2009-04-03, 09:24 PM
|
[3]
|
مشرف سابق
|
القيم الإسلامية في التربية الاقتصادية
إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله . أما بعد :
أصبح الاستهلاك ضرورة في حياتنا اليومية تدور عليه عجلة المنافع بين البائع والمشتري ويكون هناك تحركاً بين الأموال والسلع والخدمات ولا يعد الاستهلاك ضررا أو خطرا بذاته,ولكن إذا اقترن بالتبذير والبذخ وعدم الوعي فسوف تقع المشكلات الاستهلاكية التي تحتاج إلى ترشيد وتوعية المستهلك بتلك الأضرار البالغة عليه وعلى الأفراد الآخرين في المجتمع
ولما كانت هذه الصفة للمبذرين مضرة للمجتمع فإن الله عزوجل لا يحبها ولا يرتضيها لعباده الصالحين,قال الماوردي وذم التبذير أعظم؛لأن المسرف يخطئ في الزيادة والمبذر يخطئ في الجهل؛ومن جهل مواقع الحقوق ومقاديرها بماله وأخطأها فهو كمن جهلها بفعاله فتعداها).
وأصل كلمة الاستهلاك في اللغة مأخوذة من الفعل هلك واستهلك,يقال:"استهلك المال أنفقه وأنفذه وأهلك المال باعه
"واسْتَهْلَكَ الرجلُ فـي كذا إِذا جَهَدَ نَفْسَه".
ومن ذلك يتضح أن الاستهلاك بمعنى الإنفاق,وأنهما مرادفان لمعنى واحد وهو بذل المال ودفعه لأطراف أخرى في سبيل الحصول على المنافع .
والمعنى الاصطلاحي للاستهلاك هو"الاستخدام المباشر للسلع والخدمات التي تشبع رغبات الإنسان وحاجاته".
اما ترشيد الاستهلاك هو عبارة عن:"حصول كل فرد في المجتمع على احتياجاته المثلى من السلع والخدمات,دون زيادة أو نقصان؛كل وفقا لجنسه وعمره ونوع العمل الذي يؤديه,على أن يكون ذلك في حدود الموارد المتاحة".
ويقع على عاتق التربية الاقتصادية مسؤولية التوجيه الاقتصادي السليم للناشئة وفقا لتعاليم الدين الحنيف,حيث لم يهمل الإسلام الجانب الاقتصادي,بل وضع له الضوابط والإحترازات التي تحد من التمادي في الإنفاق إلى درجة الإسراف والتبذير وهناك العديد من القيم التربوية والضوابط الشرعية المقننة والمنظمة للسلوك الاستهلاكي ومنها ما يلي:
أولا:- الاتزان وعدم الانسياق وراء الرغبات والأهواء :
إن الله تعالى كرم الإنسان وشرفه على سائر المخلوقات بالعقل والتدبير السليم, ولذلك يجب عليه الحذر من الانسياق وراء الرغبات والأهواء والاشتغال بالمتع و اللذائذ الحسية,فعن صالح بن يحيى بن المقدام بن معدي كرب عن أبيه عن جده المقدام قال: سمعت رسول الله يقول: ( ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن حسبك يا بن آدم قيمات يقمن صلبك فإن كان لا بد فثلث طعام وثلث شراب وثلث نفس).
إن التوازن في إشباع الاحتياجات الأساسية للإنسان مطلب شرعي واقتصادي وصحي لأن المبالغة في الأمور المباحة مثل الأكل والشرب يخالف طبيعة الإنسان المتزن فهو يأكل ويشرب بقدر بينما إذا أهمل تلك الحدود ضره الأكل والشرب بدلاً من أفادته,والحيوانات هي وحدها التي تسترسل في الأكل غريزياً منقادة خلف الأهواء والشهوات بينما يمسك الإنسان لأنه فوق شهواته ويستطيع التحكم فيها ولا أدل على ذلك من حال الصائم.
قال الغزالي ولذا لا ينبغي للإنسان أن يترك نفسه مهملا يسترسل في الأكل استرسال البهائم في المرعى) وقال ابن خلدون وإذا بلغ التأنق في هذه الأحوال المنزلية الغاية تبعه طاعة الشهوات فتتلون النفس بألوان كثيرة لا يستقيم حالها معها لكثرة الحاجات والمؤونات التي تطلب بها العوائد ويعجز الكسب عن الوفاء بها).
ثانيا:- تجنب السرف والمخيلة :
تحث التربية الاقتصادية وفق المنهج الإسلامي الأفراد على التواضع والسماحة والاعتدال في الإنفاق حتى يكونوا ايجابيين ومحبوبين في مجتمعاتهم.عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده :أن رسول الله قال كلوا واشربوا وتصدقوا في غير سرف ولا مخيلة, إن الله تعالى يحب أن يرى أثر نعمته على عبده )
ثالثا:- نشر الوعي الاستهلاكي :
يتميز الدين الإسلامي بالحث على مبدأ ترشيد الاستهلاك حيث أمر الله تعالى في محكم كتابه عباده المؤمنين بتوخي الرشد والاتزان والوعي في الاستهلاك؛فلا إفراط ولا تفريط,ولا تجاوز لجانب على حساب الجانب الآخر
القاعدة الاقتصادية المتوازنة في الإنفاق,حيث إن الإمساك إذا اشتد تحول إلى شح مقيت نهت عنه الشريعة الإسلامية,وإذا زاد حده وبدأ يصل إلى مرحلة البذخ والإسراف تحول إلى تبذير مذموم ينهى عنه الدين الحنيف.
وعن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبيع نخل بني النضير ويحبس لأهله قوت سنتهم. ( ) وهذه التوجيهات الآلهية والنبوية الشريفة تثمر للأفراد فوائد عديدة,ومنها:
1- المحافظة على مصادر دخل الأسرة وتنميته وعدم التفريط فيه أو تضييعه في توافه الأمور.
2- الاهتمام بالجانب الوقائي الاقتصادي وإتباع الأساليب والطرق التي تحمي الأسرة المسلمة من المشكلات الاقتصادية التي تدخل الأسرة في العديد من الصعوبات والمطالبات المالية .
3- الاستقرار النفسي والاجتماعي الذي ينتج عن إشباع الحاجات للأفراد والأسرة نتيجة ترشيد الإنفاق والاقتصاد في المعيشة,والسلامة من الانحراف والجنوح الناتج عن الحاجة والفقر والعوز.
4- ضرورة متابعة الأسرة لأفرادها وتوجيههم لإتباع أساليب الاقتصاد والترشيد وتوفير المدخرات والمقدرات.
رابعا: تغيير الأنماط الاستهلاكية وفقا لمتطلبات العصر:
تواجه الأسرة المسلمة والأمة الإسلامية في الوقت الراهن العديد من التحديات في ظل العولمة والتحالفات التجارية للعديد من الدول والشركات الكبرى,الأمر الذي يتطلب التصدي لتلك التحديات,والتنبه للتغيرات السريعة والمتلاحقة ومحاولة الاستفادة منها في ضوء الضوابط الشرعية حتى تتحول المجتمعات الإسلامية إلى مجتمعات منتجه فإذا تعذر ذلك فأقل القليل العمل على الحد من الاستهلاك ولاسيما الخارجي مؤقتا حتى نعطي الفرصة للفرد والمجتمع لمعالجة الأوضاع الاقتصادية وتقويمها مع مسايرة التقدم الحاصل.
خامسا:ابتكار مشاريع استثمارية ناجحة تمتص فوائض الأموال:
إن الإسراف والتبذير ينشأ من وجود طبقة من المجتمع يمتلكون أكثر مما يحتاجون وبالتالي ينفقون الأموال بلا حساب وخصوصا في الأمور الترفيهية والتحسينية,وقد يُفتن بذلك من هم أقل حالا منهم فيقلدونهم ليواكبوهم في أساليب معيشتهم,ولو وجد أصحاب الدخول المرتفعة المنافذ الصحيحة والسليمة التي يوظفون فيها أموالهم ومدخراتهم في المشاريع والاستثمار الشرعي الصحيح لحصل المجتمع على الاستثمار الأمثل للإمكانيات التي يمتلكها الأفراد,وقد توفر هذه المشاريع فرصا للعمل تحد من البطالة في المجتمع.
سادسا:أهمية وجود القدوات الصالحة لنشر ترشيد الاستهلاك:
إن دور الوالدين في محيط الأسرة المسلمة والمعلمين في المدارس ليس مقتصرا على توجيه الأوامر والإرشادات فحسب,بل يتطلب منهما توفير القدوة الصالحة والأسوة الحسنة للالتزام والمثالية في ترشيد الإنفاق والاعتدال والتوسط فيه فإن تلك التدابير الحسنة يتأثر بها الأولاد وتنفعهم ولاسيما إذا وجدوا القدوة الصالحة لذلك.
والناس يحتاجون دائما إلى نماذج ورموز يقتدون بهم,ولا يمكن للمرء أن يكون قدوة لغيره من غير تضحية وهذا يوجب على أهل العلم والخير والجاه والنفوذ أن يتحسسوا المسؤولية الملقاة عليهم في هذا الصدد؛فالناس يتلقفون منهم من غير وعي مشروعية أنماطهم السلوكية,ويقتفون أثرهم بسبب تميزهم الديني أو الدنيوي.
وقد كان لولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله تجربة لها أبلغ الأثر في نفوس المواطنين حيث أمر بتركيب أدوات ترشيد استهلاك المياه في منزله ابتداءاً في مرحلة انطلاق مشروع الترشيد, ليكون بذلك قدوة لغيره من المواطنين حفظه الله ورعاه.
يتبع
|
|
|
|