بـريـق الأمـل
2011-03-16, 09:09 PM
الأَصْلُ الخَامِسُ : الأَعْمَالُ تَتَفَاضَلُ بِتَفَاضُلِ مَا فِي القُلُوبِ .
إِنَّ الأَعْمَالَ لَا تَتَفَاضَلُ بِصُوَرِهَا وَعَدَدِهَا ، وَإِنَّمَا تَتَفَاضَلُ بِتَفاضُلِ مَا فِي القُلُوبِ ، مِنَ الإِيمَانِ وَالمَحَبَّةِ وَالتَّعْظِيمِ وَالإِجْلَالِ ، فَتَكُونُ صُورَةُ العَمَلَيْنِ وَاحِدَةً ، وَبَيْنَهُمَا فِي التَّفَاضُلِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ، وَالرَّجُلَانِ يَكُونُ مَقامُهُمَا فِي الصَّفِّ وَاحِدًا ، وَبَيْنَ صَلَاتَيْهِمَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ، وَذَلِكَ أَنَّ أَحَدَهُمَا مُقْبِلٌ بِقَلْبِهِ عَلَى اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَالآخَرَ سَاهٍ غَافِلٌ .
عَنْ عُقبَةَ بنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلّى الله عليه وآله وسلّم : " مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحسِنُ وُضُوءَهُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكعَتَينِ مُقبِلٌ عَلَيهِمَا بِقَلبِهِ وَوَجهِهِ ، إِلَّا وَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ " رواه مسلم.
وَعَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ : عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ (بَعْدَ ذِكْرِ فَضْلِ الوضُوءِ وَثَوَابِهِ) : " فَإنْ هُوَ قَامَ فَصَلَّى ، فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ، وَمَجَّدَهُ بِالَّذِي هُوَ لَهُ أَهْلٌ ، وَفَرَّغَ قلبَهُ للّهِ ، إِلَّا انْصَرَفَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ " رواه مسلم .
وَلا رَيبَ أَنَّ مُجَرَّدَ القِيَامِ بِأَعْمَالِ الجَوَارِحِ ، مِنْ غَيرِ حُضُورٍ وَلا مُرَاقَبَةٍ ، وَلا إِقْبَالٍ عَلَى اللّهِ : قَلِيلُ المَنْفَعَةِ ، دُنْيًا وَأُخْرَى ، كَثِيرُ المُؤنَةِ . فَإِنَّهُ - وَإِنْ كَثُرَ - مُتْعِبٌ غَيرُ مُفِيدٍ وَلِهَذِهِ المَعَانِي الجَلِيلَةِ ، لَمْ تُغْنِ الصَّالِحِينَ كَثْرَةُ الأَعْمَالِ بِالظَّاهِرِ ، وَقَالُوا: الشَّأْنُ فِي الصَّفْوَةِ لَا فِي الكَثْرَةِ.
وَأَمَّا الَّذِينَ أَغْفَلُوا مَا فِي القُلُوبِ ، فَغَرَّهُمُ العَدَدُ وَالكَثْرةُ ، وَمَا يَنْفَعُ رَفْعُ السُّقُوفِ وَلَمْ تُحْكَمْ مَبَانِيهَا ؟!
الأَصْلُ السَّادِسُ: عُبُودِيَّةُ القَلْبِ أَعْظَمُ مِنْ عُبُودِيَّةِ الجَوَارِحِ .
القَلْبُ أَشْرَفُ مِنَ الجَوَارِحِ ، فَكَانَ عَمَلُهُ أَشْرَفَ مِنْ عَمَلِ الجَوَارِحِ ،
وَمَنْ تَأَمَّلَ الشَّرِيعَةَ فِي مَصَادِرِهَا وَمَوَارِدِهَا ، عَلِمَ ارتِبَاطَ أَعْمَالِ الجَوَارِحِ بِأَعْمَالِ القُلُوبِ ، وَأَنَّهَا لَا تَنْفَعُ بِدُونِهَا ، وَأَنَّ أَعْمَالَ القُلُوبِ أَفْرَضُ عَلَى العَبْدِ مِنْ أَعْمَالِ الجَوَارِحِ ، وَهَلْ يُمَيَّزُ المُؤْمِنُ عَنِ المُنَافِقِ إِلَّا بِمَا فِي قَلْبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنَ الأَعْمَالِ الَّتِي مَيَّزَتْ بَيْنَهُمَا ، وَعُبُودِيَّةُ القَلْبِ أَعْظَمُ مِنْ عُبُودِيَّةِ الجَوَارِحِ وَأَكْبَرُ وَأَدْوَمُ ، فَهِيَ وَاجِبَةٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ ،
مثل:
1-مَحَبَّةِ اللّهِ وَرَسُولِهِ
2-وَالتَّوَكُّلِ عَلَى اللّهِ
3-وَإِخْلَاصِ الدِّينِ لَهُ وَالشُّكْرِ لَهُ
4-الصَّبْرِ عَلَى حُكْمِهِ
5-وَالخَوْفِ مِنْهُ
6-وَالرَّجَاءِ لَهُ وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ ..
عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " الإِسْلَامُ عَلَانِيَةٌ، وَالإِيمَانُ فِي القَلْبِ " قَالَ : ثُمَّ يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، قَالَ : ثُمَّ يَقُولُ : " التَّقْوَى هَا هُنَا ، التَّقْوَى هَا هُنَا " رواه أحمد .
الأَصْلُ السَّابِعُ : القَلْبُ هَدَفٌ للشيطان .
لَمَّا عَلِمَ عَدُوُّ اللّهِ إِبْلِيسُ أَنَّ المَدَارَ عَلَى القَلْبِ وَالاعْتِمَادَ عَلَيهِ ؛ أَجْلَبَ عَلَيهِ بِالوَسَاوِسِ ، وَأَقْبَلَ بِوُجُوهِ الشَّهَوَاتِ إِلَيهِ ، وَزَيَّنَ لَهُ مِنَ الأَحْوَالِ وَالأَعْمَالِ مَا يَصُدُّهُ بِهِ عَنِ الطَّرِيقِ ، وَأَمَدَّهُ مِنْ أَسْبَابِ الغَيِّ بِمَا يَقْطَعُهُ عَنْ أَسْبَابِ التَّوفِيقِ ، وَنَصَبَ لَهُ مِنَ المَصَايِدِ وَالحَبَائِلِ مَا إِنْ سَلِمَ مِنَ الوُقُوعِ فِيهَا ، لَمْ يَسْلَمْ مِنْ أَنْ يَحْصُلَ لَهُ بِهِ التَّعْوِيقُ .
وَلَمَّا كَانَ الأمرُ بِهَذهِ الخُطُورةِ : كَانَ الاهْتِمَامُ بِتَصْحِيحِهِ وَتَسْدِيدِهِ أَولَى مَا اعْتَمَدَ السَّالِكُونَ ، وَالنَّظَرُ فِي أَمْرَاضِهِ وَعِلاجِهَا أَهَمَّ مَا تَنَسَّكَ بِهِ النَّاسِكُونَ .
الأَصْلُ الثَّامِنُ: أَمْرَاضُ القُلُوبِ خَفِيَّةٌ .
وَمَرَضُ القَلْبِ خَفِيٌّ ، قَدْ لَا يَعْرِفُهُ صَاحِبُهُ - كَالرِّيَاءِ وَالعُجْبِ وَالكِبْرِ وَالشُّهْرَةِ - فَلِذَلِكَ يَغْفُلُ عَنْهُ ، وَإِنْ عَرَفَهُ صَعُبَ عَلَيْهِ الصَّبْرُ عَلَى مَرَارَةِ دَوَائِهِ ، لِأَنَّ دَوَاءَهُ مُخَالَفَةُ الهَوَى ، وَإِنْ وَجَدَ الصَّبْرَ لَمْ يَجِدْ طَبِيبًا حَاذِقًا يُعَالِجُهُ ، فَإِنَّ أَهْلَ الحَدِيثِ هُمْ أَطِبَّاءُ القُلُوبِ ، العَالِمُونَ بِأحْوَالِهَا ، وَأَعْمَالِهَا ، العَارِفُونَ بِأَدْوِيَتِهَا وَأَدْوَائِهَا ، دَونَ المُنْحَرِفِينَ عَنْ طَرِيقَتِهِم ، المُتَشَبِّعُونَ بِمَا لَمْ يُعْطَوْا ، لَابِسُو ثِيَابِ الزُّورِ ، الَّذِينَ يَصُدُّونَ النَّاسَ عَنْ سُنَّةِ نَبِيِّهِم ، وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا ، وَهُم يَحْسَبُونَ أَنَّهُم يُحْسِنُونَ صُنْعًا .
حَتَّى عَادَوْا أَهْلَ الحَدِيثِ ، وَرَمَوْهُم بِالعَظَائِمِ ، وَنَفَّرُوا النَّاسَ عَنْهُمْ، فَدَاوَوْا أَمْرَاضَ القُلُوبِ بِالآرَاءِ وَالأَهْوَاءِ وَالخَيَالَاتِ ، وَ الأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ وَالمَوضُوعَةِ ، فَكَانُوا كَالمُدَاوِي مِنَ السَّقَمِ بِالسُّمِّ القَاتِلِ .
فَاتَّفَقَ قِلَّةُ الأَطبَّاءِ ، وَكَثْرَةُ المَرْضَى ، وَحُدُوثُ أَمْرَاضٍ مُزْمِنَةٍ لَمْ تَكُنْ فِي السَّلَفِ ، فَاشْتَدَّ البَلَاءُ ، وَتَفَاقَمَ الأَمْرُ ، وَامْتَلَأَتِ الدُّورُ وَالطُّرُقَاتُ وَالأَسْوَاقُ مِنَ المَرْضَى ، وَقَامَ كُلُّ جَهُولٍ يُطَبِّبُ النَّاسَ .
وَمَنْ لَهُ خِبْرَةٌ بِمَا عَلَيْهِ أَهْلُ الحَدِيثِ ، وَبِمَا عَلَيْهِ أَهْلُ البِدَعِ اليَوْمَ فِي هَذَا البَابِ وَغَيْرِهِ ؛ عَلِمَ أَنَّ بَيْنَ السَّلَفِ وَبَيْنَ هَؤُلَاءِ الخُلُوفِ مِنَ البُعْدِ ، أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ ، وَأَنَّهُم عَلَى شَيءٍ ، وَالسَّلَفُ عَلَى شَيءٍ ؛ كَمَا قِيلَ :
سَارَتْ مُشَرِّقَةً وَسِرْتُ مُغَرِّبًا ... شَتَّانَ بَيْنَ مُشَرِّقٍ وَمُغَرِّبِ
اللهم أصلح قلوبنا ، واملأها بمحبتك ، ومحبة رسولك صلى الله عليه وسلم
إِنَّ الأَعْمَالَ لَا تَتَفَاضَلُ بِصُوَرِهَا وَعَدَدِهَا ، وَإِنَّمَا تَتَفَاضَلُ بِتَفاضُلِ مَا فِي القُلُوبِ ، مِنَ الإِيمَانِ وَالمَحَبَّةِ وَالتَّعْظِيمِ وَالإِجْلَالِ ، فَتَكُونُ صُورَةُ العَمَلَيْنِ وَاحِدَةً ، وَبَيْنَهُمَا فِي التَّفَاضُلِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ، وَالرَّجُلَانِ يَكُونُ مَقامُهُمَا فِي الصَّفِّ وَاحِدًا ، وَبَيْنَ صَلَاتَيْهِمَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ، وَذَلِكَ أَنَّ أَحَدَهُمَا مُقْبِلٌ بِقَلْبِهِ عَلَى اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَالآخَرَ سَاهٍ غَافِلٌ .
عَنْ عُقبَةَ بنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلّى الله عليه وآله وسلّم : " مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحسِنُ وُضُوءَهُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكعَتَينِ مُقبِلٌ عَلَيهِمَا بِقَلبِهِ وَوَجهِهِ ، إِلَّا وَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ " رواه مسلم.
وَعَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ : عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ (بَعْدَ ذِكْرِ فَضْلِ الوضُوءِ وَثَوَابِهِ) : " فَإنْ هُوَ قَامَ فَصَلَّى ، فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ، وَمَجَّدَهُ بِالَّذِي هُوَ لَهُ أَهْلٌ ، وَفَرَّغَ قلبَهُ للّهِ ، إِلَّا انْصَرَفَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ " رواه مسلم .
وَلا رَيبَ أَنَّ مُجَرَّدَ القِيَامِ بِأَعْمَالِ الجَوَارِحِ ، مِنْ غَيرِ حُضُورٍ وَلا مُرَاقَبَةٍ ، وَلا إِقْبَالٍ عَلَى اللّهِ : قَلِيلُ المَنْفَعَةِ ، دُنْيًا وَأُخْرَى ، كَثِيرُ المُؤنَةِ . فَإِنَّهُ - وَإِنْ كَثُرَ - مُتْعِبٌ غَيرُ مُفِيدٍ وَلِهَذِهِ المَعَانِي الجَلِيلَةِ ، لَمْ تُغْنِ الصَّالِحِينَ كَثْرَةُ الأَعْمَالِ بِالظَّاهِرِ ، وَقَالُوا: الشَّأْنُ فِي الصَّفْوَةِ لَا فِي الكَثْرَةِ.
وَأَمَّا الَّذِينَ أَغْفَلُوا مَا فِي القُلُوبِ ، فَغَرَّهُمُ العَدَدُ وَالكَثْرةُ ، وَمَا يَنْفَعُ رَفْعُ السُّقُوفِ وَلَمْ تُحْكَمْ مَبَانِيهَا ؟!
الأَصْلُ السَّادِسُ: عُبُودِيَّةُ القَلْبِ أَعْظَمُ مِنْ عُبُودِيَّةِ الجَوَارِحِ .
القَلْبُ أَشْرَفُ مِنَ الجَوَارِحِ ، فَكَانَ عَمَلُهُ أَشْرَفَ مِنْ عَمَلِ الجَوَارِحِ ،
وَمَنْ تَأَمَّلَ الشَّرِيعَةَ فِي مَصَادِرِهَا وَمَوَارِدِهَا ، عَلِمَ ارتِبَاطَ أَعْمَالِ الجَوَارِحِ بِأَعْمَالِ القُلُوبِ ، وَأَنَّهَا لَا تَنْفَعُ بِدُونِهَا ، وَأَنَّ أَعْمَالَ القُلُوبِ أَفْرَضُ عَلَى العَبْدِ مِنْ أَعْمَالِ الجَوَارِحِ ، وَهَلْ يُمَيَّزُ المُؤْمِنُ عَنِ المُنَافِقِ إِلَّا بِمَا فِي قَلْبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنَ الأَعْمَالِ الَّتِي مَيَّزَتْ بَيْنَهُمَا ، وَعُبُودِيَّةُ القَلْبِ أَعْظَمُ مِنْ عُبُودِيَّةِ الجَوَارِحِ وَأَكْبَرُ وَأَدْوَمُ ، فَهِيَ وَاجِبَةٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ ،
مثل:
1-مَحَبَّةِ اللّهِ وَرَسُولِهِ
2-وَالتَّوَكُّلِ عَلَى اللّهِ
3-وَإِخْلَاصِ الدِّينِ لَهُ وَالشُّكْرِ لَهُ
4-الصَّبْرِ عَلَى حُكْمِهِ
5-وَالخَوْفِ مِنْهُ
6-وَالرَّجَاءِ لَهُ وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ ..
عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " الإِسْلَامُ عَلَانِيَةٌ، وَالإِيمَانُ فِي القَلْبِ " قَالَ : ثُمَّ يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، قَالَ : ثُمَّ يَقُولُ : " التَّقْوَى هَا هُنَا ، التَّقْوَى هَا هُنَا " رواه أحمد .
الأَصْلُ السَّابِعُ : القَلْبُ هَدَفٌ للشيطان .
لَمَّا عَلِمَ عَدُوُّ اللّهِ إِبْلِيسُ أَنَّ المَدَارَ عَلَى القَلْبِ وَالاعْتِمَادَ عَلَيهِ ؛ أَجْلَبَ عَلَيهِ بِالوَسَاوِسِ ، وَأَقْبَلَ بِوُجُوهِ الشَّهَوَاتِ إِلَيهِ ، وَزَيَّنَ لَهُ مِنَ الأَحْوَالِ وَالأَعْمَالِ مَا يَصُدُّهُ بِهِ عَنِ الطَّرِيقِ ، وَأَمَدَّهُ مِنْ أَسْبَابِ الغَيِّ بِمَا يَقْطَعُهُ عَنْ أَسْبَابِ التَّوفِيقِ ، وَنَصَبَ لَهُ مِنَ المَصَايِدِ وَالحَبَائِلِ مَا إِنْ سَلِمَ مِنَ الوُقُوعِ فِيهَا ، لَمْ يَسْلَمْ مِنْ أَنْ يَحْصُلَ لَهُ بِهِ التَّعْوِيقُ .
وَلَمَّا كَانَ الأمرُ بِهَذهِ الخُطُورةِ : كَانَ الاهْتِمَامُ بِتَصْحِيحِهِ وَتَسْدِيدِهِ أَولَى مَا اعْتَمَدَ السَّالِكُونَ ، وَالنَّظَرُ فِي أَمْرَاضِهِ وَعِلاجِهَا أَهَمَّ مَا تَنَسَّكَ بِهِ النَّاسِكُونَ .
الأَصْلُ الثَّامِنُ: أَمْرَاضُ القُلُوبِ خَفِيَّةٌ .
وَمَرَضُ القَلْبِ خَفِيٌّ ، قَدْ لَا يَعْرِفُهُ صَاحِبُهُ - كَالرِّيَاءِ وَالعُجْبِ وَالكِبْرِ وَالشُّهْرَةِ - فَلِذَلِكَ يَغْفُلُ عَنْهُ ، وَإِنْ عَرَفَهُ صَعُبَ عَلَيْهِ الصَّبْرُ عَلَى مَرَارَةِ دَوَائِهِ ، لِأَنَّ دَوَاءَهُ مُخَالَفَةُ الهَوَى ، وَإِنْ وَجَدَ الصَّبْرَ لَمْ يَجِدْ طَبِيبًا حَاذِقًا يُعَالِجُهُ ، فَإِنَّ أَهْلَ الحَدِيثِ هُمْ أَطِبَّاءُ القُلُوبِ ، العَالِمُونَ بِأحْوَالِهَا ، وَأَعْمَالِهَا ، العَارِفُونَ بِأَدْوِيَتِهَا وَأَدْوَائِهَا ، دَونَ المُنْحَرِفِينَ عَنْ طَرِيقَتِهِم ، المُتَشَبِّعُونَ بِمَا لَمْ يُعْطَوْا ، لَابِسُو ثِيَابِ الزُّورِ ، الَّذِينَ يَصُدُّونَ النَّاسَ عَنْ سُنَّةِ نَبِيِّهِم ، وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا ، وَهُم يَحْسَبُونَ أَنَّهُم يُحْسِنُونَ صُنْعًا .
حَتَّى عَادَوْا أَهْلَ الحَدِيثِ ، وَرَمَوْهُم بِالعَظَائِمِ ، وَنَفَّرُوا النَّاسَ عَنْهُمْ، فَدَاوَوْا أَمْرَاضَ القُلُوبِ بِالآرَاءِ وَالأَهْوَاءِ وَالخَيَالَاتِ ، وَ الأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ وَالمَوضُوعَةِ ، فَكَانُوا كَالمُدَاوِي مِنَ السَّقَمِ بِالسُّمِّ القَاتِلِ .
فَاتَّفَقَ قِلَّةُ الأَطبَّاءِ ، وَكَثْرَةُ المَرْضَى ، وَحُدُوثُ أَمْرَاضٍ مُزْمِنَةٍ لَمْ تَكُنْ فِي السَّلَفِ ، فَاشْتَدَّ البَلَاءُ ، وَتَفَاقَمَ الأَمْرُ ، وَامْتَلَأَتِ الدُّورُ وَالطُّرُقَاتُ وَالأَسْوَاقُ مِنَ المَرْضَى ، وَقَامَ كُلُّ جَهُولٍ يُطَبِّبُ النَّاسَ .
وَمَنْ لَهُ خِبْرَةٌ بِمَا عَلَيْهِ أَهْلُ الحَدِيثِ ، وَبِمَا عَلَيْهِ أَهْلُ البِدَعِ اليَوْمَ فِي هَذَا البَابِ وَغَيْرِهِ ؛ عَلِمَ أَنَّ بَيْنَ السَّلَفِ وَبَيْنَ هَؤُلَاءِ الخُلُوفِ مِنَ البُعْدِ ، أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ ، وَأَنَّهُم عَلَى شَيءٍ ، وَالسَّلَفُ عَلَى شَيءٍ ؛ كَمَا قِيلَ :
سَارَتْ مُشَرِّقَةً وَسِرْتُ مُغَرِّبًا ... شَتَّانَ بَيْنَ مُشَرِّقٍ وَمُغَرِّبِ
اللهم أصلح قلوبنا ، واملأها بمحبتك ، ومحبة رسولك صلى الله عليه وسلم