المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحلم والأناة


لجين الرحيلي
2014-03-10, 09:34 PM
محاضرة بعنوان

"الحلم خلق المؤمن "

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له,
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .نقف في هذه المحاضرة مع خلق كريم من الأخلاق الإسلامية,
خلقٍ اتصف به الأنبياء والمرسلون, خلقٍ طالما افتقدناه في عصرنا الحاضر بين المسلمين ولم يتصف به إلا من رحم الله من المؤمنين,
ذلكم الخلق الذي أثنى به النبي –صلى الله عليه وسلم- على أحد أصحابه أمام إخوانه من الصحابة؛ ليعلِّمهم –عليه الصلاة والسلام-
أخلاق الدين الحنيف, ليتمسكوا بها, وليبين أن المسلم بحاجة إلى هذه الأخلاق الحميدة, فما ذلكم الخلق ؟ إنه الحلم والأناة,
فما معنى الحلم والأناة، وكيف يتصف المسلم بهذه الصفة الرفيعة؟!
الحلم هو: "ضبط النفس والطبع عن هيجان الغضب, والحلم حالة متوسط بين رذيلتين هما الغضب والبلادة,
ونجد من الآيات التي وصفت الله بالحلم قد قرن فيها ذكر الحلم بالعلم كقوله تعالى: وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (59) سورة الحـج.
وهذا يفيد أن كمال الحلم يكون مع كمال العلم".



وأما الأناة في لغة العرب: "لها عدد من المعاني منها الحلم والعقل والرزانة والوقار.
- واصطلاحاً: هي الروية والتفكير قبل الحكم، لتضاد بذلك معنى العجلة في الإقدام
على قرار أو حكم قبل التبصر والتثبت, وتتفاوت درجات الناس في استجابتهم للمثيرات حولهم
، فمنهم من يستثار لأتفه الأسباب فيطيش ويخطئ على عجل، ومنهم من تستثيره الشدائد فيتعامل
معها بعقل وحكمة وأناة، فيخرج من شدتها مأجوراً مشكوراً. ومع هذا التفاوت فهناك علاقة وثيقة
بين ثقة الفرد في أخلاقه، وبين أناته مع الآخرين، وتجاوزه عن خطئهم، فكلما سما دينه وخلقه اتسع
صدره، ووسع غيره بعلمه، وعذر من أخطأ، وتسامح مع من سفه عليه.
وقد كانت الأناة والحلم- صفة لازمة للأنبياء، مارسوها مع الناس، ونبهوا على أهميتها في حياة الإنسان،
لذا كان رد الأنبياء على أقوامهم المكذبين والمتهمين لهم معلماً للبشرية، فنبي الله هود -عليه السلام- يقول
لمن قالوا: إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ* قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ*
أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ (66-68) سورة الأعراف. وما موقف الرسول -صلى الله عليه وسلم- مع
الأعرابي الذي قال له: يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْدِلْ, فرد الرسول الكريم عليه: فَقَالَ: (وَيْلَكَ, وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ؟)رواه مسلم.
ما هذا الرد الهادئ إلا شاهد على أناته عليه الصلاة والسلام".
فالحلم والأناة صفتان محمودتان عند الله تعالى وهما الأصل في التعامل, لكن لا يكون ذلك على حساب الأحكام والحدود
الشرعية التي أمر بها الله -سبحانه وتعالى- أو رسوله عليه الصلاة والسلام. ومما يدل على امتداح الشريعة الإسلامية
لهذا الخلق النبيل: أن النبي –صلى الله عليه وسلم- مدح الحلم وعظّم أمره فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-لأشجِّ
عبد القيس: (إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ: الْحِلْمُ وَالْأَنَاةُ)صححه الألباني .
ولقد بعث الله له من ذريته غلاماً حليماً ونبياً كريماً هو إسماعيل -عليه السلام-: فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101) سورة الصافات.
ونبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- سيد الحنفاء والحلماء؛ قال عنه ربه: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) سورة القلم. لو كانت هذه
المعاني مستحضرة في واقعنا وواقع تعاملنا مع عباد الله -عز وجل- كيف سيكون حال دعوتنا؟ كيف لو استحضر المعلم هذا
المعنى مع طلابه ورواد درسه؟ وكيف لو استحضرت المعلمة ذلك مع طالباتها؟ وكيف لو تأمل الداعية والمربي والشيخ والعالم
هذا الموقف من النبي -صلى الله عليه وسلم- وتمثله أصحاب الرسالات والدعوات في حياتهم، كيف سيكون حال الناس؟
إن الشعور النبوي الكريم والشفقة على الخلق قد فاضت حتى انطبعت في قلوب أتباعه وأصحابه حباً وتضحية يفوق وصف الواصفين،
وقبولاً ماله نظير، وكيف لا يكون الأمر كذلك وهو الرحمة التي أنقذ الله بها البشرية من غول التيه والحيرة, فيا معشر الدعاة, يا معشر
المربين, يا معشر العلماء والفضلاء والنبلاء الحلم الحلم فإنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فلتسعوهم بأخلاقكم".
الفرق بين الحلم وكظم الغيظ :
أن الحلم أفضل من كظم الغيظ؛ لأن كظم الغيظ عبارة عن التحلم أي تكلف الحلم، ولا يحتاج إلى كظم الغيظ إلا من هاج غيظه ويحتاج
فيه إلى مجاهدة شديدة، ولكن إذا تعود ذلك مدة صار ذلك اعتياداً فلا يهيج الغيظ، وإن هاج فلا يكون في كظمه تعب، وهو الحلم الطبيعي،
وهو دلالة كمال العقل واستيلائه وانكسار قوة الغضب وخضوعها للعقل، ولكن ابتداؤه التحلم وكظم الغيظ تكلفاً.وهكذا فالناس دائماً في
حاجة إلى كنف رحيم, وإلى رعاية فائقة وإلى بشاشة سمحة, وإلى ود يسعهم وحلم لا يضيق بجهلهم وضعفهم ونقصهم, إنهم في حاجة
إلى قلب كبير يعطيهم ولا يحتاج منهم إلى عطاء، ويحمل همومهم ولا يعنيهم بهمه ويجدون عنده دائماً الاهتمام والرعاية، والعطف والسماحة
والود والرضا, وهكذا كان قلب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو القدوة، وهكذا كانت حياته مع الناس, ما غضب لنفسه قط ولا ضاق صدره
بضعفهم البشري, وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ (159) سورة آل عمران. أي:
فاعف عنهم فيما يختص بك واستغفر لهم فيما لله تعالى.
والحليم نادر في الناس؛ لأن شهوة النفس تأبى إلا الانكسار لها حتى قال الأصمعي: لا يكاد يجتمع عشرة إلا فيهم مقاتل أو أكثر،
ويجتمع ألف ليس فيهم حليم، والحلم صفة يحبها الله تعالى ويحبها رسوله صلى الله عليه وسلمويمكن للإنسان اكتساب صفة الحلم
بأمور أهمها ممارسة الحلم في الحياة اليومية، وذلك بأن يضبط نفسه بالصبر على أخطاء الآخرين عند تعامله معهم،
ومما يساعد على اكتساب الحلم العلم بمآل الأمور، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه
دعاه الله عز وجل على رءوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره الله من الحور ما شاء» حسنه الألباني .
فكمال العلم في الحلم، ولين الكلام مفتاح القلوب، والمسلم يستطيع من خلاله أن يعالج أمراض النفوس وهو هادئ النفس مطمئن القلب،
لا يستفزه الغضب، فالحليم حقا هو من يتسع صدره ويعذر الناس ويلتمس المبررات لأخطائهم، ويترفع عن الجهالات، أو مقابلة الخطأ بمثله
، فيصبر محتسبا، ويصفح قادرا، ويأمره إيمانه بالعرف والعفو عن الجاهلين، وهذا هو المثاب في الدنيا والآخرة، والمشكور عند الله وعند خلقه،
وهو الموصوف بالشدة والقوة، وكان الأحنف بن قيس رحمه الله من المعروفين بالحلم، حتى ساد عشيرته بذلك، وكان يقول: ما آذاني أحد إلا
أخذت في أمره بإحدى ثلاث: إن كان فوقي عرفت له فضله، وإن كان مثلي تفضلت عليه، وإن كان دوني أكرمت نفسي عنه.
ولأهمية الحلم وخطورة الغضب فقد أوصانا النبي صلى الله عليه وسلم ببعض السلوكيات التي تعزز الحلم وتطفئ الغضب ومنها:
ذكر الله تعالى والتحصن به والتعوذ به من الشيطان الرجيم، فقد استب رجلان عند النبى صلى الله عليه وسلم فجعل أحدهما تحمر عيناه
وتنتفخ أوداجه، فقال النبى صلى الله عليه وسلم :« إنى لأعرف كلمة لو قالها لذهب عنه الذي يجد لو قال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم » رواه مسلم.
ومما يذهب الغضب أيضا الوضوء، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمر الغضبان بالوضوء؛ لأنه يطفئ الغضب كما يطفئ الماء
النار وعلى الغضبان أن يتحول عن هيئته فيجلس إن كان قائما، فإن هذا أدعى إلى أن تهدأ نفسه وتسكن أعصابه.
فمن أعظم ثمرات الحلم أن صاحبه يفوز بمحبة الله لقوله صلى الله عليه وسلم لأحد الصحابة: "إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة" رواه مسلم.
- والفوز برضا الله وجنته.. لقوله صلى الله عليه وسلم: "من كظم غيظًا وهو قادرٌ على أن يُنْفِذَهْ، دعاه الله- عزَّ وجلَّ- على رءوس الخلائق يوم القيامة،
يخيِّره من الحور العين ما شاء" .الترمذي.
- التحكم في الانفعالات.. لقوله صلى الله عليه وسلم: "ليس الشديد بالصُّرْعَة (مغالبة الناس وضربهم) إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب" رواه مسلم.
- تحويل العداوة إلى صداقة.. يقول تعالى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ فصلت: من الآية 34.
- محبة الناس.. قيل: أول ما يُعوض الحليم عن حلمه أن الناس أنصاره؛ لأنه يبعد صاحبه عن الوقوع في الأخطاء.

اللهم ارزقنا الحلم ووفقنا لطاعتك وطاعة من أمرتنا بطاعته، عملا بقولك: ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) نفعني الله وإياكم
بالقرآن العظيم وبسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم .
وكانت هناك عدة دروس منها:
الدرس الأول: في فضل الحلم والأناة.
الدرس الثاني :في معنى الحلم ومكانته.
الدرس الثالث: حلم الصحابة على بعضهم.
الدرس الرابع: كيف نزكي أنفسنا؟وكيف السبيل الى كسب الحلم والأناة .
و تم عمل مسابقة وتم توزيعها على الجمعيات
فكانت الجمعية الفائزة:
جمعية اللباقة بإشراف الأستاذة :عزيزة الجهني
جمعية مرن عضلات مخك بإشراف الأستاذة : سهام



محاظرة للشيخ محمد العريفي عن الحلم والأناة:
http://www.youtube.com/watch?v=fVSuAXsMfDU



بإشراف جمعية التوعية الإسلامية

نعيمة الرحيلي
2014-03-12, 10:20 PM
كم أنتِ رائعة يا لجين - أيتها الإعلامية الكبيرة -
شكراً على النقل الرائع
جعله الله في موازين حسناتكن جميعاً

عائشه برهان
2014-03-27, 05:14 PM
شكر جزيلا*للطرح القيم
ننتظر المزيد*من*ابداع مواضيعك*الرائع
تحيتي*وتقديري*لك*
وددي*قبل ردي*.....!!