عرض مشاركة واحدة
  #1    
قديم 2013-09-14, 09:19 PM
الأستاذ أبو يوسف الأستاذ أبو يوسف غير متواجد حالياً
الـمـشــرف العــــام
 


معدل تقييم المستوى: 27
الأستاذ أبو يوسف will become famous soon enough
Mumayaz الغلو في الدين معناه وبيان صوره وأسبابه لمادة التوحيد صف ثالث متوسط الفصل الأول1434هـ

الغلو في الدين معناه وبيان صوره وأسبابه وخطره

د. عبد الله الكنهان والشيخ محمد الفيفي

مقدمة :
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، أما بعد :
أيها الإخوة والأخوات ، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ، وحياكم الله في هذا اللقاء الطيب المبارك ، الذي يجمعنا بصاحبي الفضيلة ؛ صاحب الفضيلة الدكتور عبد الله بن صالح الكنهان ،الأستاذ بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية . وصاحب الفضيلة الشيخ محمد بن أحمد الفيفي ،الداعية بوزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بالرياض .
ولا شك أن موضوع هذا اللقاء يحتاج المجتمع بصورة كبيرة لبيانه ، وتشتد الحاجة لكثرة مَن تبنَّى هذا الفكر : فكر "الغلو في الدين" لبيان معنى الغلو وتجليته وأسبابه ، والأسباب التي تجعل الإنسان ينجو من هذا الفكر الخطير .


نبتدئ حديثنا أيها الأحبة مع فضيلة الدكتور عبد الله بن صالح الكنهان ، عن بيان المراد الغلو في الدين ، ويبين لنا الأدلة الشرعية التي تحذر من هذا الفكر ، فليتفضل أثابه الله وسدده.
حديث فضيلة الدكتور عبد الله بن صالح
إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا . من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له . وأشهد ألا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ، وسلم تسليمًا كثيرًا ، أما بعد :
الغلو عند أهل الكتاب :
أيها الإخوة ، هذه الظاهرة التي سنتحدث عنها - إن شاء الله - في هذه الليلة ظاهرة قديمة ، وجدت قبل الإسلام ، فقد قص الله - عز وجل - علينا في كتابه الكريم ما كان من أهل الكتاب من غلو ، على سبيل التحذير من سلوك مسالكهم ، وفعل مثلما فعلوا . وقد قص الله - عز وجل - علينا عن النصارى ما وقع منهم من غلوٍّ في عيسى ابن مريم ، كما في قوله سبحانه : ﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ ﴾ [سورة التوبة : الآية 31] . فقد غلوا في أحبارهم ، وغلوا في رهبانهم ، فكانوا يحلون لهم الحرام فيحلونه ، ويحرمون عليهم الحلال فيحرمونه ، وجعلوا عيسى ابن مريم إلهًا مع الله - جل وعلا ، وهذا من الغلو .
الغلو عن المسلمين :
وهذه الأمة ليست بمنأًى عن الغلو ، ولذا قص الله - عز وجل - علينا هذه الأخبار ؛ لكي نحذر أن نسلك مسلكهم ، لما جاء الإسلام وجدت أيضًا بعض بوادر الغلو ، لا سيما في العبادة ، في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يبادر إلى علاجها ، ويحذر من الغلو ، ويرشد إلى اتباع السنة ، وتجنب طرق أهل الغلو .
وفي عهد الصحابة - رضي الله عنهم - وبعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ظهرت فرقٌ غلت في أمور اعتقادية ، فظهرت الخوارج ، وظهرت القدرية ، وهكذا كان صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم علماء الأمة حين ذاك ، كانوا يتصدون لهذه الظاهرة ، فيبينون بطلان هذا المسلك ، ويحذرون من مَغبة الغلو ، ويرشدون الناس إلى الطريقة الصحيحة الوسط ، التي جاءت بها شريعة الإسلام .
الغلو في العصر الحالي :
واستمر مسلسل الغلو في تاريخ الأمة ، فلم يسلم عصر من العصور من وجود فِرق من فرق الغلاة ، وكان علماء الأمة يتصدون لمثل هذه الظواهر ، فيبينون حكم الشرع فيها ؛ إبراءً للذمة ، وتحذيرًا من تلك المسالك المردية ، وهذا هو دور العلماء في كل زمان ومكان .
ولم يكن عصرنا - أيها الإخوة - بمنأًى عن هذه الظاهرة ، فقد ظهرت مظاهر عدة من مظاهر الغلو ، وإن ما نشهده ، مما اكتوت به هذه البلاد من أحداثٍ وتفجيرات وعنف وتكفير ، كل هذا من مظاهر الغلو ، التي حذرنا منها الإسلام ، وحذرتنا منها نصوص الوحيين .
ولهذا - أيها الإخوة - كان من الواجب على أهل العلم أن يبينوا أخطار هذه الظاهرة ، ويبينوا الأدلة الشرعية على تحريم سلوك مثل هذه المسالك ؛ ليكون الناس على بصيرة من أمرهم ، ومن هنا كان طرح هذا الموضوع .
وسيكون حديثي في البداية عن النقطة الأولى ، أو العنصر الأول ، وهو : معنى الغلو . قبل أن ندخل في بيان التحذير من الغلو ، وأسبابه وعلاجه ، إلى آخره .
تعريف الغلو :
لا بد أن نتعرف على المراد بالغلو ، ذكر أهل اللغة أن الغلو في اللغة هو بمعنى مجاوزة الحد ، فكل مَن جاوز الحد فهو غالٍ . وذكر بعض أهل العلم أن تعريفه شرعًا هو تجاوز الحد الشرعي بالزيادة ، اعتقادًا أو عملاً ، وتجاوز الحد الشرعي بالزيادة على ما جاءت به الشريعة ، سواء في الاعتقاد أم في العمل .
أنواع الغلو :
ومن هنا - أيها الإخوة - يتبين لنا أن للغلو نوعين :
النوع الأول :
•الغلو الاعتقادي : ومن أمثلته الغلو في الأنبياء والصالحين ، كمن يغلو في نبي من الأنبياء ، فيستغيث به ، ويسأله من دون الله - عز وجل - أو يدعي فيه أنه يعلم الغيب ، أو غير ذلك ، مما هو من خصائص المولى تبارك وتعالى . ومن ذلك أيضا الغلو في الصالحين ، وفي قبور الصالحين ، وسؤالهم تفريج الكربات ، وإجابة الدعوات ، فهذا أيضًا من الغلو الاعتقادي . ومن ذلك أيضًا الغلو في التكفير بغير برهان من الله - عز وجل - ولا من رسوله - صلى الله عليه وسلم . فهذه من أمثلة الغلو الاعتقادي .
وقد ثبت في صحيح البخاري ، من حديث أبي سعيد مرفوعًا ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ ( 1) هَذَا قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ ، لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلاَمِ ، وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ » ( 2) .
وهاتان الصفتان اللتان ذكرهما النبي - صلى الله عليه وسلم - هما صفتان مشتركتان ، توجدان في كثير من فرق الغلاة على مدار التاريخ ، فهم قليلو العلم ، جاهلون بالشرع . ولهذا حتى لو قرءوا القرآن فإنه لا يجاوز حناجرهم ، بمعنى أنهم يقرءون بدون تدبر ، وبدون فهم ، ولهذا لا يهتدون بهدي القرآن ، ولا ينتفعون بمواعظه ، والصفة الثانية أنهم يقعون في استباحة الدماء ، فهم : " يدعون أهل الأوثان ، ويقتلون أهل الإسلام " . وذلك نتيجة لتكفيرهم لأولئك القوم ، فهم يكفرون المسلمين ، ثم ينطلقون من ذلك الاعتبار إلى استباحة دمائهم .
النوع الثاني :
•الغلو العملي : والمراد بالغلو العملي هو : الزيادة في العبادة . فقد يزيد المسلم في عبادة من العبادات على الحد الذي وضعه الشرع ؛ طلبًا للتقرب إلى الله - عز وجل - فيشق على نفسه ، مثلاً كالشخص الذي يصوم ولا يفطر ، أو يقوم الليل كله ولا يرقد ، أو يتعبد لله - عز وجل - باعتزال النساء ، واعتزال الزوجات .
وهذه الظاهرة وجدت في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في حديث أنس ، في قصة الرهط الثلاثة الذين جاءوا إلى بيوت النبي - صلى الله عليه وسلم - فسألوا عن عمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكأنهم تقالوه ، ثم قالوا : وأين نحن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر . ثم قال أحدهم : أما أنا فأصلي الليل ولا أرقد . وقال الآخر : وأما أنا فأصوم الدهر ولا أفطر . وقال الثالث : وأما أنا فأعتزل النساء . فلما جاء رسول الهدى - صلوات ربي وسلامه عليه - وعلم بما قالوا بيَّن لهم المنهج الصحيح ، وأنكر عليهم هذا الانحراف عن السنة ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : « أَمَا إِنِّي أَخْشَاكُمْ للهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ لَكِنِّي أُصَلِّي وَأَرْقُدُ وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي » ( 3) .
وإن النوع الأول - وهو الغلو في الاعتقاد - أشد خطرًا من النوع الثاني ، وإن كان كلاهما فيه خطر على الأمة ؛ لأن النوع الثاني يؤدي إلى الفرقة بين المسلمين ، ومنه نشأت الفرق الضالة التي انحرفت عن جادة الصواب ، واستباحت دماء المسلمين وأموالهم ، وأوقعت في بلاد الإسلام الفتنة .
المرجع لمعرفة ما يكون فيه الغلو :
فما المرجع فيما يُعد غلوًّا ؛ حتى تتبين لنا حقيقة الغلو ؟ لا بد من مرجع يتبين من خلاله ما يصح أن يسمى غلوًّا ، وما لا يصح أن يسمى كذلك .
المرجع في هذا - أيها الإخوة - هو الكتاب والسُّنة ، وشريعة رب العالمين ؛ لأننا ذكرنا أن تعريف الغلو هو تجاوز الحد الشرعي ، يعني الحد الذي وضعه الشرع ، فحتى نعرف أن فعلاً من الأفعال ، أو اعتقادًا من الاعتقادات هو غلو ، لا بد أن نتبين حدود الشرع في هذا الجانب . فإن كان ذلكم الفعل ، أو ذلك الاعتقاد ، متجاوزًا لحدود الشرع فهو غلو ، وإن كان في حدود الشرع فليس غلوًّا ، وإن سماه مَن سماه غلوا .
لأننا نجد بعض الناس ممَّن قل علمهم ، أو وجدت عندهم نيات غير صالحة ، أنهم يصفون بعض ما هو من الدين بالغلو ، فتجد من يصف الحجاب - حجاب المرأة المسلمة - بالغلو ، وتجد من يصف تحريم المعازف التي جاءت النصوص بتحريمها بالغلو ، وتجد من يجعل إعفاء اللحى نوعًا من الغلو . وكل هذه الأمور جاءت بها نصوص الشريعة ، فهي من الإسلام ، وليست من الغلو في شيء .
مقابل الغلو :
حتى يتضح لنا حقيقة الغلو فلا بد أن نعرف ما مقابل الغلو ، مقابل الغلو في الطرف الآخر هو الجفاء ، فكما قال بعض السلف : " دين الله بين الغالي فيه والجافي عنه " . فدين الله وسَط بين الغالي فيه ، وبين الجافي عنه . فالطرف الآخر هو الجفاء ، وهو التفريط ، والغلو هو الإفراط ، وكلا الأمرين مذموم .
فالشريعة جاءت بذم التفريط ، وبذم الإفراط ، وجاءت بالعدل ، وسلوك منهج الوسط في الاعتقاد وفي العمل . لهذا يقول ابن القيم - رحمه الله – : " ما أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزعتان ؛ إما إلى تفريط وإضاعة ، وإما إلى إفراط وغلو ، ودين الله وسط بين الجافي عنه والغالي فيه " ( 4) . فكما أن الجافي عن الأمر مضيع له ، فالغالي فيه مضيع ، هذا بتقصيره عن الحد ، وهذا بتجاوزه الحد .
لكن الغلو - أيها الإخوة - أشد خطرًا من الجفاء ، وإن كان كلاهما انحراف من ناحية أن الغلو يفرق الأمة ، ويفتح الطريق إلى البدع على مصراعيه ، وتستباح به الدماء ، والأموال المعصومة .
ثم إن الغالي يظن أنه على حق في كثير من الأحوال ، فيستمر في غيه ، وفي غلوه ، بخلاف العاصي المفرط ، الذي يعلم تقصيره ، فهو أرجى إلى أن يرجع ويئوب ويتوب إلى الله - جل وعلا .
الأدلة على التحذير من الغلو :
القضية الثانية التي سأتحدث عنها هي الأدلة على التحذير من الغلو ، فقد تبين فيما مضى حقيقة الغلو ، وما يتعلق به من أنواع . وسأنتقل الآن إلى ذكر بعض الأدلة الشرعية في التحذير من الغلو ومسالكه .
فقد قص الله - عز وجل - علينا - كما أشرت فيما مضى - ألوانًا من غلو أهل الكتابين ، وما ذاك إلا لكي تتعظ هذه الأمة ، وتتجنب سلوك مسالك الغلو .
الأدلة من القرآن :
الدليل الأول :
فمن ذلك قوله سبحانه : ﴿ يَا أَهْلَ الكِتَابِ لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الحَقَّ ﴾ [سورة النساء : الآية 171] .
الدليل الثاني :
ويقول - جل وعلا - في الآية الأخرى : ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِن قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ ﴾ [سورة المائدة : الآية 77] .
الأدلة من السنة المطهرة :
الدليل الأول :
وأما من السُّنة ؛ فقد جاءت أحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحذر من الغلو والتنطع ، منها حديث عبد الله بن مسعود ؛ حيث قال - صلى الله عليه وسلم : « هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ » ( 5) .
والمتنطع - كما يقول النووي في شرحه على صحيح مسلم - هو المتعمق في الشيء ، المغالي فيه ، المجاوز حدَّ الشرع فيه ، سواء أكان قولاً أم فعلاً أم اعتقادًا .
الدليل الثاني :
ومن الأدلة أيضا التي تحذر الأمة من الغلو حديث ابن عباس - رضي الله عنهما – قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم غداةَ جمع - يعني صبيحة ليلة مزدلفة ، وهي ليلة يوم النحر : « هَاتِ، الْقُطْ لِي » . فَلَقَطْتُ لَهُ حَصَيَاتٍ هُنَّ حَصَى الْخَذْفِ ( 6) ، فَلَمَّا وَضَعْتُهُنَّ فِي يَدِهِ قَالَ : « بِأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ » .يعني : فارموا . « وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ » (7 ) .
هذا هو الدليل ، وإن كان جاء على سبب خاص ، وهو قضية الغلو في حصى الجمار ؛ لأن بعض الناس قد يظن أن كبر حجم الحصى من الدين ؛ لأن الحصى كلما كان أكبر كان أقوى وأوقع أثرًا . فأرشد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى اتباع السنة بقوله : « بِأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ » أي : فارموا بما يقارب هذا الحجم ، ولا تحكموا عقولكم ، بل اتبعوا سنة نبيكم - صلى الله عليه وسلم - وإياكم والغلو في الدين .
لكن كما يقول العلماء : العبرة بعموم اللفظ ، لا بخصوص السبب . ولهذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - عليه رحمة الله - بعد أن أورد هذا الحديث : " عام في جميع أنواع الغلو ؛ في الاعتقاد والأعمال " ( 8) .
الدليل الثالث :
من الأدلة التي تحذر الأمة من الغلو حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - يرفعه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : « إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ » ( 9) . ويشاد بمعني : يغالب . فمَن غالب الدين ، فشق على نفسه ، فسيكون منتهى أمره إلى الانقطاع ويُغلَب ، كما قال - صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر - : « عَلَيْكُمْ مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ ، فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا » (10 ) .
الدليل الرابع :
ومن النصوص التي تحذر ، أو تفيد التحذير من الغلو النصوص الواردة في مدح ضد الغلو ، فقد جاءت النصوص الشرعية ببيان يُسر الإسلام وسهولته ، وأنه جاء برفع الحرج ، وجاءت الشريعة تحث على الرفق ، وتحث على الاعتدال ، وعلى الوسطية . هذه الأمور كلها تنافي الغلو ، فالحث عليها ، وإرشاد الأمة إليها ، هو في الواقع أيضًا تحذير من ضدها ، وهو الغلو .
ومن ذلك قوله جل وعلا : ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ ﴾ [سورة البقرة : الآية 185] . وقوله سبحانه : ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾ [سورة الحج : الآية 78] . وقوله سبحانه : ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ [سورة البقرة : الآية 143] . وسطًا يعني : عدولاً خيارًا .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : « إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ ، وَيُعْطِى عَلَى الرِّفْقِ مَا لاَ يُعْطِى عَلَى الْعُنْفِ » ( 11) . هذه بعض الأدلة التي تحذر من الغلو وأكتفي بهذا القدر .
حديث الشيخ محمد الفيفي
مظاهر الغلو في الدين في عصرنا الحالي :
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم النبيين ، وسيد المرسلين ، وإمام المتقين ، نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .
مما يحسن الكلام حوله في هذه الندوة الحديث الكلام عن بعض مظاهر الغلو ، وهي - وإن كانت كثيرة - فسوف نقتصر على أهمها ، مما يتسع ويسمح به الوقت .
من مظاهر الغلو :
•الغلو في الأنبياء والأولياء والصالحين .
•الغلو في المتبوعين والأحزاب والجماعات .
•الغلو في إنكار المنكر .
•الغلو في الجهاد .
•الغلو في الولاء والبراء ، وغير ذلك من الأنواع .
الغلو في الأنبياء والأولياء الصالحين :
لقد خلق الله - عز وجل - الثقلين لحكمة واحدة ؛ وهي أن يعبدوه وحده ، كما قال تعالى : ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ﴾ [سورة الذاريات : الآية 56] . والعبادة اسم جامع لكل ما يحب الله ويرضاه ، من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة ، كالدعاء والاستغاثة والاستعاذة والذبح والنذر والسجود ، وغير ذلك .
ومَن صرف شيئًا من العبادة لغير الله فقد جعله شريكا لله تعالى ، فإن كل ما أمر الله أن يصرف له فلا يجوز صرفه لغيره ، فإن فعل فقد وقع في التنديد ، الذي هو أعظم الكبائر .
فقد سُئِل النبي - صلى الله عليه وسلم : أي الذنب أعظم ؟ فقال : « أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ » (12) . متفق عليه . وسواء أكان هذا الشريك مَلِكًا أم نبيًّا أم وليًّا أم شجرًا أم حجرًا أو كوكبًا ؛ لأن الله - عز وجل - يقول : ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ﴾ [سورة النساء : الآية 36] . ويقول جل وعلا : ﴿ وَأَنَّ المَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ﴾ [سورة الجن : الآية 18] .
وقد بُعث النبي - صلى الله عليه وسلم - في أقوام مختلفي المشارب ، متبايني الاعتقادات ، فمنهم مَن يعبد الملائكة ، ومنهم من يعبد الأنبياء ، ومنهم من يعبد الأشجار والأحجار ، ومنهم من يعبد الصالحين . فلم يفرق النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهم ، بل حَكم عليهم جميعًا بالكفر والشرك ، واستحل بذلك دمائهم وأموالهم ، وسبي نسائهم ، فدل على أن حكم الجميع واحد ، ولما كان الشرك أعظم الذنوب ؛ إذ هو الذنب الذي لا يغفر أبدًا ، لمن لقي الله عليه من غير توبة ، كما قال - جل وعلا - : ﴿ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً ﴾ [سورة النساء : الآية 48] .
كما أن توحيد الله تعالى في العبادة أعظم الواجبات ، فلذلك كان هو أول ما دعت إليه الرسل جميعًا ، كما قال تعالى : ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ [سورة النحل : الآية 36] . وحين بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - معاذًا إلى اليمن أمره بأن يبدأ بدعوة الناس إلى التوحيد فقال : « إِنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ ، فَادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ » ( 13) .
وهذا الدين الخاتم جاء بتقرير التوحيد ، والنهي عما يضاده ، وجاء بسد الذرائع الموصلة إلى الشرك ما لم يأتي مثله في الشرائع السابقة .
وكان مما حذر منه الكتاب والسُّنة الغلو في الصالحين من الملائكة والأنبياء ، أو العلماء والزهاد ، وكذا الغلو في بعض الجمادات ، كالأشجار والأحجار وغيرها ؛ لأن هذا الغلو هو مفتاح الشرك الأكبر ، وبابه النافذ إليه ، وبه ضل قوم نوح ، ومن بعدهم ، وقد سبق في علم الله أن هذا واقع في هذه الأمة ، كما وقعت فيه الأمم من قبلها ، فلذا كثر التحذير منه ، ومع ذلك وقع فيه كثير من المنتسبين للإسلام في القديم والحديث .
تقسيم آخر للغلو :
والغلو على نوعين :
•نوع مخرج من الملة ، وهو ما بلغ بصاحبه إلى تسوية غير الله بالله ، فيما هو من خصائص الله ، كمن ينسب إلى بعض الخلق أنه يعلم الغيب ، أو أنه على كل شيء قدير ، أو أنه يتصرف في الكون بحياة أو موت ، أو نفع أو ضر ، وهذا استقلال بقدرته هو ومشيئته . وهذا يوجد عند كثير من الغلاة من الروافض والصوفية وأشباههم ، ومن صوره أيضًا صرف العبادة لغير الله - عز وجل - كدعاء الأولياء والاستغاثة بهم ، والذبح لهم ، والنذر لهم ، والطواف بقبورهم تقربًا إليهم ؛ لأنها عبادات ، والعبادة لا يجوز صرفها لغير الله ، ومن صرفها لغير الله فقد أشرك .
•نوع يؤدي إلى الشرك : وهو ذريعة إليه ، مثل : رفع قبور الأولياء ، وبناء القباب والمساجد عليها ، أو دفن الأولياء في المساجد ، وشد الرحال إليهم ، والتوسل إلى الله - عز وجل - بجاههم ، والحلف بهم ، مع الاعتقاد أن الحلف بهم دون الحلف بالله ، إما إن قام بقلب صاحبه - يعني الحالف - أن الحلف بغير الله كالحلف بالله أو أعظم فهذا شرك أكبر .
ومن هنا يتبين لك - أخي المبارك - خطورة الغلو في الصالحين ، كيف لا وهو سبب أو شرك وقع في بني آدم ، كما حصل للقوم الذين بُعث فيهم نوح عليهم - عليه الصلاة والسلام - في الخبر المشهور ؛ حيث غلو في وَدٍّ وسُواع ويغوثَ ويَعوقَ ونَسرًا . وهؤلاء كانوا قومًا صالحين ، فلما ماتوا صوروا لهم تماثيل ؛ حتى يتذكروهم ، فيعملوا مثل عملهم . ثم تقادم الزمان ، ونسي العلم ، ومات أولئك ، فجاء مِن بعدهم قوم أوحى لهم الشيطان أن اعبدوها من دون الله - عز وجل - فعبدوها من دون الله ، فوقع أول شِرك في بني آدم .
فأرسل الله نوحًا - عليه الصلاة والسلام - فدعاهم إلى عبادة الله وحده ، ودعاهم إلى الكفر بعبادة ما سواه ، ولبث فيهم ألفَ سنة إلا خمسين عامًا ، فأهلك الله - عز وجل - كفار قومه ، ونجَّى نوحًا ومَن آمن معه ، وما آمن معه إلا قليل .
وقد ورثت العرب تلك الأصنام ، وبقيت فيهم ، حتى بعث الله محمدًا - صلى الله عليه وسلم - فأهلكها على يديه . ولخطورة الغلو في الصالحين ، وشدة الفتنة بهم ،
النصوص الواردة في التحذير من الغلو :
وقد جاء التحذير منه في الكتاب والسُّنة ، وفي كلام السلف ، في نصوص كثيرة منها :
عن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن عمر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : « لا تُطْرُونِي ( 14) كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ، فَإِنِّمَا أَنَا عَبْدٌ ، فَقُولُوا : عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ » ( 15) . رواه البخاري .
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رجلاً قال : يا محمد ، يا سيدنا ، يا ابن سيدنا وخيرنا ، وابن خيرنا . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - « يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، عَلَيْكُمْ بِتَقْوَاكُمْ ، لَا يَسْتَهْوِيَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ ، وَاللهِ مَا أُحِبُّ أَنْ تَرْفَعُونِي فَوْقَ مَنْزِلَتِي الَّتِي أَنْزَلَنِي اللهُ » ( 16) . رواه أحمد بإسناد صحيح .
وعن عائشة - رضي الله عنها - أن أم حبيبة وأم سلمة - رضي الله عنهما - ذكرتا كنسية رأيْنَها بالحبشة ، فيها تصاوير ، فذكرتا للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : « إِنَّ أُولَئِكَ إِذَا كَانَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمَاتَ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا ، وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ ، أُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ » ( 17) . متفق عليه .
وعن ابن سويد قال : خرجنا مع عمر في حجة حجها ، فقرأ بنا في الفجر : ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الفِيلِ ﴾ و﴿ لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ ﴾ . فلما قضى حجه ورجع ، والناس يبتدرون ، فقال : " ما هذا ؟ " قالوا : مسجد صلى فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم . فقال : " هكذا هلك أهل الكتاب ، اتخذوا آثار أنبيائهم بِيَعًا ، من عرضت له منكم فيه الصلاة فليصل ، ومن لم تعرض له منكم فيه الصلاة فلا يصل " ( 18) . رواه ابن أبي شيبة ، وصححه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
قال الإمام محمد بن وضاح - رحمه الله - : " وكان مالك بن أنس وغيره من علماء المدينة يكرهون إتيان تلك المساجد ، وتلك الآثار ، للنبي صلى الله عليه وسلم ، ما عدا قباء " . وقال ابن وضاح : " وسمعتهم يذكرون أن سفيان الثوري دخل مسجد بيت المقدس ، فصلى فيه ، ولم يتبع تلك الآثار ، ولا الصلاة فيها " .
فمن تأمل هذه النصوص - أيها الإخوة - عرف أن الغلو في الأولياء والصالحين والأضرحة ليس من الدين في شيء ، بل دين الله منه براء . ومحبة الصالحين إنما تكون بالاقتداء بهم في الخير ، لا بجعلهم أندادًا لله تعالى ، ولا أن يفعل بهم ما يكون وسيلةً إلى الشرك الأكبر - والعياذ بالله - كما هو الحاصل اليوم في كثير من بلاد العالم الإسلامي .
ومما يبعث على الأسى زهد كثير من أهل العلم في الجامعات والمعاهد الدينية ، والمشتغلين بالدعوة إلى الله من الأفراد والجماعات ، ببيان حقيقة توحيد العبادة ، وبيان ما يضادها ، وتقصيرهم في تحذير الأمة من الغلو في الصالحين ، وأصحاب الأضرحة ، في الوقت الذي يكثر فيها المفتونون بها .
والباعث على هذا التقصير ؛ إما الجهل بحقيقة الإسلام ، وإما خشية إغضاب الجماهير ، وإما أن يلتزم الداعي بمنهج جماعة لا تُقرُّ أصلاً الدعوة إلى التوحيد ؛ أي توحيد العبادة ، ولا التحذير من الشرك ووسائله ، كما هو الغالب على حال الجماعات اليوم .
ولا شك أن السكوت عن بيان الشرك ، وعن بيان التوحيد ، لا سيما توحيد العبادة ، من أعظم الغش للأمة وللأتباع وللمدعوين . فإن المبتلى بالشرك إذا مات عليه كان من أهل النار ، خالدًا فيها . فكيف يتركه الداعي في هذه الورطة العظيمة ، التي لا مخرجَ له منها ، إلا بإخلاص العبادة لله .
إن على الدعاة إلى الله أن يترسموا خُطا محمد - صلى الله عليه وسلم - والنبيين من قبله ، في الدعوة إلى الله . فقد قص الله عنهم جميعًا أن أساس دعوتهم كانت الدعوة إلى توحيد الله ، وترك الإشراك به .
فقال تعالى : ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ [سورة النحل : الآية 36] . وقال تعالى : ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [سورة الأنبياء : الآية 25] . وقص الله تعالى عن جملة من رسله أنهم دعوا أقوامهم ، فقال كلٌّ منهم : ﴿ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾ [سورة الأعراف : الآية 59] . وأمر الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يبين للناس حقيقة دعوته في قوله تعالى : ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ ﴾ [سورة يوسف : الآية 108] .
ولقد جر السكوت عن بيان التوحيد - توحيد العبادة - إلى تعلق كثير من الناس بغير الله تعالى ، يدعونهم ويرجونهم ، ويذبحون لهم ، ويستغيثون بهم عند الشدائد والكربات ، في عامة بلاد المسلمين . وكثير منهم يظن أنه على حق ، لا سيما وهم يرون من يحسنون الظن بهم ، من المنتسبين للعلم والدعوة ، لا ينكرون عليهم هذا ، إذا لم يسوغوا لهم بدعهم وخرافاتهم وشركياتهم .
نسأل الله أن يقيض لبلاد المسلمين ، التي ليس فيها من يدعو إلى التوحيد من أهل العلم ، من يقوم بهذا الواجب أحسن قيام وأتمه.
الغلو في المتبوعين والأحزاب والجماعات :
لقد أمر الله سبحانه وتعالى المؤمنين أن يكونوا أمة واحدة ، متفقين غير مختلفين ، تربطهم أخوة الإيمان والمحبة فيه سبحانه وتعالى ، مجتمعين على كتاب الله ، وعلى سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وعلى فَهم السلف الصالح ، ونهاهم عن التفرق والتح** والتعصب ، فقال تعالى : ﴿ وَلاَ تَكُونُوا مِنَ المُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُم وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ [سورة الروم : الآيتان 31 – 32] .
ولكن داء التح** والتعصب والتفرق دبَّ إلى هذه الأمة كما دبَّ إلى الأمم سابقًا من قبلنا ، بل أكثر ، لقوله صلى الله عليه وسلم : « وَإِنَّ هَذِهِ الْمِلَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ : ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ ، وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ ، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ » ( 19) .
وقد حذر أئمة الإسلام من هذه الفرق والأحزاب . وإليك - أخي المبارك - هذه الفتوى القيمة المختصرة للإمام محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - حيث سُئِلَ : هل هناك نصوص في كتاب الله وسُنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - فيها إباحةٌ لتعدد الجماعات الإسلامية . فأجاب - رحمه الله - : " ليس في الكتاب ، ولا في السنة ، ما يبيح تعدد الجماعات والأحزاب ، بل إن في الكتاب والسنة ما يذم ذلك ؛ قال تعالى : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [سورة الأنعام : الآية 159] . وقال تعالى ﴿ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ [سورة الروم : الآية 32] .
ولا شك أن هذه الأحزاب تنافي ما أمر الله به ، بل ما حثَّ عليه في قوله : ﴿ وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ ﴾ [سورة المؤمنون : الآية 52] . ولا سيما حين ننظر إلى آثار هذا التفرق والتح** ؛ حيث كان كل ح** وكل فريق يرمي الآخر بالتشنيع والسب والتفسيق ، وربما بما هو أعظم من ذلك .
لذلك فإنني أرى أن هذا التح** خطأ ، وقول بعضهم : إنه لا يمكن للدعوة أن تقوى وتنتشر إلا إذا كانت تحت ح** . فنقول : إن هذا الكلام غير صحيح ، بل إن الدعوة تقوى وتنتشر ، كلما كان الإنسان أشد تمسكًا بكتاب الله ، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم ، وأكثر اتباعًا لآثار النبي - عليه الصلاة والسلام - وخلفائه الراشدين " . انتهى كلامه رحمه الله .
التوقيع:

التعديل الأخير تم بواسطة الأستاذ أبو يوسف ; 2013-09-15 الساعة 08:09 PM.
رد مع اقتباس