مجموع فتاوى العلامة عبد العزيز بن باز
باب ما جاء في التطير
84 - شرح حديت : " لا عدوى ولا طيرة . . . "
س : سمعت حديثا عن التشاؤم ، يقول فيما معناه : " ولا هام ولا صفر " أرجو منكم ذكر الحديث كاملا مع شرح الكلمات التي لا أفهمها فيه . (1)
ج : ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : « لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر ، ولا نوء ولا غول ، ويعجبني الفأل » (2) . والمعنى إبطال ما يعتقده أهل الجاهلية من أن الأشياء تعدي بطبعها ، فأخبرهم - صلى الله عليه وسلم - أن هذا الشيء باطل ، وأن المتصرف في الكون هو الله وحده ، « فقال بعض الحاضرين له - صلى الله عليه وسلم - : يا رسول الله الإبل تكون في الصحراء كأنها الغزلان ، فيدخل فيها البعير الأجرب فيجربها ،
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته من مجلة الدعوة ، وقد أجاب عنه سماحته بتاريخ 24 \ 12 \ 1418 هـ .
(2) أخرجه مسلم في كتاب السلام ، باب لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر ولا نوء ، برقم 2222 .
فقال - صلى الله عليه وسلم - : " فمن أعدى الأول " » (1) . والمعنى : أن الذي أنزل الجرب في الأول هو الذي أنزله في الأخرى ، ثم بين لهم - صلى الله عليه وسلم - أن المخالطة تكون سببا لنقل المرض من الصحيح إلى المريض ، بإذن الله عز وجل ؛ ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم - : « لا يورد ممرض على مصح » (2) . والمعنى : النهي عن إيراد الإبل المريضة ونحوها بالجرب ونحوه مع الإبل الصحيحة ؛ لأن هذه المخالطة قد تسبب انتقال المرض من المريضة إلى الصحيحة بإذن الله ، ومن هذا قوله - صلى الله عليه وسلم - : « فر من المجذوم فرارك من الأسد » (3) ؛ وذلك لأن المخالطة له قد تسبب انتقال المرض منه إلى غيره ، وثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أن انتقال الجذام من المريض إلى الصحيح إنما يكون بإذن الله ، وليس هو شيئا لازما .
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الطب ، باب لا صفر - وهو داء يأخذ البطن - برقم 5717 ، ومسلم في كتاب الطب ، باب في الطيرة ، برقم 2220 .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الطب ، باب لا عدوى ، برقم 5775 ، ومسلم في كتاب السلام ، باب لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر ولا نوء ، برقم 2221 .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الطب ، باب الجذام ، وأحمد في المسند ، باقي مسند المكثرين ، باقي المسند السابق ، برقم 9429 .
والخلاصة : أن الأحاديث في هذا الباب تدل على أنه لا عدوى على ما يعتقده الجاهليون من كون الأمراض تعدي بطبعها ، وإنما الأمر بيد الله سبحانه ، إن شاء انتقل الداء من المريض إلى الصحيح وإن شاء سبحانه لم يقع ذلك .
ولكن المسلمين مأمورون بأخذ الأسباب النافعة ، وترك ما قد يفضي إلى الشر .
أما قوله - صلى الله عليه وسلم - : " ولا طيرة " فمعناه : إبطال ما يعتقده أهل الجاهلية من التطير بالمرئيات والمسموعات مما يكرهون وتردهم عن حاجتهم ، فأبطلها النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال في الحديث الآخر : « الطيرة شرك ، الطيرة شرك » (1) . وقال - عليه الصلاة والسلام - : « إذا رأى أحدكم ما يكره فليقل : اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت ، ولا يدفع السيئات إلا أنت ، ولا حول ولا قوة إلا بك » (2) .
وروي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : « من ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك " قالوا : وما كفارة ذلك يا رسول الله ؟ قال : " أن يقول : اللهم لا خير إلا خيرك ، ولا طير إلا طيرك ،
__________
(1) سنن الترمذي السير (1614) ، سنن أبي داود الطب (3910) ، سنن ابن ماجه الطب (3538) ، مسند أحمد (1/440).
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الطب ، باب في الطيرة ، برقم 3919 .
ولا إله غيرك » (1) .
وأما الهامة : فهو طائر يسمى البومة ، يزعم أهل الجاهلية أنه إذا نعق على بيت أحدهم فإنه يموت هذا البيت ، فأبطل النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك .
وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - : " ولا صفر " فهو الشهر المعروف ، وكان بعض أهل الجاهلية يتشائمون به ، فأبطل النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك ، وأوضح - صلى الله عليه وسلم - أنه كسائر الشهور ليس فيه ما يوجب التشاؤم . وقال بعض أهل العلم : إنها دابة تكون في البطن تسمى : صفر ، وكان بعض أهل الجاهلية يعتقدون فيها أنها تعدي ، فأبطل النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك .
وأما النوء فهو واحد الأنواء ، وهي النجوم ، وكان بعض أهل الجاهلية يتشاءمون ببعض النجوم ، فأبطل النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك .
وقد أوضح الله -سبحانه - في القرآن العظيم أنه خلق النجوم زينة السماء ورجوما للشياطين ، وعلامات يهتدى بها في البر
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في المسند ، مسند المكثرين من الصحابة ، مسند عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه ، برقم 7005 .
والبحر ، كما قال الله - سبحانه - : { وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ } (1) ، وقال - سبحانه - : { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ } (2) ، وقال -سبحانه - : { وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ } (3) .
وأما الغول : فهو جنس من الجن يتعرضون للناس في الصحراء ويضلونهم عن الطرق ويخوفونهم ، وكان بعض أهل الجاهلية يعتقدون فيهم وأنها تتصرف بقدرتها ، فأبطل الله ذلك . وروي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : « إذا تغولت الغيلان فبادروا بالأذان » (4) والمعنى أن ذكر الله يطردها ، وهكذا التعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ، يقي من شرها وشر غيرها ، مع الأخذ بالأسباب التي جعلها الله أسبابا للوقاية من كل شر .
أما الفأل : فهو أن يسمع الإنسان الكلمة الطيبة فتسره ، ولكن لا ترده عن حاجته ، وقد فسر النبي - صلى الله عليه وسلم - الفأل بذلك فقال - صلى الله عليه وسلم - : « ويعجبني الفأل " قالوا :
__________
(1) سورة الملك الآية 5
(2) سورة الأنعام الآية 97
(3) سورة النحل الآية 16
(4) أخرجه الإمام أحمد في باب مسند المكثرين برقم 14559 .
يا رسول الله وما الفأل ؟ قال : " الكلمة الطيبة » (1) ا . هـ .
ومن أمثلة ذلك أن يسمع المريض من يقول : " يا سليم يا معافى " ، فيسره ذلك ، وهكذا إذا سمع من ينشد ضالة من يقول : يا واجد ، أو : يا ناجح ، أو : يا موفق ، فيسره ذلك ويتفاءل به .
والله ولي التوفيق .
__________
(1) صحيح البخاري الطب (5776) ، صحيح مسلم السلام (2224) ، سنن الترمذي السير (1615) ، سنن أبي داود الطب (3916) ، سنن ابن ماجه الطب (3537) ، مسند أحمد (3/278).
85 - التشاؤم بـ " شهر صفر " من أمور الجاهلية
س : يتردد كثيرا أن شهر صفر شهر شؤم يتشاءم منه بعض العوام في كثير من الأمور ، فلا يعقد فيه النكاح على سبيل المثال ، وأيضا فإنه في مجلس عقد النكاح يعتقد البعض أنه لا يجوز كسر العود أو عقد الحبال أو تشبيك الأصابع ؛ حيث إن هذا يؤدي إلى فشل هذا الزواج وعدم التوفيق بين الزوجين .
وبما أن هذا يمس العقيدة فنرجو النصح وبيان الحكم الشرعي . وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه . (1) (2) ج : التشاؤم بصفر من أمر الجاهلية ، ولا يجوز ذلك ،
__________
(1) نشر في مجلة الدعوة ، العدد 1641 بتاريخ 18 \ 1 \ 1419 هـ
(2) .
بل هو كسائر الشهور ليس عنده خير ولا شر ، وإنما الخير من الله سبحانه ، والشر بتقديره ، وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أبطل ذلك فقال : « لا عدوى ، ولا طيرة ، ولا هامة ، ولا صفر » (1) متفق على صحته .
وهكذا التشاؤم بتشبيك الأصابع أو كسر العود أو نحو ذلك عند عقد الزواج أمر لا أصل له ، ولا يجوز اعتقاده ، بل هو باطل . وفق الله الجميع .
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب السلام ، باب لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر ولا نوء ، برقم 2222 .
86 - حكم التشاؤم بالمسكن
فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
هناك امرأة من المنطقة الجنوبية لها سبعة أولاد وبنات ، وعندما سكنت في منزل جديد لها بالجنوب توفي أحد أولادها وتبعته إحدى البنات ، وقد حلمت - رأت في المنام - بعد وفاتهم أنها إذا بقيت في هذا المنزل فسيموت كل أطفالها .
أرجو إفادة فضيلتكم علما بأنه لا يزال لديها خمسة بنين وبنات . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته (1) .
ج : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، بعده :
إذا كان الواقع هو ما ذكرتم فهي مخيرة ، إن شاءت سكنت في هذا البيت وإن شاءت انتقلت عنه إلى بيت آخر ؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : « الشؤم في ثلاثة : في البيت والمرأة والدابة » (2) وفق الله الجميع ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
مفتي عام المملكة
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
__________
(1) سؤال شخصي مقدم لسماحته ، وأجاب عنه سماحته بتاريخ 1 \ 7 \ 1419 هـ
(2) صحيح البخاري الجهاد والسير (2858) ، صحيح مسلم السلام (2225) ، سنن الترمذي الأدب (2824) ، سنن النسائي الخيل (3569) ، سنن أبي داود الطب (3922) ، سنن ابن ماجه الطب (3540) ، موطأ مالك الجامع (1817).