المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مفهوم التشدد


ابو الحربي
2011-02-23, 02:14 PM
مفهوم التشدد

التشدد هو : الخروج عن مستوى الوسطية والاعتدال والمنطق في الفهم والتصور للأمور . أو المبالغة في التمسك بالرأي على أنه هو الصواب المطلق والشخص الذي يبالغ في التمسك برأيه لن يجد حتما من يتفق معه ؟! وكما قيل : رأي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب ! وأي سلوك أو تعامل يظهر على الشخص فإنما هو نتيجة عكسية لأفكاره ومعتقداته فكل إناء بما فيه ينضح .. والحاذق هو من يستطيع أن يكتسب مرونة فائقة وعقلا راجحا معتدلا متزنا ويمنح نفسه فرصة للتفكير والمراجعة المستمرة فالصواب قريب جدا لكنه في نفس الوقت بعيد إذا أغلق الفكر وتمت مصادرة العقل .
ووجهة نظر الشخص ( أي كان ) إنما هي تعبيرا عن رأيه الشخصي . وأي رأي في الدنيا لا يستند إلى الدليل والبرهان والمنطق الصحيح فهو رأي مع احترامي للجميع أوهى من بيت العنكبوت ولا عبرة به ..
وعندما نتحدث عن التشدد في الدين بالطبع لا نقصد الدين كشريعة ، فنحن أمة لها منهج قويم من لدن حكيم عليم سبحانه ومحكومون بهذا المنهج أي نحن نمارس حياتنا في إطار هذا المنهج . فمثلا موضوع أن المرأة عورة كما جاء في النص : ( المرأة عورة ، وأنها إذا خرجت استشرفها الشيطان ، وإنها لا تكون أقرب إلى الله منها في قعر بيتها ) والحديث صحيح .. وموضوع القرار للمرأة في بيتها هو من معطيات ديننا وقيمنا ( وقرن في بيوتكن ) أليس كذلك ؟!
لكن هناك أمر لا بد من توضيحه ؟! لا يعني أن المرأة عورة أو قرارها في بيتها أن تضطهد المرأة ويمارس عليها كل أنواع التعسف والظلم وأن يحجر عليها ويحكم عليها بالمؤبد في بيتها باسم الدين ؟؟ لأن مفهوم الإسلام الصحيح مغاير تماما لهذا التحجر . فللمرأة أن تخرج وأن وتتحدث وأن تمارس الحياة بشكلها الطبيعي كغيرها لكن وفق المنهج الذي وضعه لها خالقها فهو أعلم بها وبما يصلحها ( ألا يعلم من خلق ؟!! ) .
وفي حالة عدم اقتناعنا بالمنهج فهذه مشكلة أخرى ؟!! ليست هي موضوع حديثنا . فالخالق سبحانه وضع لها جملة من الآداب والقيم تحفظها وترعى حقها وكرامتها وبغيرها ربما تضطهد المرأة ومن عرف الجاهلية وعرف الإسلام أدرك مكانة المرأة في الدين ..
أعود فأقول من أين يأتي التشدد ؟ ولماذا تختل صور التدين اليوم ؟!
وعند التحقيق والتجرد في النظر فليس في دين الله تشدد أو تزمت إذا أخذ الدين كما هو غضا طريا ، وهو الدين الذي أنزل من عند الله بشموليته في جوانب الحياة كلها وليس في جانب واحد أو زاوية ضيقة .
وإنما تختل صورة التدين – مع الأسف - إذا اختل ميزان الفهم لشريعة الإسلام أو أردنا أخذ الدين بأهوائنا وأفكارنا المجردة ( بالعقل المجرد ) .
الدين جاء ليقوّم ويعدل الفكر والسلوك ويهذب الأخلاق ويرقى بالإنسان إلى أرفع المستويات وليس العكس وليست المشكلة في الدين – كما يتجرأ بعض الجاهلين -وإنما المشكلة تأتي في نمط المتدين به وانظر إلى هذا المثال الرائع الذي يبن حقيقة الدين وسموه كما يوضح منشأ التشدد : ( أن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال بعضهم : لا أتزوج النساء ، وقال بعضهم لا آكل اللحم ، وقال بعضهم لا أنام على فراش ، وقال بعضهم أصوم ولا أفطر ، فبلغ ذلك النبي فحمد الله و أثنى عليه ثم قال : ما بال أقوام يقولون كذا وكذا ، ولكني أصلي وأنام ، وأصوم وأفطر ، وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني ) ففهم الدين على حقيقته وصورته وشموليته هو جوهر التدين وليس في الدين تشدد وقد رأيت في هذا المثال كيف شدد هؤلاء النفر على أنفسهم بآرائهم المجردة ، ولذلك ليس العيب في الدين مطلقا ، ولا يعاب الدين بتقصير أو سوء فهم أتباعه له ؟! فإن المباديء لا تعاب بتقصير أصحابها ؟!! ولذلك إذا رأيت شخصا قد شط عن الطريق القويم والصراط المستقيم أو تشدد في دين الله بما لم ينزل الله به سلطانا فكرا وسلوكا ، فاللوم يتوجه إليه هو وإلى فهمه وليس للدين الحنيف ..
فالمتشدد في الدين في نظري هو : الذي ينظر إلى الدين من زاوية واحدة وأفق ضيق وفق رغباته وأهوائه ومصالحه ولا ينظر إليه بشمولية واعتدال في شتى مجالات الحياة ؟! أو يعمل بجزئية ويدع الكل ؟؟ مثال ذلك شخص زارك لأول مرة في منزلك فاستقبلته وأدخلته إحدى الغرف في منزلك وجلس هذا الشخص ينظر إلى محتويات هذه الغرفة ثم خرج من عندك وقابله شخص في الطريق فسأله من أين أنت قادم ؟ قال له من بيت صديقي فلان . فقال له وكيف وجدت منزله ؟؟ فقال إنه منزل جيد ولكنه ضيق الحجرات وغير مرتب ؟؟ هذا الشخص عبر عن وجهة نظره تجاه بيت صديقه الذي زاره من خلال رؤيته فقط لتلك الغرفة ومحتوياتها !! مع العلم أنه لم يشاهد كامل المنزل ومحتوياته وبقية الغرف ؟! فهل هذه النظرة تمثل حكما صحيحا على بيت صديقه أو تعطي نظرة واقعية متكاملة ؟؟ كلا .. وهكذا الدين ليس حجرة أو غرفة واحدة بل هو حجرات وغرفات فمن أراد أن يعرف حقيقة الدين فعليه أن يدخل جميع حجراته الرائعة ولا يقتصر على واحدة ويقول هي الدين .
فالعيب فينا وفي فهمنا وتطبيقنا وهذه دعوة صادقة لكل من وجه اللوم إلى الدين للمراجعة وأن يعيد تصحيح التصور في منظوره العقلي والمنطقي ولا يجعل الدين هو المحك أو نافذته للنقد بسبب السلوك السيئ لأتباعه ، وخاصة إذا تبلور في الذهن أن موضوع الدين بكل جوانبه في الحياة يختص بوضعه من قبل قدرة خارقة ونافذة وحكيمة وهي قدرة الإله سبحانه وهي ليست كقدرة البشر مطلقا في أحكامهم الوضعية !!
فالدين جاء للتيسير وكما قيل الدين يسر وليس اليسر ديناً ؟ والدين اعتدال - فكرا وسلوكا - وليس الغلو دينا ؟؟! وفي الحديث : ( ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه ) غلبه بماذا ؟؟ بسماحته واعتداله وشموليته ووسطيته وفي الحديث : ( إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق ) .

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد

الآمر المناوب / فرع جازان
إدريس بن أبكر مجرشي