المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الإنابه في الطلاق


ابو الحربي
2011-02-07, 02:14 PM
الفَصل الرَّابع
الإنابة في الطلاق:
وهذه الإنابة نوعان:
توكيل: وهو أن يقيم الزوج غيره مقام نفسه في تطليق امرأته وهو لا يكون إلا لأجنبي سواء صدر بلفظ الوكالة أو غيرها كطلق امرأتي، لأن المرأة لا تكون وكيلة في تطليق نفسها حيث إن الوكيل يعمل للغير، أما المرأة التي تطلق نفسها فهي عاملة لنفسها، فتوكيلها يكون تفويضاً لها أي تمليكها الطلاق.
وتفويض: وهو تمليك الغير الطلاق، وهو يكون للزوجة بأي لفظ يفيده ولو كان بلفظ الوكالة، ويكون للأجنبي إذا علق إنابته على مشيئة ذلك الغير كقوله له: طلق امرأتي إن شئت.
ومن هنا عرف فقهاء الحنفية تفويض الطلاق: بأنه تمليك الزوج زوجته حق تطليق نفسها أو تمليك غيرها هذا الحق بلفظ يفيده كما إذا علقه على مشيئته.
والفرق بين التفويض والتوكيل يظهر في أمور:
1- أن الزوج المفوض لا يملك الرجوع بعد التفويض، لأن تفويض الطلاق في معنى إنشاء طلاق معلق على إرادة المفوض إليه واختياره، والمعلق من الطلاق كالمنجز لا يجوز الرجوع عنه، فلو قال الزوج بعد التفويض: قد رجعت أو عزلتك لا يكون مانعاً للمفوض إليه من إيقاع الطلاق، أما الموكل فيملك الرجوع وعزل الوكيل بالقول قبل أن يوقع الطلاق، وكذلك بالفعل بأن يخالط امرأته مخالطة جنسية، فإذا قال أو فعل ذلك بطل التوكيل.
2- أن التفويض لا يبطل بجنون الزوج بخلاف التوكيل فإنه يبطل به حيث أن الوكيل يعمل لموكله ويتصرف فيما يملكه، فإذا بطلت أهلية الموكل بطلت تصرفاته، فلم يبق للوكيل سلطان يتصرف به.
3- أن التفويض يتقيد بالمجلس إذا كان مطلقاً عن التقييد بوقت معين أو بعمومه في جميع الأوقات فإذا انتهى المجلس دون إيقاع الطلاق من المفوض إليه بطل التفويض، بخلاف التوكيل فإنه لا يتقيد بالمجلس، فله أن يطلق في المجلس وبعده إلى أن يعزله الموكل إلا إذا قيده به.
4- إن التفويض يتم بعبارة المفوض ولا يحتاج إلى قبول من المفوض إليه، أما التوكيل فلا بد لتمامه من القبول من الوكيل.
ومن هنا قالوا: إن المفوض يعمل بمشيئة نفسه وعلى حسب اختياره لأنه يملك ما فوض فيه وله الخيار في الفعل وعدمه، والوكيل يعمل بمشيئة الموكل وعلى حسب ما يراه موكله فهو مكلف أن يفعل ما وكل به وليس له اختيار أن يفعل وأن لا يفعل بعد قبوله الوكالة، وهو لا يكون ممتثلاً إلا إذا فعل ما وكل به.
والملكية التي يفيدها التفويض ليست ملكية خالصة تنقل الحق من مالك إلى آخر، لأنها لا تسلب الزوج حقه في التطليق، بل لا تزال ملكيته قائمة بعد التفويض لأن ملك الطلاق حكم من أحكام الزواج وهو قائم فيبقى حقه في الطلاق قائماً، فله بعد أن يفوض الطلاق إلى غيره أن يطلق زوجته فهو ليس تمليكاً محضاً كسائر التمليكات الأخرى بل لا يزال فيه شبه بالتوكيل، ولو قلنا إنه وسط بين التمليك والتوكيل أو أنه خليط منهما لما بعدنا عن الحقيقة.
صيغة التفويض:
أكثر ما يكون التفويض للمرأة، وهو تمليك لها سواء كان بلفظ الوكالة أو بغيره.
وصيغة التفويض إما أن تصدر مطلقة عن التقييد أو مقيدة بوقت معين، كطلقي نفسك في مدة شهر من الآن، أو مقترنة بما يفيد التعميم. كطلقي نفسك متى شئت، فإن كان مقيداً بوقت تقيد به، فإذا مضى الوقت بطل التفويض فلا تملك تطليق نفسها بعد ذلك الوقت حتى ولو فوض إليها وكانت غائبة ولم تعلم بالتفويض إلا بعد انتهاء مدته، وإن كان مقيداً بما يفيد الدوام ثبت على الدوام. فلها أن تطلق نفسها في أي وقت ما دامت الزوجية قائمة ما لم ترده، وإن كان مطلقاً عن التقييد بشيء منهما تقيد حقها بالمجلس إذا كانت حاضرة، وبمجلس علمها به إذا كانت غائبة، فإذا انتهى المجلس انتهت معه ملكية المفوض إليه حق الطلاق، وكذلك بردها إياه وإعراضها عنه، لأن التفويض تمليك، والتمليك يقتضي جواباً في المجلس كما في عقد الزواج، ولأن المأثور عن الصحابة أنهم جعلوا الخيار للمخيرة مدة مجلسها ينتهي بانتهائه.
وقت التفويض:
التفويض قد يكون بعد تمام عقد الزواج، وهذا صحيح إذا وقع ترتبت عليه آثاره بلا خلاف، وقد يكون قبل العقد أو مقارناً له.
فإذا كان قبل العقد، كأن يقول الرجل للمرأة: إن تزوجتك فأمرك بيدك تطلقين نفسك متى شئت ثم تزوجها، كان لها حق تطليق نفسها متى شاءت عند الحنفية، لأنهم يجوزون تعليق الطلاق على الزواج، وهذا التفويض تعليق للطلاق على الزواج ومشيئتها الطلاق حيث لا فرق بين قول الرجل إن تزوجتك فأنت طالق وقوله: إن تزوجتك فأنت طالق إن شئت.
وإذا كان مقارناً للعقد صح إذا صدر إيجاب عقد الزواج من المرأة مشروطاً بتفويض الطلاق إليها وقبل الزوج ذلك، كأن تقول المرأة للرجل: تزوجتك على أن أطلق نفسي متى شئت فيجيبها بقوله قبلت، فيصبح العقد ويكون لها حق تطليق نفسها متى شاءت، أما إذا بدأ الرجل بالإيجاب مشروطاً بتفويض الطلاق إلى المرأة. كأن يقول لها: تزوجتك على أن تطلقي نفسك متى شئت، وتقول له قبلت. فإنه يصح العقد ويبطل التفويض، لأنه فوض إليها الطلاق قبل أن يتم العقد فيكون قد ملكها طلاقاً لم يملكه بعد، بخلاف الصورة الأولى فإن قبول الرجل كان للزواج أولاً ثم للشرط المتضمن للتفويض ثانياً، فكان التفويض واقعاً بعد تمام العقد وبتمام العقد يملك الطلاق فيقع تمليكه لها صحيحاً.
ألفاظ التفويض:
عدَّ الحنفية للتفويض إذا كان للزوجة ألفاظاً ثلاثة : طلقي نفسك وأمرك بيدك واختاري، وهذه الألفاظ منها الصريح وهو اللفظ الأول، والكناية وهي الثاني والثالث. والصريح لا يحتاج إلى نية لا من الزوج ولا من الزوجة عند إيقاعها الطلاق، وأما الكناية فلا يثبت بها التفويض إلا مع النية أو ما يقوم مقامها من القرائن أو دلالة الحال، وكذلك لا يقع بها الطلاق من المفوض إليه إلا بالنية أو ما يقوم مقامها، لأن الطلاق الذي يصدر من الزوجة بمقتضى التفويض يقع به ما يوقعه الزوج، لأنه ملكها ما يملكه باللفظ الذي أصدر منه لها.
ولهذا قرروا أنه يقع بالصريح طلقة واحدة رجعية إلا إذا كان قبل الدخول وكان التفويض في مقابلة مال فإنه يقع بائناً وإن كان مكملاً للثلاث وقعت به بينونة كبرى.
ويقع بالكناية طلاقاً بائناً لأنه لا يتم لها اختيارها لنفسها أو يكون أمرها بيدها إلا بالبينونة، وإذا نوى به الثلاث وقع إذا كان بلفظ أمرك بيدك، أما في اختياري فلا تصح نية الثلاث غير أنه يشترط في إيقاع الطلاق بلفظ اختاري أن يذكر الزوج أو المرأة أحد لفظين إما النفس أو الاختيارة بأن يقول لها الزوج: اختاري نفسك أو يقول لها: اختاري فتقول: اخترت اختيارة، لأن ذكر اختيارة يقوم مقام ذكر النفس، وكذلك لو قالت اخترت أبي أو أمي أو أهلي فإنه يقوم مقام النفس فيقع به البائن، أما إذا قال لها اختاري فقالت اخترت لا يقع به شيء.
ما يملكه المفوض إليه بالتفويض:
وليس لها أن تطلق نفسها بالتفويض إلا مرة واحدة إلا إذا صدر التفويض بصيغة تدل على التكرار، كأن يقول لها: طلقي نفسك كلما شئت، أو قال لآخر طلق زوجتي كلما شئت.