منتدى التعليم توزيع وتحضير المواد الدراسية

منتدى التعليم توزيع وتحضير المواد الدراسية (https://www.education-ksa.com/index.php)
-   منتدى الشريعة الإسلامية (https://www.education-ksa.com/forumdisplay.php?f=51)
-   -   سبب الخلل الذي اصابنا (https://www.education-ksa.com/showthread.php?t=60258)

موتي ولامعصية ربي 2012-06-15 05:36 AM

سبب الخلل الذي اصابنا
 

إنَّ الناظِر في أحوالِنا التي نعيشُها يُصِيبُه الدَّهشة والحيرَة؛ دهشَة بسبب هذا التردِّي الذي آلَتْ إليه أحوالُنا في كافَّة مَناحِي الحياة، على كلِّ مُستَوياتها، وحيرة بسبب الوُقُوف على أسباب ذلك التردِّي، فأنت إذا تلفَّتَّ حولَك لا تَكاد عَيْناك تُخطِئ خَلَلاً هنا أو مشكلةً هناك، بل نستَطِيع القول: لقد دبَّ الخلل في كافَّة المجالات التي حولَنا؛ في الحياة الأخلاقيَّة والسياسيَّة والاقتصاديَّة، حتى الغذائيَّة والصحيَّة، وأنا هنا لن أفصِّل في بَيان تلك المظاهر، فمَن نظَر بعين الإنصاف والتجرُّد، رَآها بعيني رأسه!
إنَّ سبب ما وصَلنا إليه من تلك الحال إنما هو بسبب ما اقتَرفَتْه أيدينا نحن؛ فإنَّ الله - تعالى - لا يُغيِّر حالَ قومٍ من الخير والبركة والنَّماء والسَّعادة حتى يُغيِّر هؤلاء القومُ حالهم بأيديهم وبأنفُسِهم؛ قال - تعالى -: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11].
قال أبو عبدالله القرطبي: "أخبَرَ الله - تعالى - في هذه الآية أنَّه لا يغيِّر ما بقومٍ حتى يقَع منهم تغييرٌ، إمَّا منهم، أو من الناظر لهم، أو ممَّن هو منهم بسبب؛ كما غيَّر الله بالمنهَزِمين يوم أحد بسبب تغيير الرُّماة بأنفسهم، إلى غير هذا من أمثلة الشريعة"[1].
قال الأمين الشنقيطي: "قوله - تعالى -: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ ﴾ [الرعد: 11]: بيَّن - تعالى - في هذه الآية الكريمة أنَّه لا يغيِّر ما بقومٍ من النعمة والعافية حتى يُغيِّروا ما بأنفسهم من طاعة الله - جلَّ وعلا.
والمعنى: أنَّه لا يسلب قومًا نعمةً أنعَمَها عليهم حتى يُغيِّروا ما كانوا عليه من الطاعة والعمَل الصالِح، وبيَّن هذا المعنى في مَواضِع أُخَر؛ كقوله: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الأنفال: 53]، وقوله: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}﴾ [الشورى: 30].
وقد بيَّن في هذه الآية أيضًا أنَّه إذا أراد قومًا بسوءٍ فلا مَرَدَّ له، وبيَّن ذلك أيضًا في مواضع أُخَر؛ كقوله: {﴿ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ﴾[الأنعام: 147]، ونحوها من الآيات.
وقوله في هذه الآية الكريمة: ﴿ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11]، يصدق بأنْ يكون التغيير من بعضهم، كما وقَع يوم أحدٍ بتغيير الرُّماة ما بأنفُسِهم، فعمَّت البليَّة الجميعَ، وقد سُئِل - صلَّى الله عليه وسلَّم -: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: ((نعم؛ إذا كَثُر الخبَث))، والله تعالى أعلم"[2].
فالتغيير والتبديل لا يشترط أنْ يكون من الجميع أو الكافَّة، بل بتغيير بعضِهم وتبديلهم ما أُمِرُوا به.
وفي "مسند الإمام أحمد" من حديث ثَوْبان مولى رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يُوشِكُ أنْ تَداعَى عليكُم الأُمَم من كلِّ أفقٍ كما تَداعَى الأكَلَة على قصعتها))، قال: قلنا: يا رسول الله، أمِنْ قلَّة بنا يومئذٍ؟ قال: ((أنتم يومئذٍ كثيرٌ، ولكنْ تكونون غُثَاء كغُثَاء السَّيْل، تُنتَزع المهابَة من قلوب عدوِّكم، ويجعل في قلوبكم الوَهَن))، قال: قلنا: وما الوَهَن؟ قال: ((حبُّ الحياة وكراهِيَة الموت))[3].
فهذه الغُثائيَّة التي نَعِيشُها في واقِعنا الحالي هي التي عَناها النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بقوله، فالمسلمون كثيرٌ - ولله الحمد - لكنَّها كثْرة ليس لها قِيمَة ولا فعل ولا أثَر!
قال دِعبِل الخُزاعي:
مَا أَكثَرَ النَّاسَ لاَ بَل مَا أَقَلَّهُمُ اللهُ يـَعْلَمُ أَنِّي لَـمْ أَقُلْ فَنَدَا
إِنِّي لَأَفتَحُ عَيْنِي حِينَ أَفْتَحُهَا عَلَى كَثِيرٍ وَلَكِنْ لاَ أَرَى أَحَدَا
وما عاد يَخفَى على كثيرٍ منَّا أنَّ السبب الرَّئيس في هذا الواقِع المؤلِم هو فِقدان التَّقوى، التَّقوى بمعناها العام الذي يَشمَل كلَّ شيءٍ صغير أو كبير يَعيشُه الإنسان المسلم، التَّقوى التي تُسيِّر حياةَ المؤمن وفْق نسقٍ معيَّن ومُحدَّد لا يحيد عنه قيد أنملَة، ولو حدَث فسرعان ما يَفِيء إلى جَناب ربِّه تائبًا نادِمًا مستغفرًا.
وهذه التَّقوى لا يصل إليها إلاَّ مَن عاشَ معنى العبوديَّة الصادقة، والعبوديَّة - كما عرَّفها شيخُ الإسلام ابنُ تيميَّة -: "اسمٌ جامعٌ لكلِّ ما يحبُّه الله ويَرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة"[4]، فهي معنى يَستَولِي على المسلم بكليَّته، فلا يستَطِيع المؤمنُ الانفِكاكَ عنه إلاَّ بمفارَقة رُوحِه جسدَه، فهو يستَغرِق كلَّ أقوالِه وأفعالِه، حركاته وسكناته، عِباداته ومُعامَلاته، ما أسرَّ وما أعلَنَ.
وكلُّ محنةٍ مرَّت بها أمَّتُنا الحبيبة وخرَجت منها، ما خرَجت منها إلاَّ برُجُوعها إلى ربها، وإصلاح ما بداخِلها، ثم يأتي النصرُ بعدُ، وهذا مسطورٌ وبيِّنٌ في سجلِّ تاريخ هذه الأمَّة، أنها ما نجَّاها الله في أحلك الظروف والأزمات إلاَّ لَمَّا فاءتْ إلى أمر ربها، عادَت برجوعها إلى دينها ومَبادِئها التي اختُصَّت بها، عادَتْ بعُلَمائها الذين عَلِمُوا لماذا رزَقَهم الله مِيرَاث النبوَّة، عادَتْ برجالها الذين ذادُوا عن حِياضِها ودافَعُوا عن بيضَتِها، عادَتْ بنسائها اللاتي عَلِمنَ مهامَّهنَّ ولماذا خُلِقنَ.
إنَّ أمَّتنا لن تموت وإنْ مَرِضَتْ، هذا وعْد الله لها؛ يقول أنس بن مالكٍ - رضِي الله عنه -: رأيتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في سفرٍ صلَّى سبحة الضُّحى ثمانِ ركعات، فلمَّا انصَرَف قال: ((إنِّي صلَّيتُ صَلاة رغبة ورهبة، سألتُ ربِّي - عزَّ وجلَّ - ثلاثًا فأعطاني ثنتين ومنعني واحدة: سألتُ ألاَّ يبتَلِي أمَّتِي بالسنين، ففَعَل، وسألتُ ألاَّ يُظهِر عليهم عدوَّهم، ففَعَل، وسألتُه ألاَّ يَلبِسهم شِيَعًا، فأبى عليَّ))[5]، فهو - تعالى - لن يُهلِك المسلِمين عن بَكْرَةِ أبيهم على يد عَدُوِّهم أبدًا، ولكن يجعل - سبحانه وتعالى - من البَأْس ممَّن هم من بَنِيها ما يكون سببًا في ضعْف هذه الأمَّة، وغلبة عدوِّها عليها؛ عدوها الخارجي وعدوها الداخلي.
عدوها الخارجي المتمثِّل في كلِّ مَن يُحاوِلون الكيد لها باستِئصال شأفة الإسلام والقَضاء على أهْلِه، من اليَهُود والنَّصارى وغيرهم من أُمَمِ الكفْر والإلحاد ومَن عاوَنَهم وناصَرَهم، وعدوها الداخلي المتمثِّل في الرَّوافض وشِيعَة الشيطان، والمتصوِّفَة المبتدِعة المحدِثة، والخوارج المفرِّقة لأمْر جماعة الأمَّة ووَحْدَتها، وغيرهم ممَّن يَفُتُّون في عَضُدِ هذه الأمَّة.
إنَّ عدوَّنا الخارجي لا يغفل ما وصَل إليه واقعنا، وكيف ذا وقد قال - تعالى -: ﴿وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً﴾ [النساء: 102]؟!
فهلاَّ بادَرنا واستَرجَعنا من قريبٍ من قبلِ أنْ يَزِيد ما بنا من بَلاءٍ وكربٍ! نَسألُ اللهَ أنْ يُعِيد لهذه الأمَّة مجدَها وعِزَّها.
ــــــــــــ
م ن


الساعة الآن 08:07 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
تصميم تطبيقات الجوال, شركة تصميم مواقع ، تصميم متاجر ، تسويق الكتروني , ارشفة مواقع   ، مكتب ترجمة معتمدة ،  استقدام خادمات  ، شركة سيو