المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : البحث الأدبي واللغوي


rahaal
2017-05-06, 12:14 PM
لقد لاحظت بعض الأصدقاء يبحثون عن المنهج الأدبي واللغوي في مادة اللغة العربيـة , ونحن كأهل لهذه اللغـة العزيزة على قولبنا جميعا ؛ لأنها لغة القرآن الكريم ولغة أهل الجنـة فقد قررت أن أقوم بمجموعة من المخلصات في هذا الموضوع لعلها تفيد كل /ن يبحث عن ذلك الشيء وأسأل الرب جل علاه أن يجعلها في موازين حسناتي يقو القيامـة وكذلك كل من سعى في نشرهـا أو حاول جهدا في ذلك أو أرشد إليها ليستفيد منها طالب العلم .
مصطلحات :
"لسان العرب": "طريق نهج": بَيِّن واضح، ومنهجُ الطريق: وَضَحُه، والمنهاج كالمنهج، وفي التنزيل: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾

وفي رأيي أنها الطرق الواضحة التي يسلكها الدارسون في دراستهم
وهو كذلك التنظيمُ الصحيح لسلسلة من الأفكار العديدة إمَّا من أجْل الكشف عن حقيقة مجهولة لدينا، أو مِن أجْل البرهنة على حقيقةٍ لا يعرفها الآخرون".

منهجية البحث :
إتباع مجموعة من المعايير والتقنيات والوسائل قَبْل البحث، وفي أثنائه"، ولمزيد من التوضيح والدلالة على الفَرْق بين المنهج والمنهجية، نورد هنا ما ذَكَره د. إميل يعقوب بقوله: "ونميل إلى التمييز بين المنهج والمنهجية"؛ استنادًا إلى الاعتبارات :
1 - إّنَّ"المناهج" وصْف لأعمال العلماء المتقدِّمين، وطرائق بحوثهم وأساليبهم، ومصطلحاتهم في العلوم، والبحْث العلمي سابقة للمناهج، أما "المنهجيَّة" فمجموعةُ معايير وتقنيات ووسائل يجب اتِّباعها قبلَ البحث وفي أثنائه.

2 - أنَّ المنهجية، كالمنهج، وصفيَّة؛ لأنَّها تبيِّن كيف يقوم الباحثون بأبحاثهم، لكنَّها تختلف عنه في أنها معيارية في الوقت نفسه؛ لأنَّها تقدِّم للباحث مجموعةَ الوسائل والتقنيات الواجب إتباعها.
3 - أنَّ مناهِجَ الدِّراسة تختلف من علم إلى آخَرَ، فللأدب مناهجه، وكذلك للغة، وللتاريخ، والبيولوجيا، والرِّياضيات، أما المنهجية فواحدة عمومًا.

4 - . أنَّ المناهج تُطرْح عادة للنقد والتقويم، فيفصل ما لها وما عليها، وأيها أوْلى بالإتباع، وما المنهج المناسب من الدِّراسات، أما المنهجية، فمعاييرُ وتقنياتٌ يجب التزامها لتوفير الجهد، وعدم إضاعة الوقت، وتسديد الخُطى على الطريق العلمي الصحيح.

5 - أنَّ المناهج مرتبطة بالمنطق وطرق الاستدلال والاستنتاج، ولذلك فهي تتطوَّر وتتعدَّل من حين لآخر، أما المنهجية فأضحتْ - عمومًا - جملة قواعد ثابتة .




البحث :
في اللغة: الحفر والتنقيب، ومنه قول - الله تعالى -: ﴿فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ﴾
ويأتي بمعنى الاجتهاد وبذل الجَهْد في موضوعٍ ما، وجمع المسائل التي تتصل به، ومنه سميت سورة (براءة) بالبحوث؛ لأنَّها بَحثتْ عن المنافقين وكَشَفتْ ما يدور في قلوبهم.
أما في الاصطلاح: فهناك تعريفات كثيرة تدور بعضُها حول كونه وسيلةً للاستعلام والاستقصاء المنظَّم، الذي يقوم به الباحث بغَرَض اكتشاف معلوماتٍ جديدة، أو تطوير وتصحيح، أو تحقيق معلوماتٍ موجودة بالفعل، ومن بيْن هذه التعريفات:

إنه: تقرير وافٍ يقدِّمه باحث عن عمل تَعهَّده وأتمَّه، على أن يشملَ التقرير كلَّ مراحل الدراسة، منذ كانت فكرة حتى صارتْ نتائجَ مدوَّنة، مرئية مؤيَّدة بالحُجج والأسانيد



استقصاء دقيق يهدف إلى اكتشاف حقائقَ وقواعدَ عامة يمكن التحقيق منها مستقبلاً.
أو هو: الوقوف على مفهومه، والتعرُّف على جوانبه المختلفة إذا نقب فيه، وفحصتْ أجزاؤه ينتهي فيه الباحثُ إلى حقيقة، ويوضح جوهره

و هو: وسيلةٌ للدِّراسة يمكن بواسطتها الوصول إلى حلٍّ لمشكلة محدودة، وذلك عن طريق التقصي الشامل والدقيق لجميع الشواهد والأدلَّة، التي يمكن التحققُ منها، والتي تتصل بهذه المشكلة المحدَّدة

** من التعريفات الأخرى :
1 - مقالة مطوَّلة واسعة، نطلق عليها كُتيبًا، كان القدماء يُطلقون عليها اسمَ رسالة أو محاضرة.
2. أو كتابًا مختلف الحَجْم، وغالبًا ما يبدأ الكتاب بصفحات تقارِب المائة، وتزداد صفحاتُه حتى تبلغ المئات، فإن زادتْ زيادةً مسرفة، قسِّم الكتاب أجزاءً، حسب موضوعاته وأبوابه الكبرى.
3. رسالة جامعيَّة يتقدَّم بها الباحث لنيل درجة علمية، ويَقْصُر بعض العلماء البحثَ على ما هو دون الرِّسالة والكتاب من المقالات العلميَّة المطوَّلة أو الموجزة، فلا يطلقون على الكتاب ولا على الرسالة الجامعية اسمَ بحث.


إذا كان الغرض من البحْث مختلفًا، فإنَّ جوهره يتمثَّل في إثارة مشكلة من مشكلات العِلم - كما أسلفْنا - وعَرْضها عرضًا جيدًا، وبيان وجهة حلٍّ هذه المشكلة.


لعلمي:
نسبة إلى العِلْم، وهو المعرفة المنظِّمة، التي تتصف بالصحَّة والصِّدْق والثبات.

والفَرْق بين العلم والمعرفة: أنَّ المعرفة مجموعة من المفاهيم والآراء، والتصورات الفكرية، التي تتكوَّن لدى الفرْد كنتيجة لخبراته في فَهْم الظواهر والأشياء المحيطة به[


ما العلم، فهو أسلوب تحقيقِ هذه المعارف، وتمحيص الحقِّ من الباطل، ومعنى ذلك: أنَّه ليستْ كل معرفة تعدُّ معرفة علمية، وليستْ جميع أنواع المعارف على مستوى واحد، وإنما تختلف لاختلاف ما تتمتَّع به من دِقَّة، ودقَّة المعرفة تنبعث من مدى ما تتميَّز به من أساليب التفكير، وقواعد المنهج التي أتبعت في الوصول إليها، وعلى هذا فالمعرفةُ هي مجرَّد المعلومات التي تصل إلى الإنسان دون تمحيص، أو تدليل وبرهنة.

أما العلم: فهو المعرفة المنظِّمة المصاغة بشكل قواعدَ وقوانين تَمَّ التوصل إليها بواسطة الأسلوب العلمي السليم الذي يجعل الإنسان على يقين مِن مدى صِدْق معارفه[

ملاحظة :
إنَّ العلم يعتمد في أكثر ما يعتمد على العقل، الذي يلاحظ الظاهرة، ثم يدرسها ويُخضِعها للتجارِب، ويرصدها بدقَّة؛ ليصل إلى النتائج التي تتاح له من دراسة المقدمات على قدر ما توفَّر للعالِم من بيئته ومن علمه، وَسَعة أفقه، ودراية بما توصَّل إليه الآخرون في مجاله من دلائل وبراهين، أما الأدب فأكثر ما يعتمد على العاطفة والخيال، والانفعالات والمثيرات، بما يُحتِّم على كل من العلم والأدب أن يكون لهما اللغة التي تترجم عنه، والوسيلة التي بها يُعبَّر عنه،

والذي نريده في موضوعنا هذا هو البحث الأدبي :
وهناك مناهج للدراسات الأدبية في كل أدب من الآداب العالمية ولكنني سوف أورد ما أورده الدكتور شكري فيصل ولخصها الدكتور إميل يعقوب بقوله :
المنهج التاريخي:
يقوم هذا المنهج على قِسمةِ الأدب العربي إلى عصوره السَّبْعة قسمةً متطابقة مع العصور السياسيَّة؛ لِمَا بين الأدب والسياسة من تأثير متبادَل، وصِلات قوية، خاصة في الأدب العربي، لكن الأدب لا يخضع لتقلُّب الحكم المفاجئ، بل يتطلب وقتًا طويلاً لتخمُّره وتغييره، وليس هناك فاصلٌ محسوس قائم بين أدب وأدب، أو بيْن عصر وعصر، وهذا المنهج يهمل أثرَ الأدب في السياسة، وأثرَ البيئة الجغرافية والنوازع الفرديَّة، والصِّفات النفسيَّة في الأدب نفسِه.

2. منهج الفنون الأدبية:
يقوم على دراسة الأدب العربي دراسةً تعتمد على تصنيف نتاجه في فنون، أو أنواع أدبية، وعلى تتبُّع هذه الأنواع والفنون عبر الزمن لمعرفة تطوُّرِها، وأثر العوامل الإقليميَّة فيها، وتأثر اللاحق بالسابق من الأدباء، والموازنة بيْن هؤلاء وبيْن أساليبهم، ولكن هذا المنهج يُهْمِل صاحبَ النص الأدبي، مجتزئًا نتاجه إلى الفنون الأدبية المختلفة، كما يصعُب تطبيقُه على القصيدة العربية التي لم تعرفْ وحدةَ الموضوع - كما هي عند بعض النُّقَّاد - بل تعتمد وحدة البيت.

3. منهج الجنس
"يدعو هذا المنهج إلى دراسة الأدب تبعًا لأجناس الأدباء، وهذا المنهج غيرُ صالح لدِراسة الأدب في المجتمع العربي القائم على خليط الأجناس المختلِفة - كما يُشير صاحبُ مناهج الدراسة الأدبية في نقْد هذا المنهج -: فمِن التعسُّف تصنيفُ أدباء العربية حسب جنسهم (عرب، وفرس، روم)؛ نظرًا لامتزاج الدِّماء، واختلاط الثقافات، والوحْدة المادية والثقافية والعضوية، التي خَلَقها الإسلام في المجتمع العربي".

4. المنهج الثقافي:
"يدرس الأدب تبعًا للثقافات التي غلبتْ على الأدباء، فيدرس أدب الثقافة الفارسيَّة، وأدب الذين اغتذوا منها، وأدب الثقافة العربية، وأدب الذين تغذوا بها، وأدب الثقافة اليونانيَّة، وأدب الذين تمثَّلوا هذه الثقافة، وذلك كل على حِدَة، ويُؤْخَذ على هذا المنهج: أنَّه يهتمُّ بالعناصر العقليَّة في الأدب دون عناصره العاطفيَّة، كما أنَّه يُهْمِل العنصرَ الفرديَّ، والناحيةَ النفسية، وليستِ الثقافة وحدَها التي تصوغ الأدب".

5 المنهج الفني:
يَدرس هذا المنهج الخصائصَ الفنية المشتركة بين الأدباء، منتقلاً من النِّطاق العام، جامعًا بيْن الأدب والنقد مِن جهة، وبيْن الأدب والعلم من جهة أخرى، ومصنفًا الأدباءَ حسب خصائصهم الفنية، لا حسبَ التطوُّر الزمانيِّ أو غيره، إلى مدارس واتجاهات تتميَّز كل منها بجُملة خصائص فنية".


6. المنهج الإقليمي:
وبه يدرس الأدب لا حسبَ الأنواعَ الأدبيَّة، أو الأجناس أو الثقافات، أو الخصائص الفنية، بل موزعًا بيْن الأقاليم، فيدرس الأدب العربي مثلاً في مصر، ثم في الشام، ثم في المغرب، ولا شكَّ في أثر البيئة الجغرافية في الأدب والأديب معًا.

لكن هذا المنهج يُؤخَذ عليه أنه يُهمِل العناصر النفسيَّة والذاتيَّة والثقافيَّة، وغيرها من العوامل التي تؤثِّر تأثيرًا فاعلاً في نشأة الأدب وتطوره.

وهناك مناهجُ أخرى عديدةٌ دَعَا إليها أصحابُها من النقَّاد، ويكفي أن نُشير إلى ما ذكره شوقي ضيف مميزًا فيما بينه:
1. المنهج الطبيعي:
وإن كان هذا المنهجُ ينكر التذوقَ الشخصي، وكلَّ ما يتصل بالذَّوْق وأحكامه، فإنَّه يُطبِّق على الأدباء جميعًا قوانينَ واحدة، وذلك كما نطبق قوانينَ الطبيعة على كلِّ العناصر وكل الجزئيَّات وكل الكائنات، مسقطًا كلَّ ما يَمتاز به الأدباءُ من فردية وذاتية، محاولاً جَعْلَهم متطابقين في كلِّ شيء، مقسمًا إيَّاهم في فصائل تتشكل بحسب ما يقع عليها من مؤثِّرات خارجية (الجنس - البيئة - الزمان) كما تتشكل فصائل النبات والحيوان في الطبيعة.

2. المنهج الاجتماعي:
يصل هذا المنهج بيْن دراسة الأدب، والدِّراسات الاجتماعية؛ إذ إنَّ الأدب في حقيقته تعبيرٌ عن المجتمع، ولا يوجد أدب دون مجتمع ينشأ فيه، كما يدرس الظواهرَ الاجتماعية في البيئة التي ينتمي إليها الأديبُ، وطبقته الاجتماعيَّة، وما عاش فيه مِن أوضاع اقتصاديَّة، وأدَّى هذا المنهج إلى ظهور مقياس اجتماعي جديد، هو مقياسُ الالْتزام في الأدب، الذي يُقوِّم الأدب بمقدار التزامه قضايا المجتمع، ودفاعه عن الحقِّ بكلِّ شيء، وتفرَّع عن هذا الاتجاه مذهب (الفن للفن)، الذي يرى أنَّ غاية الفن عامة والأدب بخاصَّة هي ذاته، بغَضِّ النظر عمَّا يطرحه من مسائلَ اجتماعية، أو أخلاقية، أو نحوها.

3. المنهج النفسي:
نشأ هذا المنهجُ مع رؤى "فرويد"، وتطوَّر على أيدي تلامذته، وتقدَّم عِلم النفس، حتى أصبحتْ دراسة الأدب والفن على ضوء علم النفس منهجًا رائجًا لدى الباحثين الغربيِّين، ثم انتقل إلى دراسة الأدب العربي.

وملخص هذا المذهب يتمثَّل في: أنَّ الفن إنما هو تنفيسٌ عن عُقُد جِنسيَّة، أو كَبْت جِنسي، وأنَّه لا بدَّ في دراسة الأدب من دراسة (اللاشعور) الذي ينبع منه الصنيع الفني[17].

وهذا المذهب - كما ترى - مذهب فاسد؛ وذلك لإرجاعه كل المشاكل النفسية إلى الكَبْت الجنسي، والعقد الجنسية، والأمر - بالطبع - ليس كذلك؛ فهناك مشاكلُ نفسيَّة كثيرة لا علاقة لها بالنواحي الجِنسيَّة، بل إنَّ كثيرًا من المنغمسين في الجنس والذين يُشبِعون رغباتهم الجِنسيَّة بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة، مَرْضى نفسيُّون، فكيف تكون كلُّ المشاكل النفسية مرجعها إلى الكبت الجنسي؟!

والذي يظهر: أنَّ صاحب مذهب "فرويد" هو المريض جِنسيًّا ونفسيًّا، فانعكس ذلك على أفكاره ومذهبه في علاج الأمراض النفسية.

4. المنهج الجمالي:
يبحث في إدراكنا الجمالَ ومقاييسه، وأحكامنا عليه، والعِلل التي تُثير فينا الشعورَ بالجمال عندَ هذا الأديب أو ذاك، وطبيعة الإبداع الأدبي، ومصْدر الجمال في هذا الإبداع، وحقيقته ومعاييره وقيمته، وصلته بمُنشِئه، وبالمجتمع وبالواقع.

5. المنهج الذاتي الموضوعي:
يدعو هذا المنهج إلى تذوُّق الآثار الأدبية، ثم إلى تصوُّر ووصف إحساسِنا وانفعالنا بها، ومدى تأثيرها في قلوبنا وعقولنا، وهكذا تستحيلُ دراسة التاريخ الأدبي والآثار الأدبية دراسةً ذاتيه تأثيرية، تعتمد على التذوُّق الشخصي دون الدخولِ في دراسة أحوال المجتمع، أو الوقوف عندَ شخصية الأديب، أو إقحام بحوث علوم الطبيعة، أو علم الاجتماع، أو عِلم النَّفْس، أو الفلسفة الجمالية، والمهم تحليلُ النص تحليلاً لغويًّا، ونحويًّا وبلاغيًّا، قائمًا على التذوُّق الشخصي.

ثم ينتهي كلٌّ من شكري فيصل، وشوقي ضيف إلى دعوة الباحثين الدَّارسين إلى تطبيق منهج يعتمد كلَّ المناهج السابقة، ويفيد منها، ويستضيء بها، وهو (المنهج التكاملي) وقد راج بيْن الدارسين الإشارةُ إلى هذا المذهب في مقدِّمات دراساتهم؛ لنيل درجة الماجستير أو الدكتوراه، والاستعاضة به عن جميع المذاهب التي ذكرْناها من قبل، وإن كان النصُّ على هذا المنهج الدراسي والنقدي لم يعدم مَن تناوله بالتفصيل كصنع الدكتور/ أحمد كمال زكي في كتابه "النقد الأدبي أصوله واتجاهاته".

أهمية البحث وفوائده:
لا شكَّ أنَّ أيَّ تقدُّم في مجالات الحياة مرهونٌ بالبحث الذي يعتمد الفِكرَ والنظر، والتجريب والاستدلال والبرهان، ولقد حثَّنا القرآن الكريم على التفكُّر والتدبُّر، وهُمَا من أسس البحث إذ قال الله - تعالى - في سورة آل عمران: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [آل عمران: 190 - 191]. وقال - تعالى - في سورة محمد: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ [محمد: 244].

كما لَفَت القرآن الكريم الأنظارَ إلى ظواهرَ كونية محسومة نتائجها، على الإنسان أن يبحث في مقدماتها، ويرصدها ويدرسها؛ ليتعرَّف على تراثها وعَظمةِ خالقها، فيزداد يقينًا وإيمانًا به، قال - تعالى - في سورة الرعد: ﴿أَوَلَمْ يَرَوا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا﴾ [الرعد: 41].

وقوله – تعالى -: ﴿وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [النمل: 88]، وغيرها من الآيات الكثيرة الدالَّة على البحْث، والتدبُّر والفَهْم.

وما تقدَّمتِ الحضارة الإسلامية بكلِّ فروعها سابقًا إلا لأنَّ علماءَها قد ساروا على أسس البحث والحَرْث، ومن هنا تبدو لنا أهميةُ البحث وأهدافه في النواحي التالية:[18]
أولاً: أنه قد ساعد على رُقيِّ الأمم وتقدُّمها في وقت قياسي؛ لأنَّ الباحث في هذه الحالة إنما يسير في أبحاثه على الطريقة العِلميَّة، التي تمكِّنه من اختصار الوقت، والوصول إلى النتائج من أقْصر طريق، حتى لا يضلَّ في متاهات العلم وأروقته.

ثانيًا: البحث وسيلةُ الإبداع والابتكار، كما أنَّه وسيلةٌ لكشف الأخطاء الشائعة، الناتجة عن الأبحاث المبتسَرَة وغير المنهجية، فبواسطة هذا العِلم استطاع علماءُ المسلمين - كما أسلفْنا - أن يكتشفوا كثيرًا من النظريات العلميَّة في كل مجالات المعرفة، كما استطاعوا أن يكتشفوا الأخطاءَ التي وقع فيها فلاسفةُ اليونان وعلماؤهم (راجع كتاب "الحيوان" للجاحظ - على سبيل المثال).

كما استطاعَ العلماءُ المُحْدَثون في أوربا أن يُبطلوا كثيرًا من النظريات القديمة في الفَلَك والنجوم والطبيعة، وأن يضعوا بدلاً منها نظرياتٍ جديدةً، ومردُّ ذلك إلى التطور السريع الذي لحق بأساليب البحث، ممَّا حدَا بالدول إلى إنشاء المراكز العلميَّة المتخصصة في البحث الأدبي والعلمي في مختلف الجامعات.

ثالثًا: للبحْث أهميةٌ خاصَّة في المرحلة الجامعية؛ إذ يعد وسيلةً من وسائل التعليم الذاتي، فمِن خلاله يتعرَّف الطالبُ على أسلوب البحث وطريقته، ويتعلَّم كيف يصل إلى المعلومات بنفسه، ويتحقَّق منها، ويصل إلى النتائج المرجُوَّة من عمله، وذلك في حدِّ ذاته ثمرةٌ مهمَّة من ثمار البحث أن يُعدَّ كادر علمي إعدادًا جيدًا، يُؤهَّل للعمل في المضمار ذاته بعد أن يشتدَّ ساعدُه، موجهًا ومعلمًا، وأستاذًا ومرشدًا.

ابعًا: البحْث يمكِّن الإنسانَ من امتلاك مهارات خاصَّة، تجعله قادرًا على العطاء، وعلى إضافة الجديد إلى رصيدِ الفِكْر الإنساني

rahaal
2017-05-06, 12:18 PM
مناهج البحث اللغوي
الهنود:
ظهرت في الهند القديمة دراسات للغة السنسكريتية "لغة الهند الكلاسيكية" على مستوى عال من التنظيم والدقة. ولربما كان الهنود أسبق -حتى من اليونانيين- في هذا الميدان، سواء من ناحية الزمن أو ناحية القيمة. وقد أثرت عن الهنود دراسات، في فروع علم اللغة المختلفة تتناول الأصوات والاشتقاق والنحو والمعاجم، كما تتناول كثيرًا من مشكلات فقه اللغة، ويرجع أقدم هذه الدراسات إلى فترة مجهولة لنا، أما أقدم ما وصلنا منها فيرجع إلى حوالي القرن الخامس قبل الميلاد.
ويحتاج عرض الدراسات اللغوية عند الهنود إلى حيز كبير لا يسمح به المقام، ولذا سنكتفي بإشارات سريعة، تاركين التفصيلات إلى بحث آخر.
أما الدراسة الصوتية عندهم فكانت متنوعة وشاملة لمعظم جوانب هذا العلم. فدرسوا الصوت المفرد وقسموه إلى علل وأنصاف علل وسواكن وقسموا العلل إلى بسيطة ومركبة، كما قسموا السواكن بحسب مخارجها. وتوصل الهنود إلى أثر القفل في إنتاج الأصوات الانفجارية، والفتح في إنتاج أصوات العلة والتضييق في إنتاج الأصوات الاحتكاكية. وتحدث الهنود عن كيفية تسرب الهواء من التجويف الحنجري، وذكروا أنه إذا فتح ما بين الوترين الصوتيين ينتج النفس وإذا ضيق ما بينهما ينتج الصوت، وصرحوا بأن النَّفَس يحدث في حالة الأصوات الساكنة المهموسة، والصوت في حالة السواكن المجهورة أو العلل.
ولم يكتف الهنود بالحديث عن الصوت المفرد فتحدثوا عن المقطع، وكان حديثهم مفصلًا بشكل مثير للدهشة. كذلك وضع الهنود قواعد دقيقة للنبر في لغتهم القديمة، واعتبروه من خصائص العلل لا السواكن، وقسموه إلى درجات ثلاث .
ويمثل بانيني فترة النضج في الدراسات النحوية عند الهنود، ولذا نال كتابه المسمى "الأقسام الثمانية" شهرة غطت على أي مؤلف آخر سبقه أو لحقه. وقد كتب بانيني تأليفه في شكل قواعد مختصرة، وبذل فيه جهدًا ضخمًا للتوفيق بين الآراء والاتجاهات المتعارضة التي كانت موجودة حينئذ.
وأهم ما يميز النحو الهندي:
1- أنه بدأ بجمع المادة اللغوية وتصنيفها، ثم انتقل إلى استخلاص الحقائق منها. فنقطة البداية في النحو الهندي مختلفة عنها في اليوناني، الذي بدأ من الفلسفة وحاول أن يطبق القواعد الفلسفية على حقائق اللغة.
2- أنه سبق النحو اليوناني في تحديد أقسام الكلام "اسم - فعل - حروف إضافة - أدوات".
3- أنه حلل هذه الأقسام إلى عواملها الأولية فميز بين الجذر أو الأصل، وبين الزيادة أو الحروف التشكيلية.
4 عرف النحو الهندي الأعداد الثلاثة: المفرد والمثنى والجمع منذ عصر مبكر.
5- قسم النحو الهندي الفعل السنسكريتي إلى ثلاثة أقسام بحسب الزمن وهي: ماض وحاضر ومستقبل.
وأما الأعمال المعجمية عند الهنود فقد بدأت في شكل قوائم تضم الألفاظ الصعبة الموجودة في نصوصهم المقدسة، ثم تطور هذا النظام فألحق بكل لفظ في القائمة شرحًا لمعناه، ويمكن أن يعتبر هذا العمل من نوع "معاجم الموضوعات" أو "معاجم المعاني" وبعد ذلك ظهرت كتب لا تقصر نفسها على ألفاظ النصوص المقدسة، وأقدم ما وصلنا من هذه الكتب معجم ظهر في القرن السادس الميلادي، أو قبله، لمؤلف بوذي اسمه أمارا سنها Amara Sinha وقد ضم هذا المعجم "واسمه Amara Kosa" جزءا ضم كلمات المترادفات، وجزءا في كلمات المشترك اللفظي، وجزءا عن الكلمات غير المتصرفة والكلمات المذكرة أو المؤنثة أو المحايدة: ويعيب هذا الكتاب وأمثاله أنه كتب في شكل منظوم ليسهل حفظه وأنه لم يتبع أي ترتيب ييسر اللجوء إليه والعثور على المراد بسرعة، فيما عدا المشترك اللفظي الذي رتب بحسب الحروف الساكنة في أواخر كلماته. ولا نجد عملًا آخر
يستحق الإشارة إليه بعد ذلك سوى معجم كتب في القرن الحادي عشر الميلادي، وهو معجم ضخم رتبت الكلمات فيه أولًا بحسب عدد مقاطعها ثم بحسب الجنس "مذكر ومؤنث" ثم بحسب الحرف الأول.
اليونانيون:
أول عمل لغوي في اليونان -وقد تم بالطبع قبل وصول أي تسجيلات- كان تطوير نظام هجائي للكتابة في أوائل الألف قبل الميلاد. وفي هذا النظام الهجائي مثل اليونانيون كل الأصوات سواء السواكن منها والعلل، وفيما بعد مثلوا كذلك النبر برموز خاصة به.
أما التفكير اللغوي فقد بدأ مرتبطًا بالفلسفة Philosophia وهي علم كان يغطي مجالًا أوسع عند اليونانيين القدماء من المصطلح philosophy اليوم. ولذلك فإن أسماء اللغويين اليونانيين الأولين هي أسماء فلاسفتهم الأولين. وربما كان أقدم ما وصلنا من أبحاث اليونانيين يرجع إلى حوالي القرن السادس قبل الميلاد على أيدي السوفسطائيين. وبعد ذلك نجد سقراط يدلي برأيه في بعض مشكلات اللغة ويليه أفلاطون "428ق م إلى 348 ق م" وأرسطو "384 ق م إلى 322 ق م".
وربما كان من أهم المشاكل التي لفتت أنظار اليونانيين موضوع اللغة نفسها وهل هي أمر طبيعي أو عرفي ناتج عن اتفاق البشر. وقد خصص أفلاطون جزءًا من محاوراته لمعالجة هذه القضية وعرض وجهتي النظر المختلفتين. كما عالج أصل الكلمات أو موضوع العلاقة بين الاسم والمسمى. وتطور النقاش بعد ذلك ليصل إلى أيدي القياسيين Analogists والشذوذيين Anomalists، فقال الأولون: إن اللغة فطرية وقياسية ومنطقية، وقال الآخرون: إن عدم

اطراد اللغة خير دليل على بطلان الرأي الأولي. وعلى الرغم من أن أفلاطون لم يسبق آراءه اللغوية بشكل مترابط، ولم يجمعها في مكان واحد- فقد عده الباحثون رائد الدراسات النحوية اليونانية "وأول فاحص للمشكلات النحوية. ويعد أفلاطون أول من فرق بين الاسم والفعل كما أنه أعطانا تقسيمًا ثلاثيًّا للأصوات يمكن أن يكون: أصوات العلة -الأصوات الساكنة المجهورة- الأصوات الساكنة المهموسة. وأقر أرسطو تقسيم أفلاطون للكلمة إلى اسم وفعل وزاد عليها قسمًا ثالثًا سماه رابطه. وذلك أنه شعر أن الأفعال والأسماء تؤدي معاني مستقلة في حين أن سائر الكلمات ليس لها إلا الوظيفة النحوية فقط.
وبعد ذلك انتقلت الدراسات اللغوية إلى أيدي الرواقيين Stoics الذين فصلوها عن الفلسفة واعتبرت حينئذ فرعًا مستقلًّا تحت الحقل الواسع المسمى Philosophia. وقد تأسست مدرسة الرواقيين على يد Zeno "حوالي 300 ق م". وأعطى هؤلاء شخصية مستقلة لكل من الأصوات والنحو والاشتقاق، وإن كان معظم اهتمامهم منصبًّا على النحو وحده، حتى اعتبر بعضهم بدء النحو بمعناه الحديث على أيدي هؤلاء الرواقيين5.
وعلى أيدي الرواقيين زيد قسم رابع ثم خامس إلى أقسام الكلمة الثلاثة عند أرسطو، كما قدمت شروحًا مستفيضة لآراء أرسطو اللغوية. كذلك يبدو أن الرواقيين كانوا أول من درسوا العدد والمطابقة بين الاسم
والفعل، وحالات الاسم الإعرابية، وحالات الفعل من حيث الصيغة والزمن.
وبعد الرواقيين تحول مركز الدراسات النحوية إلى الإسكندرية وظهرت مدرسة نحوية كاملة في الاسكندرية خلال القرن الأول قبل الميلاد كما سنعرض فيما بعد. أما في المجال فقد أنتجوا عددًا ضخمًا من المعاجم. وتقول دائرة المعارف البريطانية: إن Athenaeus قد اقتبس نصوصًا من 35 عملًا معجميًّا فقدت جميعها. ولكن كثيرًا من هذه المعاجم تم إنتاجه في الاسكندرية ولذا نترك الحديث عنها الآن إلى مكان آخر.
ويعتبر العلماء القرون الأولى بعد الميلاد هي العصر الذهبي للمعاجم اليونانية وبخاصة في مدينة الإسكندرية كما سنتحدث فيما بعد، ولكن اشتهر من بين المعاجم اليونانية معجم أبو قراط Hippocrate الذي ألفه Glaucus عام 180 ق م وهو معجم ألفبائي.
نشأة الدراسات اللغوية عند العرب
لم يؤثر عن العرب أي نوع من الدراسات اللغوية قبل الإسلام، ولهذا فهم متأخرون زمنيًّا عن كثير من الأمم التي سبق أن تحدثنا عن جهودها، والتي عرف لبعضها دراسات لغوية راسخة قبل الإسلام بقرون.
ولم يكن البحث اللغوي عند العرب من الدراسات المبكرة التي خفوا لها سرعًا، لأنهم وجهوا اهتمامهم أولًا إلى العلوم الشرعية والإسلامية وحين فرغوا منها أو كادوا اتجهوا إلى العلوم الأخرى.
يقول السيوطي في كتابه تاريخ الخلفاء معبرًا عن الفكرة: إنه منذ منتصف القرن الثاني الهجري بدأ علماء المسلمين يسجلون الحديث النبوي، ويؤلفون في الفقه الإسلامي والتفسير القرآني. وبعد أن تم تدوين هذه العلوم اتجه العلماء وجهة أخرى نحو تسجيل العلوم غير الشرعية ومن بينها اللغة والنحو. ويقول الأستاذ أحمد أمين: "أكثر اللغة كتبت في العصر العباسي الأول لا قبله". وحتى ما وجد في القرن الأول من تأملات نحوية أو محاولات لدراسة بعض المشاكل اللغوية كان الحافز إليه إسلاميًّا، ولم يقصد بذاته وإنما لاعتباره خادمًا للنص القرآني. ومن ذلك محاولة ابن عباس جمع الكلمات الغريبة في القرآن وشرحها من صحت نسبة "غريب القرآن" إليه. وكذلك محاولة أبي الأسود الدؤلي لضبط المصحف بالشكل حين استحضر كاتبًا وأمره أن يتناول المصحف. وأن يأخذ صنعًا يخالف لون المداد فيضع نقطة فوق الحرف إذا رآه يفتح شفتيه، وتحت الحرف إذا رآه قد خفض شفتيه، وبين يدي الحرف إذا رآه يضم شفتيه. أما إذا أتبع الحرف الأخير غنة فينقط نقطتين فوق بعضهما. أما الحرف الساكن فقد تركه
المنهج العلمي (Scientific method)
المنهج العلمي عبارة عن مجموعة من التقنيات والطرق المصممة لفحص الظواهر والمعارف المكتشفة حديثا ، أو لتصحيح وتكميل معلومات أو نظريات قديمة. تستند هذه الطرق أساسا على الاستقراء والتجريب. ومع أن طبيعة وطرق المنهج العلمي تختلف حسب العلم المعني، فإن هناك صفات تميز البحث عن غيره من أساليب البحث.
وقد أنجز علم اللغة الحديث تقنين مجموعة من المناهج لدراسة اللغة، وكل منهج من هذه المناهج يسد حاجة يتطلبها الواقع اللغوي؛ فبعضها يكشف عن أسرار النظام اللغوي للغة موضوع الدرس، وبعضها يرصد حركة التغير اللغوي عبر الزمن، والبعض الآخر ينهض بهدف التأصيل اللغوي وتصنيف اللغات إلى أسرات لغوية، وبعضها يأتي لتحقيق غايات تربوية في مجال تعليم اللغات المقصود .

المنهج المقارن: هو دراسة الظواهر الصوتية والصرفية والتركيبية والمعجمية في اللغات التي تنتمي إلى أسرة لغوية واحدة ، وبيان العلاقات التاريخية بين اللغات التي تكون بينها علاقة قرابة أو تعود إلى أسرة لغوية واحدة .
كان اكتشاف السنسكريتية ( لغة الهند القديمة ) سنة1786 م من طرف وليام جونز السبب الأساس لظهور هذا الفرع من علوم اللغة عند الأوربيين ، حيث وجه الأنظار إلى الدراسة المقارنة على أسس علمية والتي كانت نقطة تحول في الدراسة اللغوية في أوربا .
من المشهور بين الباحثين أن الدراسة اللغوية المقارنة لم توجد إلا في العصر الحديث ، وبعد اكتشاف اللغة السنسكريتية . يقول محمد الأنطاكي : " لم يفطن أحد إلى وجود القرابة بين كل هذه الألسن، ولم يظهر المنهج المقارن إلا بعد العثور على اللسان السنسكريتي". .
وهذه المقولة برغم شيوعها ليست صحيحة، على الأقل بالنسبة للدراسات العربية. فقد وجدت منذ القرن العاشر الميلادي "الرابع الهجري" دراسات مقارنة قام بها لغويون متخصصون، ومعظمها تم في المغرب والأندلس على يد لغويين مسلمين ويهود سجلوها باللغة العربية، نذكر منهم :
يهوذا بن قريش التاهريتي ( القرن العاشر الميلادي أي الرابع الهجري) الذي له كتاب يقارن به بين العربية والعبرية يذهب فيه إلى وحدة الأصل بينهما .
وابن حزم الأندلسي ( 456هـ ) يقول في كتابه "الإحكام في أصول الأحكام " : ( الذي وقفنا عليه وعلمناه يقينا أن السريانية والعبرانية والعربية ...لغة واحدة تبدلت مساكن أهلها ، فحدث فيها جرش كالذي يحدث من الأندلسي إذا رام نغمة أهل القيروان ،ومن القيرواني إذا رام نغمة الأندلسي ... وهكذا في كثير من البلاد فإنه بمجاورة أهل البلدة بأمة أخرى تتبدل لغتها تبدلا لا يخفى على من تأمله... فمن تدبر العربية والعبرانية والسريانية أيقن أن اختلافها إنما هو من نحو ما ذكرنا من تبديل ألفاظ الناس على طول الأزمان واختلاف البلدان ، ومجاورة الأمم وأنها لغة واحدة في الأصل" .
وإسحاق بن بارون ( القرن الحادي عشر الميلادي ) في كتابه :" كتاب الموازنة بين اللغة العبرية والعربية " الذي عقد فيه مقارنة بين اللغتين على المستوى النحوي فتوصل مثلا إلى أن التثنية والجمع يَتِمَّان في العربية بإضافة النون بينما العبرية تضيف الميم . وعلى المستوى المعجمي حيث جمع كل الجذور التي يتشابه نطقها ومعناها في كلتا اللغتين .
قام المنهج المقارن بتصنيف اللغات إلى أسر أو مجموعات ، أهمها :
اللغات الهند أوربية : تضم عددا كبيرا من اللغات المنتشرة في منطقة شاسعة من الهند وإيران إلى أوربا .
اللغات السامية : تشمل العربية والعبرية والآرامية والأكادية والحبشية .
وإلى جانب هاتين الأسرتين الكبيرتين هناك أسر لغوية كثيرة أخرى .
وقد قسمت اللغات هذه التقسيمات بناء على مقارنات بينها أثبتت أن هناك أوجه شبه بينها على المستوى الصوتي والصرفي والنحوي والمعجمي ، مما يعني أن اللغات المنتمية إلى الأسرة نفسها قد انحدرت من أصل واحد مشترك تفرعت عنه لغات الأسرة كلها .
أما عن أهداف علم اللغة المقارن في أوربا فيمكن إجمالها في ما يلي :
الرؤية التاريخية : بغرض التوصل إلى اللغة الأقدم تاريخيا واللغة الأحدث .
البحث عن القوانين التي تفسر الظواهر اللغوية : مثل ما نجد في قانون Jacob Grimm الذي أجرى العديد من البحوث التطبيقية الصوتية , قارن فيها بين بعض اللغات , ومن بين ما توصل إليه أن هناك تبادلا بين اللغات فيما يتعلق بحرفي f وp ( مثلا الكلمة اللاتينية patsr ( أب ) تحول فيها حرف p إلى f في الإنجليزية (father ) بينما ظل كما هو في الفرنسية ( père ).
محاولة التصنيف والتبويب للغات : مثلما يفعل علماء النبات للنباتات المتنوعة .
يحاول بعض الباحثين المتخصصين في علم اللغة المقارن صياغة استنتاجات صحيحة عالميًا حول بنية اللغة والتغير اللغوي . ويشكل البحث في تصنيف اللغات على أساس نوعها مجالاً للدراسة قائمًا بذاته .
ويسعى الباحثون المتخصصون في علم اللغة المقارن للتمكُّن من تبيان كيف نشأت اللغة في المقام الأول ، ووصف الظروف التي أدت إلى نشوئها . لكن السجلات المكتوبة تعتبر حديثة نسبيًا ؛ لأن الناس استخدموا أنظمة لكتابة الكلمات منذ حوالي 5000 سنة فقط ، بينما نجد أنهم استخدموا اللغات المنطوقة منذ فترة أطول . وبقدر ما يستطيع علماء اللغة تبيانه ، فإن لجميع ثقافات هذا العصر لغات متساوية في التعقيد . ولكل هذه الأسباب فإننا لا نعرف أي شيء تقريبًا حول أصل اللغة
طُرُق دراسة اللغة في علم اللغة المقارن
يستخدم الباحثون المتخصصون في علم اللغة المقارن طريقتين رئيسيتين في دراستهم للغة , هما : إعادة التركيب اللغوي الداخلي ، وإعادة التركيب اللغوي المقارن.
إعادة التركيب اللغوي الداخلي تنطوي على استخدام مرحلة من مراحل نشوء لغة ما لتوضيح خصائص مرحلة سابقة لها ، أو مضاهاة كلمة أو صيغة في لغة ما بنظيراتها في اللغة ذاتها , أي بالبنيات الداخلية , ففي العربية ـ على سبيل المثال ـ نجد أن نمط الأفعال المعتلِّ أَوَّلُها ( المثال ) هو: وَسَمَ ـ يَسِمُ ـ سِمْ ـ وَعَدَ ـ يَعِدُ ـ عِدْ ؛ لذا يمكن افتراضًا أن نقيس على ما تقدم فنقول : وَصَفَ ـ يَصِفُ ـ صِفْ .
إعادة التركيب اللغوي المقارن : طريقة يستخدم فيها عالم اللغة عدة لغات متشابهة لإعادة تركيب لغة افتراضية تدعى اللغة البُدائية , ويفترض عالم اللغة أن اللغة البُدائية هي الأصل المشترك للغات التي جرت إعادة تركيب تلك اللغة منها.
فربما يقارن عالم اللغة بعض الكلمات ، كالضمائر في اللغة العربية الجنوبية ، ومنها ضمائر التثنية في اللغتين السبئية والمعينية باللغة العربية الشمالية (الفصحى) . أو يقارن بعض الضمائر الفينيقية كضمير المخاطبات والغائبات بنظائرها في اللغات السامية الشمالية الغربية الأخرى كالآرامية والعبرية .
يمكن لعالم اللغة أن يفترض أن لغتين كالإغريقية (اليونانية) واللاتينية ـ على سبيل المثال ـ تحتويان على الأصوات الصامتة للغة البدائية , كما يستخلص أيضًا أن اللغة الإنجليزية قد خضعت لتحول صوتي استبدلت فيه بعض الأصوات الصامتة بأخرى بصورة منتظمة . ويعتبر هذا التحول الصوتي إحدى الخصائص التي تتسم بها اللغات الجرمانية ومنها الإنجليزية والألمانية والهولندية.
الفرق بين علم اللغة المقارن وعلم اللغة التاريخي وعلم اللغة التقابلي
علم اللغة المقارن يدرس اللغة في جميع جوانبها : الصوتية ، والصرفية ، والنحوية والدلالية ، وغايته من هذه الدراسة بناء الشكل الأصلي للغة الأم من خلال مقارنة اللغات التي تضمها أسرة لغوية واحدة " . ويعنى باللغات الحية والميتة ؛ " لتأصيل الظواهر اللغوية أو الحضارية ويعدها وثيقة تاريخية ضرورية" . .
ويؤصل علم اللغة المقارن الظواهر اللغوية العربية استنادًا لمعطيات الدرس اللغوي المقارن كظاهرة تطابق الفعل والفاعل ، فقد تبين من خلال علم اللغة المقارن أنَّ اللغات السامية تلحق علامة عددية للفعل إذا كان مثنى أو مجموعًا .
والكتب القديمة مليئة بالحديث عن هذه اللغات ..


نسأل الله التوفيق للجميع