الاستاذ صالح الحازمي
2011-04-08, 05:54 PM
http://www.7looo.com/up/do.php?img=9028
http://www.up.ashfa.com/up/viewimages/7ca91f4620.gif
http://www.up.ashfa.com/up/viewimages/fefa507fa0.gif
أردتُ في هذا الموضوع أن أبين أوجه الحوار مع الجني على بدن المصروع ، ومايلحق به من مصالح أو مفاسد ، وهي على النحو الآتي :
http://www.up.ashfa.com/up/viewimages/0928c5189e.gif
يبذل بعض الرقاة – ثبتهم الله – جهدهم في تحذير الظالم المعتدي من الجن من عاقبة ظلمه إن كان مسلماً ، أو في دعوته للإسلام إن كان كافراً ، وفي هذه الدعوة تتحقق مصلحتان :
المصلحة الأولى :
غنيمة الراقي بالأجر من الله عز وجل إن هدى الله سبحانه وتعالى على يديه من ضل من الجن . ( 1 )
المصلحة الثانية :
يبرأ المريض بإذن الله تعالى مما ألم به من تخبط الجني له ، فالجني بعد هدايته يبادر بالخروج من البدن وبرفع ظلمه عمن ظلمه .
فإن قال قائل : إن الجن أرواح خفية ولايمكنك الجزم بإسلامهم ، قلت : ليس لك إلا ظاهر الأمر أما الباطن فمرده إلى الذي يعلم السر وأخفى ، والإنس والجن في خفاء الباطن سواء ، فالمنافقين الذين دخلوا في الإسلام على عهد النبي صلى الله عليه وسلم قد قبل منهم ظاهر قولهم وأوكل سرائرهم إلى الله تعالى ، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على أسامة بن زيد رضي الله عنه يوم أن قتل الرجل الذي أسلم بعد أن تمكن منه أسامه رضي الله عنه في أرض المعركة ، ولم يقبل منه ظاهر قوله . ( 2 )
فإن قال قائل : يمكنك دعوتهم إلى الله دون الحاجة إلى الحوار ، قلت : إن سألك الجن عن شيء من شرائع الإسلام وجب عليك إبلاغه به ، ومثل هذا الأمر لايحصل إلا بالحوار وليس من الحكمة بمكان أن أطلب منه أن يستمع دون أن يسأل عمَّا أشكل عليه .
آراء بعض أهل العلم في دعوة الجن إلى الخير :
قال شيخ ا لاسلام ابن تيمية :
وإذا كان الجن أحياء عقلاء مأمورين منهيين لهم ثواب وعقاب وقد أرسل إليهم النبي صلى الله عليه وسلم فالواجب على المسلم أن يستعمل فيهم ما يستعمله في الإنس من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، والدعوة إلى الله كما شرع الله ورسوله، وكما دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم، ويعاملهم إذا اعتدوا بما يعامل به المعتدون، فيدفع صَوْلهم بما يدفع صَوْل الإنس . مجموع فتاوى ابن تيمية ( 19/ 39 )
رأي الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :
تقول السائلة :
إن عندها طريقة تمكنها من التحدث مع الجن، فهل يجوز لها أن تتحدث معهم أم لا؟
الجواب :
إذا كان التحدث معهم للدعوة إلى الله ، وتعليمهم العلم ، وإرشادهم إلى الخير وتحذيرهم من أذى الناس وظلم الناس هذا كله طيب ، أما إذا كانت تتحدث معهم لسؤالهم عن أشياء من عندهم ، وليفعله كذا وليفعلوا مع الناس ، والاستعانة بهم على ظلم الناس أو غير ذلك فلا يجوز, إنما يتحدث معهم إذا تمكنت من ذلك من دون أن تتقرب إليهم بقرابين لا بسجود, ولا بغير ذلك, ولكن مجرد حديث تتحدث به معهم ينفعهم فلا بأس كأن تعظهم وتذكرهم ، تدعوهم إلى الله, تأمرهم بالمعروف تنهاهم عن المنكر كل هذا طيب كما يفعل مع الإنس. بارك الله فيكم .
في هذا النوع من الحوار مفسدة وأي مفسدة ، فإن أخبر الجني على بدن المصروع باسم من قام بعمل السحر بسؤال من الراقي أو من غير سؤال ، فإنما هي فتنة يوقد نارها بين الناس فتتقطع الأرحام ، وتنشأ العداوات ، ولاينبغي لمسلم عاقل راقيا كان أو مريضا أن يَقْبَلَ خبر هذا الجني ، وليُعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم حذر من كيد الشيطان في التحريش بين الناس فقد جاء عن جابر رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم " . رواه مسلم
وأقول عجباً لحال من يصدق مثل هذا ، وقد نسي قول الله تعالى :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ }الحجرات6 ، فإذا علمنا أن هذا الجني قد تلبس بجسد المصروع ظلما وعدوانا ، فإنه إلى الفسق أقرب ، وعلى الكذب أحرص ، وأعجبُ أشد العجب من قوم يتلقون أخبارهم وماينطقون به على أنها الحق الذي لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .
ر أي الشيخ ابن جبرين في تصديق خبر الجني :
السؤال :
أفيد فضيلتكم إنه يوجد لدينا إحدى القريبات مصابة بمرض منذ زمن يزيد على الثمان سنوات، ويُذهب بها إلى القراء من قبل والدها، وفي أحد المرات ذهب بها أحد أعمامها إلى أحد القراء، فلما رجع قال: إن الجن قد تكلموا ويقولون: إنها مسحورة، وقد سحرتها فلانة [يريد زوجة عم هذه البنت]، فبدأت الشحناء والقطيعة من جراء هذا الموقف، والذي تكرر في هذه الأسرة وللأسف مرات عديدة.
والسؤال هو: ما هو رأي فضيلتكم حول هذه القضية، وما هو الواجب تجاه كلام الجن وما هي نصيحتكم لمن يقاطع أقاربه بناء على هذا الكلام الخالي من البينات والحقائق ويروج له.
الاجابـــة :
لقد كثر السحرة والكهنة والمشعوذون في هذه الأزمنة وسلطوا عملهم على الكثير من الناس، والغالب أنهم لا يضرون إلا ضعاف الإيمان، وأن من تحصن بالذكر والقراءة والأوراد والأدعية المفيدة والأعمال الصالحة، وتنزه عن الأدناس والملاهي والمحرمات فإنهم لا يضرونه ولا يتأثر بعملهم الشيطاني؛ وعلى هذا فيمكن أن هذه المرأة مصابة بهذا العمل حيث لم تؤثر فيها الأدوية، وعجز عنها الأطباء، واستعصى مرضها طوال هذه السنوات ثم إن النطق من ذلك الجني الملابس لها دليل على أنها مصابة بالمس الذي سببه عمل السحرة وتسليطهم من يقولونه من الجن على أفراد من الإنس، ثم إن كلام الجني قد لا يكون حقًا وصدقًا في حق زوجة عم الفتاة، لكن إن ظهرت قرائن على الزوجة من الحقد والحسد والبغضاء والعداوة مع قلة الديانة وضعف الإيمان وخفة الأمانة واقتراف المحرمات أو بعضها فهو مرجح لما يقوله هذا الجان، فإن انتفت هذه الأوصاف في الزوجة فلا يصدق الجان ولا يجوز التباغض وقطيعة الرحم بمجرد ذلك الكلام إذا كان خاليًا من البينات والحقائق الظاهرة بل المرأة مسلمة مؤمنة قانتة تائبة عابدة لربها بعيدة عن هذه التهم. والله أعلم. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
المصدر : موقع الشيخ ابن جبرين رحمه الله - فتوى رقم 11387
وهذه قصة أسوقها بين أيديكم لضحية من ضحايا الشيطان:
بدأت قصة الرجل عندما نطق الجني على لسان إحدى قريباته حال صرعها ، وقال له الجني : أنا مجبور على هذا الفعل وليس لي فيه ذنب ، إن أردتَ أن تحاسبَ فحاسبْ ابنَ عمك فلان بن فلان فهو من ذهبَ إلى الساحرِ وعقدَ هذا السحر ، تلقى هذه الكلمات فأثرت في نفسه ، صدق على الفور خبرَ الخبيثْ ، واستجمع الشيطان في قلبه ، ومازال به يدعوه إلى الإنتقام من ابن عمه ، حتى ذهب إلى بيته وقرع الباب ، فلما مثل ابن عمه بين يديه رحَّبَ به ودعاه إلى الدخول إلى منزله لينال شرف الضيافة ، غير أن هذا المسلوب لم يجد رداً لابن عمه المتهم إلا صوت الرصاص الذي انطلق من مسدس يحمله في جيبه ، فاستقرت ثلاث رصاصات في جسد الرجل أردته قتيلاً من ساعته ، والآن يقبعُ المجرمُ في السجنِ منذ ثلاثِ سنين حتى يكبر القصر ويطالبون بالقصاص من قاتل أبيهم أو يعفون عنه ، ولاحول ولاقوة إلا بالله .
http://www.up.ashfa.com/up/viewimages/6b647c9967.gif
قبل أن أتحدث عن آراء أهل العلم في هذا النوع من الحوار ، لعل من المصلحة بمكان أن أبين أن الخبر الذي تتلقاه من الجني على بدن المصروع والذي يخبرك فيه عن مكان وجود السحر يحتمل عدة إحتمالات :
الأول : أن يكون الجني صادقاً في خبره ، ويأتي مثل هذا النوع من الصدق الذي يكون في حكم النادر بسبب شعور الجني بالذَّنب لما وقع منه من ظلم ، أو بسبب هدايته بعد ضلال ، أو بسبب مالحقه من التعب والنكال من قراءة الشيخ أو المريض .
الثاني : أن يكون كَذِباً محضاً يقصد به نشر الفتنة بين الناس ، كأن يقول لك أن السحر في بيت فلان ، فيصرف ذهنك إلى أن إسم صاحب البيت الذي ذكره في حضرتك هو من سَحَرَك .
الثالث : أن يكون كَذِباً محضاً يَقْصِدُ به أن يجعلك في تيه فكلما شددت عليه في القراءة ذكر لك مكاناً غير الذي ذكره من قبل فتختلط عليك الأمور .
الرابع : أن يكون كَذِباً محضاً يقصد به أن يقذف اليأس في نفسك ، كأن يقول لك أن السحر في قعر جبل أو في وسط البحر ونحو ذلك من الأماكن التي يصعب الوصول إليها .
رأي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في حكم سؤال الجن وتصديقهم :
وأما سؤال الجن وسؤال من يسألهم، فهذا إن كان على وجه التصديق لهم في كل ما يخبرون به والتعظيم للمسؤول فهو حرام، كما ثبت في صحيح مسلم وغيره، عن معاوية ابن الحكم السلمى قال: قلت: يا رسول اللّه، أمورًا كنا نصنعها في الجاهلية، كنا نأتي الكهان، قال: (فلا تأتوا الكهان)، وفي صحيح مسلم ـ أيضًا ـ عن عبيد اللّه، عن نافع، عن صفية، عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أتى عرافًا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يومًا).
وأما إن كان يسأل المسؤول ليمتحن حاله ويختبر باطن أمره وعنده ما يميز به صدقه من كذبه فهذا جائز، كما ثبت في الصحيحين: أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل ابن صَيَّاد فقال: (ما يأتيك؟) فقال: يأتيني صادق وكاذب، قـال: (مـا ترى؟) قال: أرى عرشـًا على الماء، قال: (فأني قد خبأت لك خبيئًا)، قال: الدُّخُّ الدُّخُّ [والدُّخُّ ـ بضم الدال وفتحها ـ: الدُّخان]، قال: (اخسأ فلن / تعدو قدرك، فإنما أنت من إخوان الكهان) مجموع فتاوى ابن تيمية ( 19/ 62-63 ) .
وكذلك الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله تعالى يوافق شيخ الإسلام ابن تيميه فيما ذكره وإليكم نص الفتوى المنقولة عنه :
وسئل: عن حكم سؤال الجن وتصديقهم فيما يقولون ؟
فأجاب قائلاً : سؤال الجن وتصديقهم فيما يقولون: قال عنه شيخ الإسلام في مجموع الفتاوي: إن من يسأل الجن أو يسأل من يسأل الجن على وجه التصديق لهم في كل يخبرون به والتعظيم للمسؤول فهو حرام ، وأما إن كان ليمتحن حاله ويختبر باطن أمره، وعنده ما يميز به صدقه من كذبه فهذا جائز، ثم استدل له، ثم ذكر ما روي عن أبي موسى الأشعري أنه أبطأ عليه خبر عمر رضي الله عنه وكان هناك امرأة لها قرين أي صاحب من الجن فسأله عنه فأخبره أنه ترك عمر يسم إبل الصدقة . مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين برقم 114
رأي الشيخ عبد الله الجبرين رحمه الله تعالى في حكم سؤال الجن وتصديقهم :
سؤال: هل للمعالج أن يستخدم جنيًّا مسلما في معرفة إذا ما كان الشخص به مس أو غير ذلك؟
الجواب: لا أرى ذلك فإن المعتاد أن الجن إنما تخدم الإنس إذا أطاعوها، ولا بد أن تكون الطاعة مشتملة على فعل محرم أو اقتراف ذنب؛ فإن الجن غالبًا لا يتعرضون للإنس إلا إذا تعرضوا لهم أو كانوا من الشياطين، ثم إن بعض الإخوان الصالحين ذكروا أن الجن المسلمين قد يخاطبونهم ويجيبون على أسئلة يلقونها، ولا نتهم بعض أولئك الإخوان بأنهم يعملون شركًا أو سحرًا، فإذا ثبت هذا فلا مانع من سؤالهم ولا يلزم تصديقهم في كل ما يقولون، والله أعلم .
يُصاب بعض الناس بِشَغفٍ عجيب للسؤال عن كل ماغاب عنهم من أخبار الناس وأسرارهم ومثل هذا الخطأ يقع في الغالب من بعض الأُسَرْ التي إن وقع أحد أفرادهم مصروعاً من الجن ونطق على لسانه الجني بدأ أفراد العائلة في سؤال الجني على بدن المصروع ، فيأتي لهم من أخبارهم السابقة مايعرفونه ولاينكرون منه شيئاً ، حتى إذا وقع اليقين في أنفسهم أن الجني لا يقول إلا صدقاً إستدرجهم الخبيث وحدثهم عن الغيب الذي لا يعلمه إلا الله تعالى فحصل عندهم بهذا التصديق المطلق بكل ماأُُخبروا به ، وبهذا أصبحوا مكذبين لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، فالله سبحانه وتعالى أخبرنا بقوله تعالى { قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون } والرسول صلى الله عليه وسلم بلغ مأاُنزل إليه من ربه ولم يستثني نفسه أو أحداً من خلق الله تعالى ، ومن تأمل قول الله تعالى ( فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلا دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ ) علم يقيناً أن الجن والإنس في جهلهم بالغيب سواء .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
ولهذا من اعتمد على مكاشفته التي هي من أخبار الجن كان كذبه أكبر من صدقه كشيخ يقال له : الشياح توبناه وجددنا إسلامه كان له قرين من الجن يقال له : عنتر يخبره بأشياء فيصدق تارة ويكذب تارة فلما ذكرت له أنك تعبد شيطانا من دون الله اعترف بأنه يقول له : يا عنتر ! لا سبحانك إنك إله قذر وتاب من ذلك في قصة مشهورة .
الفتاوى الكبرى ( 3/480 )
http://www.up.ashfa.com/up/viewimages/2d9a079559.gif
قد سئلت اللجنة الدائمة عن حكم مخاطبة القرين لمعرفة نوع المرض وطريقة العلاج فأجابت : ( 3 )
لا تجوز الاستعانة بالجن الذي تسمونه " القرين " ، وسؤاله عن نوع مرض المريض ؛ لأن الاستعانة بالجن : شرك بالله عز وجل ، فالواجب عليكم : التوبة إلى الله من ذلك ، وترك هذه الطريقة ، والاقتصار على الرقية الشرعية ، وفق الله الجميع لما فيه رضاه .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
فتاوى اللجنة الدائمة" (24/287– 289)
وكذلك سئلت اللجنة الدائمة عن حكم الإستعانة بالجان في معرفة العين أو السحر وكذلك تصديق الجني المتلبس بالمريض بدعوى السحر والعين ، والبناء على دعواه فأجابت :
لا تجوز الاستعانة بالجن في معرفة نوع الإصابة ونوع علاجها ؛ لأن الاستعانة بالجن شرك ، قال تعالى : ( وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ) ، وقال تعالى : ( وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَامَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ) ، ومعنى استمتاع بعضهم ببعض : أن الإنس عظموا الجن ، وخضعوا لهم ، واستعاذوا بهم ، والجن خدموهم بما يريدون ، وأحضروا لهم ما يطلبون ، ومن ذلك : إخبارهم بنوع المرض وأسبابه مما يطلع عليه الجن دون الإنس ، وقد يكذبون ، فإنهم لا يؤمنون ولا يجوز تصديقهم . "فتاوى اللجنة الدائمة المجموعة الثانية " (1/92 – 93)
http://www.up.ashfa.com/up/viewimages/01f6e057de.gif
تُخطيء بعض الأسر عندما تُبتلى بمرض أحد أفرادها ونطق الجني على لسانه أن تجتمع الأسرة بصغارها وكبارها وذكورها وإناثها في جلسة الرقية ليكتشفوا من خلال الجلسة ذلك العالم الغريب ، ولاشك أن مثل هذا الإجتماع العائلي يبث الخوف والهلع في أنفس الصغار ويظهر ذلك الخوف عليهم جلياً عند تخيلهم لأطياف تتحرك على مرأى من أعينهم أو في حالات الفزع التي تنتابهم حال المنام ، وقد يتعدى هذا الأمر إلى الكبار أيضاً ، والذي أنصح به ألاَّ يحضر مع الراقي أحد إن كان المسترقي رجلاً ولم يكن الراقي بحاجة إلى من يساعده في الإمساك بالمسترقي ونحو ذلك ، وأما إن كانت أنثى فيحضر معها من محارمها البالغ العاقل الذي يحسن التصرف حسب ماتقتضيه الحالة التي بين يديه .
من جهة أخرى فإن أفراد الأسرة الواحدة فيهم العقلاء والسفهاء ، فيحصل بعد جلسة الرقية أن يغمز بعضهم هذا المريض باتهامه بالجنون أو غياب العقل ونحو ذلك ، فيحصل عند المريض من الإجهاد النفسي وسوء التفكير والإضطراب ماهو أشد وطأة عليه من المس ذاته ، وقد ينتهي المطاف بالبعض منهم إلى الإنتحار أو أن يعيش بقية عمره تحت علاج نفسي مكثف بعد أن ساءت نظرة أهله له ونظرته إلى نفسه .
http://www.up.ashfa.com/up/viewimages/de58c36c85.gif
يعمدُ الضُلاَّل من الجن إلى كل طريق فيه فساد قلوب بني آدم ، ومن أبرز طرقهم التي يسلكونها لإفساد نية الراقي وبث العجب في نفسه أنهم يصفونه بقوة رقيته ورباطة جأشه وأنه يؤثر في عالم الجن أيما تأثير أو أن الجن يعجزون عن إيذاءه أو الدخول إلى جسده ، أو أنهم يفرون من كل مكان يلجُ إليه أو يقترب منه ، ولايزال جند الشيطان ينفثون سمومهم في نفسه حتى تخبث تلك النفس ويفسد ذلك القلب ، ولايزال ذلك الراقي يتردى قلبه من منزلة إلى أسفل منها حتى يكون في حال هو أعجز مايكون عن نصرة إخوانه المسلمين ، أما النية فقد فسدت ، وأما الهمة فقد ضعفت ، ولم يعد للراقي هماً إلا إثبات ذاته وبيان قدراته ، حتى يصدق في نفسه أنه من أولياء الله الصالحين أو من أهل الكرامات والله المستعان ، ، وعلى الراقي الحصيف أن يُظْهِرَ المسكنة والفاقة لربه ، فإنه قوي بالله ضعيف بنفسه ، فإن اطلع الله إلى قلب الراقي فوجده منكسرا بين يديه أيده ونصره وأعزه وأظهر أمره .
http://www.up.ashfa.com/up/viewimages/e70398b15a.gif
من الجن من إذا بدأ الراقي رقيته هرع مسرعا إلى خارج البدن حتى يكون في مأمن مما قد تسببه له الرقية من هلاك أو تعب ، ومن الجن من لايستطيع مغادرة البدن إما لضعفه أو جهله أو أن السحر قد قيَّده فلم يدع له مجالاً ان يُنَفِسَ عن المريض ولو ساعة من نهار ، فإن كان الجني المتلبس بالبدن من النوع الثاني بادر بإشغال الراقي بما لافائدة فيه من الكلام أو الأخبار أو المراوغة ونحو ذلك ، وغاية مايريده هذا الجني هو إسكات الراقي عن النطق بكلام الله تعالى الذي أزعجه وأرَّق مضجعه ، فإن نجح في مراده ضاع زمام الأمر من الراقي وتنفس الجني الصعداء ، إذا أن تتابع الرقية له أثره القوي على بدن المريض وتأثيره الفعال على الجني ، وقد يؤدي هذا التأثير إلى خروجه أو هلاكه أو فساد مادة السحر بإذن الله تعالى .
-----------------------------
( 1 ) عن سهل بن سعد قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر : ( لأعطين الراية غدا رجلا يفتح على يديه ، يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ) . فبات الناس ليلتهم : أيهم يعطى ، فغدوا كلهم يرجونه ، فقال : ( أين علي ) . فقيل : يشتكي عينيه ، فبصق في عينيه ودعا له ، فبرأ كأن لم يكن به وجع ، فأعطاه ، فقال : أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا ؟ فقال : ( انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ، ثم ادعهم إلى الإسلام ، وأخبرهم بما يجب عليهم ، فوالله لأن يهدي الله رجلا بك ، خير لك من أن يكون لك حمر النعم ) . رواه البخاري برقم 3009 .
( 2 ) عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال : بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة من جهينة ، قال : فصبحنا القوم فهزمناهم ، قال : ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم ، قال : فلما غشيناه قال : لا إله إلا الله ، قال : فكف عنه الأنصاري ، فطعنته برمحي حتى قتلته ، قال : فلما قدمنا بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : فقال لي : ( يا أسامة ، أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله ) . قال : قلت : يا رسول الله ، إنما كان متعوذا ، قال : ( أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله ) . قال : فما زال يكررها علي ، حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم .
رواه البخاري برقم 6872
( 3 ) السؤال الموجه للشيخ طويل جدا ويتضمن عدة أسئلة ، وقد تم نقل الجزء المتعلق بسؤال الجن عن التشخيص والعلاج فقط ، ومن أراد الإستزادة فليرجع إلى المرجع المشار له بعاليه .
http://www.up.ashfa.com/up/viewimages/7ca91f4620.gif
http://www.up.ashfa.com/up/viewimages/fefa507fa0.gif
أردتُ في هذا الموضوع أن أبين أوجه الحوار مع الجني على بدن المصروع ، ومايلحق به من مصالح أو مفاسد ، وهي على النحو الآتي :
http://www.up.ashfa.com/up/viewimages/0928c5189e.gif
يبذل بعض الرقاة – ثبتهم الله – جهدهم في تحذير الظالم المعتدي من الجن من عاقبة ظلمه إن كان مسلماً ، أو في دعوته للإسلام إن كان كافراً ، وفي هذه الدعوة تتحقق مصلحتان :
المصلحة الأولى :
غنيمة الراقي بالأجر من الله عز وجل إن هدى الله سبحانه وتعالى على يديه من ضل من الجن . ( 1 )
المصلحة الثانية :
يبرأ المريض بإذن الله تعالى مما ألم به من تخبط الجني له ، فالجني بعد هدايته يبادر بالخروج من البدن وبرفع ظلمه عمن ظلمه .
فإن قال قائل : إن الجن أرواح خفية ولايمكنك الجزم بإسلامهم ، قلت : ليس لك إلا ظاهر الأمر أما الباطن فمرده إلى الذي يعلم السر وأخفى ، والإنس والجن في خفاء الباطن سواء ، فالمنافقين الذين دخلوا في الإسلام على عهد النبي صلى الله عليه وسلم قد قبل منهم ظاهر قولهم وأوكل سرائرهم إلى الله تعالى ، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على أسامة بن زيد رضي الله عنه يوم أن قتل الرجل الذي أسلم بعد أن تمكن منه أسامه رضي الله عنه في أرض المعركة ، ولم يقبل منه ظاهر قوله . ( 2 )
فإن قال قائل : يمكنك دعوتهم إلى الله دون الحاجة إلى الحوار ، قلت : إن سألك الجن عن شيء من شرائع الإسلام وجب عليك إبلاغه به ، ومثل هذا الأمر لايحصل إلا بالحوار وليس من الحكمة بمكان أن أطلب منه أن يستمع دون أن يسأل عمَّا أشكل عليه .
آراء بعض أهل العلم في دعوة الجن إلى الخير :
قال شيخ ا لاسلام ابن تيمية :
وإذا كان الجن أحياء عقلاء مأمورين منهيين لهم ثواب وعقاب وقد أرسل إليهم النبي صلى الله عليه وسلم فالواجب على المسلم أن يستعمل فيهم ما يستعمله في الإنس من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، والدعوة إلى الله كما شرع الله ورسوله، وكما دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم، ويعاملهم إذا اعتدوا بما يعامل به المعتدون، فيدفع صَوْلهم بما يدفع صَوْل الإنس . مجموع فتاوى ابن تيمية ( 19/ 39 )
رأي الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :
تقول السائلة :
إن عندها طريقة تمكنها من التحدث مع الجن، فهل يجوز لها أن تتحدث معهم أم لا؟
الجواب :
إذا كان التحدث معهم للدعوة إلى الله ، وتعليمهم العلم ، وإرشادهم إلى الخير وتحذيرهم من أذى الناس وظلم الناس هذا كله طيب ، أما إذا كانت تتحدث معهم لسؤالهم عن أشياء من عندهم ، وليفعله كذا وليفعلوا مع الناس ، والاستعانة بهم على ظلم الناس أو غير ذلك فلا يجوز, إنما يتحدث معهم إذا تمكنت من ذلك من دون أن تتقرب إليهم بقرابين لا بسجود, ولا بغير ذلك, ولكن مجرد حديث تتحدث به معهم ينفعهم فلا بأس كأن تعظهم وتذكرهم ، تدعوهم إلى الله, تأمرهم بالمعروف تنهاهم عن المنكر كل هذا طيب كما يفعل مع الإنس. بارك الله فيكم .
في هذا النوع من الحوار مفسدة وأي مفسدة ، فإن أخبر الجني على بدن المصروع باسم من قام بعمل السحر بسؤال من الراقي أو من غير سؤال ، فإنما هي فتنة يوقد نارها بين الناس فتتقطع الأرحام ، وتنشأ العداوات ، ولاينبغي لمسلم عاقل راقيا كان أو مريضا أن يَقْبَلَ خبر هذا الجني ، وليُعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم حذر من كيد الشيطان في التحريش بين الناس فقد جاء عن جابر رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم " . رواه مسلم
وأقول عجباً لحال من يصدق مثل هذا ، وقد نسي قول الله تعالى :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ }الحجرات6 ، فإذا علمنا أن هذا الجني قد تلبس بجسد المصروع ظلما وعدوانا ، فإنه إلى الفسق أقرب ، وعلى الكذب أحرص ، وأعجبُ أشد العجب من قوم يتلقون أخبارهم وماينطقون به على أنها الحق الذي لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .
ر أي الشيخ ابن جبرين في تصديق خبر الجني :
السؤال :
أفيد فضيلتكم إنه يوجد لدينا إحدى القريبات مصابة بمرض منذ زمن يزيد على الثمان سنوات، ويُذهب بها إلى القراء من قبل والدها، وفي أحد المرات ذهب بها أحد أعمامها إلى أحد القراء، فلما رجع قال: إن الجن قد تكلموا ويقولون: إنها مسحورة، وقد سحرتها فلانة [يريد زوجة عم هذه البنت]، فبدأت الشحناء والقطيعة من جراء هذا الموقف، والذي تكرر في هذه الأسرة وللأسف مرات عديدة.
والسؤال هو: ما هو رأي فضيلتكم حول هذه القضية، وما هو الواجب تجاه كلام الجن وما هي نصيحتكم لمن يقاطع أقاربه بناء على هذا الكلام الخالي من البينات والحقائق ويروج له.
الاجابـــة :
لقد كثر السحرة والكهنة والمشعوذون في هذه الأزمنة وسلطوا عملهم على الكثير من الناس، والغالب أنهم لا يضرون إلا ضعاف الإيمان، وأن من تحصن بالذكر والقراءة والأوراد والأدعية المفيدة والأعمال الصالحة، وتنزه عن الأدناس والملاهي والمحرمات فإنهم لا يضرونه ولا يتأثر بعملهم الشيطاني؛ وعلى هذا فيمكن أن هذه المرأة مصابة بهذا العمل حيث لم تؤثر فيها الأدوية، وعجز عنها الأطباء، واستعصى مرضها طوال هذه السنوات ثم إن النطق من ذلك الجني الملابس لها دليل على أنها مصابة بالمس الذي سببه عمل السحرة وتسليطهم من يقولونه من الجن على أفراد من الإنس، ثم إن كلام الجني قد لا يكون حقًا وصدقًا في حق زوجة عم الفتاة، لكن إن ظهرت قرائن على الزوجة من الحقد والحسد والبغضاء والعداوة مع قلة الديانة وضعف الإيمان وخفة الأمانة واقتراف المحرمات أو بعضها فهو مرجح لما يقوله هذا الجان، فإن انتفت هذه الأوصاف في الزوجة فلا يصدق الجان ولا يجوز التباغض وقطيعة الرحم بمجرد ذلك الكلام إذا كان خاليًا من البينات والحقائق الظاهرة بل المرأة مسلمة مؤمنة قانتة تائبة عابدة لربها بعيدة عن هذه التهم. والله أعلم. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
المصدر : موقع الشيخ ابن جبرين رحمه الله - فتوى رقم 11387
وهذه قصة أسوقها بين أيديكم لضحية من ضحايا الشيطان:
بدأت قصة الرجل عندما نطق الجني على لسان إحدى قريباته حال صرعها ، وقال له الجني : أنا مجبور على هذا الفعل وليس لي فيه ذنب ، إن أردتَ أن تحاسبَ فحاسبْ ابنَ عمك فلان بن فلان فهو من ذهبَ إلى الساحرِ وعقدَ هذا السحر ، تلقى هذه الكلمات فأثرت في نفسه ، صدق على الفور خبرَ الخبيثْ ، واستجمع الشيطان في قلبه ، ومازال به يدعوه إلى الإنتقام من ابن عمه ، حتى ذهب إلى بيته وقرع الباب ، فلما مثل ابن عمه بين يديه رحَّبَ به ودعاه إلى الدخول إلى منزله لينال شرف الضيافة ، غير أن هذا المسلوب لم يجد رداً لابن عمه المتهم إلا صوت الرصاص الذي انطلق من مسدس يحمله في جيبه ، فاستقرت ثلاث رصاصات في جسد الرجل أردته قتيلاً من ساعته ، والآن يقبعُ المجرمُ في السجنِ منذ ثلاثِ سنين حتى يكبر القصر ويطالبون بالقصاص من قاتل أبيهم أو يعفون عنه ، ولاحول ولاقوة إلا بالله .
http://www.up.ashfa.com/up/viewimages/6b647c9967.gif
قبل أن أتحدث عن آراء أهل العلم في هذا النوع من الحوار ، لعل من المصلحة بمكان أن أبين أن الخبر الذي تتلقاه من الجني على بدن المصروع والذي يخبرك فيه عن مكان وجود السحر يحتمل عدة إحتمالات :
الأول : أن يكون الجني صادقاً في خبره ، ويأتي مثل هذا النوع من الصدق الذي يكون في حكم النادر بسبب شعور الجني بالذَّنب لما وقع منه من ظلم ، أو بسبب هدايته بعد ضلال ، أو بسبب مالحقه من التعب والنكال من قراءة الشيخ أو المريض .
الثاني : أن يكون كَذِباً محضاً يقصد به نشر الفتنة بين الناس ، كأن يقول لك أن السحر في بيت فلان ، فيصرف ذهنك إلى أن إسم صاحب البيت الذي ذكره في حضرتك هو من سَحَرَك .
الثالث : أن يكون كَذِباً محضاً يَقْصِدُ به أن يجعلك في تيه فكلما شددت عليه في القراءة ذكر لك مكاناً غير الذي ذكره من قبل فتختلط عليك الأمور .
الرابع : أن يكون كَذِباً محضاً يقصد به أن يقذف اليأس في نفسك ، كأن يقول لك أن السحر في قعر جبل أو في وسط البحر ونحو ذلك من الأماكن التي يصعب الوصول إليها .
رأي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في حكم سؤال الجن وتصديقهم :
وأما سؤال الجن وسؤال من يسألهم، فهذا إن كان على وجه التصديق لهم في كل ما يخبرون به والتعظيم للمسؤول فهو حرام، كما ثبت في صحيح مسلم وغيره، عن معاوية ابن الحكم السلمى قال: قلت: يا رسول اللّه، أمورًا كنا نصنعها في الجاهلية، كنا نأتي الكهان، قال: (فلا تأتوا الكهان)، وفي صحيح مسلم ـ أيضًا ـ عن عبيد اللّه، عن نافع، عن صفية، عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أتى عرافًا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يومًا).
وأما إن كان يسأل المسؤول ليمتحن حاله ويختبر باطن أمره وعنده ما يميز به صدقه من كذبه فهذا جائز، كما ثبت في الصحيحين: أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل ابن صَيَّاد فقال: (ما يأتيك؟) فقال: يأتيني صادق وكاذب، قـال: (مـا ترى؟) قال: أرى عرشـًا على الماء، قال: (فأني قد خبأت لك خبيئًا)، قال: الدُّخُّ الدُّخُّ [والدُّخُّ ـ بضم الدال وفتحها ـ: الدُّخان]، قال: (اخسأ فلن / تعدو قدرك، فإنما أنت من إخوان الكهان) مجموع فتاوى ابن تيمية ( 19/ 62-63 ) .
وكذلك الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله تعالى يوافق شيخ الإسلام ابن تيميه فيما ذكره وإليكم نص الفتوى المنقولة عنه :
وسئل: عن حكم سؤال الجن وتصديقهم فيما يقولون ؟
فأجاب قائلاً : سؤال الجن وتصديقهم فيما يقولون: قال عنه شيخ الإسلام في مجموع الفتاوي: إن من يسأل الجن أو يسأل من يسأل الجن على وجه التصديق لهم في كل يخبرون به والتعظيم للمسؤول فهو حرام ، وأما إن كان ليمتحن حاله ويختبر باطن أمره، وعنده ما يميز به صدقه من كذبه فهذا جائز، ثم استدل له، ثم ذكر ما روي عن أبي موسى الأشعري أنه أبطأ عليه خبر عمر رضي الله عنه وكان هناك امرأة لها قرين أي صاحب من الجن فسأله عنه فأخبره أنه ترك عمر يسم إبل الصدقة . مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين برقم 114
رأي الشيخ عبد الله الجبرين رحمه الله تعالى في حكم سؤال الجن وتصديقهم :
سؤال: هل للمعالج أن يستخدم جنيًّا مسلما في معرفة إذا ما كان الشخص به مس أو غير ذلك؟
الجواب: لا أرى ذلك فإن المعتاد أن الجن إنما تخدم الإنس إذا أطاعوها، ولا بد أن تكون الطاعة مشتملة على فعل محرم أو اقتراف ذنب؛ فإن الجن غالبًا لا يتعرضون للإنس إلا إذا تعرضوا لهم أو كانوا من الشياطين، ثم إن بعض الإخوان الصالحين ذكروا أن الجن المسلمين قد يخاطبونهم ويجيبون على أسئلة يلقونها، ولا نتهم بعض أولئك الإخوان بأنهم يعملون شركًا أو سحرًا، فإذا ثبت هذا فلا مانع من سؤالهم ولا يلزم تصديقهم في كل ما يقولون، والله أعلم .
يُصاب بعض الناس بِشَغفٍ عجيب للسؤال عن كل ماغاب عنهم من أخبار الناس وأسرارهم ومثل هذا الخطأ يقع في الغالب من بعض الأُسَرْ التي إن وقع أحد أفرادهم مصروعاً من الجن ونطق على لسانه الجني بدأ أفراد العائلة في سؤال الجني على بدن المصروع ، فيأتي لهم من أخبارهم السابقة مايعرفونه ولاينكرون منه شيئاً ، حتى إذا وقع اليقين في أنفسهم أن الجني لا يقول إلا صدقاً إستدرجهم الخبيث وحدثهم عن الغيب الذي لا يعلمه إلا الله تعالى فحصل عندهم بهذا التصديق المطلق بكل ماأُُخبروا به ، وبهذا أصبحوا مكذبين لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، فالله سبحانه وتعالى أخبرنا بقوله تعالى { قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون } والرسول صلى الله عليه وسلم بلغ مأاُنزل إليه من ربه ولم يستثني نفسه أو أحداً من خلق الله تعالى ، ومن تأمل قول الله تعالى ( فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلا دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ ) علم يقيناً أن الجن والإنس في جهلهم بالغيب سواء .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
ولهذا من اعتمد على مكاشفته التي هي من أخبار الجن كان كذبه أكبر من صدقه كشيخ يقال له : الشياح توبناه وجددنا إسلامه كان له قرين من الجن يقال له : عنتر يخبره بأشياء فيصدق تارة ويكذب تارة فلما ذكرت له أنك تعبد شيطانا من دون الله اعترف بأنه يقول له : يا عنتر ! لا سبحانك إنك إله قذر وتاب من ذلك في قصة مشهورة .
الفتاوى الكبرى ( 3/480 )
http://www.up.ashfa.com/up/viewimages/2d9a079559.gif
قد سئلت اللجنة الدائمة عن حكم مخاطبة القرين لمعرفة نوع المرض وطريقة العلاج فأجابت : ( 3 )
لا تجوز الاستعانة بالجن الذي تسمونه " القرين " ، وسؤاله عن نوع مرض المريض ؛ لأن الاستعانة بالجن : شرك بالله عز وجل ، فالواجب عليكم : التوبة إلى الله من ذلك ، وترك هذه الطريقة ، والاقتصار على الرقية الشرعية ، وفق الله الجميع لما فيه رضاه .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
فتاوى اللجنة الدائمة" (24/287– 289)
وكذلك سئلت اللجنة الدائمة عن حكم الإستعانة بالجان في معرفة العين أو السحر وكذلك تصديق الجني المتلبس بالمريض بدعوى السحر والعين ، والبناء على دعواه فأجابت :
لا تجوز الاستعانة بالجن في معرفة نوع الإصابة ونوع علاجها ؛ لأن الاستعانة بالجن شرك ، قال تعالى : ( وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ) ، وقال تعالى : ( وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَامَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ) ، ومعنى استمتاع بعضهم ببعض : أن الإنس عظموا الجن ، وخضعوا لهم ، واستعاذوا بهم ، والجن خدموهم بما يريدون ، وأحضروا لهم ما يطلبون ، ومن ذلك : إخبارهم بنوع المرض وأسبابه مما يطلع عليه الجن دون الإنس ، وقد يكذبون ، فإنهم لا يؤمنون ولا يجوز تصديقهم . "فتاوى اللجنة الدائمة المجموعة الثانية " (1/92 – 93)
http://www.up.ashfa.com/up/viewimages/01f6e057de.gif
تُخطيء بعض الأسر عندما تُبتلى بمرض أحد أفرادها ونطق الجني على لسانه أن تجتمع الأسرة بصغارها وكبارها وذكورها وإناثها في جلسة الرقية ليكتشفوا من خلال الجلسة ذلك العالم الغريب ، ولاشك أن مثل هذا الإجتماع العائلي يبث الخوف والهلع في أنفس الصغار ويظهر ذلك الخوف عليهم جلياً عند تخيلهم لأطياف تتحرك على مرأى من أعينهم أو في حالات الفزع التي تنتابهم حال المنام ، وقد يتعدى هذا الأمر إلى الكبار أيضاً ، والذي أنصح به ألاَّ يحضر مع الراقي أحد إن كان المسترقي رجلاً ولم يكن الراقي بحاجة إلى من يساعده في الإمساك بالمسترقي ونحو ذلك ، وأما إن كانت أنثى فيحضر معها من محارمها البالغ العاقل الذي يحسن التصرف حسب ماتقتضيه الحالة التي بين يديه .
من جهة أخرى فإن أفراد الأسرة الواحدة فيهم العقلاء والسفهاء ، فيحصل بعد جلسة الرقية أن يغمز بعضهم هذا المريض باتهامه بالجنون أو غياب العقل ونحو ذلك ، فيحصل عند المريض من الإجهاد النفسي وسوء التفكير والإضطراب ماهو أشد وطأة عليه من المس ذاته ، وقد ينتهي المطاف بالبعض منهم إلى الإنتحار أو أن يعيش بقية عمره تحت علاج نفسي مكثف بعد أن ساءت نظرة أهله له ونظرته إلى نفسه .
http://www.up.ashfa.com/up/viewimages/de58c36c85.gif
يعمدُ الضُلاَّل من الجن إلى كل طريق فيه فساد قلوب بني آدم ، ومن أبرز طرقهم التي يسلكونها لإفساد نية الراقي وبث العجب في نفسه أنهم يصفونه بقوة رقيته ورباطة جأشه وأنه يؤثر في عالم الجن أيما تأثير أو أن الجن يعجزون عن إيذاءه أو الدخول إلى جسده ، أو أنهم يفرون من كل مكان يلجُ إليه أو يقترب منه ، ولايزال جند الشيطان ينفثون سمومهم في نفسه حتى تخبث تلك النفس ويفسد ذلك القلب ، ولايزال ذلك الراقي يتردى قلبه من منزلة إلى أسفل منها حتى يكون في حال هو أعجز مايكون عن نصرة إخوانه المسلمين ، أما النية فقد فسدت ، وأما الهمة فقد ضعفت ، ولم يعد للراقي هماً إلا إثبات ذاته وبيان قدراته ، حتى يصدق في نفسه أنه من أولياء الله الصالحين أو من أهل الكرامات والله المستعان ، ، وعلى الراقي الحصيف أن يُظْهِرَ المسكنة والفاقة لربه ، فإنه قوي بالله ضعيف بنفسه ، فإن اطلع الله إلى قلب الراقي فوجده منكسرا بين يديه أيده ونصره وأعزه وأظهر أمره .
http://www.up.ashfa.com/up/viewimages/e70398b15a.gif
من الجن من إذا بدأ الراقي رقيته هرع مسرعا إلى خارج البدن حتى يكون في مأمن مما قد تسببه له الرقية من هلاك أو تعب ، ومن الجن من لايستطيع مغادرة البدن إما لضعفه أو جهله أو أن السحر قد قيَّده فلم يدع له مجالاً ان يُنَفِسَ عن المريض ولو ساعة من نهار ، فإن كان الجني المتلبس بالبدن من النوع الثاني بادر بإشغال الراقي بما لافائدة فيه من الكلام أو الأخبار أو المراوغة ونحو ذلك ، وغاية مايريده هذا الجني هو إسكات الراقي عن النطق بكلام الله تعالى الذي أزعجه وأرَّق مضجعه ، فإن نجح في مراده ضاع زمام الأمر من الراقي وتنفس الجني الصعداء ، إذا أن تتابع الرقية له أثره القوي على بدن المريض وتأثيره الفعال على الجني ، وقد يؤدي هذا التأثير إلى خروجه أو هلاكه أو فساد مادة السحر بإذن الله تعالى .
-----------------------------
( 1 ) عن سهل بن سعد قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر : ( لأعطين الراية غدا رجلا يفتح على يديه ، يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ) . فبات الناس ليلتهم : أيهم يعطى ، فغدوا كلهم يرجونه ، فقال : ( أين علي ) . فقيل : يشتكي عينيه ، فبصق في عينيه ودعا له ، فبرأ كأن لم يكن به وجع ، فأعطاه ، فقال : أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا ؟ فقال : ( انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ، ثم ادعهم إلى الإسلام ، وأخبرهم بما يجب عليهم ، فوالله لأن يهدي الله رجلا بك ، خير لك من أن يكون لك حمر النعم ) . رواه البخاري برقم 3009 .
( 2 ) عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال : بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة من جهينة ، قال : فصبحنا القوم فهزمناهم ، قال : ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم ، قال : فلما غشيناه قال : لا إله إلا الله ، قال : فكف عنه الأنصاري ، فطعنته برمحي حتى قتلته ، قال : فلما قدمنا بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : فقال لي : ( يا أسامة ، أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله ) . قال : قلت : يا رسول الله ، إنما كان متعوذا ، قال : ( أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله ) . قال : فما زال يكررها علي ، حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم .
رواه البخاري برقم 6872
( 3 ) السؤال الموجه للشيخ طويل جدا ويتضمن عدة أسئلة ، وقد تم نقل الجزء المتعلق بسؤال الجن عن التشخيص والعلاج فقط ، ومن أراد الإستزادة فليرجع إلى المرجع المشار له بعاليه .