عرض مشاركة واحدة
قديم 2013-09-14, 09:19 PM   [2]
الأستاذ أبو يوسف
الـمـشــرف العــــام
 

الأستاذ أبو يوسف will become famous soon enough
Mumayaz الغلو في الدين معناه وبيان صوره وأسبابه لمادة التوحيد صف ثالث متوسط الفصل الأول1434هـ


الغلو ومظاهره عند الجماعات المختلفة :
والغلو عند أتباع هذه الجماعات ذو مظاهر متعددة ، مثل :
•غلو أتباع الجماعات في أئمتهم ومنظريهم : حتى إن بعضهم ليجعل أئمتهم في مصافِّ أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم .
•الغلو في الحكم للجماعة والولاء والبراء عليها : والكلام في هذا النوع يدور على مسألتين :
النوع الأول :
-متابعة المتبوع في كل ما يدعو إليه ، وهذا مثل غلو الروافض في أئمتهم ، وغلاة الصوفية في مشايخ الطرق ، وغلو غلاة المتعصبة من أصحاب المذاهب الفقهية ، ومثل المتح**ين للجماعات ، ومشاهير الدعاة . ومَن لم يصرح من هؤلاء باعتقاده عصمةَ متبوعه فلسان حاله يشهد عليه بمقتضاه .
ومذهب أهل السنة والجماعة أن كل مَن عدا الرسول - صلى الله عليه وسلم - فلا يلزم اتباع شيءٍ من قوله ، إلا ما وافق فيه الحقَّ : الكتاب والسنة . ومتى خالفهما ، أو واحدًا منهما رددنا قوله . ثم إِنْ كان ممن لا يتعمد مخالفة النصوص اعتذرنا له بأحسن الاعتذار . وإن كان المخالف لهما ممن لا يبالي بنصوص الشرع فهذا لا وزن له .
وقد برَّأ الله أئمة الإسلام من هذه الدركة - والحمد لله - قال تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ﴾ [سورة النساء : الآية 59] .
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : " ليس من أحد إلا يؤخذ من قوله ويدع ، غيرَ النبي - صلى الله عليه وسلم " (20) . وقال أيضًا : " أُرَاهُمْ سَيَهْلِكُونَ أَقُولُ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَيَقُولُ : نَهَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ " (21) .
وعن مجاهد قال : " كل أحد بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - يؤخذ من قوله ويترك ، إلا النبي - صلى الله عليه وسلم " . وقال الإمام أحمد : " عجبت لقومٍ عرفوا الإسناد وصحته ، ويذهبون إلى رأي سفيان ، والله تعالى يقول : ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [سورة النور : الآية 63] . أتدري ما الفتنة ؟ الفتنة : الشرك . ولعله إذا ردَّ بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك " .
وكلام السلف في تقرير هذا الأصل العظيم كثير مشهور ، متداول بين أهل العلم ، وتقريره لا يلزم منه بغض الأئمة الأربعة ، وأمثالهم من أئمة الإسلام ، ولا تنقصهم ، ولا يلزم منه الطعن في دواوين الفقه وموسوعاته ، التي ألفها جهابذة الفقهاء من أتباع الأئمة الأربعة ، وإنما يبين هذا الأصل أنه لا بد من اتباع الدليل إذا كان قول العالم بخلافه ؛ لأن الله - عز وجل - إنما أمرنا بإجابة المرسلين ، كما قال : ﴿ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ المُرْسَلِينَ ﴾ [سورة القصص : الآية 65] . ولم يكلفنا بإجابة أحد سواهم . فهذه الكتب تُدرَس ويُنتفَع بها ، لكن دون غلو يؤدي بصاحبه إلى طرح نصوص الكتاب والسُّنة ؛ تعصبًا لإمامه المتبوع .
وأما أتباع الجماعات المعروفة بالإسلامية اليوم فالواجب عليهم أن يستمسكوا بالسنة ، وأن يوالوا أهلها ، وأن يحذروا البدع ، وأن يجتنبوا أهلها ، وأن يتجردوا للحق ، وأن يجعلوا طلب الحق ديدنهم ، لا أن يجعلوا تعاليم الجماعة وقادتها هو الحق ، الذي ليس بعده إلا الضلال ، فهذا هو التعصب المقيت ، والغلو الذي نهانا الله عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم .
وهكذا أيضًا يجب على أهل السنة ، والمنتمين للسلف الصالح ، أن يلتزموا بهذا الهدي ، فإذا صدرت زلة من عالم سُنِّي كبير ، فضلاً عمن دونه ، أن يتحروا الحق ، وينتصروا له ، وليحذروا أن تحملهم المحبة أن ينتصروا لزلته ، ويحشدوا من الشبهات ما يقوون بها زلته ، فهذا هو عمل أهل الأهواء .
وإذا كان العالم وقع في زلة خطأً ، أو اجتهادًا ، أو تأويلاً ، أو نحو ذلك ، مما يعذر به ، فليس حال المنتصرين له بالهوى كذلك ، فالمنتصرون له على زلته على خطر عظيم . فقد قال - صلى الله عليه وسلم - في حق المجتهد : « إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ، ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ . وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ، ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ » ( 22) .
فالعالم مأجور في اجتهاده ، معذور في خطئه . وأما المنتصر له هوًى ومحبةً ، فقد قال تعالى : ﴿ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ ﴾ [سورة ص : الآية 26] .
النوع الثاني :
-جعل المتبوع مناط الولاء والبراء : ونتيجة لهذا الغلو ، فمن أحب المتبوع ، وأثنى عليه ، فهو الحبيب الصديق . ومن انتقده - ولو بالحق - فهو البغيض العدو . وهذا من الغلو المذموم ، فالله عز وجل لم يجعل الحب والبغض والولاء والبراء لأحد من الناس ، أو لجماعة من الجماعات . وإنما أمرنا سبحانه بحبه ، وحب رسوله - صلى الله عليه وسلم - وبحب من اتبعه ، واتبع رسوله - عليه الصلاة والسلام - بقدر ما عنده من الاتباع . وأمرنا ببغض مَن خالف شيئًا من الكتاب أو السنة ، على قدر مخالفته . فبغض العاصي ليس كبغض الكافر .
قال تعالى : ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾ [سورة التوبة : الآية 71] . وقال تعالى : ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ﴾ [سورة المائدة : الآية 55] .
وأما الدعوات الح**ية المخترعة اليوم فإنها تقوم على أساس البراء الح**ي ، وهو الذي يحكم علاقة أفرادها فيما بينهم ، وعلاقتهم بمن ليس من الح** ، وحب السُّني للسُّني ليس هو من باب التح** المذموم ؛ لأن السُّنة هي دين الله الذي ارتضاه لعباده ، وليس من اختراع أحد . فالمتمسكون بها متمسكون بالكتاب والسنة ، وهكذا بغضهم لأهل البدع ، ليس هو من التح** المذموم ؛ لأنهم لا يبغضونهم لكونهم يخالفونهم في آراء أو اجتهادات ، وإنما يبغضونهم لمخالفتهم كتاب الله ، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وخروجهم على إجماع السلف الصالح .
ثم إن أهل السنة أيضًا لا يبغضون أهل البدع إلا على قدر بدعهم ، وحين اختلف اثنان من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحدهما من المهاجرين ، والآخر من الأنصار ، واستنجد كل واحد منهما بأصحابه ، أنكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك . فإذا استنكر النبي - صلى الله عليه وسلم التعصب من المهاجرين للمهاجرين ، ومن الأنصار للأنصار ، على أساس هذا الوصف ، فما ظنك بالتعصب للانتماء إلى الأحزاب والجماعات المحدثة اليوم ، التي هي جماعاتُ بدعةٍ وضلالة ، عافانا الله وإياكم .
فضيلة الدكتور عبد الله الكنهان :
أيها الإخوة ، ظاهرة الغلو في الدين لها أسباب ، ولها علاج .
أسباب الغلو :
فأما أسبابها فيمكن إجمالها - نظرًا لضيق الوقت في سببين رئيسين ، ترجع إليهما كثير من الأسباب :
السبب الأول :
الجهل ، والتلقي عن أهل الجهل : وقد أشار الله - جل وعلا - إلى هذا السبب في قوله سبحانه : ﴿ يَا أَهْلَ الكِتَابِ لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الحَقَّ ﴾ [سورة النساء : الآية 171] . فقرن بين النهي عن الغلو ، والنهي عن القول على الله - عز وجل - بلا علم . وهو سبب عظيم من أسباب الغلو في الدين .
السبب الثاني :
اتباع الهوى : وهذا السبب أيضًا أشار إليه سبحانه بقوله : ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِن قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ ﴾ [سورة المائدة : الآية 77] . فانظر كيف قرن الله - عز وجل - بين النهي عن الغلو ، والنهي عن اتباع أهواء الغالين ، الذين يقودون الأتباع إلى الغلو . فاتباع الهوى من أعظم الأسباب التي تؤدي إلى الغلو ؛ وذلك أن الشخص قد يكون ذا علم وذا معرفة ، ولكن اتِّبَاعه لهواه يصدُّه عن العمل بمقتضى معرفته ، فيكون كمن لا يسمع ، كما قال جل وعلا : ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ ﴾ [سورة القصص : الآية 50] .
علاج الغلو :
أما بالنسبة للعلاج ، فلعلي أوجز فيه أيضًا ، وهو أنواع :
العلاج الأول :
•الاعتصام بالكتاب والسنة على منهج السلف الصالح ، ومجانبة البدع والحذر منها ، وهو أعظم أنواع العلاج ، يقول الله عز وجل : ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا ﴾ [سورة آل عمران : الآية 103] . والاعتصام بحبل الله هو سبيل إلى اجتماع الأمة وعدم تفرقها .
وفي حديث ابن عباس قال - رضي الله عنه - : خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع فقال : « يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ فَلَنْ تَضِلُّوا أَبَدًا : كِتَابَ اللَّهِ ، وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ » ( 23) .
وعن العرباض بن سارية - رضي الله عنه - أنه قال : وعظنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موعظة بليغة ، ذرفت منها العيون ، ووجلت منها القلوب ، فقلنا : يا رسول الله ، كأنها موعظة مودع ، فأوصنا . فقال : « أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا مُجَدَّعًا فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا » . فما المخرج من هذا الاختلاف ؟ قال – صلى الله عليه وسلم - : « فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ فَتَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ » ( 24) .
العلاج الثاني :
•لزوم الجماعة ، والسمع والطاعة لولي الأمر في غير معصية . وقد تقدمت أدلة تشير إلى ذلك ، منها حديث العرباض بن سارية المتقدم ، ومنها قوله تعالى : ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا ﴾ [سورة آل عمران : الآية 103] . وفي حديث عبد الله بن مسعود أيضًا ، يرفعه إلى رسول الهدى - صلوات الله وسلامه - عليه أنه قال : « ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ: إِخْلَاصُ العَمَلِ لِلَّهِ، وَمُنَاصَحَةُ أَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ، وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ، فَإِنَّ الدَّعْوَةَ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ » ( 25) . رواه الترمذي ، وهو حديث صحيح . ويُغِل – كما قال ابن الأثير - من الخيانة . ويروى : يَغِل . بالفتح ، وهو الحقد . يعني : لا يدخله حقد يزيله عن الحق .
العلاج الثالث :
•الاستعانة بالله جل وعلا ؛ توكلا ودعاءً : كلنا يقرأ سورة الفاتحة في كل ركعة : ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [سورة الفاتحة : الآية 5] . يعني : لا نعبد إلا إياك ، ولا نستعين على عبادتنا إلا بك . والإنسان في هذه الحياة الدنيا في أمس الحاجة إلى معونة الله - جل وعلا .
وهناك بيت حكمة ينسب لعلي بن أبي طالب :
وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَوْنٌ مِنَ اللهِ لِلْفَتَى *** فَأَوَّلُ مَا يَقْضِي عَلَيْهِ اجْتِهَادُهُ
ولهذا لما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ : « إِنِّي أُحِبُّكَ » . أوصاه بوصيةِ مُحبٍّ ، فقال له : « أَنْ لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ » ( 26) . فالإنسان حتى يستقيم على طاعة الله - عز وجل - ويتجنب مسلكَيِ الإفراط والتفريط هو بأمسِّ الحاجة إلى معونة الله - جل وعلا .
وهذا ما تضمنته سورة الفاتحة ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [سورة الفاتحة : الآية 5] . ثم : ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ ﴾ [سورة الفاتحة : الآية 6] . وهو لا غلو فيه ولا جفاء ، ثم : ﴿ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ﴾ [سورة الفاتحة : الآية 7] . وهم أهل الجفاء : اليهود ، ﴿ وَلاَ الضَّالِّينَ ﴾ [سورة الفاتحة : الآية 7] . وهم أهل الجهل : النصارى الذين غلوا .
فهكذا المسلم يستشعر هذا المعنى عندما يقرأ هذه السورة العظيمة ، فيعلم أنها علاج لكثير من المشكلات التي يعاني منها مجتمعنا اليوم ، ومنها مشكلة الغلو .
ومن الاستعانة بالله عز وجل الدعاء ، فقد كان من دعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ ، فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ، اهْدِنِى لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ ، إِنَّكَ تَهْدِى مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ » ( 27) .
العلاج الرابع :
•طلب العلم من أهله : والصدور عن رأي العلماء ، لا سيما في القضايا العامة . فطلب العلم سبب عظيم من أسباب عدم الوقوع في الغلو في الدين ؛ لأن الغلو - كما تقدم - هو مجاوزة الحد الشرعي ، فإذا عرفتَ حدود الشريعة صرت بمنأًى عن مجاوزة تلك الحدود ، فتعلَّم العلم الشرعي ، واحرص على أن تأخذه من أهله المتحققين به ، المعروفين باستقامة المنهج . ولا بد أن تصدر الأمة والشباب عن آراء علماء الأمة ، لا سيما في القضايا العامة ، التي تمس واقع الأمة ، كما قال الله - جل وعلا - : ﴿ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ﴾ [سورة النساء : الآية 83] .
العلاج الخامس :
•القيام بالمناصحة ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر . وذلك بالطرق المشروعة ، على جميع مستويات الأمة ، للغالين على وجه الخصوص ، فيقول ربنا - جل وعلا - : ﴿ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ ﴾ [سورة آل عمران : الآية 104] . ويقول سبحانه : ﴿ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ﴾ [سورة الشورى : الآية 13] .
وهاتان الآيتان تبينان أن المشروع هو الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، لكن على وجهٍ لا يُفرِّق الأمة . ولهذا نجد اقتران هاتين الآيتين : ﴿ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ * وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ البَيِّنَاتُ ﴾ . [سورة آل عمران : الآيتان 104 – 105] . وفي الآية الأخرى : ﴿ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ ﴾ يعني : بالجهاد بالعلم بالأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، لكن أيضًا : ﴿ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ﴾ [سورة الشورى : الآية 13] .
فهذه الأمور يجب أن تكون على الوجه المشروع ، وإذا كانت على الوجه المشروع فإنها تؤدي إلى اجتماع الأمة ، ولا يمكن بحال من الأحوال أن تؤدي إلى تفريق الأمة .
العلاج السادس :
•أن يترك الإنسان ما لا يعنيه : وألا يتصدى لما ليس له بأهل ، لا سيما قضايا الأمة العامة ، وقد مرَّ معنا ذكر هذه الآية : ﴿ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ﴾ [سورة النساء : الآية 83] . ونبي الهدى - صلوات ربي وسلامه عليه - يرشدنا جميعًا إلى ترك ما لا يعنينا . فيقول - صلى الله عليه وسلم - : « مِنْ حُسْنِ إِسْلامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لا يَعْنِيهِ » ( 28) .
وكثير من الشباب يقعون في ألوان من الحديث ، فيما لا يعني من أمور الأمة العامة ، وتكفير الأشخاص المعينين ، ويقع بينهم نزاع واختلاف ، ويحصل التباغض أحيانًا والتفرق والتح** ، بسبب الحديث في أشخاص مَدحًا أو قَدحًا .
الواقع - أيها الإخوة - أن المسلم ينبغي أن يعرف المنهج الحق ، وأن يسير عليه ، وأن يعتني بصلاح قلبه ، وألا يشتغل بتكفير الأشخاص المعينين ، بغير برهان ولا حجة ، فإن هذا مسلك غير محمود العاقبة .
والقضايا العامة التي تعترض الأمة يتصدى لها أهل العلم ، وأهل الحل والعقد ، وولاة الأمور ، بما مكنهم الله - عز وجل - من القدرة العلمية والسلطة ، فهؤلاء يتصدون لمثل هذه القضايا . وأما عامة الناس ، وقليلو العلم ، وقليلو التجربة ، فليس لهم أن يتصدوا لتلك القضايا ؛ لأنهم إذا تصدوا لها وقعوا في كثير من الخطأ ، وانشغلوا بذلك أيضًا عما يصلحهم .
فكثير من الناس ينشغل عن صلاح قلبه ، وعن استقامة عمله ، بمثل هذه الأشياء . والله - جل وعلا - يقول : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ﴾ [سورة المائدة : الآية 105] . فصلاح القلب هو سبيل صلاح الجوارح .
يقول - صلى الله عليه وسلم - : « إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ » (29 ) . وصلاح القلب يحصل بالعلم النافع ، والعمل الصالح . فعلى المسلم أن يحرص على تدبر القرآن ، وتدبر السنة ، وتعلم العلم النافع ، فإنه السبيل إلى صلاح قلبه ، واستقامته على الطريق الوسط ، من غير إفراط ولا تفريط .
تعليق الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ
بسم الله ، والحمد لله ، وصلى الله وسلم وبارك على رسول الله ، وعلى آله ، وعلى صحابته أجمعين ، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعلينا جميعًا . نسأله أن يجعلَنا ممن تبعهم بإحسان ، وبعد :
الشيخان الفاضلان عبد الله بن صالح الكنهان ، ومحمد الفيفي ، تحدثا في هذه الندوة المباركة عن موضوع واحد ، ولكنه موضوع كبير في معناه ، عظيم في شأنه ، له أهميته وله مكانته . وعندما يستبين للمسلم حقيقة ذلك الأمر يكون سببًا لهدايته واستقامته على طاعة ربه .
دين الله وسط ، وصراطه مستقيم :
إن الله - جل وعلا - بعث محمدًا - صلى الله عليه وسلم - بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ، بعثه بهذا الدين القويم ، والصراط المستقيم ، ليسير المسلم على نهجه ، مقتفيًا أَثَر نبيه . وأمرنا ربنا في كل ركعة من ركعات صلاتنا بفاتحة الكتاب ، المشتملة على هذه الآية : ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ ﴾ [سورة الفاتحة : الآيتان 6- 7] .
نَعَم ، صراط الله المستقيم ، فاستقامته هو وضوح سبيله ، وعدم اعوجاجه . وهو يجانب طريق الضُّلال ؛ أعداء الله اليهود ، المخالفين لما علموا ، المعطلين لما علموا ، التاركين لما علموا ، فضَلُّوا بترك الحق الذي علموه وكتموه وأخفوه . ومنها صفة محمد - صلى الله عليه وسلم - فإنهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ، ولكن الكبر والحسد صدهم عن سبيل الله المستقيم ، والضالون : الذين لا علم عندهم ، وأعرضوا عن العلم والتعلم ، وبدلوا دينهم وحرفوه وغيروه ، وعملوا بجهل وضلال ، دون استناد إلى علم وهدى . فكلا الفريقين ضالٌّ عن سواء السبيل ، مجانب للصراط المستقيم .
أما أتباع محمد - صلى الله عليه وسلم - فهم الذين علموا وعملوا وآمنوا ، عملوا بما علموا ، ولم يكن مصدر دينهم آراء ولا استحسانات بشرية ، ولكن مصدرها كتاب الله ، وسُنة محمد - صلى الله عليه وسلم .
فقد خطَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطًّا مستقيمًا ، فقال : « هَذَا سَبِيلُ اللهِ » . ثم خطَّ خطوطًّا عن يمين ذلك الخط ويساره ، وقال : « وَهَذِهِ سُبُلٌ عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ » ( 30) . فالسبل متعددة ، والسبل متباينة ، كل سبيل له شيطان يدعو إليه ، ويؤيده ، ويحامي عنه ؛ لأنها طرق ملتوية ومتباينة ومتغايرة .
أما صراط الله المستقيم فهو الحق الذي لا ضلالة فيه ، والنور الذي لا ظلمة فيه ، قال تعالى : ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ﴾ [سورة الأنعام : الآية 153] .
الغلو مذموم في العبادة :
الغلو مذموم في الأقوال والأعمال ، والغلو مذموم في الموالاة والمعاداة ، والغلو مذموم في العبادات والعادات . غلوك في عبادتك مذموم ؛ لأن الواجب عليك أن تكون عبادتك - مع كونها خالصة لله - على وَفق ما شرعه الله على لسان محمد صلى الله عليه وسلم .
فالوضوء للصلاة شرط لصحتها ، فلو غلا إنسان في الوضوء ، وزاد على الحد المشروع ، كان من الغالين . الأعلى غسل العضو ثلاث مرات ، فالنبي توضأ ثلاثًا ثلاثًا ، ومرتين مرتين ، ومرة مرة . فمن زاد عن الثلاث فقد أساء وتعدَّى في الوضوء ، وغلا في وضوئه .
الصلوات الخمس تُؤدَّى بكمال أركانها وواجباتها ، ومن وفقه الله ، فاستكمل سننها ، فذاك خير ، لكنه لو غلا أتعب المؤمنين . فالنبي يقول لمعاذ : « فَأَيُّكُمْ أَمَّ النَّاسَ فَلْيُوجِزْ ؛ فَإِنَّ مِنْ وَرَائِهِ الْكَبِيرَ وَالضَّعِيفَ وَذَا الْحَاجَةِ » ( 31) . وقال لمعاذ : « يَا مُعَاذُ ، أَفَتَّانٌ أَنْتَ ؟ » ( 32) . لأنه أطال ، وهذه الإطالة ضرت بالمؤمومين ، فلا بد من الاعتدال ، حتى في الصلاة ، والاعتدال في النفقة ، والاعتدال في الملبس ، والاعتدال في المشي ، والاعتدال في كل الأحوال ؛ في محبة الأشخاص وبغضهم ، لا بد من الاعتدال ، والبعد عن الغلو .
ولذا قال الله لنا : ﴿ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾ [سورة المائدة : الآية 8] . فكَوْنِي أبغض إنسانًا ، أو أعادي إنسانًا ، يجب أن يجعل المعاداة تتخطَّى الحدود ، فلا تحملني كراهيتي له أن أغلو في بغضه ؛ بأن أُسيء وأضر به ، وإنما أكون في بُعدِي عنه على اعتدال . ولا تحملني محبته أن أغلو فيه ، فأتناسى أخطاءه وسيئاته .
الولاء للأحزاب والجماعات سبب للغلو :
وقد أشار المشايخ إلى الولاء للأحزاب والجماعات والانتماءات ، فأحسَنوا القول في ذلك ؛ فإن ولاء المسلم حقًّا لكتاب ربه ، وسُنة نبيه ، وجماعة المسلمين ، هذا هو الحق والهدى . وأما الولاء لغير الكتاب والسنة ، ولغير المنتسبين إليها ، إن كان هذا الولاء مصدره تح** وتآلف على غير المنهج الصحيح كان ذلك بُعدًا عن الهدى . قال تعالى : ﴿ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلاَ تَكُونُوا مِنَ المُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُم وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ [سورة الروم : الآيتان 31-32] . وقال تعالى ﴿ لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ﴾ [سورة الأنعام : الآية 159] .
الاعتدال في كل شيء يبعد عن الغلو :
فلا بد من الاعتدال في الأمور كلها ، ونبينا - صلى الله عليه وسلم - حذر أن نغلو فيه غلوَّ مَن قبلنا ، فقال : « إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ ، فَإِنَّهُ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ »(33 ). فمحبتنا له أصل الإيمان ، وكمالها أن نحبه محبةً فوق محبةِ النفس والولد والمال . ولكن لا نغلو فيه ، ونجاوز الحد ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : « « لا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ، فَإِنِّمَا أَنَا عَبْدٌ ، فَقُولُوا : عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ » ( 34) .
ولا تغلُ في حب ابنك وابنتك ، غلوًّا يحجبك عن بيان أخطائهم وتجاوزاتهم ، فالحب يجب أن يكون معتدلاً ؛ حتى لا يطغى شيء على شيء . أسأل الله أن يثبتنا وإياكم على الحق ، وأن يحفظ هذا البلد من كل سُوء ، ويصلح وليَّ أمرنا ، وولي عهده . وأسأله أن يأخذ بنواصيهم لما يحبه ويرضاه ، وأن يرد عن هذا البلد كيد الكائدين ، وحسد الحاسدين ، وظلم الظالمين ، وأن يديم عليها نعمة الإسلام والأمن والرخاء ، وأن يحفظ بلادنا وسائر بلاد المسلمين من كل سوء .
الأسئلة
يقول السائل : هل من الغلو في الدين مطالبة الأمة شعوبًا وجماعاتٍ وأفرادًا بترك ومقاطعة المأكولات والمشروبات الحلال ، التي هي من منتجات الكفار ؟
الجواب : يا إخواني ، كوني أبغض من خالف الشرع فهذا شيء حسن ، لكن المقاطعة هذه تخضع لولي الأمر ونظره العام ، وهل لها أثر أم لا ؟ ينبغي في الأمور هذه أن نَكِلَها إلى من يقيم هذه الأمور حقَّ التقييم ، وينظر إليها بنظره الصحيح .
يقول السائل : في الأسبوع الماضي احتفل كثير من المسلمين بما يُسمَّى بالمولد النبوي ، فهل هذا غلوٌّ في النبي - عليه الصلاة والسلام - وجفاء عن سُنته ؟
الجواب : بلا شك هو غلو وجفاء عن السنة ، فنحن نحب رسول الله ، ونُشهِد الله على محبته ، ، ونرى أن حبه فرض علينا ، أصلٌ من أصول ديننا ، لكننا لا نعمل إلا بما يرضى عنا ، فلو كان الاحتفال بليلة مولده شرعًا شرعه الله لنا لكنا - والله - أولى الناس بذلك . لكننا نعلم أنه شيء ما شرعه ، لا هو ولا خلفاؤه وأصحابه ، ومن سار على نهجهم من ملوك الإسلام . فلو كان خيرًا لسبقنا إليه الصحابة ، وهم يعلمون ليلة المولد والمبعث والمهجر ، وما أقاموا لذلك شأنًا ؛ لعلمهم أن المحبة لرسول الله وشكره مستمرٌّ دائمًا ، ونحن نشكر الله على النبي بأقوالنا وأعمالنا وجوارحنا وألسنتنا .
يقول السائل : ما حكم وضع بعض النايلون أو البلاستيك على القبر ؛ لكي يُعلم موقع القبر ؟
الجواب : النبي علَّم قبر عثمان بن مظعون بحجر وقال : « أَتَعَلَّمُ بِهَا قَبْرَ أَخِي » ( 35) . فالتعليم بالحجر أحسن ، ولا يكون بشيء فيه مظهر غلو .
يقول السائل : هل تعظيم الآثار والحفاظ عليها من الغلو في الدين ؟
الجواب : والله الآثار والغلو فيها إن كانت آثار مساكن أو بناء سهلة إذا ما تعلقت بها عقيدة أما مسكن أو دار أو جبل أو وادٍ أو كذا قيل هذا فهذا أمر سهل لكن لا تتعلق بها عقيدة وأمر يخل بالعقيدة .
يقول السائل : في الآية : ﴿ وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ ﴾ [سورة البقرة : الآية 130] ، ما ملة إبراهيم ؟
الجواب : ملة إبراهيم : التوحيد وعبادة الله وإخلاص الدين له ، وألا يكون مع الله شركة في ذلك ، ومحمد - صلى الله عليه وسلم - قد جدَّد ملة إبراهيم .
يقول السائل : إذا عرضت عليَّ مسألة من المسائل ، وسمعت إجابتها من أحد العلماء ، هل لي أن أبينها للناس ؟
الجواب : إذا كانت قضية متطابقة مع ما سئل عنه ذلك العالم ، وبين الأمرين تطابقٌ ، وأنت على يقين فانقلها ، وقل : هذا فُتيا فلان .
يقول السائل : جاءني بعض الأحباب يريدون مني الخروج معهم للدعوة إلى الله عدةَ أيام أو شهور في السَّنة ، فجئت لهم بكتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب حتى يقرءوه ، فغضبوا وخرجوا من عندي ، وصاروا لا يسلمون عليَّ ، ويحذرون مني ، فما حكم الذهاب والخروج ؟
الجواب : هؤلاء - هدانا الله وإياهم - بعض جماعات تُسمى بالأحباب ، أو التبليغيين ، بعضهم لديه شيء من هذا ، يقولون : خروجنا لا أمر ولا نهي فيه ؛ خروجنا لا نأمر بمعروف فيه ، ولا ننهى عن المنكر ، فمن كان على منكر فهو على منكره ، ومَن كان على معروف فهو على معروفه ، ولتكن القدوة هي التي تنقذ الإنسان من منكره .
فهم لا يدعون إلى التوحيد ولا إلى الفقه ، إنما يقرءون "حياة الصحابة" ، وأذكار الصباح والمساء ، وأذكار النوم وأذكار الطعام ، هذه مهمتهم ، حتى القرآن لا يقرءونه ، ولا يحفظونه ، ولا يتدارسونه . فمنهم - في الحقيقة - فئة جهلية ، ولهذا ردُّوا كتاب التوحيد ، ولم يقبلوه . وهذا خطأ عظيم منهم ، فإنهم يردون كتابَ علمٍ ونصوص من الكتاب والسنة ، تقوي العقيدة ، وتوضح المنهج الصحيح ، وتنأى بهم عن الشرك ؛ قليله وكثيره .
يقول السائل : هل التعصب القبلي من الغلو في الدين ؟
الجواب : إن كان تعصَّب لقبيلته من أجل أعدادهم فقط فلا ضرر . وأما إن تعصب من أجل دِينهم ، وقال : هؤلاء أتقى منكم ، وأدين منكم . ونحو ذلك ، وغلا غلوًّا كبيرًا فهذا عمل جاهلي ، لكن لا علاقة له بالغلو .
********************************************************************************************** ********************************************************************************************** **********
( 1) الضئضئ : الأصل . النهاية ضأضأ .
( 2) أخرجه البخاري (3/1219 ، رقم 3166) ، ومسلم (2/741 ، رقم 1064) .
( 3) أخرجه البخاري (5/1949 ، رقم 4776) .
( 4) مدارج السالكين لابن القيم (2/464) .
( 5) أخرجه مسلم (4/2055 ، رقم 2670) .
( 6) الخَذْفُ : هو رَمْيك حَصَاة أو نَوَاةً يأخُذُها بين سُبَّابَتَيك وتَرْمي بها ، أو تَتَّخذُ مِخْذَفَة من خشب ثم ترمي بها الحصاة بين إبْهامك والسبابة . النهاية خذف .
( 7) أخرجه أحمد (3/350 ، رقم 1851) . والنسائي (5/268 ، رقم 3057) . وابن ماجه (2/1008 ، رقم 3029) . وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة (3/278 ، رقم 1285) .
( 8) اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية (1/328) .
( 9) أخرجه البخاري (1/23 ، رقم 39) .
( 10) أخرجه البخاري (5/2201 ، رقم 5523) ، ومسلم (1/540 ، رقم 782) .
( 11) أخرجه مسلم (4/2003 ، رقم 2593) .
( 12) أخرجه البخاري (4/1626 ، رقم 4207) ، ومسلم (1/90 ، رقم 86) .
( 13) أخرجه البخاري (2/544 ، رقم 1425) ، ومسلم (1/37 ، رقم 130)
( 14) الإطْراءُ : مُجَاوَزةُ الحَدِّ في المَدْح والكَذِبُ فيه . النهاية طرا .
( 15) أخرجه البخاري (3/1271 ، رقم 3261) .
( 16) أخرجه أحمد (3/153 ، رقم 12573) . وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة (3/88) .
( 17) أخرجه البخاري (1/15 ، رقم 417) . ومسلم (2/66 ، رقم 1209) .
( 18) أخرجه ابن أبي شيبة (2/151 ، رقم 7550) . وصححه ابن تيمية في مجموع الفتاوى (1/221) ، والشيخ الألباني في الثمر المستطاب (1/417) .
( 19) أخرجه أبو داود (4/198 ، رقم 4597) . والدارمي (2/314 ، رقم 2518) . وصححه الشيخ الألباني في السلسة الصحيحة (1/404 ، رقم 204) .
( 20) رواه الطبراني في الكبير (11/339 ، رقم 11941) . وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/430 ، رقم 840) : رجاله موثقون .
( 21) رواه أحمد (5/228 ، رقم3121) .
( 22) البخاري (6/2676 ، رقم 6919) ، ومسلم (3/1342 ، رقم 1716) .
( 23) أخرجه البيهقي (10/114 ، رقم 20123) . والحاكم (1/171 ، رقم 318) . وقال صحيح الإسناد . وصححه الشيخ الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1/10 ، رقم 40) .
( 24) أخرجه أحمد (4/126 ، رقم 17184) ، وأبو داود (4/200 ، رقم 4607) ، والترمذي (5/44 ، رقم 2676) وقال : حسن صحيح . وابن ماجه (1/15 ، رقم 42) ، والحاكم (1/174 ، رقم 329) وقال : صحيح ليس له علة . والبيهقي (10/114 ، رقم 20125) . وأخرجه أيضًا : ابن حبان (1/178 ، رقم 5) ، والدارمي (1/57 ، رقم 95) . وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة (6/526 ، رقم 2735) .
( 25) أخرجه الترمذي (5/34 ، رقم 2658) ، وابن ماجه (1/85 ، رقم 232) . والحميدي (1/47 ، رقم 88) . وصححه الشيخ الألباني في مشكاة المصابيح (1/78 ، رقم 228) .
( 26) أخرجه أحمد (5/244 ، رقم 22172) ، وأبو داود (2/86 ، رقم 1522) ، والنسائي في الكبرى (6/32 ، رقم 9937) ، والحاكم (1/407 رقم 1010) وقال : صحيح الإسناد على شرط الشيخين . والطبراني (20/60 ، رقم 110) وابن حبان (5/365 ، رقم 2021) . وعبد بن حميد (ص 71 ، رقم 120) . وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع الصغير وزياداته (2/1320) .
( 27) أخرجه مسلم (2/185 ، رقم 1847) .
( 28) أخرجه مالك (2/903 ، رقم 1604) ، والترمذي (4/558 ، رقم 2318) ، والبيهقي في شعب الإيمان (7/416 ، رقم 10806) . وصححه الشيخ الألباني في مشكاة المصابيح (3/1361 ، رقم 4839) .
( 29) أخرجه مسلم (4/1987 رقم 2564) .
( 30) أخرجه أبو داود (1/197 ، رقم 241) ، وأحمد (7/207 ، رقم 4142) . وحسنه العلامة أحمد شاكر . والدارمي (1/285 ، رقم 208). وحسنه الشيخ الألباني في مشكاة المصابيح (1/58) .
(31 ) أخرجه البخاري (1/249 ، رقم 672) ، ومسلم (1/340 ، رقم 466) . واللفظ لمسلم .
(32 ) أخرجه البخاري (1/142 ، رقم 705) ، ومسلم (1/339 ، رقم 178) .
(33 ) أخرجه أحمد (1/347 ، رقم 3248) ، والنسائي (5/268 ، رقم 3057) ، وابن ماجه (2/1008 ، رقم 3029) ، وابن سعد (2/180) ، والطبراني (18/289 ، رقم 742) ، والحاكم (1/637 ، رقم 1711) وقال : صحيح على شرط الشيخين . والبيهقي (5/127 ، رقم 9317) . وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة (5/177 ، رقم 2144) .
(34 ) أخرجه البخاري (3/1271 ، رقم 3261) .
(35 ) رواه أبو داود (2/230 ، رقم 3206) ، وحسنه الشيخ الألباني .


التعديل الأخير تم بواسطة الأستاذ أبو يوسف ; 2013-09-15 الساعة 08:08 PM.
التوقيع:
الأستاذ أبو يوسف غير متواجد حالياً    رد مع اقتباس