تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : ما هو دور التربية في الحفاظ على الهوية الثقافية لعاصمة الثقافة الإسلامية لعام 2013


احمد المديني
2013-02-08, 05:15 PM
ما هو دور التربية في الحفاظ على الهوية الثقافية لعاصمة الثقافة الإسلامية لعام 2013 ؟؟؟
الهوية من أهم السمات المميزة للمجتمع ، فهي التي تجسد الطموحات المستقبلية في المجتمع ، وتبرز معالم التطور في سلوك الأفراد وإنجازاتهم في المجالات المختلفة ، بل تنطوي علي المبادئ والقيم التي تدفع الإنسان إلي تحقيق غايات معينة ، وعلي ضوء ذلك فالهوية الثقافية لمجتمع ما لابد وأن تستند إلي أصول تستمد منها قوتها ، وإلي معايير قيمية ومبادئ أخلاقية وضوابط اجتماعية وغايات سامية تجعلها مركزا للاستقطاب العالمي والإنساني ،كما شغلت قضية الهوية الثقافية بال المفكرين والعلماء والمثقفين والقادة في دول العالم ، خاصة في عصر العولمة الذي ترك أثارا نفسية نتج عنها تحول في الهوية .
فأشار " محمود العالم " إلي أهمية الهوية في تشكيل الشخصية الفردية والمجتمعية، وهذا ما أكد عليه " عابد الجابري " حين رأي أنه " لا تكتمل الهوية الثقافية ولا تبرز خصوصيتها ، ولا تغدو هوية ممتلئة قادرة علي نشدان العالمية إلا إذا تجسدت مرجعتيها في كيان تتطابق فيه ثلاثة عناصر : الوطن ( الجغرافية والتاريخ ) ، الدولة ( التجسيد القانوني لوحدة الوطن والأمة ) ، والأمة ( النسب الروحي الذي تنسجه الثقافة المشتركة" ، كما أشار "الجابري " في موضع آخر إلى أن " الهوية الثقافية هي حجر الزاوية في تكوين الأمم ، لأنها نتيجة تراكم تاريخي طويل ، فلا يمكن تحقيق الوحدة الثقافية بمجرد قرار ، حتى لو توفرت الإرادة السياسية " 0
إن من أبرز الدوافع نحو تأكيد الهوية الوطنية والعربية والإسلامية هو ما يشهده عالم اليوم المتغير في كثير من أحداثه ، والمتمثل في الانفتاح والنمو والتقدم التكنولوجي الذي ربما يكون له تأثيراته علي الهوية الثقافية للمجتمع ، ومما لا شك فيه أن العولمة الثقافية أصبحت تباشر تأثيرها علي الأجيال الجديدة من أبناء المجتمع ، وسرت مفاهيم جديدة ومفردات غربية علي لغتنا العربية ، وصار الشباب العربي يرددها ويدافع عنها ، بل صار مكمن الخطورة يتمثل فيما يمكن أن تتعرض له قيم الانتماء والاعتزاز بالوطن والعروبة والإسلام من تهديد ، وصار من الواجب علي مؤسسات التربية والتعليم أن تتحمل مسئولياتها لاستعادة التوازن المفقود والدفاع عن هويتنا وثقافتنا .
فهناك بعض الدول مثل استراليا اشتكت من المادة الإعلامية للتليفزيون الأمريكي علي الأطفال ؛ لخطورتها علي فقدان الانتماء ، وقد عبرت وزيرة الثقافة الكندية عن انزعاجها من الهيمنة الثقافية الأمريكية ، حيث إن 60% من برامج التليفزيون الكندي مستوردة ، وأن 90% من الأخلاق ليست كندية ، كذلك اشتكت فرنسا من هيمنة اللغة الإنجليزية والتأثير علي الهوية الفرنسية ، كما أن الصينيين واليابانيين لم يهملوا لغتهم الأم ولم يجعلوا الثقافة الأمريكية تؤثر في حياتهم الاجتماعية والثقافية ، بل احتفظوا بثقافتهم من عادات ولغة وتقاليد ، وبذلك ظلوا محافظين علي هويتهم الثقافية .
ومن التحديات التي تواجه الواقع العربي معضلة سيادة اللغة الإنجليزية، وبالتالي فإن الثقافة الإنجليزية قد بدأت تحتل مكانة أكبر وتأثيراً أقوى من الثقافة العربية ؛ مما يشعرنا بتراجع اللغة العربية واضمحلال شأنها ، ولعل أبسط مظاهر هذا التراجع والاضمحلال ما يلاحظ من شيوع الألفاظ والتعبيرات الأجنبية، وبصفة خاصة الإنجليزية فى لغة الحديث العادية بين الأفراد من الطبقة المتوسطة وما فوقها0
كما أن محطات التليفزيون العربي تستورد ما بين 40 ، 60% من برامجها من الدول الغربية ، ويحتل الإنتاج الأمريكي 80% من تلك البرامج المستوردة ، وليس بخاف على أحد أن المنطقة العربية تعانى من التبادل اللامتكافئ إعلامياً فيما يعبر عنه بحال التبعية الإعلامية، ولقد حذر "حامد عمار" من الانبهار بالإعلام الغربي بصفة عامة والأمريكي بصفة خاصة ، وما يترتب على ذلك من تمثيل لأفكاره وثقافته ومفاهيمه، وما يترتب على ذلك من آثار سلبية على ثقافتنا القومية
ومن الملاحظ أن الفرد يبدأ في إدراك هويته في سن مبكرة ، فقد أثبتت إحدى الدراسات أن السن الطبيعي لإدراك الطفل لهويته القومية تبدأ ببلوغه 6 -7 سنوات ، ويزداد إدراكه بتقدم عمره ، وبالتالي فإنه يمكن إكساب الفرد الاتجاهات الإيجابية نحو الولاء للوطن في سن مبكرة 0
كما أشارت دراسة أخرى إلي أن الطفل يمكنه اكتساب الاتجاهات الإيجابية نحو الولاء للوطن منذ سن السابعة ، وذلك من خلال نشاطه مع الجماعات المختلفة ، ولذلك فإن قوة الانتماء تعضد الهوية الثقافية لدي أفراد المجتمع .

ومن هنا صارت المؤسسات التربوية مطالبة بالحفاظ علي ثقافة المواطنين المعرضة للتدهور والاندثار، وأن تعمل علي التأكيد علي الهوية الثقافية للمجتمع ؛ لأن التعليم يشكل حجر الزاوية في تشكيل الهوية الثقافية وفي تعزيزها والحفاظ عليها لكل شعب من الشعوب ، لذلك فإن الدول تتخذ التعليم كأداة أساسية لتربية أبنائها منذ الصغر علي المبادئ والأفكار والأيدلوجيات التي تشكل في النهاية الهوية الثقافية للمجتمع .
وهنا يشير " سعد الدين إبراهيم " إلي دور التعليم في تدعيم الهوية بقوله " من المفترض أن تقوم المدرسة بدور يعتد به في بث وتنمية الوعي والهوية لدي الطفل العربي ، ففي رحابها يتعلم الأطفال لغتهم العربية كتابة وقراءة ، ويكتسبون قواعدها ، ويكتشفون وظائفها التعبيرية ، لاسيما من خلال الأناشيد والقصص ودروس القراءة والمواد الاجتماعية التي تدعم الهوية " 0

وقد أكدت إحدى الدراسات التي أجريت على المجتمع الإريتري على دور التّربيةِ في تَنميةِ الهويةِ الثقافيةِ الإريترية فى ضوء مراجعةِ الشّروطِ التّربويةِ المعنيةِ بالمجتمعات التعددية. فالتربية متعددة الثقافات في إريتريا توفر الوصولَ إِلى ثقافة عامِة وأيضا إِلى تنوع في الثقافات.
كما أشار بحث آخر أجري على طلابِ يدرسون في مدرسةِ يهوديةِ فلسطينيةِ ثنائية اللغةِ فى إسرائيل. وأتاحت المقابلات الشخصية الفرصة للتعرف على تصورات الأطفال تجاه القضاياِ الخاصة بهويتهم الثّقافيةِ الفلسطينيةِ واليهوديةِ الخاصةِ والتي تتشكّلُ خلال التّفاعلِ في المدرسةِ والسّياقِ العموميِ الأكبرِ ، وكيف يَتصوّرونَ النّزاعَ ، وعِلاقاتهم الحاضرةَ والمستقبليةَ مع "الآخر" ، وجاءت الدّراسة كخطوةِ أولىِ اتجهت نحو أن تكون دراسةِ طوليةِ عن التّأثيرِ طّويل الأمد للتّعليمِ ثنائي اللغةِ على الطّلابِ ، وهويّاتهم الثّقافية وإدراكهم للنّزاعِ الإسرائيليِ الفلسطينيِ ، وباختصار فإن هذه الدراسة ركزت على دور التّربيةِ ثّنائية اللغةِ في تُشكّيلَ الهويّات في بيئاتِ مليئة بِالنّزاعِ.

وقد أشار"إسماعيل عبد الفتاح " إلي أن المدرسة تؤدي " دورا حيويا في تحقيق التجانس القومي عن طريق التوحيد الثقافي والفكري بين مختلف الطبقات وفي كل أنحاء الدولة ، مما يؤدي إلي التماسك القومي للمجتمع ، كما يقوم التعليم بدور بارز في تدعيم الإحساس الوطني والهوية الوطنية والقومية ، وتدعيم الولاء والانتماء في نفوس الطلاب ، كما يسهم بإيجابية في تشكيل أو إعادة بناء الشخصية الوطنية والقومية للأجيال الجديدة ، وتوحيد التوجهات القومية للطلاب ؛ مما يوحد الهوية القومية" ، وقد بذلت جهود كبيرة ، فعقدت العديد من المؤتمرات لتطوير التعليم ، وأضيفت موضوعات جديدة للمقررات الدراسية في المراحل المختلفة للتعليم ؛ بهدف الإسهام في تشكيل الهوية الثقافية في مقررات التاريخ واللغة العربية وفروعها المختلفة .
وحاولت دراسة " عطية أبو الشيخ" الوقوف علي واقع الهوية الثقافية العربية في الفكر التربوي والتحديات التي تواجها ،وخاصة العولمة ، ثم انتهت الدراسة إلي وضع تصور مقترح للخروج من الأزمة الثقافية التي يعشيها الفكر التربوي العربي 0

ومن هنا أشارت بعض الدراسات إلي إشكالية الهوية الثقافية في ظل العولمة وكيف يمكن للتعليم أن يسهم في مواجهة هذه العولمة، وهذا هو ما تناولته دراسة " السيد البهواشي" حيث ركزت علي طرح مجموعة من القضايا المرتبطة بماهية العولمة وتأثيراتها علي الشخصية المصرية والوقوف علي آليات التعليم لتفعيل هذه الشخصية بما يساعدها علي مواجهة تحديات العولمة ، ثم جاءت دراسة " مريم الشرقاوي " ؛ التي أكدت علي التميز الثقافي والهوية الثقافية ، وأهمية التفاعل بوعي مع النظام العالمي الجديد ، وذلك من خلال وضع منظومة لأساليب الإدارة التعليمية لتعزيز الهوية الثقافية ، وأوصت الدراسة بضرورة بناء هوية ثقافية ذات ثوابت راسخة ، واحترام التفاوت داخل الإطار الثقافي الواحد ، وأن تتحمل إدارة التعليم مسئولية الحفاظ علي الهوية الثقافية .

كما أشارت بعض الدراسات إلي مخاطر العولمة التي تهدد الهوية الثقافية ، فدراسة " محمد إبراهيم عطوة مجاهد " هدفت التعرف علي بعض مخاطر العولمة التي تهدد الهوية الثقافية للمجتمع المصري ودور التربية في مواجهتها ، وانتهت إلي مجموعة من المقترحات منها : وضع استراتيجية مقترحة تتكون من ثلاثة محاور متداخلة ومتكاملة لمواجهة العولمة والتفاعل معها ؛ تتمثل في البناء القيمي والأخلاقي للفرد ، ثم التفوق العلمي والتكنولوجي ، ثم قبول التعددية والانطلاق نحو العالمية0
أما دراسة "محمد المنوفي وياسر الجندي " فهدفت التعرف علي أزمة الهوية الثقافية في المجتمع العربي وتحديد مظاهر هويتنا الثقافية ، ثم انتهت إلي مجموعة من الإجراءات العملية لبلورة تكامل ثقافي عربي لمواجهة العولمة . كما جاءت دراسة " حمدي المحروقي " لتؤكد علي دور التربية في مواجهة تداعيات العولمة علي الهوية الثقافية ، حيث توصلت إلي رؤية تربوية لمواجهة التداعيات السلبية للعولمة التي تسهم في تطوير الهوية الثقافية العربية الإسلامية.
وأكدت دراسة " محسن خضر " علي أهمية دور التربية وأهمية تدعيم قدرة التربية العربية في سعيها لترميم التصدع الذي أصاب عملية بناء الهوية القومية إزاء الضغوط المتراكبة للعولمة وخاصة الثقافية منها ، وانتهي من بحثه إلي وضع بعض الخطوط العريضة لتربية الهوية ، والمهام المنتظرة من المؤسسات التربوية العربية لتعظيم استجابة التربية العربية علي الاستجابة لتحولات الهوية بفعل ضغوط العولمة الثقافية . وجاءت دراسة " ثناء الضبع " لتعرض سبل تعزيز الهوية الثقافية لدي الأطفال الناشئين من المدارس في ضوء تداعيات العولمة ، وتوصلت الدراسة إلي طرح استراتيجية مقترحة لمواجهة تداعيات العولمة علي هوية الطلاب الناشئين، إذن فهذا يدل عل أن الهوية الثقافية العربية تعاني من أزمة ، وهذا ما أشارت إليه دراسة " عبد السميع سيد أحمد " التي هدفت التعرف علي أزمة الهوية في الفكر التربوي ، وتوصلت إلي عدة نتائج منها : أنه ليس في وسع أحد أن يتصور مقدما علي أي نحو يمكن أن تكون هويتنا ، كما أنه من السراب أن نعتبر الهوية هدفا في حد ذاتها نسعى إلي تحقيقها ، لأن الهوية ليست اسما لشئ في عالم الأشياء ، بل هي صفة مصاحبة لتفرد الإنسان .
وكذلك جاءت دراسة " أحمد العطوي" لتؤكد علي هذه الأزمة التي تعيشها الهوية الثقافية ، فأشارت إلي وجود مجموعة من العوامل أدت إلي فقدان وضعف الهوية الثقافية العربية ، الأمر الذي أدي إلي وجود هذه الأزمة التي يعانيها الشباب العربي في هويته الثقافية، ثم جاءت بعض الدراسات مثل دراسة " ماجدة صالح وماجدة حافظ " لتلفت نظر القائمين علي تربية الطفل المصري لأهمية دور الثقافة في تنمية الهوية الثقافية ومحاولة تقديم بعض المقترحات التي قد تساعد في دعم ثقافة الطفل ومصريته والاعتزاز به ؛ للتصدي لغزو الثقافات المتعددة التي تحاصره في كل مكان ، وأوصت الدراسة بضرورة الاهتمام ببرامج إعداد معلمة رياض الأطفال من خلال استحداث مقررات لتنمية الوعي الثقافي لديهما، وتأكيد وتنمية الأصالة لدي المعلمة.
وقد أشارت مجموعة من الدراسات إلي أهمية ودور المناهج التعليمية في تعزيز وتنمية الهوية الثقافية في المجتمعات التي تواجه مجموعة من المتغيرات العالمية وخاصة العولمة ، وكلها تدعو إلي ضرورة إعادة النظر في المناهج التعليمية الحالية ، والعمل علي تطويرها وهندستها بشكل آخر يؤدي إلي تعزيز وتنمية الهوية الثقافية لدي الطلاب ؛ لأن هذه المناهج تتجاهل القضايا والمشكلات المعاصرة ؛ مما يسهم في تغريب الطلاب واغترابهم عن مجتمعهم ، وبالتالي فهذا يدعو إلي ضرورة التفكير في منهج معاصر في ظل الهوية الثقافية وخاصة منهج اللغة العربية ، ذلك المنهج الذي يعد من العوامل الرئيسة في تكوين الهوية الثقافية والحفاظ عليها .
وهذا كله إن دل فإنما يدل علي خطورة ما يتعرض له الشباب من مؤثرات عالمية تفرض نفسها علي الواقع ، فقد حاولت دراسة "شحاتة صيام " رصد التحولات التي طرأت علي بنية العقل لدي الشباب ، وكيف تشكل حسب تعاليم الثقافة الغربية وتمرده علي ثقافته العربية ، وخلص من دراسته بعدة نتائج ، كان من أبرزها : أن الشباب في المجتمع المصري انسحبت مجموعة من التحولات علي بنيته الذهنية وسلوكه وتصرفاته ، وأن هذه التحولات أدت إلي محاولات طمس وتشويه هويته وخصوصيته الثقافية .
منقول