المرتبة الأولى : الإسلام
فَأَرْكَانُ الإِسْلامِ خَمْسَةٌ: شَهَادَةُ أَن لا إلٰه إِلا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامُ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ، وَحَجُّ بَيْتِ اللهِ الْحَرَامِ.
دليل ذلك حديث بن عمر رضي الله عنهما قال : قال((صلى الله عليه وسلم)):" بني الإسلام على خمس شهادة أن لا اله إلا الله وان محمد رسول الله وأقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج بيت الله الحرام "
فَدَلِيل ُالشَّهَادَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إلٰه إِلاَّ هُوَوَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إلٰه إِلاَّهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾[آل عمران، 18].
في الآية شهادة الله لنفسه بأنه لا اله إلا هو شهادة الملائكة وشهادة أهل العلم بذلك وانه تعالىقائم بالقسط أي العدل.
وَمَعْنَاهَا: لا مَعْبُودَ بِحَقٍّ إلا اللهُ،وَحَدُّ النَّفْيِ مِنْ الإِثْبَاتِ ﴿لا إلٰه﴾ نَافِيًا جَمِيعَ مَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللهِ ﴿إِلا اللهُ﴾ مُثْبِتًا الْعِبَادَةَ للهِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه ُفِي عِبَادَتِهِ، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ شَرِيكٌ فِي مُلْكِهِ. أي معنى لااله إلا الله لا معبود بحق إلا الله فالإنسان يقر ويعترف بلسانه وبقلبه انه لامعبود بحق إلا الله تعالى لانه اله بمعنى مالوه والتأله هو التعبد والجملة مشتملةعلى نفي واثبات فالنفي " لا اله " والإثبات " إلا الله " فننفي كل آلهة ونثبتها لله تعالى فقط لأنه هو المعبود الحق ولا اله غيره ، إما بقية المعبودات فهي معبودات بالباطل لأنها لا تستحق ذلك .
وَتَفْسِيرُهَا: الَّذِي يُوَضِّحُهَا قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَآء مِّمَّاتَعْبُدُونَ * إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَاكَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾
وَدِليلُ شَهَادَةِ أَنَّ مُحَمَّدًارَسُولُ اللهِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ لَقَدْ جَآءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوف ٌرَّحِيمٌ ﴾
ذكرت الآية أوصافا للنبي((صلى الله عليه وسلم))تدل علىانه رسول حقا كأنه من جنس البشر وانه يشق عليه ما يشق علينا و انه ذو رأفة ورحمةبالمؤمنين .. والآيات في هذا الباب كثيرة .
وَمَعْنَى شَهَادَة أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ: طَاعَتُهُ فِيمَا أَمَرَ، وَتَصْدِيقُهُ فِيمَاأَخْبَرَ، واجْتِنَابُ مَا نَهَى عَنْهُ وَزَجَرَ وأَلا يُعْبَدَ اللهُ إِلا بِمَاشَرَعَ. هو الإقرار باللسان والإيمان بالقلب بان محمدا بن عبد الله القرشي الهاشمي رسول الله إلى جميع الخلق .ومقتضى هذه الشهادة أن نصدقه فيما اخبر وان نمتثل أمره فيما أمر وان نجتنب ما عنه نهى وزجروألا نعبد الله إلا بما شرع وألا نعتقد أن له حقا في الربوبية وتصريف الكون أو حقافي العبادة بل هو عبد لا يعبد
وَدَلِيلُ الصَّلاةِ وَالزَّكَاةِوَتَفْسِيرُ التَّوْحِيدِ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوااللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَآءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُواالزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾[البينة: 5].هذه الآية عامة شاملةلجميع أنواع العبادة فلابد أن يكون الإنسان فيها مخلصا لله حنيفا متبعالشريعته وكما تضمنت الآية ذكر العبادة والصلاة فقد تضمنت حقيقة التوحيد وانه الإخلاص لله من غير ميل إلى الشرك .
َودَلِيلُ الصِّيَامِ: قَوْلُه ُتَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَاكُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ هذه الآية دليل على وجوب الصيام
َودَلِيلُ الْحَجِّ: قَوْلُه ُتَعَالَى: ﴿وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْه ِسَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ الآية دليل على وجوب الحج .
الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ: الإِيمَانُ
وَهُوَ: بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً، فَأَعْلاهَا قَوْلُ لاإلٰه إِلا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُشُعْبَةٌ مِنْ الإِيمَانِ.
المرتبة الثانية من مراتب الدين هي الإيمان وهو لغة : اعتقاد القلب وشرعا : اعتقاد بالقلب وقول باللسان وعمل بالجوراح .وَأَرْكَانُهُ سِتَّةٌ: كما في الحديث (أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ،وَمَلائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ).
أركان الإيمان ستة :
1- الإيمان بالله :ويتضمن أربعة أمور :
أ- الإيمان بوجود الله تعالى وقد دل على وجوده تعالى الفطرةوالعقل والشرع والحس
ب-الإيمان بربوبيته : أي بأنه تعالى وحده الرب لا شريك له ولا معين
جـ -الإيمان بإلوهيته : أي بأنه وحده الإله الحق لا شريك له .
د-الإيمان بأسمائه وصفاته : أي إثبات ما أثبته الله لنفسه في كتابه أو سنته((صلى الله عليه وسلم))من الأسماء والصفات على الوجه اللائق به من غير تحريف ولاتعطيل ولا تكييف ولا تمثيل .
وَمَلائِكَتِهِ،
2 – الملائكة : عالم غيبي مخلوقون عابدون لله تعالى وليس لهم من خصائص الربوبية والإلوهية شيء خلقهم الله من نور ومنحهم الانقياد التام لأمره والقوة على تنفيذه .ويتضمن الإيمان بالملائكة أربعة أمور :
أ-الإيمان بوجودهم
ب- الإيمان بمن علمنا اسمه منهم باسمه كجبريل عليه السلام ومن لم نعلم اسمه نؤمن بهم إجمالا .
جـ- الإيمان بمن علمنا من صفاتهم كصفة جبريل((صلى الله عليه وسلم))فقد اخبر النبي((صلى الله عليه وسلم))انه رآه على صفته التي خلق عليها وله ستمائة جناح قد سد الأفق .
د- الإيمان بمن علمنا من أعمالهم التي يقومون بها بأمر الله كتسبيحه والتعبد له ليلا ونهارا بدون ملل ولا فتور .
3- وَكُتُبِهِ الكتب: جمع كتاب بمعنى مكتوب والمراد بها: الكتب التي انزلها تعالى على رسله رحمة للخلق وهداية لهم ليصلوا بها إلى سعادتهم في الدنيا والآخرة .والإيمان بالكتب يتضمن أربعة أمور :
أ-الإيمان بان نزولهامن عند الله تعالى حقا
ب- الإيمان بما علمنا اسمه منها باسمه كالقران والإنجيل والتوراة والزبور وأما ما لم نعلم اسمه فنؤمن به إجمالا
جـ- تصديق ما صح من أخبارها كإخبار القران وإخبار ما لم يبدل من الكتب السابقة
د- العمل بأحكام مالم ينسخ منها والرضا والتسليم به سواء فهمنا حكمته أم لم نفهمها
4- وَرُسُلِهِ،الرسل جمع رسول بمعنى مرسل أي مبعوث بإبلاغ شيء والمراد هنامن أوحي إليه من البشر بشرع وأمر بتبليغه. وهم بشر مخلوقون ليس لهم من خصائص الربوبية والإلوهية شيء .ويتضمن الإيمان بالرسل أربعة أمور :
أ- الإيمان بان رسالتهم حق من الله تعالى فمن كفر برسالة واحد منهم فقد كفر بالجميع .
ب- الإيمان بمن علمنا اسمه منهم باسمه مثل محمد وإبراهيم وموسى وعيسى... عليهم السلام
جـ- تصديق ما صح من أخبارهم
د- العمل بشريعة من أرسل إلينا منهم وهو خاتمهم محمد ((صلى الله عليه وسلم)) .
5- وَالْيَوْمِ الآخِرِ،
اليوم الآخر هو يوم القيامة الذي يبعث الناس فيه للحساب والجزاء وسمي بذلك لأنه لا يوم بعده .ويتضمن الإيمان باليوم الآخر ثلاثة أمور :
أ- الإيمان بالبعث: وهو إحياءالموتى حين ينفخ في الصور النفخة الثانية.
ب- الإيمان بالحساب والجزاء حيث يحاسب العبد على عمله ويجازى عليه .
جـ- الإيمان بالجنة والنار وأنهما المآل الأبدي للخلق فالجنة دار النعيم التي أعدها الله تعالى للمؤمنين المتقين . والنار دارالعذاب التي أعدها الله تعالى للكافرين الظالمين .
ويلتحق بالإيمان باليوم الآخرالإيمان بكل ما يكون بعد الموت مثل : فتنة القبر و عذاب القبر ونعيمه .
6- وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ القدر: تقدير الله للكائنات حسبما سبق علمه واقتضته حكمته .والإيمان بالقدر يتضمن أربعةأمور :
أ- الإيمان بان الله تعالى علم بكل شيء جملة
ب- الإيمان بان الله تعالى كتب ذلك في اللوح المحفوظ
جـ- الإيمان بان جميع الكائنات لا تكون بمشيئةالله تعالى سواء كانت مما يتعلق بفعله ام مما يتعلق بفعل المخلوقين .
د- الإيمان بان جميع الكائنات مخلوقة لله تعالى بذواتها وصفاتها وحركاتها .
وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذِهِ الأَرْكَانِ السِّتَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ﴾[البقرة: 177].ودليل القدر: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾[القمر: 49].
الْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ: الإِحْسَانُ
أركانه: وله رُكْنٌ وَاحِدٌ. كما فى الحديث: ( أَنْ تَعْبُدَاللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِن لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ ).وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ اللّـهَ مَعَ الّـَذِينَ اتَّقَواْوَّالّـَذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ ﴾[النحل: 128]. وقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾[الشعراء: 217 ـ 220].وقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ﴾ [يونس: 61].
-----------------------
الإحسان ضد الإساءة وهو أن يبذل الإنسان المعروف ويكف الأذى فيبذل المعروف لعباد الله في ماله وجاهه وعلمه وبدنه.وأما الإحسان في عبادة الله فان تعبد الله كأنك تراه وهذه تسمى عبادة طلب وشوق وبها يجد الإنسان من نفسه حاثا عليهالأنه يطلب هذا الذي يحبه فهو يعبده كأنه يراه فيقصده وينيب إليه ويتقرب إليه سبحانه فان لم تكن تراه فانه يراك وهذه عبادة الهرب والخوف وهي أدنى من الدرجة الأولىفإذا لم تكن تعبد الله كأنك تراه وتطلبه وتحث النفس للوصول إليه فاعبده كأنه هوالذي يراك فتعبده عبادة خائف منه هارب من عذابه وعقابه.
الأصل الثالث
مَعْرِفَةُ نَبِيِّكُمْ مُحَمَّدٍ ـ((صلى الله عليه وسلم))وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ وَهَاشِمٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَقُرَيْشٌ مِنَ الْعَرَبِ وَالْعَرَبُ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَاأَفْضَلُ الصَّلاةِ وَالسَّلامِ وَلَهُ مِنَ الِعُمُرِ ثَلاثٌ وَسِتُّونَ سَنَةًمِنْهَا أَرْبَعُونَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَثَلاثٌ وَعِشْرُون َفي النبوة نُبِّئَ بـ ﴿اقْرَأ﴾ وَأُرْسِلَ بـ ﴿الْمُدَّثِّرْ﴾ وَبَلَدُهُ مَكَّةُبَعَثَهُ اللهُ بِالنِّذَارَةِ عَنِ الشِّرْكِ وَبالَدْعُوة إِلَى التَّوْحِيدِ وَالدَّلِيل ُقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّك َفَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ ﴾[المدثر: 1ـ7]. وَمَعْنَى: ﴿ قُمْ فَأَنذِرْ﴾:يُنْذِرُ عَنِ الشِّرْكِ، وَيَدْعُو إِلَى التَّوْحِيدِ. ﴿ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ﴾: أَيْ: عَظِّمْهُ بِالتَّوْحِيدِ. ﴿ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ﴾ : أَيْ: طَهِّرْأَعْمَالَكَ عَنِ الشِّرْكِ. ﴿ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ﴾ : الرُّجْزَ: الأَصْنَامُ،وَهَجْرُهَا: تَرْكُهَا، وَالْبَرَاءَةُ مِنْهَا وَأَهْلُهَا،
معرفة النبي((صلى الله عليه وسلم))تتضمن خمسة أمور :
1- معرفته نسبا: فهو اشرف الناس نسبا فهوهاشمي قرشي عربي .
2-معرفة سنه ، زمان ولادته ، ومهاجره .
3- بماذا كان نبياورسولا ؟
4- بماذا أرسل ولماذا ؟
وهذا كله بينه الإمام محمد بن عبد الوهاب في كلامه السابق.أَخَذَ عَلَى هَذَا عَشْرَ سِنِينَ يَدْعُو إِلَىالتَّوْحِيدِ، وَبَعْدَ الْعَشْرِ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ،
أي أن النبيrبقي عشر سنين يدعو إلى توحيد الله تعالى وإفراده بالعبادةسبحانه .ثم عرج به إلى السماء والعروج يعني الصعود وهو من خصائص النبيrالعظيمة وقصته معروفة وتطلب في مظانها .وَفُرِضَتْ عَلَيْهِ الصَّلَواتُ الْخَمْسُ، وَصَلَّى فِي مَكَّةَ ثَلاثَ سِنِينَ وَبَعْدَهَاأُمِرَ بالْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِكان يصلي الرباعية ركعتين حتى هاجر إلىالمدينة فأقرت صلاة السفر وزيدت في صلاة الحضرأمر الله نبيه((صلى الله عليه وسلم))بالهجرة من مكة أحب البلاد إلى قلبه إلى المدينة بعد أن قام فيها بالدعوة إلى الوحي ثلاث عشرة سنة بالحكمة والموعظة الحسنة وعلى بصيرة لكنه لم يقابل إلا بالرفض والإعراض والإيذاء الشديد له ولأصحابه حتى آل بهم الأمر إلى تنفيذ خطة لقتل النبيrفأذن الله تعالى له بالهجرة إلى المدينة المنورة .
وَالْهِجْرَةُ الانْتِقَالُ مِنْ بَلَدِ الشِّرْكِ إِلَى بَلَدِالإِسْلامِ. وَالْهِجْرَةُ فَرِيضَةٌ عَلَى هَذِهِ الأُمَّةِ مِنْ بَلَدِالشِّرْكِ إِلَى بلد الإِسْلامِ، وَهِيَ بَاقِيَةٌ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ،وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَآءتْ مَصِيراً * إِلاَّالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَآء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً * فَأُوْلَـئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَعَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوّاً غَفُوراً ﴾[النساء: 97ـ99]. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ ﴾[العنكبوت: 56]. قَالَ الْبُغَوِيُّ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ:نزلت هَذِهِ الآيَةِ فِي المُسْلِمِينَ الَّذِينَ بِمَكَّةَ ولَمْ يُهَاجِرُوا،نَادَاهُمُ اللهُ بِاسْمِ الإِيمَانِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى الْهِجْرَةِ مِنَ السُّنَّةِ: قَوْلُهُ ـ((صلى الله عليه وسلم))ـ: (لا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ، وَلا تَنْقَطِعُ التَّوْبَةُ حَتَّىتَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِها ).
الهجرة في اللغة مأخوذة من الهجر وهوالترك وشرعا فكما قال الشيخ: الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام وبلد الشرك هو الذي تقام فيها شعائر الكفر ولا تقام فيه شعائر الإسلام كالأذان والصلاة جماعةوالأعياد والجمعة.والهجرة واجبة على كل مؤمن لا يستطيع إظهار دينه في بلدالكفر والآية دليل على أن هؤلاء الذين لم يهاجروا مع قدرتهم على الهجرة أن الملائكة تتوفاهم وتوبخهم أما العاجزون عن الهجرة من المستضعفين فقد عفا الله عنهم لان الله لا يكلف نفسا إلا وسعها .فَلَمَّا اسْتَقَرَّ فِي الْمَدِينَةِ أُمِرَ بِبَقِيَّةِ شَرَائِعِ الإِسْلامِ، مِثلِ: الزَّكَاةِ،وَالصَّوْمِ، وَالْحَجِّ، وَالأَذَانِ، وَالْجِهَادِ، وَالأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ شَرَائِعِ الإِسْلامِ. أيأنه لما استقر النبي ((صلى الله عليه وسلم)) في المدينة النبوية أمر ببقية الشرائع لأنه في مكة كان يدعو إلى التوحيد نحو عشر سنوات ثم بعد ذلك فرضت عليه الصلوات الخمس في مكة ولما هاجر إلى المدينة أمر ببقية الشرائع ( الصيام – الزكاة – الجهاد- الحج _الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - ... ) بالنسبة للزكاة فقد فرضت أولا في مكة كما ذهب لذلك بعض أهل العلم لكن لم تقدر أنصبتها والواجب فيها إلا في المدينة .
أَخَذَ عَلَى هَذَا عَشْرَ سِنِينَ، وَتُوُفِّيَ ـ صَلواتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ ـ وَدِينُهُ بَاقٍ.
أي انه بقي في المدينة المنورة عشر سنين ثم اختاره الله تعالى لجواره واللحاق بالرفيق الأعلى في الثاني عشر أو الثالث عشر من شهر ربيع الأول من السنة الحادية عشرة من الهجرة . وَهَذَا دِينُهُ، لا خَيْرَ إِلا دَلَّ الأُمَّةَ عَلَيْهِ، وَلا شَرَّ إِلا حَذَّرَهَا مِنْهُ، وَالْخَيْرُ الَّذِي دَلَّهَا عَلَيْهِ التَّوْحِيدُ، وَجَمِيعُ مَا يُحِبُّهُ اللهُ وَيَرْضَاهُ،وَالشَّرُ الَّذِي حَذَّرَهَا مِنْهُ الشِّرْكُ، وَجَمِيعُ مَا يَكْرَهُ اللهُ وَيَأْبَاهُ. بَعَثَهُ اللهُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً، وَافْتَرَضَ طَاعَتَهُ عَلَىجَمِيعِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنِّ وَالإِنْسِ؛ وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى : ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعا﴾[الأعراف: 158].هذه الآية دليل على أن محمدا((صلى الله عليه وسلم))رسول الله إلى الناس جميعا وان الذي أرسله له ملك السماوات والأرض وانه سبحانه هو المتوحد بالإلوهية كماهو متوحد في الربوبية .وَكَمَّلَ اللهُ بِهِ الدِّينَ؛ وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِين﴾[المائدة: 3].أي أن دينه((صلى الله عليه وسلم))باق إلى يوم القيامة فما توفي((صلى الله عليه وسلم))إلا وقد بين للأمة جميع ما تحتاجه في جميع شئونها إما بقولها وإما بفعله وإمابإقراره ابتداء أو جوابا عن سؤال وأعظم ما بين((صلى الله عليه وسلم)) التوحيد وكلما أمر به فهو خير للأمة في معادها ومعاشها وكل ما نهى عنه فهو شر للأمة في معاشهاومعادها .وَالدَّلِيلُ عَلَى مَوْتِهِ ـ((صلى الله عليه وسلم))ـقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ ﴾[الزمر: 30، 31]. تبين الآية أن النبي((صلى الله عليه وسلم))ومن أرسل إليهم ميتون وأنهم سيختصمون عند الله يوم القيامة فيحكم بينهم بالحق وَالنَّاسُ إِذَا مَاتُواْ يُبْعَثُونَ وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى ﴾[طه: 55]. يبعث الله تعالى الناس بعد موتهم ، للجزاء وهذا هو نتيجة إرسال الرسل((صلى الله عليه وسلم))أن يعمل الإنسان لهذا اليوم
وَمَنْ كَذَّبَ بِالْبَعْثِ كَفَرَ وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَىوَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَىاللَّهِ يَسِيرٌ
ومن كذب بالبعث فهو كافر لانه ثابت بالكتاب والسنة والادلة في ذلك كثيرة منها الاية التي اوردها المؤلف.
وَأَرْسَل َاللهُ جَمِيعَ الرُّسُلِ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ؛ وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَىاللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾وَأَّولُهُمْ نُوحٌ((صلى الله عليه وسلم))وَآخِرُهُمْ مُحَمَّدٌ ـ((صلى الله عليه وسلم))ـ وَهُوَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ؛ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ أَوَّلَهُمْ نُوحٌ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوح ٍوَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ﴾
بين المؤلف رحمه الله أن الله أرسل جميع الرسل مبشرين ومنذرين يبشرون من أطاعهم بالجنة وينذرون من خالفهم بالنار. وأعظم ما دعا إليه من أولهم نوح((صلى الله عليه وسلم))إلى آخر محمد((صلى الله عليه وسلم))التوحيدوَكُلُّ أُمَّةٍ بَعَثَ اللهُ إِلَيْهِا رَسُولا مِنْ نُوحٍ إِلَى مُحَمَّدٍ((صلى الله عليه وسلم))يَأْمُرُهُمْ بِعِبَادَةِاللهِ وَحْدَهُ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ عِبَادَةِ الطَّاغُوتِ وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى:﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْاللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ﴾ وَافْتَرَضَ اللهُ عَلَى جَمِيعِ الْعِبَادِ الْكُفْرَ بِالطَّاغُوتِ وَالإِيمَانَ بِاللهِ. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ ـ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: مَعْنَى الطَّاغُوتِ مَا تَجَاوَزَ بِهِ الْعَبْدُ حَدَّهُ مِنْ مَعْبُودٍ أَوْ مَتْبُوعٍ أَوْ مُطَاعٍ.
أي أن الله بعث في كل امة رسولا يدعوهم إلى عبادة الله وحده وينهاهم عن الشرك وتوحيدالله لا يتم إلا بعبادة الله وحده لا شريك له واجتناب الطاغوت . والطاغوت كماعرفه ابن القيم رحمه الله تعالى : " كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أومطاع " ومراده بالمعبود والمتبوع والمطاع غير الصالحين إما الصالحون فليسوا طواغيت وان عبدوا أو اتبعوا أو أطيعوا لان الصالحين لم يتجاوزون حدهم فهم يدعون إلى طاعةالله تعالى وعبادته وهذا هو حدهم . وَالطَّوَاغِيتُ كَثِيرُونَ وَرُؤُوسُهُمْ خَمْسَةٌ: إِبْلِيسُ لَعَنَهُ اللهُ، وَمَنْ عُبِدَ وَهُوَ رَاضٍ،وَمَنْ دَعَا النَّاسَ إِلَى عِبَادَةِ نَفْسِهِ، وَمَنْ ادَّعَى شَيْئًا مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ، وَمَنْ حَكَمَ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللهُ؛
أي زعماءالطواغيت ومقلدوهم خمسة وهم:
1-إبليس لعنه الله
2- من عبد من دون الله وهوراض أن يعبد من دون الله وسواء عبد في حياته أو بعد مماته إذا مات وهو راض
3- من دعا الناس إلى عبادة نفسه وان لم يعبدوه فانه من رؤوس الطواغيت سواء أجيب لمادعا إليه أم لم يجب .
4- من ادعى شيئا من علم الغيب والغيب ما غاب عن الإنسان وهو نوعان: واقع ومستقبل، فغيب الواقع نسبي يكون معلوما لشخص ولآخر مجهولا. إما غيب المستقبل فلا يكون معلوما لأحد إلا الله وحده أو من أطلعه عليه من الرسل فمن ادعى علمه فهو كافر لأنه مكذب لله ولرسوله((صلى الله عليه وسلم))
5- من حكم بغير ما انزل الله لان الحكم بما انزل الله من توحيد الربوبية لأنه تنفيذ لحكم الله الذي هو مقتضى ربوبيته وكمال ملكه وتصرفه .
وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن
|