عرض مشاركة واحدة
قديم 2014-04-02, 09:23 PM   [2]
الأستاذ أبو يوسف
الـمـشــرف العــــام
 

الأستاذ أبو يوسف will become famous soon enough
Oo5o.com (11) التطير وشهر صفر


د. تيسير الفتياني
حث رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم في أكثر من مناسبة على التفاؤل، حيث قال في هذا الصدد "تفاءلوا بالخير تجدوه" ونهى عن التشاؤم الذي اعتاد أهل الجاهلية على ممارسته في مناسبات عدة ولأسباب مختلفة، فالبعض كان يتشاءم من يوم أو رقم أو شهر أو نوع من الطير أو الشجر إلى غير ذلك من مسميات وذرائع يتذرعون بها لتبرير تشاؤمهم المنهي عنه.
فيما يتشاءم بعض الناس بشهر صفر ويقولون إنه شهر مشؤوم، فيمتنعون عن السفر أو إجراء أي عقد فيه، غافلين ومتناسين قدرة الله اللطيف الخبير الذي يملك الأمر من قبل ومن بعد، فهو سبحانه خالق ومقدر كل شيء، من خير وشر، ولا يملك المرء من أمره شيئاً، وللوقوف على تفاصيل الحكم الشرعي لمسألة التطير، من حيث تعريفه وحكمه الشرعي والحكمة من تحريمه

فأصل التطير أن العرب في الجاهلية كانوا يعتمدون على الطير وكانوا يسمونه بالسانح إذا مر بيمين المتطير، وبالبارح إذا مر عن يساره، فيتيمنون بالأول، ويتشاءمون بالثاني، فإن رأى الطير طار يمنة، تيمن به وخرج في قضاء حاجته، وإن رآه طار يسرة تشاءم به ورجع.
أما تعريف التطير اصطلاحًا: فهو التشاؤم بما يرى من مجيء الطير والظباء ونحو ذلك ناحية الشمال أو بما يسمع من صوت طائر.

فالحكمة من تحريم التطير هي الاعتقاد بأن الضرر يأتي من عند غير الله تعالى وفي هذا تكلف بتعاطي ما لا أصل له وفيه جهل بمن يعتقد به أو من فاعله لأنه طلب العلم من غير مكانه وهو يضر من أشفق منه وخاف، أما من لم يبال به ولم يعبأ به فلا يضره وأنه باب من أبواب الشرك وإلقاء الشيطان في قلب الإنسان، وتخويفه ووسوسته و أنه يفتح للإنسان أبواب الوساوس فيما يسمعه ويراه ويتعاطاه فيفتح له الشيطان أبوابا تفسد عليه دينه وتنكد عليه عيشه فالمتطير متعب القلب، متنكد الصدر، كاسف البال، سيئ الخلق، يتخوف من كل ما يراه ويسمعه.


و يعتبر العلماء التطير من الكبائر لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم (الطيرة شرك، الطيرة شرك وما منا إلا متطير، ولكن الله يذهبه بالتوكل) ، رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح ولحديث (من ردته الطيرة فقد قارف الشرك) رواه أحمد 2/220.


وقد وضع الاسلام كفارة التطير فيما روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالمن رجعته الطيرة عن حاجته فقد أشرك) قيل: وما كفارة ذلك يا رسول الله؟ قالأن يقول أحدهم: اللهم لا طير إلا طيرك، ولا خير إلا خيرك، ولا إله غيرك، ثم يمضي لحاجته).
أما علاجه فقد ذكر العلماء بأنه من ابتلي في نفسه بالتطير، فعليه أن يتذكر بأن الله تعالى هو النافع وهو الضار، فلا يجوز أن يعتقد بالأسباب وينسى المسبب لها فمن أضاف شيئا إلى غير الله، مع اعتقاده أنه ليس من الله فهو مشرك حقيقة، ومع اعتقاد انه من عند الله تعالى فهو نوع من الشرك الخفي، وعليه أن يصرف عن نفسه دواعي الخيبة وذرائع الحرمان، ولا يجعل للشيطان سلطانا عليه.
وعلى المسلم أن يعلم أن قضاء الله تعالى عليه غالب، وأن رزقه له طالب، والحركة سبب في حصول ذلك، فلا يثنيه عنها ما لا يغير مخلوقا، ولا يدفع مقدورا، وليمض في أموره واثقا بالله تعالى راضيا بمنعه وإعطائه، وأن الله تعالى يذهبه بالتوكل أي إذا ظهر له عارض التطير فتوكل على الله وسلم إليه، ولم يعمل بذلك الخاطر غفر الله له ولم يؤاخذه به.

و للتطير مضار كثيرة فإذا اعتقد أنها تجلب له النفع أو تدفع عنه الضرر، وعمل بموجب ذلك فهو الشرك وأنه ينافي الإيمان ويخالف التوكل على الله و التطير دليل على الجهل، وقلة العقل، وذهاب الحلم.
فيه فتح لأبواب الوساوس، ويجعل الإنسان عبدًا للخزعبلات والدجل.
ويسبب اضطرابا للنفس، وبلبلة للفكر، ما يؤدي إلى الفشل في الحياة وتعطيل المصالح وترك السعي كما أنه من صفات الجاهلية، ومن عاداتها المذمومة.
وفيه دعوة صريحة للكفر بالقضاء والقدر و فيه مخالفة صريحة لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم والمتطير متعب القلب، منكد الصدر، كاسف البال، سيئ الخلق، يتخوف من كل ما يراه ويسمعه والمتطير أشد الناس وجلا، وأنكدهم عيشا، وأضيقهم صدرا، وأحزنهم قلبا والتطير يحرم الإنسان من حظوظه، ويمنعه من أرزاقه، ويقطع عنه كثيرا من الفوائد.

و أما يدفع بلاء التطير


فالدعاء أولها ومن الأدعية " اللهم لا طير إلا طيرك، ولا خير إلا خيرك، ولا رب غيرك، ولا حول ولا قوة إلا بك " ، قال عنهم عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه : "والذي نفسي بيده إنها لرأس التوكل، وكنز العبد في الجنة ولا يقولها عبد عند ذلك ثم يمضي إلا لم يضره شيء"
و كذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم (ليس عبد إلا سيدخل قلبه طيرة، فإذا أحس بذلك، فليقل أنا عبد الله ما شاء الله لا قوة إلا بالله لا يأتي بالحسنات إلا الله، ولا يذهب بالسيئات إلا الله اشهد أن الله على كل شيء قدير ثم يمضي لوجه) وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: عندما ذكرت الطيرة عنده فقال (أحسنها الفأل ولا ترد مسلما فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقل اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت ولا يدفع السيئات إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بك).

والذكرثانيها والصدقة ثالثها وتحقيق التوكل على الله عز وجل رابعها والإيمان بقضاء الله وقدره خامسها

وخلاصة القول فإن الله تعالى وحده الفاعل لما يشاء، ولكنه يعقد أسبابا للعذاب، وأسبابا للرحمة؛ فأسباب العذاب يخوف الله بها عباده ليتوبوا إليه ويتضرعوا إليه، وأسباب الرحمة يرجى بها عباده.

و الله الموفق للصواب ...


التعديل الأخير تم بواسطة الأستاذ أبو يوسف ; 2014-04-02 الساعة 09:31 PM.
التوقيع:
الأستاذ أبو يوسف غير متواجد حالياً    رد مع اقتباس