٦ يناير ١٩٥٦ أول دستور للثورة. وفى ٢٢ فبراير ١٩٥٨ أصبح جمال عبد الناصر رئيساً للجمهورية العربيةالمتحدة بعد إعلان الوحدة بين مصر وسوريا، وذلك حتى مؤامرة الانفصال التي قام بهاأفراد من الجيش السوري في ٢٨ سبتمبر ١٩٦١.وظل جمال عبد الناصر رئيساً للجمهورية العربية المتحدة حتى رحل في...٢٨سبتمبر ١٩٧٠الى جنات الخلد ياناصر
[/frame][/frame]