المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقتضيات الاستخلاف فى الأرض بين الارادة الكونية والارادة الشرعية


اللجنة الإخبارية
2009-11-03, 12:30 AM
مقتضيات الاستخلاف فى الأرض بين الارادة الكونية والارادة الشرعية ( 1 )

ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهد الله فهو المهتدى ، ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا ، أما بعد ؛

(( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وأنتم مسلمون ))
(( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذى تساءلون به والأرحام ان الله كان عليكم رقيبا ))
(( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا ، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما )) ، أما بعد ؛

فان الله تبارك وتعالى خلقنا لعبادته ، وغاية هذه العبادة هى الاستخلاف فى الأرض ، فما خلق الله تبارك وتعالى الا للاستخلاف فى الأرض ، قال الله تعالى : (( واذا قال ربك انى جاعل فى الأرض خليفة )) ، وهذا الاستخلاف لابد له من مقتضيات ولوازم لابد منها لقيام الخلافة فى الأرض ، ولكن فى الوقت نفسه لن يكون هذا الكون عونا لنا – بل انه قد يتصادم معنا – ان لم يحدث تنسيق بيننا وبينه ، فأرسل الله تبارك وتعالى رسله لتبيين كيفية التنسيق فشرع لنا شرعه المبين ومنهجه العظيم وهو حقيقة لا اله الا الله ، وتحقيق توحيده عند البشر هو العبودية اللازمة لقيام الخلافة ، فأصبح أن عدم قيام الخلافة فى الأرض هو دليل وعلامة على عدم اكتمال العبودية كما ينبغى على مستوى الأمة المنوط بها القيام بالخلافة الآن وهى (أمة الاسلام) .

ولما كان الله سبحانه وتعالى له ارادتين – ارادة كونية ، وارادة شرعية – وكان لفهمهما أبعاد ومقتضيات الاستخلاف فى الأرض ، وكيف أن اساءة فهمهما لها كبير الأثر فى الاعاقة عن الاستخلاف فى الأرض ، كانت هذه الرسائل والمقالات ، عسى الله أن ينفع بها ويحرك أمة الاسلام للقيام بمقتضيات الخلافة ، والله المستعان وعليه التكلان .

تحليل العنوان:
مقتضيات: والمقصود بها لوازم الاستخلاف ، أو أسباب الاستخلاف ، بحيث تعتبر هذه الأسباب والقيام بها علامة على وجود الخلافة ، وعدمها على عدم وجود الخلافة .

الاستخلاف: والمقصود به طلب الخلافة ، قال الله تعالى : (( انى جاعل فى الأرض خليفة )). قال الامام القرطبى : (( والمعنى بالخليفة هنا – فى قول بن مسعود وابن عباس وجميع أهل التأويل – آدم عليه السلام ، وهو خليفة الله فى امضاء أحكامه وأوامره ، لأنه أول رسول الى الأرض )) اه . الجامع لأحكام القرآن . اذن الخلافة هى تطبيق ارادة الله الشرعية التى تتضمن أحكامه وأوامره ، ويقول الحافظ ابن كثير فى هذه الآية : (( أى يخلف بعضهم بعضا قرنا بعد قرن وجيلا بعد جيل )) اه تفسير القرآن العظيم
فالمقصود اذن خلافة من يمضى أحكام الله وأوامره عن مثله الى أن تقوم الساعة .

الارادة الكونية: أى ارادة الله الكونية المتمثلة فى قوله تعالى: (( واذا قضى أمرا فانما يقول له كن فيكون )) ، فهذه الارادة يدخل فيها كل ما يقضى به الله كونيا فيدخل فيها كل ما يحبه الله ويرضاه وما لا يحبه ولا يرضاه ، ويدخل فيها المؤمن والكافر ، والبر والفاجر .

الارادة الشرعية: أى ارادة الله التى يحبها لعباده وهى المتمثلة فى قوله تعالى):( انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)) ، فالارادة الشرعية هى ما أراده الله لعباده من العمل بشريعته ، فيدخل فيها كل ما يحبه الله ويرضاه ، ويخرج منها كل ما بغضه الله وكرهه ، فالمؤمن قد أتى بما أراده الله منه شرعا ، والكافر الزنديق قد خالف ما أراده الله شرعا فيخرج من هذه الارادة ومن ثم يستحق العقوبة والعذاب .

قال الشيخ عبد الرحمن آل الشيخ : (( فبين الارادة الشرعية الدينية والارادة الكونية القدرية غموم وخصوص مطلق . يجتمعان فى حق المخلص المطيع ، وتنفرد الارادة الكونية القدرية فى حق العاصى ، فافهم ذلك تنج من أرباب الكلام وتابعيهم )) اه فتح المجيد .
وقال شيخ الاسلام ابن تيمية : (( ولهذا كان مذهب سلف الأمة وأئمتها أن الله خالق كل شىء وربه ومليكه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن لا رب غيره ، وهو مع ذلك أمر بطاعته ونهى عن المعصية وهو لا يحب الفساد ولا يرضى لعباده الكفر ، ولا يأمر بالفحشاء وان كانت واقعة بمشيئته فهو لا يحبها ولا يرضاها بل يبغضها ويذم أهلها ويعاقبهم )) اه الفرقان

فاذا تبين المقصود من تحليل مفردات العنوان نأتى الى تفسير العنوان وفهم معتاه فى ضوء ما سبق؛ فيكون المعنى( مقتضيات الخلافة فى الأرض الموجودة فى ارادة الله الكونية وارادته الشرعية ، ودرء التعارض الوهمى فى فهم هذه المقتضيات ، ومن ثم السير الصحيح نحو الخلافة بفهم سلفى يقتضى العمل والحركة .