المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقال .. يضع السني والشيعي والدرزي في سلة واحدة


اللجنة الإخبارية
2009-10-30, 11:48 PM
تأميم الإسلام

حسان أبوصلاح - بانوراما عربية
10/30/2009 10:37:00 AM

http://www.arabicpanorama.com/Article.aspx?AID=2812

هل من الممكن "تأميم" الاسلام؟ ربما يبدو سؤالي غامضاً. لكن ما يحدث في الفترة الأخيرة في العالم الإسلامي عاد بي إلى استذكار حقبة القومية والاشتراكية التي تصاعدت وتيرتها في منتصف القرن الماضي، وآثارها لا تزال تلعب دوراً في حياة كثيرين في الشرق الأوسط. عندما قامت ثورة 1952 استبشر غالبية المصريين، خصوصاً الكادحون منهم، بزوال الإقطاعية والطبقية والمحسوبية، لكنهم لم يعلموا أن فرحتهم وبهجتهم ستتحول إلى قهر وجوع ورعب وإرهاب وكمد بعد سنوات عدة. في العام 1954 حدث الانقلاب الأبيض داخل الثورة على اللواء محمد نجيب، وأصبح الشاب جمال عبدالناصر رئيساً لمصر، ليخرج من خلف الكواليس إلى الواجهة، زعيماً لمصر، طامحاً لزعامة العالم العربي أجمع. كان عبدالناصر طموحاً لكنه لم يدرك ما كان يحيط به، لم يكن يدرك معنى أن يقود شعباً يتكون من عشرات الملايين. انجرّ عبدالناصر وراء الشعارات الجميلة غير الصالحة للتطبيق على أرض الواقع، فتح نار سياساته على كل جيرانه، خلق أعداء كثيرين، وصنع أصدقاء قلة، وظل يخسر ويخسر ويتعمق في ميادين الخسران، حتى مات، محولاً مملكة مصر والسودان سابقاً إلى دولتين، ويترك جمهورية مصر الجديدة مغتصبة الأراضي، منهارة الاقتصاد، متناهية الضعف، بجيش متهالك، ومعنويات محطمة، مخلفاً وراءه معتقلات مليئة بالمواطنين، وملايين الجوعى والباحثين عن مكان يؤويهم، لتصبح مصر – وللأسف – البلد الوحيد تقريباً الذي يسكن فيه الأحياء بين الموتى.

سأكتفي بهذا القدر من قصة الثورة الفاشلة التي نفذها ثلة من الضباط غير المؤهلين لتحمل مسؤولية أرض عظيمة وشعب عظيم. وأستشهد بالفشل الاقتصادي الذي قد لا يضاهيه فشل في القرن الماضي في عهد عبدالناصر، عندما أصدر الأخير قرارات التأميم على التوالي دون أن يدرك نتائج ما يفعل، وسط تصفيق الشعوب المحدودة التفكير.

قرار التأميم الزراعي المعتمد على العقلية الاشتراكية العمياء، أصاب الدولة التي كانت تعتمد بشكل كبير على الإنتاج الزراعي في مقتل، فالنظرية الاشتراكية تقوم على "تفتيت" الأراضي الواسعة – المملوكة لأشخاص محدودين – إلى قطع صغيرة على آلاف الفلاحين الذين كانوا يعملون فيها، وهو ما يؤدي أوتوماتيكياً إلى انخفاض الأداء وسوء الإدارة والتخبط والعشوائية وزيادة كلفة العملية الزراعية، الأمر الذي يوصل إلى انخفاض في معدل الإنتاج الزراعي، وارتفاع أسعار المحاصيل والمنتجات الزراعية. رحل عبدالناصر وخلف وراءه مصائب لا يزال المصريون يعانون منها حتى الآن. اليوم لم تعد مصر اشتراكية... وانقرضت الاشتراكية من العالم أجمع باستثناء بعض الدول التي لا تزال تعيش في الظلام.

الآن هناك اشتراكية شبيهة بتأميم عبدالناصر، لكنها اشتراكية دينية، تأميم للدين الإسلامي بالمعنى الأصح، إلا أنها ليست من صنع زعيم او قائد او دولة، بل هي من صنع شيوخ وعلماء دين. ما يحدث حالياً، وبتصاعدية ليس لها مثيل، اشتراكية إسلامية على الطريقة الشيوعية، عبر تأميم لصلب لإسلام تحت شعارات الطائفية والمذهبية، وتفتيت الإسلام من خلال تقسيمه إلى عشرات الطوائف، وكل طائفة مفتتة إلى تيارات تخطّئ بعضها أحياناً وتكفر بعضها أحياناً أخرى، بطريقة "ذاتوية"، تحرضها نفسيات مريضة، وجهل ومصالح شخصية، خصوصاً في وجود كميات من الرعاع والجهلة والفارغين والمغرر بهم...

المسلمون في الوقت الحالي يتحركون بجدية نحو ما أسميه تأميماً لـ "لب الإسلام"، من خلال ما يحدث من تصارع وتقاتل مذهبي وفكري، بطريقة تفتقر إلى أي نوع من المنطق أو التسامح الذي يأمر به الإسلام.
هذا التأميم هو بعبارة واضحة وصريحة تفتيت يدمر الوحدة الإسلامية، ويكسر شوكة المسلمين، ويلهيهم عن التركيز على النهوض علمياً وفكريا وحضاريا، عبر انشغالهم بتصنيف الآخر.

قبل عقود كان من يصنفون أنفسهم بـ "الإسلاميين" أو "المدافعين عن الإسلام" يحذرون من اليهود والنصارى - بفعل الجيرة والنفوذ - وخطرهم على الإسلام والمسلمين، ثم تحول الأمر إلى تصنيف طائفي سني شيعي درزي إسماعيلي علوي... والقائمة تطول، ثم بدأت عملية "التبرعم المذهبي الداخلي"، إذ انقسمت كل واحدة من الطوائف الكبرى إلى تيارات وفروع صغيرة، تطورت لتقسيمات فرعية داخل التقسيمات الداخلية الصغرى، وهو ما أعنيه بكلمة "تفتيت" الإسلام عبر تأميمه على الطريقة الاشتراكية.
باختصار، مصير المسلمين ما داموا قادرين على التبرعم السريع والتفتت التشعبي الحاصل حاليا، ذكرني بما حصل ويحصل للمصريين بسبب قرارات الزعيم "الخالد" جمال عبدالناصر. لكن ما هو شكل الهاوية التي يتجه لها المسلمون الذين يفوق عددهم 1.56 بليون نسمة بحسب آخر الإحصاءات؟ خصوصاً أن الأمر هذه المرة يتعلق بدين لا باقتصاد! والسؤال الآخر: ما هو عمق الهاوية التي نتجه إليها في ظل التبرعم الحاصل بالمقياس الحضاري؟