بحث في ( تأثير الوراثة والبيئة في السلوك)

[مجموعة آل سهيل الدعوية]

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة:
إن لكل إنسان مجتمع محيط به مرتبط به بصلات مختلفة ويتأثر به بأشكال متعددة فالإنسان يتأثر سلوكه بصفة خاصة والكائنات الحية بصورة عامة وبالعديد من العوامل وذلك من خلال خبراتهم الشخصية وملاحظاتهم اليومية ولذلك ظهرت تلك الملاحظات كقواعد تراثية فولكلورية رسخت قي الذهن العام لدى المجتمعات وأبحت أمثال من أمثلة ذلك في الجانب الوراثي : مثل ابن الوزّ عوام وفي الجانب البيئي : و ينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه ولكن العلماء والباحثين قد ذهبوا إلى أشواط بعيدة في دراسة كل من الوراثة والبيئة على السلوك بحيث توصلوا إلى نتائج دقيقة في تأثير تلك العوامل على السلوك ونموه وقد ترتب عليها تطبيقات مختلفة .

[مجموعة آل سهيل الدعوية]

بداية البحث في: ( تأثير الوراثة والبيئة في السلوك)
علينا أن نذكر الحديث الشريف الذي يقرر لنا إمكانية تأثير العوامل في السلوك ويدلنا على مواجهة التأثير والتغيير في العوامل واختيار أفضل الخيارات فعن أبي هريرة أنه كان يقول: قال رسول الله عليه السلام "ما من مولود إلا ويولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه و يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء"ثم يقول أبو هريرة وأقرؤوا إن شئتم (فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله) " سورة الروم ..متفق عليه
وقد صنف الباحثون في علم النفس كل ما تعرّفوا عليه من العوامل إلى :مجموعة العوامل الوراثية ومجموعة العوامل البيئية .

[مجموعة آل سهيل الدعوية]

العوامل الوراثية

العوامل الوراثية تشير إلى الصفات والخصائص التي تنتقل للإنسان من والديه بصورة مباشرة عن طريق الآليات الوراثية ومع أن كلا من هو نسخة فريدة يمتلك لجينوم وراثي خاص إلا أن ذلك اللجينوم الذي يتكون من (46) كرموسوم قد ورثنا نصفه من آبائنا ونصفه من أمهاتنا في تكوين أول خلية جنينية (النطفة الأمشاج) عند بداية تكويننا .
والجينوم الذي ورثناه من آبائنا يمثل مجموع المادة الوراثية التي ستحتويها خلايانا وهي تتضمن كل المورثات (الجينات)
وهي تمثل الأساس الحيوي لكل صفاتنا وخصائصنا التي نرثها من آبائنا وأمهاتنا .
وقد سعى كثير من الباحثين لدراسة علاقة العوامل الوراثية بالسلوك وبصورة خاصة دراسة العوامل المرتبطة بالشخصية والذكاء .
وإنه لا يمكن الاعتماد عليها كدراسات سببية ولكن في بعض الحالات قد توصل الباحثون إلى الكشف عن العلاقة المباشرة بين بعض المكونات الوراثية والتغيرات النفسية والشخصية والجسمية .
ومن أمثلة ذلك ما يلي :

1/زيادة عدد الكروموسومات لدى بعض الأطفال بدلاً من أن تكون 46 كروموسوما تصبح 47 كروموسوم والنتيجة المرتبطة بهذا الخلل هو ميلاد طفل مصاب بمتلازمة داون وهذا الطفل يتميز بصفات سلوكية كثيرة من أبرزها ,التخلف العقلي .
2/زيادة الكروموسوم (x)عند الذكر فبدلا من أن يكون نمطه الوراثي للكروموسومات الجنسية xy)) يصبح((xxy
وهذه تسمى بمتلازمة كلاينفلتر ويتميز هؤلاء الأطفال بأنهم من جنس الذكور ولكن خصائص الذكورة لديهم ناقصة وأيضاً عدم قدرتهم على الإنجاب ووجود بعض السمات الانفعالية المتمثلة في الخجل وانخفاض تقدير الذات وضعف بعض القدرات العقلية فيما يتعلق بالذكاء الفظي والقدرات اللغوية .

[مجموعة آل سهيل الدعوية]

العوامل البيئية

البيئة تتمثل في جميع العوامل المحيطة بالفرد منذ بداية تكوينه إلى آخر حياته وبعبارة أبسط البيئة تمثل جميع القوى الغير وراثية سواء كانت تلك القوى عوامل داخلية أو خارجية مادية أو اجتماعية قبل الولادة أو بعدها
مفهوم البيئة مفهوم عام يتضمن الآتي :

1/ يمثل التكوين الداخلي للفرد بيئة داخلية وتشمل هذه البيئة الداخلية العمليات الكيميائية و الفسيولوجية للجسم والأجهزة الجسمية المختلفة والتي تؤثر في السلوك الإنساني من الداخل.
2/تمثل الأسرة عاملا بيئيا أساسيا يؤثر في الأفراد أهمها التنشئة الاجتماعية
3/وتمثل المدارس والمؤسسات التعليمية عاملا بيئيا عن طريق التعليم والتعلم .
4/ يمثل المجتمع عاملا بيئياً يؤثر في التنشئة الاجتماعية والتقاليد واللغة .
5/ يمثل الجانب الثقافي والطبيعي للمحيط الذي يعيش فيه الفرد بيئة خارجية تؤثر في السلوك والشخصية بصور مختلفة وقد أجريت دراسات كثيرة بينت أهمية العوامل البيئية ومن الدراسات المشهورة في هذا الجانب دراسة ليليان بلمونت وفرانسيس مارولا المتعلقة بدراسة نتائج اختبارات الذكاء وظهر المولود الأول في الأسرة يحصل على درجات مرتفعة في درجة اختبار الذكاء وذلك بالنسبة للأطفال اللذين كان ترتيبهم في الأسر ذاتها وقد اتضح أن نسبة الذكاء تنخفض بعلاقتها في رتبة الميلاد في الأسرة وقد تم التوصل على نتائج مشابهة في دراسة أجريت في أمريكا وقد فسرت هذه النتائج ضوء ما يعطيه الآباء من وقت واهتمام بالطفل الأوّل وهذا في الأسر التي لا تعرف العدل بين الأبناء وهذا يدل على أهمية العوامل البيئية .
وهناك نتائج تتعلق بتفوق الطلاب في بعض المدارس على غيرهم في التحصيل الدراسي على الرغم من تماثلهم في قدراتهم العقلية .

[مجموعة آل سهيل الدعوية]

العلاقة بين الوراثة والبيئة :

إن تحديد دور كلا منهما في السلوك عن طريق التوزيع النسبي هو تصوّر لا يقوم على أساس علمي سليم .
2/ إن المفهوم العلمي الحديث عن الوراثة لا يقوم على أساس افتراض وجود تكوينات غيبية تُحدث تأثيرها في النمو بشكل مستقل تماماً عن البيئة وبذلك أصبحت النظرة الحديثة إلى الوراثة على أنّها تركيبات كيميائية بيولوجية تعمل في وسط بيئي معين.
3/ إن تأثير العوامل الوراثية والعوامل البيئية يختلفان باختلاف جوانب شخصية الإنسان فالجانب الجسمي والذكاء والقدرات أكثر تأثراً بالوراثة من الجانب الانفعالي والخُلقي.
4/ الوراثة تضع الإطار العام الذي يمكن أن تظهر الصفة في ضوءه, ولا يمكن أن تتجاوزه, ولذلك لو وجدنا شخصاً ذا ذكاءٍ منخفض فلا يعني هذا أنه بالضرورة قد ورث هذا المستوى وإنما هناك احتمال أن ذكاءه الموروث أعلى من هذا المستوى ولكن البيئة التي عاش فيها لم تنمي لديه ذلك الذكاء حتى يصل إلى المستويات العليا .
5/ العوامل البيئية يمكن أن تخفف من الآثار السالبة الحادة للعوامل الوراثية فعلى ذلك أن المصابين بمتلازمة داون "الأطفال المنغوليين"" يشتركون جميعهم في حدوث خلل وراثي ونسبة لأنهم يعيشون في بيئات مختلفة فإن بعض أولئك الأطفال يُصابون بنوبات عقلية خطيرة وبعضهم يكون هادئا وديعاً والسبب في ذلك الرعاية المتكاملة التي قد تكون توفرت لديه خلافاً للنوع الأول.
6/لقد لاحظ بعض الباحثين أن البيئة تحدث أثراً في الذكاء يتناسب مع ما هو موروث وبعبارةٍ أخرى فإن الأطفال الذين يبدؤون بنسبة ذكاء أعلى يستطيعون أن يستجيبوا لتحسّن الظروف البيئية بتحسن في الأداء أوسع مدى مما يحدث للأطفال الأقل ذكاء.

[مجموعة آل سهيل الدعوية]

وقد ألفينا هذا البحث ببحث آخر لعزو بحثنا السابق بما يضفي عليه إثراء رائعا يدعمه ويُنمي نواحيه العلمية ليزداد تألقا وبهاء وإليكم مادته:

[مجموعة آل سهيل الدعوية]

*علم النفس البيئي:

من أحدث العلوم المأخوذة بها منذ سنة 1970، ولكن كان هناك بعض المقدمات الأخرى مثل كتاب علم النفس السيكولوجي عام 1968 Ecological Psychology"". بالإضافة إلى مجموعة من المسببات التي ساعدت على ظهور علم النفس البيئي وزادت هذه العوامل في الآونة الأخيرة نتيجة المشكلات مثل:

1- تعاظم مشكلات البيئة في المجتمع النامي.
2- زيادة الجدل حول دور كلاً من الوراثة والبيئة في صناعة السلوك الإنساني – وهذا نتيجة تفاعل العوامل المختلفة ودور كلا من هذه العوامل في التفاعل مثل ارتفاع نسبة التخلف العقلي في المناطق الملوثة, وهل التخلف العقلي نتيجة الوراثة أم نتيجة الوراثة في هذه المناطق؟
3- ظهور بعض الدراسات التي حاولت الربط بين البيئة الفيزيقية "المادية" وبعض المتغيرات النفسية مع منتصف الخمسينات ولكن لم تقنن إلا في السبعينات وعلى سبيل المثال فإن الأحياء الفقيرة أو المتخلفة هي مسرح للجريمة والتخلف، وعليه في أحد تعريفات علم النفس البيئي هو العلم الذي يدرس العلاقة بين البيئة المادية الفيزيقية والسلوك الإنساني.
4- فشل الرؤى الأحادية في معالجة مشكلات البيئة/السلوك مما اضطر العلماء إلى الأخذ بالرؤية المنظومة مثل العامل الاقتصادي فقط لإنشاء مصنع (والمنظومة هي تداخل التخصصات المختلفة فيما بينها) أما علم النفس الاجتماعي فهو يتمثل في البيئة الاجتماعية وعلاقتها مع السلوك الإنساني.

[مجموعة آل سهيل الدعوية]

* علم النفس البيئي:

هو عبارة عن مجموعة من الفلسفات التي تدرس من أجل تحقيق الراحة النفسية وتحسين البيئات القائمة ولا يتجاهل الأهداف الأكاديمية، وكانت بداية ظهوره بهدف:
1- التخلص من المصطلحات التي أخذ بها علم النفس الاجتماعي.
2- لدراسة العلاقة بين البيئة والسلوك التي أخذت في علم النفس البيئي كوحدة واحدة.

[مجموعة آل سهيل الدعوية]

- مجالاته:

- ينقسم إلى ثلاثة مجالات أساسية:
1- مجالات ذات طابع تنموي.
2- مجالات تهتم بدراسة المشكلات البيئية وتشخيصها.
3- مجالات تهتم بتعديل السلوك من أجل البيئة.

[مجموعة آل سهيل الدعوية]

* أولا مجالات ذات طابع تنموي:

تهدف إلى تصميم بيئة ذات خصائص نفسية جيدة للأفراد مثل (تصميم فصول جيدة/ غرف في المستشفيات) وتأخذ في الاعتبار الأسس النفسية للتصميم البيئي أو المعماري المستخدم على نحو خاص:
- اعتبارات عامة مثل/ الخصوصية – الحيز الشخصي المناسب (الحد الأمثل متر مربع لكل طفل في الفصل الدراسي, حيث أنه في حالة المساحات الضيقة يكون هناك ردود فعل عدوانية) – الألوان – الضوء – وحجم وأشكال النوافذ .
- اعتبارات خاصة/ اختلاف البيئة فالفصل الدراسي لا يصمم كالغرفة الخاصة بالمريض في المستشفيات.

[مجموعة آل سهيل الدعوية]

* ثانيا مجالات تهتم بدراسة وتشخيص المشكلات البيئية:
1-
هناك تأثير نفسي لكل ملوث، فعلى سبيل المثال نستطيع التعرف بسهولة على تأثير الرصاص على الجوانب العقلية ... وهكذا.
2- نسبة التركيز أمر حساس ومهم جداً في تأثير الملوثات على المتغيرات النفسية للفرد.
3- مدة التعرض هامة جداً لتشخيص المشكلات.
4- الخصائص الاجتماعية للفرد إحدى العوامل المهمة في التأثير على سبيل المثال: تقل مقاومة كلاً من ملوثات الأطفال أكثر من الكبار, المرضى أكثر من الأصحاء, والفقراء أكثر من الأغنياء, والنساء أكثر من الرجال.
5- الضوضاء والسلوك, مشكلة الضوضاء الأساسية هي درجة إدراك الفرد للضوضاء فمثلا الاحتفال بمناسبة ما يعد ضوضاء مرغوبة والعكس، وفى حالة التعرض المستمر/ لدرجة تزيد عن 65 ديسيبل في البيئة الأولية تكون هناك نتائج عكسية وأيضاً يكون السؤال في أي بيئة توجد الضوضاء؟
- البيئة الأولية, ويقصد بها بيئة العمل والسكن.
- البيئة الثانوية, الشارع أو أي مكان مؤقت يوجد به الإنسان.
- ماهية الضوضاء: هي مجموعة من الأصوات العشوائية المستمرة غير المرغوب فيها.
التواتر في علم النفس- : يعنى أن تأثير المؤثر يتكرر ويستمر لفترة طويلة. والتواتر يعتبر الأساس في تشخيص الظواهر النفسية المختلفة, وكان التواتر هو أهم المشكلات التي واجهت علم النفس التجريبي حيث تتعرض العينة محل الاختبار لفترة قصيرة للمؤثر (يوم في الشهر أو شهر أو أسبوع في السنة).

6- مشكلة الازدحام والسلوك, الكثافة السكانية تأخذ في الاعتبار عند تفسير سلوك الإنسان فالازدحام في مراحل العمر الأولى (المدرسة) أكثر تأثيراً أو نأخذ في الاعتبار الحالة الاجتماعية والاقتصادية وعلاقتها بالكثافة السكانية في مكان ما.
7- الكوارث الطبيعية كانت أم صناعية وتأثير هذه الكوارث. وتجرى التجارب على الأفراد الناجين من هذه الكوارث لمعرفة تأثير ذلك عليهم وتضاف حوادث الطرق وعلى العموم الدراسات في هذا الاتجاه تعتبر قليلة نسبياً.

[مجموعة آل سهيل الدعوية]

* ثالثا تعديل السلوك لأجل البيئة:

في هذا المجال الدراسات قليلة للغاية لأنها تأخذ وقت طويل في التنفيذ ولهذا فهي كما أسلفنا الذكر قليلة. ويوضع في هذا المجال المحددات الأساسية للسلوك:
1- التربية البيئية هي الأساس في تعديل السلوك وتقر المعلومات لتعديل السلوك البيئي.
2- توجيه رسائل عن طريق الإعلانات المختلفة لمواجهة المشكلات البيئية.
3- التدعيم الإيجابي والسلبي, أو الإثابة والعقاب في حالة توافر الاستجابة الإيجابية لدرجة معينة يحصل الإنسان على حوافز معينة. وعلى الرغم من ذلك فإن التدعيم الإيجابي في مجال البيئة يتكلف الكثير بالإضافة إلى أنه تدعيم وقتي

[مجموعة آل سهيل الدعوية]

الخاتمة:

نستنج أن للوراثة والبيئة تأثير كبير على سلوك الكائن الحي وعلى نفسيّته , ويتراوح هذا التأثير بشكلٍ نسبي بحسب العوامل المُحيطة بالكائن الحي , وأرى أنّه يُمكن لمن سدّده الله التغلّب على النِسب الدُنيا , إذا فَقِه ذاتَهُ بشكلٍ كبير , وسعى لتطويرها والسُموِّ بِها , والبحث عن سُبل التأثير المُوجَب عليها, لبلوغ النِسَب القصوى الإيجابية , وأقول: أن التغيير يبدأ من النفس , بعدَ توفيق الله ,قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ (الرعد: من الآية 11) ,والله جلَّ وعلا يجعل من وفّقه أن يتغلّب على العوامل السلبية بإذن الله , أمّا أن يُريد الإنسان أن يُغيّر البيئة بأكملها, وأن يصلَ إلى أقصى الدرجات الإيجابية من جيناته الوراثية,دونَ البدء بنفسه وعقد العزيمة على ذلك بعد اللجوء إلى الله , فهذا مُحال.

تم بحمدِ الله.
إعداد وفكرة / سهيل بن عمر عبدالله سهيل الشريف