الموضوع
:
۞۞۞ تفسير قوله تعالى ( مثل نوره ) الآية ۞۞۞
عرض مشاركة واحدة
#
1
2009-09-25, 08:27 AM
ريان الوسمي
مشرف سابق
معدل تقييم المستوى:
18
۞۞۞ تفسير قوله تعالى ( مثل نوره ) الآية ۞۞۞
وقوله تعالى : (
مثل نوره كمشكاة فيها مصباح
. . )
الآية هذا مثل لنوره في قلب عبده المؤمن ، كما قال
أبي بن كعب
وغيره ، وقد اختلف في تفسير الضمير في نوره ، فقيل : هو النبي صلى الله عليه وسلم أي : مثل نور
محمد
صلى الله عليه وسلم ، وقيل : تفسيره المؤمن ، أي : مثل نور المؤمن ، والصحيح أنه يعود على الله عز وجل
والمعنى : مثل نور الله سبحانه وتعالى في قلب عبده ، وأعظم عباده نصيبا من هذا النور رسوله صلى الله عل
يه وسلم فهذا مع ما تضمنه عود الضمير إلى المذكور ، وهو وجه الكلام يتضمن التقادير الثلاثة ، وهو أت
م معنى ولفظا .
[
ص:
50 ]
وهذا النور يضاف إلى الله تعالى إذ هو معطيه لعبده وواهبه إياه ، ويضاف إلى العبد إذ هو محله وقابله
، فيضاف إلى الفاعل والقابل ، ولهذا النور فاعل وقابل ، ومحل وحامل ، ومادة ، وقد تضمنت الآية ذكر هذه ا
لأمور كلها على وجه التفصيل .
فالفاعل : هو الله تعالى مفيض الأنوار الهادي لنوره من يشاء ، والقابل : العبد المؤمن ، والمحل قلبه ، وال
حامل : همته وعزيمته وإرادته ، والمادة : قوله وعمله ، وهذا التشبيه العجيب الذي تضمنته الآية فيه من
الأسرار والمعاني وإظهار تمام نعمته على عبده المؤمن بما أناله من نوره ما تقر به عيون أهله وتبته
ج به قلوبهم .
وفي هذا التشبيه لأهل المعاني طريقتان : أحدهما : طريقة التشبيه المركب وهي أقرب مأخذا وأسلم من التك
لف ، وهي أن تشبه الجملة برمتها بنور المؤمن من غير تعرض لتفصيل كل جزء من أجزاء المشبه ومقاب
لته بجزء من المشبه به وعلى هذا عامة أمثال القرآن الكريم .
فتأمل صفة مشكاة ، وهي كوة لا تنفذ لتكون أجمع للضوء قد وضع فيها مصباح وذلك المصباح داخل زجاجة ت
شبه الكوكب الدري في صفائها وحسنها ، ومادته من أصفى
[
ص:
51 ]
الأدهان وأتمها وقودا من زيت شجرة في وسط القراح ، لا شرقية ولا غربية ، بحيث تصيبها الشمس في أحد طر
في النهار بل هي في وسط القراح محمية بأطرافه ، تصيبها الشمس أعدل إصابة والآفات إلى الأطراف دونها ، ف
من شدة إضاءة زيتها وصفائه وحسنه يكاد يضيء من غير أن تمسه نار ، فهذا المجموع المركب هو مثل نور
الله تعالى الذي وضعه في قلب عبده المؤمن وخصه به .
والطريقة الثانية : طريقة التشبيه المفصل ، فقيل : المشكاة صدر المؤمن والزجاجة قلبه ، وشبه قلبه بال
زجاجة لرقتها وصفائها وصلابتها ، وكذلك قلب المؤمن فإنه قد جمع الأوصاف الثلاثة فهو يرحم ويحسن
ويتحنن ويشفق على الخلق برقته .
وبصفائه تتجلى فيه صور الحقائق والعلوم على ما هي عليه ويباعد الكدر والدرن والوسخ بحسب ما فيه من ا
لصفاء ، وبصلابته يشتد في أمر الله تعالى ، ويتصلب في ذات الله
[
ص:
52 ]
تعالى ويغلظ على أعداء الله تعالى ويقوم بالحق لله تعالى ، وقد جعل الله تعالى القلوب كالآنية ، كما قال
بعض السلف : القلوب آنية الله في أرضه وأحبها إليه أرقها وأصلبها وأصفاها .
والمصباح هو نور الإيمان في قلبه والشجرة المباركة هي شجرة الوحي المتضمنة للهدى ، ودين الحق وهي م
ادة المصباح التي يتقد منها ، والنور على النور : نور الفطرة الصحيحة والإدراك الصحيح ، ونور الوحي والك
تاب ، فينضاف أحد النورين إلى الآخر فيزداد العبد نورا على نور ، ولهذا يكاد ينطق بالحق والحكمة قبل أ
ن يسمع " ما " فيه بالأثر ثم يبلغه الأثر بمثل ما وقع في قلبه ونطق به فيتفق عنده شاهد العقل والشرع
والفطرة والوحي فيريه عقله وفطرته وذوقه " أن " الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم هو الحق ل
ا يتعارض عنده العقل والنقل البتة بل يتصادقان ويتوافقان فهذا علامة النور على النور ، عكس من تلاطمت
في قلبه " أمواج " الشبه الباطلة ، والخيالات الفاسدة من الظنون الجهليات التي يسميها
[
ص:
53 ]
أهلها القواطع العقليات ، فهي في صدره كما قال الله تعالى : (
أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يك
د يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور
)
فانظر كيف تضمنت هذه الآيات طرائف بني آدم كلهم أتم انتظام ، واشتملت عليه أكمل اشتمال .
الامام ابن القيم
ريان الوسمي
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى ريان الوسمي
البحث عن كل مشاركات ريان الوسمي