المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : يوم تبلى السرائر‏


عبيرم31
2014-04-26, 08:24 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال تعالى‏( يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ )سورة الطارق،
آية عظيمة من كتاب الله عز وجل،يذكِّر الله سبحانه عباده فيها بشأن القلوب وأعمالها وسرائرها مما لا يعلمه الناس وهو بها عالم،
كما ينبه الله عز وجل من خلال هذه الآية إلى أن هذه السرائر ستبلى وتُختبر يوم القيامة، ويظهر ما فيها من الإخلاص والمحبة والصدق أو ما يضادها من النفاق والكذب والرياء؛ وذلك في يوم القيامة يوم الجزاء والحساب، يقول الله عز وجل( إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِر،يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ،فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلاَ نَاصِرٍ) الطارق،
والقلب هو محط نظر الله عز وجل وعليه يدور القبول والرد كما قال صلى الله عليه وسلم( إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم )
والسريرة إذا صلحت صلح شأن العبد كله وصلحت أعماله الظاهرة ولو كانت قليلة،
والعكس من ذلك عندما تفسد السريرة فإنه يفسد بفسادها أقوال العبد وأعماله وتكون أقرب إلى النفاق والرياء عياذاً بالله،
كذلك الدين لا يزال صالحاً ما كان له سريرة صالحة يصدق الله بها علانيته،فإن العلانية تنفع مع السريرة الصالحة،فتبدو سريرته على وجهه نوراً وإشراقاً وحياء،
ومن كانت سريرته فاسدة كان عمله تابعاً لسريرته،لا اعتبار بصورته، فتبدو سريرته على وجهه سواداً وظلمة،
ومن تفسير ابن كثير،أي يوم القيامة تبلى فيه السرائر أي،تظهر وتبدو، ويبقى السر علانية والمكنون مشهوراً،
أي يظهر فضائحهم وما كانت تجنه ضمائرهم فيجعله علانية،
وهناك آيات تحمل نفس المعنى،مثل قوله تعالى‏(‏هنالك تبلوا كل نفس ما أسلفت‏)أي ،في موقف الحساب يوم القيامة تختبر كل نفس وتعلم ما سلف من عملها من خير وشر،وقال تعالى‏(‏ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر‏)وقال تعالى‏(‏ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا،اقرأ كتابك‏)أي ورجعت الأمور كلها إلى اللّه الحكم العدل، ففصلها وأدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار،
‏ قال مجاهد في تفسير قوله تعالى(وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون )
قال،هذا وعيد من اللّه تعالى للمخالفين أوامره، بأن أعمالهم ستعرض عليه تبارك وتعالى، وعلى الرسول عليه الصلاة والسلام وعلى المؤمنين، وهذا كائن لا محالة يوم القيامة، كما قال‏(‏يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية‏)أي،تظهر المستترات والمكنونات والضمائر،
‏قال ابن عثيمين رحمه الله(يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ‏) فالذي قدر على أن يخلق الإنسان من هذا الماء الدافق المهين، قادر على أن يعيده يوم القيامة، وهذا من باب الاستدلال بالمحسوس على المنظور المترقب، وهو قياس عقلي، فإن الإنسان بعقله يقول إذا كان الله قادرًا على أن يخلق الإنسان من هذا الماء المهين ويحييه قادر على أن يعيده مرة ثانية(وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ‏)‏ ‏‏الروم‏،وتختبر سرائر الصدور، ويظهر ما كان في القلوب من خير وشر على صفحات الوجوه قال تعالى‏(‏يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ‏)ففي الدنيا، تنكتم كثير من الأمور، ولا تظهر عيانًا للناس، وأما في يوم القيامة، فيظهر بر الأبرار، وفجور الفجار، وتصير الأمور علانية‏،
ولذلك ذكر الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أمثلة على نوايا القلوب وأعمالها التي تعتبر من السرائر(وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ‏}‏ أي ما في القلوب من النيات، وأعمال القلب كالتوكل، والرغبة، والرهبة، والخوف، والرجاء وما أشبه ذلك‏،
أمثلة على السرائر الخفية ،
ومنها الرياء،لأنه لا يبين، إذ لا يعلم ما في القلوب إلا الله، ويسمي أيضًا ‏شرك السرائر‏،لأن الحساب يوم القيامة على السرائر،قال تعالى‏(‏أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور‏)‏ العاديات‏،
وفي الحديث الصحيح،فيمن كان يأمر بالمعروف ولا يفعله وينهي عن المنكر ويفعله‏،أنه ‏(‏يلقي في النار حتى تندلق أقتاب بطنه، فيدور عليها كما يدور الحمار برحاه، فيجتمع عليه أهل النار، فيسألونه، فيخبرهم أنه كان يأمر بالمعروف ولا يفعله، وينهي عن المنكر ويفعله‏)‏ ‏للذي يراه رجل،وهذه هي العلة لتحسين الصلاة، فقد زين صلاته ليراه هذا الرجل فيمدحه بلسانه أو يعظمه بقلبه، وهذا شرك‏،
قوله تعالى‏(هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَّا أَسْلَفَتْ‏)
صرح في هذه الآية الكريمة، بأن كل نفس يوم القيامة تبلو، أي تخبر وتعلم ما أسلفت، أي قدمت من خير وشر،وبين هذا المعنى كقوله‏(‏وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا‏)‏وقوله‏(وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا‏)
قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه،القوة في العمل أن لا تؤخر عمل اليوم لغد ،
والأمانة ألا تخالف سريرةٌ علانيةً ،
واتقوا الله عز وجل،فإنما التقوى بالتوقي،ومن يتق الله يقه.

غفر الله لنا ولكم وجعلنا الله وإياكم من الذين يُحبهم الله ويرضى عنهم إلى ان يلقونه
اللهم آمين.