اروع احاسيس
2011-05-29, 12:42 PM
العشق الشيطاني والإعجاب
عندما بعد الناس عن دين الله القويم ، واستحبوا الدنيا الفانية على الأخرى الباقية ، استحوذ عليهم الشيطان ، وصدهم عن السبيل ، وأصابهم بآفات وأمراض خطيرة في قلوبهم ، أنستهم أنفسهم وما يصلحها وينفعها ، ومن ذلك
العشق : أو ما يسمى بالتعلق والإعجاب وهو : الإفراط في المحبة تتركز فتنته غالباً
على الشكل والصورة ، أو إنجذاب مجهول السبب ، لكنه غير مقيد بالحب لله ، سواء كان المعشوق من الرجال أو النساء ويدعي بعضهم أنها صداقة وهي ليست كذلك لأنها صداقة فاسدة لفساد أساس الحب بعدم انضباطها بضوابط الشرع ، والعشق رغم سهولة بداياته إلا أن نهايته انتكاس للعاشق ، وخروج عن حدود الشرع ولهذا كان بعض بعض السلف يستعيذ بالله من العشق ، فهو إفراط في الحب في أوله ، وهو عبودبة للمعشوق في نهايته ، تضيع معها عبودية العبد لله
وإن سقوط الشاب أو الفتاة في شباك العشق لهو من أخطر الأمور ، إذ إن الهوى من صفاته أنه يهوي بصاحبه ، وإذا ما استحكم في القلب سيطر على العقل والفكر ، وهنا يقع الإنسان في عبودية هواه
قال تعالى : ( أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا) الفرقان : 43
مظاهر الإعجاب : العشق
إن من أبرز مظاهر الإعجاب : هو تعلق القلب بالمعشوق ، فلا يفكر إلا في محبوبته ، ولا يتكلم إلا فيه ، ولا يقوم إلا بخدمته ، ولا يحب إلى ما يحب ، ويكثر مجالسته والحديث معه الأوقات الطويلة من غير فائدة ولا مصلحة . وتبادل الرسائل ووضع الرسومات والكتابات في الدفاتر وفي كل مكان … ويقوم بالدفاع عنه بالكلام وغيره ويغار عليه ويغضب إذا تكلم مع غيره أو جلس معه ، ويشاكله في اللباس وفي تسريحة الشعر ، وهيئة المشي والكلام ، ( فلو خير بين رضاه ورضا الله لاختار لاختار رضا معشوقه على رضا ربه ، ولقاء معشوقه أحب إليه من لقاء ربه ، وتمنيه لقربه أعظم تمنيه لقرب ربه وهربه من سخطه عليه أشد من هربه من سخط ربه يسخط ربه بمرضاة معشوقه ، ويقدم مصالح معشوقه وحوائجه على طاعة ربه
فإن فضل من وقته فضلة وكان عنده قليل من الإيمان صرف تلك الفضلة في طاعة ربه ، وإن استغرق الزمان حوائج معشوقه ومصالحه صرف زمانه كله فيها وأهمل أمر الله تعالى … إن قام في خدمته في الصلاة فلسانه يناجيه وقلبه يناجي معشوقه ، ووجه بدنه إلى القبلة ووجه قلبه إلى المعشوق ، ينفر من خدمة ربه حتى كأنه واقف في الصلاة على الجمر من ثقلها عليه وتكلفه لفعلها ، فإذا جاءت خدمة المعشوق أقبل عليها بقلبه وبدنه فرحاً بها ناصحاً له فيها ، خفيفة على قلبه لا يستثقلها ولا يستطيلها
وأصل ذلك كله هو خلو القلب من محبة الله تعالى والإخلاص له والتشريك بينه وبين غيره في المحبة ، ومن محبة ما يحب لغير الله ، فيقوم ذلك بالقلب ويعمل بموجبه بالجوارح ، وهذا هو حقيقة اتباع الهوى وقد يصل في النهاية إلى فعل الجوارح والعياذ بالله
أسباب الإعجاب : العشق
إن من أهم أسباب الوقوع في الإعجاب المذموم و العشق الشيطاني هي
ضعف الإيمان ، وخلو القلب من حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، فإن العشق يتمكن من القلب الفارغ فيقوم فيه ، ويعمل بموجبه بالجوارح
قال صلى الله عليه وسلم ثلا ث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلى لله وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار . متفق عليه
فقدان العاطفة والحنان في محيط البيت ، وخاصة من الأبوين ، وتفكك الأسرة فيبحث الابن أو البنت عمن يجد عنده ما فقده في البيت ، وخاصة أولئك الذين يعانون نقصاً في المحبة ، ويعيشون الحرمان ، فهم يستسلمون بسرعة إلى ما يظهره الآخرون من عشق ومحبة ، وهذا الحرمان يكون سبباً في سرعة انخداعهم ووقوعهم في وحل العشق الشيطاني
ضعف الشخصية ، فلا يستطيع صاحب الشخصية الضعيفة التحكم بعواطفه ومشاعره بل تنجرف مع التيار
عدم وجود القدوة الصالحة التي توجه عواطف الشباب أو الفتيات إلى ما ينبغي حبه كحب الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم والصالحين من الصحابة والعلماء
الفراغ ، فإن الوقت إذا لم يشغل بالطاعة أشغل بالمعصية ، الشخص الفارغ يكثر التفكير والخواطر ، فيوسوس له الشيطان ويغرس المعصية في قلبه
التقليد الأعمى للغير ، فقد تكون البداية مجرد تقليد لأصدقاء السوء ، فهذا له رفيق وعشيق ، وتلك كذلك لها رفيقة وعشيقة ، كل ينافس بما يتعلق به ، وخاصة بين صفوف طالبات المدارس والكليات ، لأن البنت عاطفية بطبعها ، تحب التعلق ن فإذا فقدت العاطفة في البيت ووجدت تلك البيئة التي تشجع على ذلك قلدت غيرها بإتخاذ العشيقة
من البنات وتعلقت بها
المبالغة في المظهر والزينة ، فهي تبث القصص والحكايات عن العشاق والمعجبين وتزين ذلك في عيون الناس وإن الحب والعشق أصبح من ضروريات الحياة ، تمجد الشواذ ، وقد تعمل لهم مقابلات وندوات تبين طبيعة الأمر ، فيتأثر الشباب والفتيات بما يعرض لهم سواء في مجلا أو قنوات
مخاطر الإعجاب : العشق
إن للإعجاب ( العشق ) مفاسد دينية ودنيوية ، وذلك من وجوه:
أحدهما : الإشتغال بذكر المحبوب المخلوق عن حب الله تعالى ذكره ، فمن المعلوم أنه لا يجتمع مع الله حب غيره ( ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله أو أشد حبا لله ) [ البقرة : 165]
لذا فإن العاشق لا يجد حلاوة الإيمان التي من شروطها :
كما جاء في الحديث
أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله
متفق عليه
ولا يأمن العاشق أن يجره ذلك إلى الشرك كما جر ذلك الشاعر الخاسر حين قال
وصلك أشهى إلى فؤادي من رحمة الخالق الجليل
نعوذ بالله من الخسران المبين ، وسبب ذلك خلو القلب مما خلق له من عبادة الله تعالى التي تجمع محبته وتعظيمه والخضوع والبذل له والوقوف مع أمره ونهيه ومحابه ومساخطه ، فإذا كان في القلب وجدان حلاوة الإيمان وذوق طعمه أغناه ذلك عن محبة الأنداد وتأليهها ، وإذا خلا القلب من ذلك إحتاج إلى أن يستبدل يه ما يهواه ويتخذه إلهه
الثاني : العذاب والحسرة والشقاء لتعلق قلبه بمعشوقه ، وهذه من العقوبة الدنيوية قبل الأخروية . فمن أحب شيئاً غير الله عذب به ، وفي الآخرة يتبرأ بعضهم من بعض ، قال تعالى : ( ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله أو أشد حباً لله ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعاً وأن الله شديد العقاب إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب ) [ البقرة : 165-166]
الثالث : ستر العيوب أو تجاهلها ، فحينما تصل المحبة العادية مرحلة التعلق والعلاقات القوية المتأصلة يظهر فيها أثر ستر العيوب وحجبها بصورة عجيبة ، حتى يصل الوضع أن يواجه كل من يقدم نصيحة لهذا الشخص بالرد العنيف وضمر حقده في قلبه لكن عندما ينقطع هذا العشق يكون الندم والحزن
الرابع : أنه يشتغل به عن مصالح دينه ودنياه ، فمعشوقه هو شغله الشاغل لا يكفر إلا به ولا يعمل إلا له ، نسي الله فأنساه مصلحة نفسه
قال صلى الله عليه وسلم
من تعلق شيئاً وكل إليه
رواه الإمام أحمد والنسائي
الخامس : فساد الحواس ، ذلك مصداقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم
وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح سائر الجسد ، وإذا فسدت فسد سائر الجسد ، ألا وهي القلب [ متفق عليه ]
فإن القلب إذا فسد فسدت العين والأذن واللسان فيرى القبيح حسناً
السادس : أنه قد يؤدي إلى ارتكاب الفواحش كالزنا واللواط والسحاق ، لأن الفواحش أصلها المحبة لغير الله ، سواء كان المطلوب المشاهدة أو المباشرة ،
قال تعالى : ( الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء ) البقرة : 268
علاج العشق
ودواء هذا الداء القتال إن يعرف أن ما ابتلي به من هذا الداء المضاد للتوحيد ، وإنما من جهله وغفلة قلبه عن الله ، فعليه أن يعرف توحيد ربه وسننه وآياته أولاً : ثم يأتي من العبادات الظاهرة والباطنة بما يشغل قلبه عن دوام الفكر في المعشوق ، ويكثر اللجأ والتضرع إلى الله سبحانه في صرف ذلك عنه ، وعليه بالإخلاص في ذلك وهو الداء الذي ذكره الله في كتابه حيث قال :
( كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين ) . [ يوسف : 24] فأخبر سبحانه أنه صرف عنه السوء من العشق والفحشاء بإخلاصه
ومن أنفع الأدوية للتخلص من هذا الداء أن يبتعد المبتلي به عن معشوقه ، ومن يحرك كوامن الشهوة فيه بحيث لا يراه ولا يسمع كلامه ، فالأبتعاد عنه أهون بكثير من الأسترسال معه والوقوع في الآثام والمعاصي ، فإذا كان في الحي الذي يسكنه ينتقل إلى مكان آخر ، وكذلك في المدرسة أو الكلية فينتقل إلى مدرسة وكلية أخرى وهكذا
ومن أنفع الأدوية أيضاً : توجيه عاطفة الأبناء والبنات لما هو مفيد ، وإعطاؤهم الحنان الكافي منذ الصغر ومتابعتهم في الكبر وعدم إهمال تربيتهم ومشاعرهم واتخاذ الإجراءات المناسبة لمعالجة مثل هذه الظاهرة ، وعدم التغاضي عنها ، لأنها قد تؤدي إلى ظواهر أخرى سيئة
وانتصرت على العشق الشيطاني : الإعجاب
تقول صاحبة القصة : ( عندما كنت أدرس بالمرحلة الثانوية انضمت إلى مدرستنا معلمة جديدة كانت هذه المعلمة جميلة وأنيقة ومنذ بدأت وأنا أبدي لها اهتماماً وحرصاً لأنني معجبة بشكلها ومظهرها ، فأصبحت أهتم بالمادة التي تدرسها واجتهد في حل الواجبات ومذاكرة الدرس حتى برزت ، فأصبحت محل احترامها وثنائها ، وكل ذلك كان طبيعياً لأنني كنت مجتهدة عندها لكن الفراغ الذي أعيشه جعلني أعتقد بأنها تحبني ، ومرت الأيام وأنا أفكر فيها وأتحدث عن مواقفي معها حتى تعلق قلبي بها كثيراً ، فأصبحت حياتي بين كد وجزر ، فإذا رضيت عني وأثنت سعدت كثيراً ، وإذا غضبت علي لتقصيري أو لم تنال بي وهذا يحدث كثيراً حزنت حزناً شديداً حتى انتهى العام الدراسي وجاءت العطلة الصيفية ومع قدومها شعرت بفراغ كبير فشكوت ذلك إلى إحدى صديقاتي فاقترحت على أن أذهب معها إلى إحدى دور تحفيظ القرآن وأخذت تشجعني وفعلاً ذهبت معها ودرسنا سوياً وحفظنا القرآن الكريم ودرسنا التجويد وحضرنا المحاضرات ، وتعرفنا على كثير من الأخوات الصالحات نحسبهن كذلك وفي الدار بدأت حياتي تتغير ، لأول مرة أحس بالسعادة والطمأنينة تغمر قلبي لأول مرة أشعر أنني أستثمر وقتي بعمل مفيد تعلمت في الدار الكثير من الدروس والعبر والتي من أهما أن حب الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم أثمن وأغلى حب ، وأن السعادة الحقيقية في طاعة الله جل وعلا وطلب مرضاته ، انتهت الدورة ورجعت إلى مدرستي بهدف سام وروح معنوية عالية ، وبالرغم من أن نفس المعلمة أصبحت تدرسنا في المرحلة الثالثة إلا أنني أصبحت أعاملها كبقية المدرسات باحترام وتقدير فقط فقد وجدت ضالتي وسعادتي الحقيقية مع ربي وكتابه الكريم .
من تلك الواقعة يتبين لنا أن الأناقة والجمال الزائد قد أدى إلى التعلق المذموم ، وأن الفراغ سبب من أسباب ذلك التعلق ، وبشغل وقت فراغها بما ينفع والبعد عن المتعلق به أدى ذلك إلى نسيانه وتركه
وقفة أخيرة
إن السعادة والراحة والطمأنينة في محبة الله سبحانه والأنس به والشوق إلى لقائه والرضا به وعنه ، فمحبته تعالى بل كونه أحب إلى العبد من كل ما سواه على الإطلاق من أعظم واجبات الدين وأكبر أصوله وأجل قواعده ومن أحب معه مخلوقاً مثل ما يحبه فهو من الشرك الذي لا يغفر لصاحبه ولا يقبل معه عمل ، وإذا كان العبد لا يكون من أهل الإيمان حتى يكون عبد الله ورسوله أحب إليه من نفسه وأهله وولده والناس أجمعين ، ومحبته تبع لمحبة الله ، فما الظن بمحبته سبحانه وهو سبحانه لم يخلق الجن والإنس إلا لعبادته التي تتضمن كمال محبته وكمال تعظيمه والذل له ولأجل ذلك أرسل رسله وأنزل كتبه وشرع شرائعه ، وعلى ذلك وضع الثواب والعقاب ، وأسست الجنة والنار وانقسم الناس إلى شقي وسعيد . وكما أنه سبحانه ليس كمثله شئ فليس كمحبته وإجلاله وخوفه محبة وإجلال ومخافة فالمخلوق كلما خفته استوحشت منه وهربت منه ، والله سبحانه كلما خلته أنست به وفررت إليه والمخلوق يخاف ظلمة وعدوانه ، والرب سبحانه إنما يخاف عدله وقسطه ، وكذلك المحبة فإن محبة المخلوق إذا لم تكن لله فهي عذاب للمحب ووبال عليه
فيا حسرة المحب الذي باع نفسه لغير الحبيب الأول بثمن بخس وشهوة عاجلة ذهبت لذتها وبقيت تبعتها وانقضت منفعتها وبقيت مضرتها ، فذهبت الشهوة وبقيت الشقوة ، وزالت النشوة وبقيت الحسرة فوا رحمتاه لصب جمع له بين الحسرتين : حسرة فوت المحبوب الأعلى والنعيم المقيم ، وحسرة ما يقاسيه من النصب في العذاب الأليم ،فهناك يعلم المخدوع أي بضاعة أضاع وأن من كان مالك رقة وقلبه لم يكن يصلح أن يكون له من جملة الخدع والإتباع فأي مصيبة أعظم من مصيبة ملك أنزل عن سرير ملكه وجعل لمن لا يصلح أن يكون مملوكه أسيراً وجعل تحت أوامره ونواهيه مقهوراً فلو رأيت قلبه وهو في يد محبوبه لرأيته
كعصفورة في كف طفل يسومها حياض الردى والطفل يلهو ويلعب
ولو شاهدت حاله وعيشه لقلت
وما في الأرض أشقى من محب وإن وجد الهوى حلو المذاق
تراه باكياً في كل حين مخافة فرقة أو لاشتياق
فيبكي إن نأوا شوقاً إليهم ويبكي إن دنوا حذر الفراق
ولو شاهدت نومه وراحته لعلمت أن المحبة والمنام تعاهدا وتحالفا أن ليس يلتقيان ، ولو شاهدت فيض مدامعه ولهيب النار في أحشائه لقلت
سبحان رب العرش متقن صنعه ومؤلف الأضداد دون تعاند
قطر تولد عن لهيب في الحشا ماء ونار في محل واحد
فهل يليق بالعاقل أن يبيع هذا الملك المطاع لمن يسومه سوء العذاب ، ويوقع بينه وبين وليه ومولاه الحق الذي لا غناء له عنه ولابد له منه أعظم الحجاب فالمحب بمن أحبه قتيل وهو له عبد خاضع ذليل . إن دعاه لباه وإن قيل له ما تتمنى ؟ فهو غاية ما يتمناه لا يأنس ولا يسكن إلى سواه . فحقيق به ألا يملك رقه إلا لأجل حبيب ، وألا يبيع نصيبه منه بأخس نصيب
اللهم إننا نسألك البر والتقى والعفاف والغنى وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
منقوووووول للأفاده
</b></i>
عندما بعد الناس عن دين الله القويم ، واستحبوا الدنيا الفانية على الأخرى الباقية ، استحوذ عليهم الشيطان ، وصدهم عن السبيل ، وأصابهم بآفات وأمراض خطيرة في قلوبهم ، أنستهم أنفسهم وما يصلحها وينفعها ، ومن ذلك
العشق : أو ما يسمى بالتعلق والإعجاب وهو : الإفراط في المحبة تتركز فتنته غالباً
على الشكل والصورة ، أو إنجذاب مجهول السبب ، لكنه غير مقيد بالحب لله ، سواء كان المعشوق من الرجال أو النساء ويدعي بعضهم أنها صداقة وهي ليست كذلك لأنها صداقة فاسدة لفساد أساس الحب بعدم انضباطها بضوابط الشرع ، والعشق رغم سهولة بداياته إلا أن نهايته انتكاس للعاشق ، وخروج عن حدود الشرع ولهذا كان بعض بعض السلف يستعيذ بالله من العشق ، فهو إفراط في الحب في أوله ، وهو عبودبة للمعشوق في نهايته ، تضيع معها عبودية العبد لله
وإن سقوط الشاب أو الفتاة في شباك العشق لهو من أخطر الأمور ، إذ إن الهوى من صفاته أنه يهوي بصاحبه ، وإذا ما استحكم في القلب سيطر على العقل والفكر ، وهنا يقع الإنسان في عبودية هواه
قال تعالى : ( أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا) الفرقان : 43
مظاهر الإعجاب : العشق
إن من أبرز مظاهر الإعجاب : هو تعلق القلب بالمعشوق ، فلا يفكر إلا في محبوبته ، ولا يتكلم إلا فيه ، ولا يقوم إلا بخدمته ، ولا يحب إلى ما يحب ، ويكثر مجالسته والحديث معه الأوقات الطويلة من غير فائدة ولا مصلحة . وتبادل الرسائل ووضع الرسومات والكتابات في الدفاتر وفي كل مكان … ويقوم بالدفاع عنه بالكلام وغيره ويغار عليه ويغضب إذا تكلم مع غيره أو جلس معه ، ويشاكله في اللباس وفي تسريحة الشعر ، وهيئة المشي والكلام ، ( فلو خير بين رضاه ورضا الله لاختار لاختار رضا معشوقه على رضا ربه ، ولقاء معشوقه أحب إليه من لقاء ربه ، وتمنيه لقربه أعظم تمنيه لقرب ربه وهربه من سخطه عليه أشد من هربه من سخط ربه يسخط ربه بمرضاة معشوقه ، ويقدم مصالح معشوقه وحوائجه على طاعة ربه
فإن فضل من وقته فضلة وكان عنده قليل من الإيمان صرف تلك الفضلة في طاعة ربه ، وإن استغرق الزمان حوائج معشوقه ومصالحه صرف زمانه كله فيها وأهمل أمر الله تعالى … إن قام في خدمته في الصلاة فلسانه يناجيه وقلبه يناجي معشوقه ، ووجه بدنه إلى القبلة ووجه قلبه إلى المعشوق ، ينفر من خدمة ربه حتى كأنه واقف في الصلاة على الجمر من ثقلها عليه وتكلفه لفعلها ، فإذا جاءت خدمة المعشوق أقبل عليها بقلبه وبدنه فرحاً بها ناصحاً له فيها ، خفيفة على قلبه لا يستثقلها ولا يستطيلها
وأصل ذلك كله هو خلو القلب من محبة الله تعالى والإخلاص له والتشريك بينه وبين غيره في المحبة ، ومن محبة ما يحب لغير الله ، فيقوم ذلك بالقلب ويعمل بموجبه بالجوارح ، وهذا هو حقيقة اتباع الهوى وقد يصل في النهاية إلى فعل الجوارح والعياذ بالله
أسباب الإعجاب : العشق
إن من أهم أسباب الوقوع في الإعجاب المذموم و العشق الشيطاني هي
ضعف الإيمان ، وخلو القلب من حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، فإن العشق يتمكن من القلب الفارغ فيقوم فيه ، ويعمل بموجبه بالجوارح
قال صلى الله عليه وسلم ثلا ث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلى لله وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار . متفق عليه
فقدان العاطفة والحنان في محيط البيت ، وخاصة من الأبوين ، وتفكك الأسرة فيبحث الابن أو البنت عمن يجد عنده ما فقده في البيت ، وخاصة أولئك الذين يعانون نقصاً في المحبة ، ويعيشون الحرمان ، فهم يستسلمون بسرعة إلى ما يظهره الآخرون من عشق ومحبة ، وهذا الحرمان يكون سبباً في سرعة انخداعهم ووقوعهم في وحل العشق الشيطاني
ضعف الشخصية ، فلا يستطيع صاحب الشخصية الضعيفة التحكم بعواطفه ومشاعره بل تنجرف مع التيار
عدم وجود القدوة الصالحة التي توجه عواطف الشباب أو الفتيات إلى ما ينبغي حبه كحب الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم والصالحين من الصحابة والعلماء
الفراغ ، فإن الوقت إذا لم يشغل بالطاعة أشغل بالمعصية ، الشخص الفارغ يكثر التفكير والخواطر ، فيوسوس له الشيطان ويغرس المعصية في قلبه
التقليد الأعمى للغير ، فقد تكون البداية مجرد تقليد لأصدقاء السوء ، فهذا له رفيق وعشيق ، وتلك كذلك لها رفيقة وعشيقة ، كل ينافس بما يتعلق به ، وخاصة بين صفوف طالبات المدارس والكليات ، لأن البنت عاطفية بطبعها ، تحب التعلق ن فإذا فقدت العاطفة في البيت ووجدت تلك البيئة التي تشجع على ذلك قلدت غيرها بإتخاذ العشيقة
من البنات وتعلقت بها
المبالغة في المظهر والزينة ، فهي تبث القصص والحكايات عن العشاق والمعجبين وتزين ذلك في عيون الناس وإن الحب والعشق أصبح من ضروريات الحياة ، تمجد الشواذ ، وقد تعمل لهم مقابلات وندوات تبين طبيعة الأمر ، فيتأثر الشباب والفتيات بما يعرض لهم سواء في مجلا أو قنوات
مخاطر الإعجاب : العشق
إن للإعجاب ( العشق ) مفاسد دينية ودنيوية ، وذلك من وجوه:
أحدهما : الإشتغال بذكر المحبوب المخلوق عن حب الله تعالى ذكره ، فمن المعلوم أنه لا يجتمع مع الله حب غيره ( ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله أو أشد حبا لله ) [ البقرة : 165]
لذا فإن العاشق لا يجد حلاوة الإيمان التي من شروطها :
كما جاء في الحديث
أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله
متفق عليه
ولا يأمن العاشق أن يجره ذلك إلى الشرك كما جر ذلك الشاعر الخاسر حين قال
وصلك أشهى إلى فؤادي من رحمة الخالق الجليل
نعوذ بالله من الخسران المبين ، وسبب ذلك خلو القلب مما خلق له من عبادة الله تعالى التي تجمع محبته وتعظيمه والخضوع والبذل له والوقوف مع أمره ونهيه ومحابه ومساخطه ، فإذا كان في القلب وجدان حلاوة الإيمان وذوق طعمه أغناه ذلك عن محبة الأنداد وتأليهها ، وإذا خلا القلب من ذلك إحتاج إلى أن يستبدل يه ما يهواه ويتخذه إلهه
الثاني : العذاب والحسرة والشقاء لتعلق قلبه بمعشوقه ، وهذه من العقوبة الدنيوية قبل الأخروية . فمن أحب شيئاً غير الله عذب به ، وفي الآخرة يتبرأ بعضهم من بعض ، قال تعالى : ( ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله أو أشد حباً لله ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعاً وأن الله شديد العقاب إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب ) [ البقرة : 165-166]
الثالث : ستر العيوب أو تجاهلها ، فحينما تصل المحبة العادية مرحلة التعلق والعلاقات القوية المتأصلة يظهر فيها أثر ستر العيوب وحجبها بصورة عجيبة ، حتى يصل الوضع أن يواجه كل من يقدم نصيحة لهذا الشخص بالرد العنيف وضمر حقده في قلبه لكن عندما ينقطع هذا العشق يكون الندم والحزن
الرابع : أنه يشتغل به عن مصالح دينه ودنياه ، فمعشوقه هو شغله الشاغل لا يكفر إلا به ولا يعمل إلا له ، نسي الله فأنساه مصلحة نفسه
قال صلى الله عليه وسلم
من تعلق شيئاً وكل إليه
رواه الإمام أحمد والنسائي
الخامس : فساد الحواس ، ذلك مصداقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم
وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح سائر الجسد ، وإذا فسدت فسد سائر الجسد ، ألا وهي القلب [ متفق عليه ]
فإن القلب إذا فسد فسدت العين والأذن واللسان فيرى القبيح حسناً
السادس : أنه قد يؤدي إلى ارتكاب الفواحش كالزنا واللواط والسحاق ، لأن الفواحش أصلها المحبة لغير الله ، سواء كان المطلوب المشاهدة أو المباشرة ،
قال تعالى : ( الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء ) البقرة : 268
علاج العشق
ودواء هذا الداء القتال إن يعرف أن ما ابتلي به من هذا الداء المضاد للتوحيد ، وإنما من جهله وغفلة قلبه عن الله ، فعليه أن يعرف توحيد ربه وسننه وآياته أولاً : ثم يأتي من العبادات الظاهرة والباطنة بما يشغل قلبه عن دوام الفكر في المعشوق ، ويكثر اللجأ والتضرع إلى الله سبحانه في صرف ذلك عنه ، وعليه بالإخلاص في ذلك وهو الداء الذي ذكره الله في كتابه حيث قال :
( كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين ) . [ يوسف : 24] فأخبر سبحانه أنه صرف عنه السوء من العشق والفحشاء بإخلاصه
ومن أنفع الأدوية للتخلص من هذا الداء أن يبتعد المبتلي به عن معشوقه ، ومن يحرك كوامن الشهوة فيه بحيث لا يراه ولا يسمع كلامه ، فالأبتعاد عنه أهون بكثير من الأسترسال معه والوقوع في الآثام والمعاصي ، فإذا كان في الحي الذي يسكنه ينتقل إلى مكان آخر ، وكذلك في المدرسة أو الكلية فينتقل إلى مدرسة وكلية أخرى وهكذا
ومن أنفع الأدوية أيضاً : توجيه عاطفة الأبناء والبنات لما هو مفيد ، وإعطاؤهم الحنان الكافي منذ الصغر ومتابعتهم في الكبر وعدم إهمال تربيتهم ومشاعرهم واتخاذ الإجراءات المناسبة لمعالجة مثل هذه الظاهرة ، وعدم التغاضي عنها ، لأنها قد تؤدي إلى ظواهر أخرى سيئة
وانتصرت على العشق الشيطاني : الإعجاب
تقول صاحبة القصة : ( عندما كنت أدرس بالمرحلة الثانوية انضمت إلى مدرستنا معلمة جديدة كانت هذه المعلمة جميلة وأنيقة ومنذ بدأت وأنا أبدي لها اهتماماً وحرصاً لأنني معجبة بشكلها ومظهرها ، فأصبحت أهتم بالمادة التي تدرسها واجتهد في حل الواجبات ومذاكرة الدرس حتى برزت ، فأصبحت محل احترامها وثنائها ، وكل ذلك كان طبيعياً لأنني كنت مجتهدة عندها لكن الفراغ الذي أعيشه جعلني أعتقد بأنها تحبني ، ومرت الأيام وأنا أفكر فيها وأتحدث عن مواقفي معها حتى تعلق قلبي بها كثيراً ، فأصبحت حياتي بين كد وجزر ، فإذا رضيت عني وأثنت سعدت كثيراً ، وإذا غضبت علي لتقصيري أو لم تنال بي وهذا يحدث كثيراً حزنت حزناً شديداً حتى انتهى العام الدراسي وجاءت العطلة الصيفية ومع قدومها شعرت بفراغ كبير فشكوت ذلك إلى إحدى صديقاتي فاقترحت على أن أذهب معها إلى إحدى دور تحفيظ القرآن وأخذت تشجعني وفعلاً ذهبت معها ودرسنا سوياً وحفظنا القرآن الكريم ودرسنا التجويد وحضرنا المحاضرات ، وتعرفنا على كثير من الأخوات الصالحات نحسبهن كذلك وفي الدار بدأت حياتي تتغير ، لأول مرة أحس بالسعادة والطمأنينة تغمر قلبي لأول مرة أشعر أنني أستثمر وقتي بعمل مفيد تعلمت في الدار الكثير من الدروس والعبر والتي من أهما أن حب الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم أثمن وأغلى حب ، وأن السعادة الحقيقية في طاعة الله جل وعلا وطلب مرضاته ، انتهت الدورة ورجعت إلى مدرستي بهدف سام وروح معنوية عالية ، وبالرغم من أن نفس المعلمة أصبحت تدرسنا في المرحلة الثالثة إلا أنني أصبحت أعاملها كبقية المدرسات باحترام وتقدير فقط فقد وجدت ضالتي وسعادتي الحقيقية مع ربي وكتابه الكريم .
من تلك الواقعة يتبين لنا أن الأناقة والجمال الزائد قد أدى إلى التعلق المذموم ، وأن الفراغ سبب من أسباب ذلك التعلق ، وبشغل وقت فراغها بما ينفع والبعد عن المتعلق به أدى ذلك إلى نسيانه وتركه
وقفة أخيرة
إن السعادة والراحة والطمأنينة في محبة الله سبحانه والأنس به والشوق إلى لقائه والرضا به وعنه ، فمحبته تعالى بل كونه أحب إلى العبد من كل ما سواه على الإطلاق من أعظم واجبات الدين وأكبر أصوله وأجل قواعده ومن أحب معه مخلوقاً مثل ما يحبه فهو من الشرك الذي لا يغفر لصاحبه ولا يقبل معه عمل ، وإذا كان العبد لا يكون من أهل الإيمان حتى يكون عبد الله ورسوله أحب إليه من نفسه وأهله وولده والناس أجمعين ، ومحبته تبع لمحبة الله ، فما الظن بمحبته سبحانه وهو سبحانه لم يخلق الجن والإنس إلا لعبادته التي تتضمن كمال محبته وكمال تعظيمه والذل له ولأجل ذلك أرسل رسله وأنزل كتبه وشرع شرائعه ، وعلى ذلك وضع الثواب والعقاب ، وأسست الجنة والنار وانقسم الناس إلى شقي وسعيد . وكما أنه سبحانه ليس كمثله شئ فليس كمحبته وإجلاله وخوفه محبة وإجلال ومخافة فالمخلوق كلما خفته استوحشت منه وهربت منه ، والله سبحانه كلما خلته أنست به وفررت إليه والمخلوق يخاف ظلمة وعدوانه ، والرب سبحانه إنما يخاف عدله وقسطه ، وكذلك المحبة فإن محبة المخلوق إذا لم تكن لله فهي عذاب للمحب ووبال عليه
فيا حسرة المحب الذي باع نفسه لغير الحبيب الأول بثمن بخس وشهوة عاجلة ذهبت لذتها وبقيت تبعتها وانقضت منفعتها وبقيت مضرتها ، فذهبت الشهوة وبقيت الشقوة ، وزالت النشوة وبقيت الحسرة فوا رحمتاه لصب جمع له بين الحسرتين : حسرة فوت المحبوب الأعلى والنعيم المقيم ، وحسرة ما يقاسيه من النصب في العذاب الأليم ،فهناك يعلم المخدوع أي بضاعة أضاع وأن من كان مالك رقة وقلبه لم يكن يصلح أن يكون له من جملة الخدع والإتباع فأي مصيبة أعظم من مصيبة ملك أنزل عن سرير ملكه وجعل لمن لا يصلح أن يكون مملوكه أسيراً وجعل تحت أوامره ونواهيه مقهوراً فلو رأيت قلبه وهو في يد محبوبه لرأيته
كعصفورة في كف طفل يسومها حياض الردى والطفل يلهو ويلعب
ولو شاهدت حاله وعيشه لقلت
وما في الأرض أشقى من محب وإن وجد الهوى حلو المذاق
تراه باكياً في كل حين مخافة فرقة أو لاشتياق
فيبكي إن نأوا شوقاً إليهم ويبكي إن دنوا حذر الفراق
ولو شاهدت نومه وراحته لعلمت أن المحبة والمنام تعاهدا وتحالفا أن ليس يلتقيان ، ولو شاهدت فيض مدامعه ولهيب النار في أحشائه لقلت
سبحان رب العرش متقن صنعه ومؤلف الأضداد دون تعاند
قطر تولد عن لهيب في الحشا ماء ونار في محل واحد
فهل يليق بالعاقل أن يبيع هذا الملك المطاع لمن يسومه سوء العذاب ، ويوقع بينه وبين وليه ومولاه الحق الذي لا غناء له عنه ولابد له منه أعظم الحجاب فالمحب بمن أحبه قتيل وهو له عبد خاضع ذليل . إن دعاه لباه وإن قيل له ما تتمنى ؟ فهو غاية ما يتمناه لا يأنس ولا يسكن إلى سواه . فحقيق به ألا يملك رقه إلا لأجل حبيب ، وألا يبيع نصيبه منه بأخس نصيب
اللهم إننا نسألك البر والتقى والعفاف والغنى وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
منقوووووول للأفاده
</b></i>