المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الظهار:


ابو الحربي
2011-02-24, 02:12 PM
الظهار:
- الظهار لغةً مصدر ظاهر مأخوذ من الظهر. وهو قول الرجل لامرأته : أنت عليّ كظهر أمي.
وفي اصطلاح الفقهاء: تشبيه الرجل زوجته بامرأة محرمة عليه على التأبيد أو بجزء منها لا يحل له النظر إليه كالظهر والبطن والفخذ. كأن يقول لها : أنت عليّ كظهر أمي، أو كبطن أختي أو عمتي أو خالتي. يستوي في ذلك أن تكون المشبهة بها محرمة عليه بسبب النسب أو الرضاع أو المصاهرة كأن يقول لها: أنت علي كظهر امرأة أبي أو زوجة ابني وغيرها.
- ألفاظه: تتنوع ألفاظ الظهار إلى نوعين صريح وكناية.
فالصريح: ما لا يحتمل إلا الظهار، نحو أنت علي كظهر أمي أو كبطن عمتي وما شاكل ذلك، ويقع به الظهار سواء نوى به الظهار أو الطلاق أو الإيلاء أو ادعى أنه لم ينو به شيئاً.
والكناية: ما يحتمل الظهار وغيره كقوله: أنت علي كأمي، فإنه يحتمل المماثلة في التحريم أو الماثلة في الكرامة، فإذا نوى أيهما صدق فيما ادعاه منهما، فإن قال: نويت الظهار كان ظهاراً، وإن قال: أردت الطلاق فهو طلاق بائن لأنه تشبيه في الحرمة.
وإن لم ينو به شيئاً فليس بشيء عند الحنفية لاحتمال إرادة الكرامة.
شروطه: يشترط لصحة الظهار ليترتب عليه حكمه عند الحنفية.
أولاً: يشترط في الرجل، أن يكون زوجاً بالغاً عاقلاً مسلماً، أي من أهل الكفارة فلا يصح ظهار من الصبي والمجنون والذمي.
ثانياً: يشترط في المرأة المظاهر منها: أن تكون زوجة في زواج صحيح نافذ قائم حقيقة أو حكماً. فيصح الظهار من المعتدة من طلاق رجعي، ولا يصح من المعتدة من طلاق بائن ولا من كان زواجها فاسداً أو صحيحاً موقوفاً، لأن كلاً منهما حرام عليه بالفعل فلا يكون للظهار منهما معنى.
ثالثاً: يشترط في المرأة المشبه بها: أن تكون محرمة عليه تحريماً مؤبداً بالإتفاق، فلو كانت محرمة عليه مؤقتاً، كأخت زوجته أو عمتها، أو كانت محرمة عليه مؤبداً عند بعض الفقهاء دون الآخرين كأم المرأة التي زنى بها أو بنته من الزنى لم يكن التشبيه ظهاراً على الراجح عند الحنفية.
والمذاهب الأخرى تخالف في ذلك:
فالحنابلة، لا تشترط التأبيد فلو شبهها بمحرمة عليه مؤقتاً كان ظهاراً.
والشافعية يقيدوه بألا يكون تحريمها طارئاً على المشبه كأم زوجته وزوجة ابنه فإن كان لم يكن ظهاراً.
حكم الظهار: كان العرب في جاهليتهم يظاهرون من نسائهم ويقصدون بذلك تحريم المرأة تحريماً مؤبداً، وما كانت المرأة تخلص من زوجها لتباح لغيره، بل كانت تصير بهذا الظهار كالمعلقة لا هي بذات زوج تستمتع بالحياة الزوجية ولا هي مطلقة تبحث لها عن زوج آخر.
فكان الظهار لوناً من ألوان الإيذاء الذي يلحقه الرجل بالمرأة، فلما جاء الاسلام لم يعرض له أول الأمر حتى ظاهر أوس بن الصامت بعد أن كبرت سنه وضاق خلقه - من زوجته خولة بنت مالك بن ثعلبة بسبب مراجعتها له في بعض ما أمرها به، ولما هدأت نفسه راودها عن نفسها فأبت عليه ذلك حتى يقضي الله ورسوله فيما وقع بينهما، وذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرته بما حدث من زوجها بعد أن كبرت سنه ووجود أولاد بينهما لا يستقر لهم قرار مع أحدهما، وكان رسول الله يقول لها: اتقي الله فإنه زوجك وابن عمك وقد كبر فأحسني إليه، فأخذت تجادله وتشكو إلى الله حالها وما صارت إليه فنزل عليه الوحي بآيات من أول سورة المجادلة وهي قوله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ * الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلا اللائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ * وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [المجادلة: 1-4].
فلما نزلت هذه الآيات قال لها الرسول: مُرِيْهِ فليعتق رقبة. فقالت لا يجد ذلك يا رسول الله، ثم قال مريه أن يصوم شهرين متتابعين، فقلت هو شيخ كبير لا يطيق الصوم، فقال: مريه ليطعم ستين مسكيناً، فقلت ما عنده شيء يا رسول الله، فقال: إنا سنعينه بعرق، فقلت وأنا أعينه بعرق أيضاً، فقال: اذهبي فأطعمي ستين مسكيناً وارجعي إلى ابن عمك" رواه أبو داود والعرق: ستون صاعاً من التمر.
وبهذا أبطل الإسلام ظهار الجاهلية وألغى أثره من التحريم المؤبد، فلم يجعله طلاقاً واعتبره منكراً من القول لأنه عبث بالحياة الزوجية وظلم للمرأة، وزور لأنه كذب. لهذا عاقبه على ذلك بحرمانه من الاستمتاع بها حتى يكفر عما ارتكبه من خطأ بعتق رقبة، فإن لم يجد فبصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فبإطعام ستين مسكيناً.
وقد اختلف الفقهاء في سبب وجوب الكفارة التي عبر عنها القرآن بقوله: {ثم يعودون لما قالوا}.
ذهب الحنفية إلى أنه العزم على مقاربتها ورجوعه عن الظهار. وتكون اللام بمعنى من أوفي وذلك لأن مقتضى الظهار تحريم قربان المرأة، فإذا عزم على قربانها يكون منه رجوعاً عما صدر منه من ظهار، فإذا رفع هذا التحريم وجب عليه التكفير.
ذهب المالكية إلى ما ذهب إليه الحنفية في قول، وفي قول آخر بأنه العزم على الوطء مع إرادة إمساك العصمة.
وذهب الشافعية إلى أنه إمساكها بعد ظهاره زمن إمكانه فرقة، لأن العود للقول مخالفته. يقال قال فلان قولاً ثم عاد فيه أي خالفه ونقضه وهو قريب من قولهم عاد في هبته ومقصود الظهار وصف المرأة بالتحريم وإمساكه يخالفه وهذا المذهب الجديد وفي القديم تأويلان العزم على الوطء، أو الوطء.
وعلى هذا يكون موجب الظهار تحريم قربان المرأة ولا يحل له قربانها إلا بعد التكفير بواحد من الأمور الثلاثة مرتبة، فإذا واقعها قبل التكفير كان عاصياً يجب عليه الاستغفار وعدم قربانها مرة أخرى قبل أن يكفر لما روى أن رجلاً ظاهر من امرأته ثم واقعها قبل أن يكفر وأخبر الرسول بما فعل فقال له: ما حملك على ما صنعت قال: رأيت بياض ساقها في القمر، فقال له الرسول " استغفر الله ولا تعد حتى تكفر " منتقى الأخبار.
واتفق الفقهاء على أنه يحرم منها المقاربة.
واختلف الفقهاء فبما دونه من المس والنظر بشهوة والتقبيل: فذهب الحنفية والمالكية إلى تحريم ذلك.
وذهب الشافعية والحنابلة إلى عدم تحريم ذلك.
تتمة: لو كرر الظهار قبل التفكير وجب عليه كفارة واحدة سواء صدر منه الظهار المكرر في مجلس واحد أو في مجالس متعددة، نوى به التأكيد أو الاستئناف أو لم ينوبه شيئاً منهما، لأن ما بعد الأول قول لم يحدث تحريماً للزوجة فلم يجب به كفارة ظهار كاليمين بالله تعالى، وإن ظاهر ثم كفر ثم ظاهر مرة ثانية وجبت عليه كفارة للظهار الثاني لأنه ظاهر بعد ما حلت له.