العيص بين احتراز التنفيذيين وجرأة الجيولوجيين
فهد محمد السلمان
المسافة بين موقف الدفاع المدني من الهزات الأرضية وعمليات الإخلاء لأهالي العيص ، وموقف فرق البحث العلمي ، هي نفس المسافة بين النظرية والتطبيق ، هي المسافة بين المسؤولية المباشرة والمعلومة العلمية المجردة ، وعلى هذا الأساس هي أشبه ما تكون بهوّة سحيقة لا يُمكن ردمها ، أو اختصارها ، بعد أن تعودنا عليها في مختلف شؤون حياتنا .
الدفاع المدني وبدافع المسؤولية المباشرة أخلى المنطقة احترازيا حفظا لحياة الناس ، والدكتور العمري رئيس قسم الجيولوجيا بجامعة الملك سعود ورئيس الفريق البحثي في حرّة الشاقة وصف الإخلاء بأنه اجتهاد غير موفق . والدفاع المدني لا شك أنه على حق ، لأنه يعلم أنه لو حدث أيّ مكروه لأولئك المواطنين لا قدّر الله فإن أول من سيتحمل المسؤولية هو الدفاع المدني نفسه ، ولن يجد بالتالي أيّ منطق للبراءة فيما قالته فرق البحث العلمي ، في حين أنه قد يكون الدكتور العمري على حق أيضا وفقا لمعطيات بحوثه العلمية مع فريقه ، لكنه أولا وأخيرا يُقدّم رأيه من خارج نطاق المسؤولية سوى مسؤولية الأمانة العلمية ، وهي كما ثبت بالتجربة مسؤولية فضفاضة قابلة للتبرير بألف لغة ولغة .
إذن هنالك مشكلة في المقاربة بين المعلومة العلمية والمسؤولية التنفيذية ، هذه المشكلة لم تتولد عن هزات حرّة الشاقة ، وإن كانت قد جردتها بشكل أوضح ، وإنما هي موجودة وقائمة منذ أمد بعيد في التربية والتعليم ، في الاقتصاد في الإدارة حتى في الملفات الاجتماعية ، والسبب يعود في تقديري إلى عملية الفصل السيامي ما بين العلم وذهنية الجهاز التنفيذي .
ولو أخذنا قضية العيص كنموذج فإننا سنجد أن الدفاع المدني فكر لبعض الوقت في إعادة المهجرين إلى قراهم وبلداتهم فيما يُشبه الاستجابة لرأي الجيولوجيين ، لكنه ما أن رأى عودة انبعاث الغازات ، وتزايد عدد الهزات ، حتى عاد عن قراره وقرر التريث دون أيّ مبالاة فيما يقوله المختصون ، وهو محق بالتأكيد لأنه يتعامل مع الموقف بمنطق احترازي ، لكن ماذا لو كان هؤلاء العلماء جزءا من مجلس استشاري في الدفاع المدني .. هل سيكون لهم نفس الموقف الذي يُسوّق المعلومة العلمية بشكلها المجرّد أم سيعيدون حساباتهم لصالح الاحتراز ؟ ، وفي المقابل هل كان الدفاع المدني سيعمد للتهجير القسري لو كانت المعلومة العلمية جزءا من منتجاته ؟ .
ليس بوسعي أن أجيب عنهم ، ولا أريد أن أتكهن ، لكني على ثقة بأن هذه المسافة التي فصلت ما بين تصريح الدكتور العمري بصفته الأكاديمية ، وتصريح اللواء المهوس مدير الدفاع المدني بالمدينة المنورة بصفته التنفيذية كمسؤول مؤتمن على حياة هؤلاء الأبرياء ، ستكون أقل سرمدية من هذا الواقع المفزع ، لأنها ستحاول أن تجمع ما بين الرأي العلمي والمسؤولية التنفيذية ، وهذا ما نحتاجه ليس فقط في أحداث العيص ، وإنما في كافة المجالات التي يجب أن يلتقي فيها رأي العلم مع المسؤولية المباشرة .. حتى لا يظل كل يغني على ليلاه .
جريدة الرياض