بـريـق الأمـل
2011-03-30, 01:15 AM
الأَصْلُ التَّاسِعُ : إِهْمَالُ أَعْمَالِ القُلُوبِ يُؤَدِّي إِلَى الهَلَاكِ .
إِنَّ الاعْتِنَاءَ بِالمَظَاهِرِ وَجَعْلَهَا زَاهِيَةً ، وَإِهْمَالَ البَوَاطِنِ وَجَعْلَهَا خَاوِيَةً ، يُؤَدِّي إِلَى دُخُولِ النَّارِ ، وَالعِيَاذُ بِاللهِ تَعَالَى .
وَلِيَتَأَمَّلِ القَارِئُ الأَحَادِيثَ التَّالِيَةَ :
أ- عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " أَوَّلُ شَيءٍ يُرْفَعُ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ الخُشُوعُ، حَتَّى لَا تَرَى فِيهَا خَاشِعًا "
وَأَصْلُ الخُشُوعِ : هُوَ لِينُ القَلْبِ وَرِقَّتُهُ وَسُكُونُهُ وَخُضُوعُهُ وانكِسَارُهُ . فَإِذَا خَشَعَ القَلْبُ تَبِعَهُ خُشُوعُ جَمِيعِ الجَوَارِحِ وَالأَعْضَاءِ ؛ لأَنَّهَا تَابِعَةٌ لَهُ .
وَيَتَرَتَّبُ عَلَى عَدَمِ الخُشُوعِ أَمْرَانِ :
الأَوَّلُ : عَدَمُ الانتِهَاءِ عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنكَرِ .
فَإِنَ الصَلَاةَ الخَاشِعَةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنكَرِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : { إِنَّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر } [العنكبوت: 45].
الثَّانِي: عَدَمُ الفَلَاحِ يَوْمَ القِيامَةِ ؛ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى عَلَّقَ الفَلَاحَ يَوْمَ القِيامَةِ بِالخُشُوعِ . قَالَ اللهُ تَعَالَى :{ قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون } [المؤمنون: 1 - 2] .
ب - عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ : عَنِ النَّبَيِّ صَلَّى اللّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ ، بِيضًا ، فَيَجْعَلُهَا اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا ".
قَالَ ثَوْبَانُ : يَا رَسُولَ اللّهِ ! صِفْهُم لَنَا ، جَلِّهِم لَنَا ، أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُم وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ ، قَالَ : " أَمَا إِنَّهُم إِخْوَانُكُم وَمِنْ جِلْدَتِكُم ، وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ ، وَلَكِنَّهُم أَقْوَامٌ ، إِذَا خَلَوا بِمَحَارِمِ اللّهِ انْتَهَكُوهَا ".
فَهَؤُلَاءِ قَامُوا بِأَعْمَالٍ ظَاهِرَةٍ ، وَأَهْمَلُوا أَعْمَالَ القُلُوبِ ، فَلَمْ يُرَاقِبُوا اللّهَ فِي خَلَوَاتِهِم ،
وَالمُرَاقَبَةُ : عِلْمُ القَلْبِ بِقُرْبِ الرَّبِّ .
ج - عَنْ أَبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلَّى اللّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ ، رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعْمَتَهُ فَعَرَفَهَا ، قَالَ : فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا ؟
قَالَ : قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدتُ ، قَالَ : كَذَبْتَ ، وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لأَنْ يُقَالَ : جَرِيءٌ ، فَقَدْ قِيلَ ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ ، وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ ، فَأُتِيَ بِهِ ، فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا ، قَالَ : فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا ؟ قَالَ : تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ . قَالَ : كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ : عَالِمٌ ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ : هُوَ قَارِئٌ ، فَقَدْ قِيلَ ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ ، وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللّهُ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا ، قَالَ : فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا ؟ قَالَ : مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ ، قَالَ : كَذَبْتَ ، وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ : هُوَ جَوَادٌ ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ ، ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ " .
د- عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الجَنَّةِ ، فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ؛ وَإنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ ، فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ " .
وَقَوْلُهُ : " فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ " إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ بَاطِنَ الأَمْرِ يَكُونُ بِخِلَافِ ذَلِكَ ، وَأَنَّ خَاتِمَةَ السُّوءِ تَكُونُ بِسَبَبِ دَسِيسَةٍ بَاطِنَةٍ لِلْعَبْدِ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا النَّاسُ ، فَتِلْكَ الخَصْلَةُ الخَفِيَّةُ تُوجِبُ سُوءَ الخَاتِمَةِ عِنْدَ المَوْتِ .
وَمِنْ هُنَا كَانَ الصَّحَابَةُ وَمَنْ بَعْدَهُم مِنَ السَّلَفِ الصَّالِحِ : يَخَافُونَ عَلَى أُنْفُسِهِمُ النِّفَاقَ ، وَيَشْتَدُّ قَلَقُهُم وَجَزَعُهُم مِنْهُ .
( وَأَسَاسُ النِّفَاقِ وَأَصْلُهُ : هُوَ التَّزَيُّنُ لِلنَّاسِ بِمَا لَيْسَ فِي البَاطِنِ مِنَ الإِيمَانِ ) .
عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قال : كانَ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ : " يا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ " فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللّهِ ، آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ ، فَهَلْ تَخَافُ عَلَينَا ؟ قَالَ : " نَعَم ، إِنَّ القُلُوبَ بَينَ أُصْبُعَينِ مِنْ أَصَابِعِ اللّهِ ، يُقَلِّبُهَا كَيفَ يَشَاءُ " .
وَقَالَ ابنُ أَبي مُلَيْكَةَ : أَدْرَكْتُ ثَلاثِينَ مِنْ أَصْحَابِ النبيِّ صَلَّى اللّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ، كُلُهُّم يَخَافُ النِّفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ ، مَا مِنْهُم أحَدٌ يَقُولُ : إِنَّهُ على إِيمَانِ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ .
وَقَالَ الحَسَنُ رَحِمَهُ اللّهُ : كَانَ يُقَالُ : النِّفَاقُ اخْتِلافُ السِّرِّ وَالعَلانِيَةِ ، وَالقَولِ وَالعَمَلِ .
وَعَنْ جُبَيرِ بنِ نُفَيرٍ قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى أَبي الدَّرْدَاءِ مَنْزِلَهُ بِحِمْصَ ، فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي في مَسْجِدِهِ ، فَلَمَّا جَلَسَ يَتَشَهَّدُ فَجَعَلَ يَتَعَوَّذُ بِاللّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ النِّفَاقِ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْتُ لَهُ : غَفَرَ اللّهُ لَكَ يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ ، مَا أَنْتَ وَالنِّفَاقَ ؟! مَا شَأنُكَ وَمَا شَأنُ النِّفَاقِ ؟! فَقَالَ : اللَّهُمَّ غُفْراً –ثلاثاً - لا يَأمَنُ البَلاءَ مَنْ يَأمَنُ البَلاءَ ، وَاللّهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيُفْتَنُ في سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَنْقَلِبُ عَنْ دِينِهِ .
وَعَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ قُرَّةَ قَالَ : أَنْ لا يَكُونَ فِيَّ نِفَاقٌ ، أَحَبُّ إِليَّ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا . كَانَ عُمَرُ يَخْشَاهُ وَآمَنُهُ أَنَا ؟ .
وَقَالَ بِلالُ بنُ سَعدٍ : لا تَكُنْ وَليًّا للّهِ عَزَّ وَجَلَّ في العَلانِيَةِ ، وَعَدُوَّهُ في السِّرِّ .
وَلِأَجْلَ هَذَا : خَافَ عِبَادُ اللّهِ تَعَالَى الصَّالِحُونَ عَلَى قُلُوبِهِم ، وَبَكَوا عَلَيْهَا وَصَرَفُوا عِنَايَتَهُم إِلَيْهَا .
جَعَلَنَا اللّهُ وَإِيَّاكُم مِنَ المُعْتَبِرِينَ بِالعِبَرِ ، المُهْتَمِّينَ بِمَواضِعِ الخَطَرِ ، الموَفَّقِينَ لإِصْلَاحِهَا بِحُسْنِ النَّظَرِ ، إِنَّهُ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ..
إِنَّ الاعْتِنَاءَ بِالمَظَاهِرِ وَجَعْلَهَا زَاهِيَةً ، وَإِهْمَالَ البَوَاطِنِ وَجَعْلَهَا خَاوِيَةً ، يُؤَدِّي إِلَى دُخُولِ النَّارِ ، وَالعِيَاذُ بِاللهِ تَعَالَى .
وَلِيَتَأَمَّلِ القَارِئُ الأَحَادِيثَ التَّالِيَةَ :
أ- عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " أَوَّلُ شَيءٍ يُرْفَعُ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ الخُشُوعُ، حَتَّى لَا تَرَى فِيهَا خَاشِعًا "
وَأَصْلُ الخُشُوعِ : هُوَ لِينُ القَلْبِ وَرِقَّتُهُ وَسُكُونُهُ وَخُضُوعُهُ وانكِسَارُهُ . فَإِذَا خَشَعَ القَلْبُ تَبِعَهُ خُشُوعُ جَمِيعِ الجَوَارِحِ وَالأَعْضَاءِ ؛ لأَنَّهَا تَابِعَةٌ لَهُ .
وَيَتَرَتَّبُ عَلَى عَدَمِ الخُشُوعِ أَمْرَانِ :
الأَوَّلُ : عَدَمُ الانتِهَاءِ عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنكَرِ .
فَإِنَ الصَلَاةَ الخَاشِعَةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنكَرِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : { إِنَّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر } [العنكبوت: 45].
الثَّانِي: عَدَمُ الفَلَاحِ يَوْمَ القِيامَةِ ؛ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى عَلَّقَ الفَلَاحَ يَوْمَ القِيامَةِ بِالخُشُوعِ . قَالَ اللهُ تَعَالَى :{ قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون } [المؤمنون: 1 - 2] .
ب - عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ : عَنِ النَّبَيِّ صَلَّى اللّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ ، بِيضًا ، فَيَجْعَلُهَا اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا ".
قَالَ ثَوْبَانُ : يَا رَسُولَ اللّهِ ! صِفْهُم لَنَا ، جَلِّهِم لَنَا ، أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُم وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ ، قَالَ : " أَمَا إِنَّهُم إِخْوَانُكُم وَمِنْ جِلْدَتِكُم ، وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ ، وَلَكِنَّهُم أَقْوَامٌ ، إِذَا خَلَوا بِمَحَارِمِ اللّهِ انْتَهَكُوهَا ".
فَهَؤُلَاءِ قَامُوا بِأَعْمَالٍ ظَاهِرَةٍ ، وَأَهْمَلُوا أَعْمَالَ القُلُوبِ ، فَلَمْ يُرَاقِبُوا اللّهَ فِي خَلَوَاتِهِم ،
وَالمُرَاقَبَةُ : عِلْمُ القَلْبِ بِقُرْبِ الرَّبِّ .
ج - عَنْ أَبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلَّى اللّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ ، رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعْمَتَهُ فَعَرَفَهَا ، قَالَ : فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا ؟
قَالَ : قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدتُ ، قَالَ : كَذَبْتَ ، وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لأَنْ يُقَالَ : جَرِيءٌ ، فَقَدْ قِيلَ ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ ، وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ ، فَأُتِيَ بِهِ ، فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا ، قَالَ : فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا ؟ قَالَ : تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ . قَالَ : كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ : عَالِمٌ ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ : هُوَ قَارِئٌ ، فَقَدْ قِيلَ ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ ، وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللّهُ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا ، قَالَ : فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا ؟ قَالَ : مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ ، قَالَ : كَذَبْتَ ، وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ : هُوَ جَوَادٌ ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ ، ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ " .
د- عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الجَنَّةِ ، فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ؛ وَإنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ ، فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ " .
وَقَوْلُهُ : " فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ " إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ بَاطِنَ الأَمْرِ يَكُونُ بِخِلَافِ ذَلِكَ ، وَأَنَّ خَاتِمَةَ السُّوءِ تَكُونُ بِسَبَبِ دَسِيسَةٍ بَاطِنَةٍ لِلْعَبْدِ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا النَّاسُ ، فَتِلْكَ الخَصْلَةُ الخَفِيَّةُ تُوجِبُ سُوءَ الخَاتِمَةِ عِنْدَ المَوْتِ .
وَمِنْ هُنَا كَانَ الصَّحَابَةُ وَمَنْ بَعْدَهُم مِنَ السَّلَفِ الصَّالِحِ : يَخَافُونَ عَلَى أُنْفُسِهِمُ النِّفَاقَ ، وَيَشْتَدُّ قَلَقُهُم وَجَزَعُهُم مِنْهُ .
( وَأَسَاسُ النِّفَاقِ وَأَصْلُهُ : هُوَ التَّزَيُّنُ لِلنَّاسِ بِمَا لَيْسَ فِي البَاطِنِ مِنَ الإِيمَانِ ) .
عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قال : كانَ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ : " يا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ " فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللّهِ ، آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ ، فَهَلْ تَخَافُ عَلَينَا ؟ قَالَ : " نَعَم ، إِنَّ القُلُوبَ بَينَ أُصْبُعَينِ مِنْ أَصَابِعِ اللّهِ ، يُقَلِّبُهَا كَيفَ يَشَاءُ " .
وَقَالَ ابنُ أَبي مُلَيْكَةَ : أَدْرَكْتُ ثَلاثِينَ مِنْ أَصْحَابِ النبيِّ صَلَّى اللّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ، كُلُهُّم يَخَافُ النِّفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ ، مَا مِنْهُم أحَدٌ يَقُولُ : إِنَّهُ على إِيمَانِ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ .
وَقَالَ الحَسَنُ رَحِمَهُ اللّهُ : كَانَ يُقَالُ : النِّفَاقُ اخْتِلافُ السِّرِّ وَالعَلانِيَةِ ، وَالقَولِ وَالعَمَلِ .
وَعَنْ جُبَيرِ بنِ نُفَيرٍ قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى أَبي الدَّرْدَاءِ مَنْزِلَهُ بِحِمْصَ ، فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي في مَسْجِدِهِ ، فَلَمَّا جَلَسَ يَتَشَهَّدُ فَجَعَلَ يَتَعَوَّذُ بِاللّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ النِّفَاقِ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْتُ لَهُ : غَفَرَ اللّهُ لَكَ يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ ، مَا أَنْتَ وَالنِّفَاقَ ؟! مَا شَأنُكَ وَمَا شَأنُ النِّفَاقِ ؟! فَقَالَ : اللَّهُمَّ غُفْراً –ثلاثاً - لا يَأمَنُ البَلاءَ مَنْ يَأمَنُ البَلاءَ ، وَاللّهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيُفْتَنُ في سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَنْقَلِبُ عَنْ دِينِهِ .
وَعَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ قُرَّةَ قَالَ : أَنْ لا يَكُونَ فِيَّ نِفَاقٌ ، أَحَبُّ إِليَّ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا . كَانَ عُمَرُ يَخْشَاهُ وَآمَنُهُ أَنَا ؟ .
وَقَالَ بِلالُ بنُ سَعدٍ : لا تَكُنْ وَليًّا للّهِ عَزَّ وَجَلَّ في العَلانِيَةِ ، وَعَدُوَّهُ في السِّرِّ .
وَلِأَجْلَ هَذَا : خَافَ عِبَادُ اللّهِ تَعَالَى الصَّالِحُونَ عَلَى قُلُوبِهِم ، وَبَكَوا عَلَيْهَا وَصَرَفُوا عِنَايَتَهُم إِلَيْهَا .
جَعَلَنَا اللّهُ وَإِيَّاكُم مِنَ المُعْتَبِرِينَ بِالعِبَرِ ، المُهْتَمِّينَ بِمَواضِعِ الخَطَرِ ، الموَفَّقِينَ لإِصْلَاحِهَا بِحُسْنِ النَّظَرِ ، إِنَّهُ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ..